جبهة مشتركة بين المعارضة والنظام يمكنها وقف «داعش» في حلب ونقل المعركة للرقة… والأسد لا الجهاديون هم المشكلة وتجاهل أوباما سيؤدي لتداعيات سيئة على المنطقة

حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: كتب الصحافي البريطاني جوناثان ستيل من العاصمة السورية دمشق قائلا، إن المدينة تنقسم لقسمين متباينين، الأول تبدو الحياة فيه عادية ولم تصل إليه الحرب رغم استمرار المقاتلين قصفه بقنابل الهاون والصواريخ بشكل منتظم. أما القسم الثاني، فهي الضواحي والتي تحولت إلى كتل من الركام والأنقاض، وسويت بناياتها بالتراب بسبب القصف الجوي المستمر.
ولا يحتاج الزائر لدمشق «العادية» اكتشاف الحس فيها من خلال مشاهدة الناس يجلسون على مقاعد المتنزهات العامة أو سيارات البلدية وهي تنظف الشوارع من الأوساخ. لكن كل هذا «مظهر» يخفي وراءه حقيقة «الحرب التي تأثر بها الجميع» كما يقول ستيل في مقالته لصحيفة « الغارديان».
وبسبب الحرب تضاعف سكان وسط العاصفة أضعافا، فقد هرب إليها من فقدوا بيوتهم في الأحياء بحثا عن الملاجىء.
ويضيف أن شوارع العاصمة اختفى منها الشباب بملابسهم المدنية، فهم إما جندوا في الخدمة أو طلبوا للخدمة من جديد وإما فروا من البلاد.
ومن الناحية الإقتصادية فقدت الليرة السورية قيمتها في الـ 18 شهرا الماضية وزاد معدل التضخم في المواد الأساسية مثل غاز الطبخ والوقود. ورغم تقدم الجيش السوري في بعض المناطق المحيطة في دمشق،حيث استطاع في الأسبوع الماضي السيطرة مرة أخرى على بلدة عدرا، المنطقة الصناعية التي تحولت لملجأ جاء إليه آلاف المشردين.
إلا أنه لم ينجح بإخراج المقاتلين من حي جوبر رغم القصف المتواصل عليه. وخسر الجيش الدخانية، الحي الذي كان تابعا للحكومة حتى وقت قريب.

لن تصل الغارات

ويضيف الكاتب إن أهالي دمشق لا يخشون تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» داعش» لأن الأدلة قليلة عن اختراقهم المناطق القريبة من العاصمة.
ويقول مسؤول تابع للأمم المتحدة في العاصمة إن وعد الرئيس الأمريكي تقديم دعم مالي للجماعات المسلحة غير الإسلامية قدم نوعا من عملية «نزع الأسلمة» عن الفصائل.
وبدلا من اتخاذ أسماء إسلامية للحصول على أموال الدعم من السعودية ودول الخليج الأخرى أخذ قادتها يطلقون على فصائلهم أسماء ذات إيحاءات علمانية مثل «جيش الأمة». وفي حديث ستيل مع التجار داخل أسوار المدينة حيث توقفت الحياة التجارية بشكل فعلي تظهر حالة من اليأس العميق.
ويفضل التجار الحديث في محلاتهم الفارغة بدلا من البقاء في بيوتهم والشعور بالكآبة. ويشعر من عقدوا آمالهم قبل عام على مؤتمر جنيف2 لتحقيق السلام سلموا وتقبلوا واقعا يمكن تستمر فيه الحرب لعقود.
ويقول الكثيرون ممن دعموا التظاهرات السلمية في البداية إن قوى خارجية قد اختطفت الإنتفاضة، وكل ما يريدونه هو نهاية الثورة، فهو حلم بعيد على ما يبدو.
ولن تغير الغارات التي تشنها الولايات المتحدة ضد التنظيمات الجهادية قواعد اللعبة حسبما يرى الكثير من الدمشقيين. ويرون في استراتيجيته تشوشا وغموضا، ويشك الكثير من السوريين بالنوايا الأمريكية بسبب السجل في العراق وليبيا والموقف من إسرائيل.
ويقول ستيل إن حركة السير في وسط دمشق خفيفة هذه الأيام لخشية السكان من تحويل أمريكا طائراتها نحو النظام السوري مما سيجلب معه دمارا جديدا.

الحكومة واثقة

وفي ظل التناقض الواضح في استراتيجية أوباما، يشعر الكثير من مسؤولي النظام إنهم لن يكونوا هدفا للغارات.
وبحسب مستشارة الرئيس بثينة شعبان «نرحب بجهود الآخرين لمواجهة هؤلاء الإرهابيين المرعبين الذين نقوم بمواجهتهم منذ ثلاثة أعوام».
وعلى خلاف الموقف الحكومي العراقي الذي دعى الولايات المتحدة وحلفاءها للتدخل، أكد النظام السوري أن أي عملية داخل الأراضي السورية بدون تنسيق معه سيكون بمثابة إعلان حرب وعدوان.
وترى المعارضة أن الأسد هو المستفيد الأكبر من الغارات ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وأكثر من هذا فجدار العزلة الذي بنته الولايات المتحدة وحلفاءها حول نظامه قد انهار. وقالت شعبان «لقد أبلغونا عن الغارات، وهذا هو نوع من التعاون»، فيما ذهب مسؤولون سوريون أبعد من هذا وأخبروا ستيل قائلين إن الولايات المتحدة أوصلت إليهم معلومات عبر طرف ثالث عن مكان ووقت الغارة.
وقدمت الولايات المتحدة للسوريين أنها لن توجه ضربات ضد القوات السورية المسلحة أو أية مؤسسة تابعة لها أو تستهدف المدنيين. وأشار ستيل إلى دراسة مسؤولي النظام السوري لفقرة غامضة ومثيرة في خطاب الرئيس أوباما في العاشر من أيلول/سبتمبر ولم تحظ كما يقول بانتباه من الإعلام الغربي أو العربي.
وفي هذه الفقرة وبعد دعوة الرئيس الأمريكي القادة السياسيين في المنطقة لرفض العنف الطائفي قال «يجب أن ترفق هذه الخطوات بهدنة، ولا يوجد مكان بحاجة إليها مثل سوريا». وأضاف الكاتب «هل كان أوباما يرسل رسائل عن وقف إطلاق النار وإنهاء هذه الحرب الأهلية الطويلة؟ وقد حان الوقت لتنفيذها، خاصة أن ظهور داعش خلق فرصة لتحقيق نتيجة إيجابية، جبهة مشتركة بين الجيش السوري والقوى غير الجهادية لمواجهة داعش».
وأشار الكاتب إلى أن الجيش السوري تعرض لهزيمة قوية على يد «داعش» عندما سقطت قاعدة الطبقة العسكرية قرب الرقة بيد مقاتليه، ومع ذلك يظل الجيش السوري المؤسسة القتالية العسكرية الوحيدة «بساطير على الأرض» في سوريا وقادرة على مواجهة المتطرفين الإسلاميين.
وكي يتقبل أوباما جبهة كهذه فعليه تغيير موقفه 180 درجة ولا يمكن تحقيقها من الناحية السياسية، رغم توقف الغرب عن المطالبة برحيل الأسد، ويصفه عوضا عن ذلك بأنه «فقد الشرعية» والشرعية يمكن دائما استعادتها. وبالمقابل فمن غير المحتمل تخلي الأسد عن موقفه من معارضيه الذين يصفهم بالإرهابيين.

جبهة مشتركة

وفي حالة إعلان هدنة فليست هناك حاجة لإعلانات واعترافات، وأحسن مكان يمكن البدء به هو مدينة حلب.
فلا يزال النظام وقوات المعارضة يواجهون بعضهم البعض في هذه المدينة المهمة والتي كانت تعتبر العاصمة التجارية للبلاد. وستكون حلب هي الهدف المقبل ل «داعش» حالة انتهى من حملته في المناطق الكردية خاصة مدينة عين العرب/كوباني.
ولهذا يقترح ستيل تعاونا غير واضح للعيان بين النظام والمعارضة مثل التعاون السوري- الأمريكي لمواجهة خطر «داعش».
فتحقيق اتفاق بينهما يقضي بتوقف كل طرف عن محاولات السيطرة على المناطق سيسمح للنظام والمعارضة الفرصة لتعزيز دفاعاتهما أمام «داعش».
وقد يؤدي هذا لوقف تقدم التنظيم ونقل المعركة من حلب إلى الرقة التي تعتبر معقل «داعش» ومركز «الخلافة».
وستؤدي الجبهة المشتركة لمنفعة السكان المدنيين في هذه المدينة المحاصرة حالة شمل الإتفاق السماح بمرور المساعدات الإنسانية.
وفي الوقت الذي تم فيه التوصل لاتفاقات هدنة محلية في مدينة حمص وثلاث بلدات أخرى إلا أن النقاد وصفوها بالإستسلام كان الغرض منه رفع حصار الحكومة عن هذه المدن.
ويختم ستيل بالقول إن التسوية السياسية في سوريا لا تعتمد على مؤتمر مثل جنيف يقدم توصياته «القمة للقاع» بل يجب أن يبدأ من الأسفل للأعلى، أي بناء أسس وتحالفات محلية وجبهة مشتركة ضد «داعش» تؤدي لعملية بناء ثقة تدريجية بين فئات المجتمع السوري مما سيقود في النهاية لتشكيل حكومة واسعة وممثلة لا يزال الكثيرون يحلمون بها.

أسأنا التقدير

وتعبر قراءة ستيل عن موقف يرى في العدو الذي يهدد سوريا اليوم هو «داعش» والجهاديون، وتعاون النظام والمعارضة مصلحة للطرفين. ويرتبط هذا الحديث باعتراف الرئيس الأمريكي مع شبكة « سي بي سي» أن الولايات المتحدة أساءت تقدير الجهاديين ووصف القتال ضد التطرف العنيف بأنه معركة أجيال وعلى دول المنطقة حلها عبر الوسائل السياسية والإقتصادية.
وصور أوباما عملية تدمير «البنية التحتية» ل «داعش» بأنها محاولة لشراء الوقت كي تقوم الدول في الشرق الأوسط خاصة العراق بتخفيف التوتر الطائفي وبناء حكومات موسعة. وتحدث عن أهمية الشراكة التي بناها مع الدول العربية. ورفض أوباما الحديث عن نهاية اللعبة مؤكدا أن العملية العسكرية قد بدأت «دعونا نرى كيف سيقومون بتنفيذها» أي الجيش الأمريكي. ورغم حديث أوباما عن الحرب الطويلة والغارات يرى الكثير من المعلقين أن الحرب الجوية ليست فاعلة طالما لم يتم التوصل إلى بناء قوة على الارض قادرة على مواجهة «داعش». ويرى قائد القوات البريطانية السابق لورد جنرال ديفيد ريتشاردز في تصريحات لصحيفة «التايمز» البريطانية بدون قوة عسكرية مكونة من 100.000 جندي فالحرب «ستستمر للأبد».
وقال إن هذه القوات تحتاج لمستشارين بريطانيين وأمريكيين. وقال إن مقاتلي «داعش» تعلموا كيف «يخفون أنفسهم من الهجمات».
وأضاف «حتى بوجود الرادارات الحديثة فلا يمكن للطائرات ملاحقة «داعش» في كل مكان وفوق كل موقع محتمل له، وعادت الطائرات البريطانية إلى قواعدها بعد فشلها في العثور على هدف مهم يستحق القصف. وكانت طائرات التورنيدو البريطانية قد قامت بثلاث طلعات جوية فوق العراق ثم عادت لقبرص في الوقت الذي شنت فيه طائرات عربية وأمريكية سبع غارات على مواقع ل «داعش» داخل الأراضي السورية. وقال الجنرال ريتشاردز إنه لو كان في منصبه لنصح الحكومة بشن هجمات ضد الجهاديين في العراق وسوريا.

الأسد مشكلة

وبالنسبة للمعلق والمحرر بصيحفة «واشنطن بوست» جاكسون ديل فالأسد هو المشكلة والثغرة الكبرى في استراتيجية أوباما و موقفه من النظام السوري، فلا يمكن لأوباما الإستمرار بتجاهله. وأشار في مقاله للحرب المفتوحة التي شنها الرئيس أوباما الشهر الماضي في منطقة الشرق الأوسط، حيث قام الرئيس ببناء تحالف مهم وتخلى عن سياسة الإبتعاد عن المنطقة، لكن أوباما رفض شمل لاعب مسؤول أكثر من أي طرف آخر عن تدمير «عقيدة أوباما الخارجية» وخلق أزمة أمنية جرت الولايات المتحدة وقواتها للعراق وسوريا مرة أخرى. ولا يعني الكاتب هنا «القاعدة»،» خراسان»،» تنظيم الدولة الإسلامية»، أو أي من التنظيمات الطائفية في العراق، بل نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
ويقول ديل إن صعود «داعش» وإنجازاته في العراق وسوريا كان نتاجا لتعامل الأسد الوحشي مع المعارضة السورية.
وأشار في هذا الإطار لتصريحات السفير الأمريكي السابق في دمشق، روبرت فورد والذي كرر قائلا إن خروج مناطق واسعة عن سيطرة الحكومة في الشرق والشمال، مترافقا مع رفض الرئيس أوباما تقديم السلاح للمعارضة المعتدلة، أدى لفتح ثغرة دخلت منها بقايا تنظيم «القاعدة» والتي أعلنت عن ولادة «داعش».
ولقي التنظيم مساعدة من الأسد الذي التزم بهدنة غير مكتوبة معه في الوقت الذي واصلت فيه طائراته ضرب المدنيين في حلب ودمشق بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية.
ويقول ديل إن تراجع أوباما عن تنفيذ وعيده وضرب الأسد العام الماضي فإنه تخلى عمليا عن تنفيذ إعلانه في آب/أغسطس 2011 والذي دعى فيه لتنحي الأسد عن السلطة. فيما فشل جون كيري الذي تولى منصب وزير الخارجية في عام 2013 بوعد «لتغيير حسابات» الأسد، ومن خلال مؤتمر جنيف2 الذي انهار الشتاء الماضي.
ويعترف أوباما اليوم أن انهاء «سرطان» داعش يعتمد في النهاية على عملية تحول سياسية تشاركية في سوريا، ولكنه لم يقدم أي شيء عن كيفية تحقيقها، فيما قال قادة الحرب للكونغرس أن لا خطط لديهم لتوسيع الحرب كي تشمل الأسد.
ويرى الكاتب أن أوباما لديه أسبابه المنطقية لعدم فتح جبهة ضد الأسد، فقد أثبت الأخير أنه قادر على تحمل الضغوط الدبلوماسية فيما تحتاج العملية العسكرية لتصعيد الغارات الجوية. وستجد الولايات المتحدة نفسها في تضاد ليس مع روسيا وإيران بل والحكومة العراقية التي لا تزال تدعم الأسد.
والمشكلة كما يقول إن تجاهل الأسد سيقود إلى نتائج سيئة. فالحكومة السورية والمتحدثين باسمها يحاولون تصوير الغارات وتجييرها لصالحهم ويتحدثون عن الولايات المتحدة كحليف فعلي للنظام، في الوقت الذي تخرج فيه المظاهرات احتجاجا على الغارات في مناطق المعارضة.
وزاد النظام من هجماته ضد الفصائل غير المتطرفة، وعليه ففشل الولايات المتحدة بالرد على الهجمات لن يؤثر على الجماعات الموالية لواشنطن في سوريا بل وعلى العلاقة مع الدول السنية التي انضمت للحملة ضد الدولة الإسلامية.
ويضيف الكاتب إن أوباما يملك الكثير من الخيارات مشيرا إلى ما اقترحه المستشار السابق للخارجية فردريك هوف والذي دعى الحكومة الأمريكية إعلام نظام الأسد باستهداف أي نظام دفاع سوري يلاحق الطائرات الأمريكية وأي طائرة سورية تحلق في الجو. أما الخطوة الثانية فهي إنشاء منطقة حظر جوي في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وسيكون بمقدور المعارضة بناء نفسها ومؤسساتها في المناطق الواقعة تحت سيطرتها بدون خوف من الغارات الجوية للنظام.
وخيارات كهذه تمنح الإدارة وتحديدا جون كيري الفرصة لحرف ميزان الحرب ومواصلة الحل السياسي. وكما يقول هنري كاركي من جامعة ليه «فلو تمت تنحية الأسد وتوصل النظام لهدنة مع الجماعات المعتدلة فيمكن والحالة هذه لسوريا الإنضمام لتحالف الدول المعادية ل «داعش».
ويرى ديل إن أوباما يرتكب نفس الخطأ الذي ارتكبه العام الماضي بتأجيله موضوع الأسد. فإذا كانت الدولة الإسلامية «سرطان» فالأسد هو «مصدر الورم الخبيث» وفي حالة عدم علاجه فسيسمم الدواء الذي اقترحه أوباما.

إبراهيم درويش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية