شرق أوسط يشتعل

حجم الخط
0

الخبراء في الشرق الاوسط، السياسيون والناس البسطاء يتفقون في الرأي على أن الشرق الاوسط يشتعل. فليس بسيطا تغطية كل المسائل المشتعلة في الشرق الاوسط، ولكن قائمة جزئية ستتضمن الحروب الاهلية في سوريا وفي ليبيا؛ تفكك العراق؛ صعود تهديد تنظيم «الدولة الاسلامية»؛ تهديد الاستقرار في مصر، في تونس وفي الاردن؛ حزب الله في لبنان؛ التهديد النووي الايراني؛ ارهاب القاعدة او المحافل المتماثلة معها. فهل نسينا شيئا. آه، نعم – النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني والخوف من حماس في غزة ومن انتفاضة فلسطينية في المناطق. وباستثناء ذلك، كل شيء على ما يرام.
الاشتعال في الشرق الاوسط هو نتيجة عدة سياقات نضجت في السنوات الاخيرة: أولا، آثار الاحتلال الامريكي للعراق في 2003. من جهة اصلح الخطأ التاريخي للبريطانيين، والاغلبية الشيعية رفعت الى الحكم. ولكن هذا «الاصلاح» تم بثمن الاقصاء والاساءة للاقلية السنية، التي ردت بالعنف. وخلقت الفوضى فراغا دخلت اليه قوى ارهابية اسلامية في شكل القاعدة وداعش.
ثانيا، تعاظم الصراع بين الاسلام والغرب، على نمط حرب الحضارات مثلما وصفها صموئيل هنتنغتون، وان كان خلافا للفهم السائد، فان هذا الصراع محصور بالمنظمات والافراد الذين يرون في الغرب منطقة كفار الحرب ضدها ضرورية وشرعية.
ثالثا، الصراع داخل الاسلام على الطريق «الصحيح» . هذا صراع مزدوج؛ بين الشيعة والسنة – أمثلة بارزة على ذلك هي صراع الدول العربية السنية (مثل مصر، السعودية، الاردن والمغرب) ضد ايران، حزب الله وبقدر ما العراق؛ وصراع داخل السنة انفسهم – محافل سنية تقاتل ضد الاخوان المسلمين، حماس، القاعدة وداعش. والاخير: الربيع العربي الذي خلق الفوضى في سوريا، في ليبيا وفي اليمن، وهز الاستقرار في مصر وتونس وكذا في دول ملكية لم تجتاز ثورة.
في أعقاب كل اشتعال في الشرق الاوسط – وكان كثير كهذا على مدى القرن العشرين – يسارع الناس في اسرائيل الى القول، «اذا كان يشتعل (الشرق الاوسط) – فما هو المشتعل (بمعنى المُلح)؟» أي في ضوء الاحداث في المنطقة، من الافضل الجلوس بصمت وعدم المبادرة الى خطوات سياسية. ولكن الحقيقة هي أنه حتى عندما لم يشتعل شيء لم تبادر اسرائيل بخطوات سلمية، وفضلت الالتصاق بالوضع الراهن الذي يسمح لها بمواصلة سياسة الاستيطان، وعرقلة قسما كبيرا من المبادرات التي اقترحها طرف ثالث أو الطرف الثاني في النزاع.
وهكذا مثلا، في مقابلة عشية العيد، قال بنيامين نتنياهو لـ «الجيروزاليم بوست» ان المبادرة السعودية لم تعد ذات صلة في الشرق الاوسط المتغير. وعلى حد نهجه، عندما عرضت المبادرة في 2002، لم تكن حماس تسيطر بعد على غزة، وداعش لم يكن يسيطر بعد على سوريا والعراق، وايران لم تكن سرعت برنامجها النووي. ولكن مبادرة السلام (العربية، لا السعودية) لم تكن أبدا ذات صلة في نظر اسرائيل، وبالتأكيد ليس في نظر نتنياهو، بحيث أن الاشتعال الحالي لا يشكل أكثر من ذريعة، ورقة تين لتغطية العورات السياسية.
عمليا، بالذات الاشتعال الحالي يخلق فرصة لاحداث تغيير ودفع مبادرات الى الامام. فنتنياهو نفسه يعترف في ذات المقابلة بان ما تغير هو ان قسما من دول المنطقة لم تعد ترى في اسرائيل عدوا بل حليفا ممكنا في الصراع ضد تهديدات مشتركة. هذا الاعتراف هام، ولكن يجب أن يترافق وسياسة مناسبة.
التاريخ العالمي، وتاريخ الشرق الاوسط بخاصة، يدل على أن الحروب والثورات خلقت فرصا للاتفاقات، دفع مبادرات سياسية الى الامام وبناء تحالفات اقليمية جديدة. هذا الفهم، المدعوم من خبراء كثيرين في مجال الشرق الاوسط، يتعارض والموقف السياسي والايديولوجي لنتنياهو وآخرين، ولهذا فهو لا يحظى بالتأييد. ولكن بالذات لان العالم العربي منشغل الان بمشاكله ومنقسم على خلفية دينية، عرقية وقبلية، يمكن لاسرائيل أن تستغل الفرصة، مثلا كي تخلق تحالفا مع دول ومحافل شبه دول (مثل الاكراد) يعمل ضد تهديدات مشتركة. مثل هذا التحالف نشأ بشكل جزئي منذ الان مع قرار الرئيس براك اوباما القتال ضد داعش بتعاون من جزء من دول المنطقة.
يمكن لاسرائيل ايضا أن تحث حلا سياسيا مع الفلسطينيين، سواء مع محمود عباس – فتعزز بذلك السلطة الفلسطينية مقابل حماس – أم مع دول عربية، تحت مظلة «مبادرة السلام العربية». معقول الافتراض بان المصاعب في العالم العربي يكنها أن تساعد اسرائيل على تحقيق تسوية مريحة من ناحيتها. التسوية، كما ينبغي التشديد هي على اي حال مصلحة اسرائيلية في ضوء التغييرات الديمغرافية المرتقبة في الارض التي بين البحر (المتوسط) والنهر (الاردن). كما أن مثل هذه السياسة ستساعد على تحسين علاقات اسرائيل مع الولايات المتحدة، الاتحاد الاوروبي ودول اخرى. اما اتخاذ سياسة «ما المشتعل؟» في ضوء كل ما هو مشتعل في الشرق الاوسط فهو تكتيك فيه الكثير من الجهل. ينبغي تغييره، وجميل مبكر قدر الامكان.

٭ استاذ في دائرة دراسات الاسلام والشرق الاوسط في الجامعة العبرية
هآرتس 30/9/2014

ايلي فوده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية