وزارة الخارجية مجرد واجهة تدار من داخل القصر الرئاسي… ولم تعد مدرسة لتخريج خبراء الدبلوماسية

حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي» : رغم ان الغالبية الساحقة من المصريين ومنذ مدة لم تعد تهتم بالأحداث ذات الطابع السياسي، الخارجية والداخلية على السواء، بما فيها مظاهرات الإخوان كل يوم جمعة والعمليات الإرهابية، وتركز اهتمامها على الأوضاع الداخلية التي لها صلة بالمشاكل الاقتصادية والأسعار، فإنها هذا الأسبوع لم تهتم إلا بحدثين سياسيين الأول كلمة الرئيس السيسي أمام الأمم المتحدة، التي لاقت تأييدا كبيرا وإحساسا بالفخر. والثاني الدهشة من هجوم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على السيسي، سواء في كلمته أمام الأمم المتحدة، التي ألقاها يوم الأحد أمام المنتدى الاقتصادي، او في اسطنبول، وسيادة إحساس بالغضب من عدم رد مصر عليه، وهو ما قامت به وزارة الخارجية ونشرته صحف أمس الثلاثاء 30 سبتمبر/ايلول، وكان ردا قويا، لأنه أورد الإجراءات التي اتخذها أردوغان ضد الصحافة والصحافيين والقضاة والمظاهرات وتقارير الاتحاد الأوروبي ومنظمات حقوق الإنسان، ضدها. واتهامه بدعم منظمات إرهابية في ليبيا وسوريا والعراق، ومطالبة المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات ضده، إلا أن أهم ما في البيان كان اتهامه صراحة بالعمل على إعادة الخلافة العثمانية للسيطرة على العالم العربي، واتهامه أيضا بطريقة غير مباشرة أنه إخوان مسلمين، وهو ما ورد بالنص في عبارة «ذلك يعكس منظور أردوغان الأيديولوجي الضيق الذي يرتبط بتوجهاته الفكرية وطموحاته الشخصية وأوهام استعادة الخلافة العثمانية، بعيدا عن المصالح الوطنية لبلاده وشعبه». كما ان البيان شدد على أهمية الروابط بين الشعبين المصري والتركي وتقويتها، وهو ما أسعدني لأن لي شقيقة حاصلة على الجنسية التركية ومقيمة هناك ولها أبناء من زوجها التركي خريج الأزهر المرحوم رمضان يشار الفاتحة له.
وأشارت الصحف إلى قيام قوات مشتركة من الجيش والشرطة في الشيخ زويد ورفح بمهاجمة إرهابيين، وذكر البيان الصادر بذلك، تصفية أربعة إرهابيين وتدمير ستة منازل وحرق اثنتي عشرة عشة، كما ألقي القبض على عدد آخر من الإخوان المسلمين المطلوبين.
وقام المستشار خفيف الظل شعبان الشامي رئيس محكمة الجنايات، الذي يحاكم الرئيس السابق محمد مرسي وخمسة وثلاثين آخرين في قضية التخابر بتأجيل الجلسة إلى الرابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول لأسباب أمنية، واستمرار شكوى المزارعين من نقص الأسمدة، وإعادة المياه المقطوعة عن حي مدينة نصر بالقاهرة، والإعلان عن تقديم البنك الدولي قرضا ميسرا بمبلغ خمسمئة مليون دولار لمشروع إصلاح أربعة ملايين فدان.
أما الأخبار الأكثر إثارة لاهتمام الغالبية فلا زالت كما هي، العيد وأسعار اللحوم والخراف في المجمعات وعند الجزارين وإعداد الحدائق والمصايف لقضاء الأجازة وصرف المعاشات قبل العيد، لا الانتظار في موعدها المعتاد، وهو العاشر من الشهر والبحث عن تذاكر في قطارات الصعيد وأخبار الحجاج. وإلى شيء من أشياء كثيرة عندنا…

الإخوان راعوا مصلحة قطر

ونبدأ بالفرحة التي أصابت حزب النور وجمعية الدعوة السلفية بسبب الإجراءات التي اتخذتها قطر ضد الإخوان المسلمين وطلبها مغادرة بعضهم أراضيها، وكذلك عدم ممارسة أي أنشطة سياسية من جانب من سيبقى منهم، فقد اعتبر الحزب ذلك انتصارا لموقفه وطالب الإخوان بالاعتراف بأخطائهم وممارسة النقد الذاتي. وفي جريدة «الفتح» التي تصدر كل يوم جمعة عن جمعية الدعوة السلفية التي خرج منها حزب النور، كتب الشيخ عادل نصر معلقا على ما قاله الإخواني خفيف الظل حمزة زوبع:»استمعت لجزء من حوار الدكتور حمزة زوبع على قناة الجزيرة، إثر قرار الاستبعاد، أو طلب المغادرة الطوعي لبعض قيادات الإخوان من قطر، ولفت نظري واستوقفني ما قاله عن أهمية قراءة الواقع، والنظر في المتغيرات، وذلك في معرض حديثه عن الضغوط التي تمارس على قطر بسبب وجودهم فيها، وكيف أنهم راعوا مصلحة قطر، نظرا للمتغيرات الدولية والمستجدات في المشهد، وأن هذا ما يلزم السياسي والثوري ألا ينتظر حتى تقع المخاطر. وفضلا عما ذكره أيضا وكذلك غيره من وجوب المراجعات لما حدث في الفترات الماضية فقلت والقلب يعتصر ألما وأسى، الآن أدركتم أهمية قراءة الواقع ووجوب استكشاف المخاطر والنظر في المآلات والعواقب، الآن وبعد أن ضاعت كل الفرص وخسرت جل المكتسبات، بل كلها وخابت كل المراهنات، الآن بعد أن سالت الدماء وأزهقت الأرواح وعظمت الخسائر وشوهت الصورة ولحق الضرر بالقريب والبعيد، الآن وبعد ظهور العواقب والنتائج أدركتم أنه لابد للسياسي من قراءة الواقع والاستجابة للمتغيرات.
وبعيدا عن التفسيرات التي يفسر بها البعض هذا الكلام بأنه تمهيد للمصالحات وقبول الشباب القرارات المقبلة واعتبار ذلك حنكة وذكاء، بعد أن كانت عمالة وخيانة، وبعيدا عن هذا يحق لنا أن نطرح الأسئلة التالية فنقول: أين كان هذا الفهم حينما قرأت الدعوة السلفية وحزب النور الواقع واستكشفت المخاطر؟ وأنكم تسيرون نحو الهاوية وتضييع المكتسبات وتكرار التجارب الفاشلة، فأطلقت المبادرة التي كانت طوق النجاة لكم، بل للثورة كلها، وخروجا حكيما من المشهد الأليم ساعتها، فكان التخوين والرمي بالنفاق، بل والتكفير وغير ذلك مما يعف اللسان عن ذكره ويترفع القلم عن كتابته، ثم أثبتت الأحداث أنها كانت قراءة صحيحة للواقع.
النبي «صلى الله عليه وسلم» يقول:»كل ابن أدم خطاء وخير الخطائين التوابون»، فلا أحد يدعي العصمة مهما علت مرتبته، غير الأنبياء والمرسلين، ورغم العصمة من الذنوب «يعني تعمد مخالفة المولى جل وعلا»، وهذا يشمل الكبائر والصغائر المزرية، إلا أنهم غير معصومين من الخطأ والنسيان كعوارض بشرية، إلا بشأن البلاغ، فقد سجل القرآن لنا اعترافهم بالخطأ واعتذارهم عنه. نحن نحتاج إلى هذه الثقافة، أو قل هذا الخلق في الساحة الإسلامية الآن أيما حاجة، سواء على مستوي الجماعات أو الأحزاب، فكل ما يحدث في المنطقة الآن من أحداث جسام نتيجة لعدم الاعتراف بالأخطاء والتمادي فيها خوفا من المواجهة والمساءلة، فأقصر طريق لإنهاء المشاكل هو الاعتراف والاعتذار. ومن سمات القيادة الجيدة أنها تعترف بأخطائها ولا تخاف ولا تتردد في مواجهة أتباعها بأخطائها».

حسن البنا لم يكن تكفيريا

هذا من «الفتح» وفي «المصري اليوم» يوم الأحد واصل صديقنا الأستاذ في جامعة أسيوط النائب الأول لمرشد الإخوان السابق الدكتور محمد حبيب عملية التقييم التي بدأ بها لحسن البنا فقال:»الحقيقة أن البنا لم يكن يوما ولا يجب أن يكون فوق مستوى النقد، لأنه في النهاية بشر يصيب ويخطئ، وقد أقر الرجل في البند السادس من «الأصول العشرين»، التي وضعها كأساس لفهم الإسلام، بأن كل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم «صلى الله عليه وسلم»، وكل ما جاء عن السلف رضوان الله عليهم موافقا للكتاب والسنة قبلناه، وإلا فكتاب الله وسنة رسوله أولى بالإتباع، ولكننا لا نعرض للأشخاص في ما اختلف فيه بطعن أو تجريح، ونكلهم إلى نياتهم وقد أفضوا إلى ما قدموا. كما أن البنا لم يكن تصادميا إزاء الأفكار أو المواقف العملية المناهضة، فقد كان يستوعبها، ومن المؤكد أن البنا لم يكن تكفيريا والذي يقرأ البند الأخير في «الأصول العشرين» يتبين له ذلك بوضوح. يقول الرجل «لا نكفر مسلما أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاهما، وأدى الفرائض، إلا إن أقر بكلمة الكفر أو أنكر معلوما من الدين بالضرورة، أو كذب صريح القرآن أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال، أو عمل عملا لا يحتمل تأويلا غير الكفر». ولم يحدث أن استعمل مصطلحا مثل «دار الحرب أو دار الإسلام أو الجاهلية أو الحاكمية» لقد مضى على استشهاد البنا 65 عاما حدثت خلالها متغيرات كثيرة، وكان من الضروري أن تقوم قيادات الجماعة بمراجعة مجموعة رسائله التي تضمنت رؤيته الفكرية والسياسية والاجتماعية، فضلا عن المنهج والوسائل والحركة والبناء التنظيمي والإداري، بحيث تقر ما تراه مناسبا وتستبعد ما تراه متصادما، أو حتى غير متوائم مع مستجدات العصر.
والحقيقة أن قيادة الجماعة في منتصف الثمانينات أعلنت قبولها بالديمقراطية واستدركت على البنا مسألتي الشورى والمرأة، من حيث اعتبار الشورى ملزمة وليست معلمة، وأن للمرأة حق الترشح للمجلس النيابي كما هي نائبة. أما مسألة استخدام القوة عندما لا يجدي غيرها حسب تعبير البنا، فقد كان موقف الجماعة منها مخالفا، وهو إدانة العنف ورفضه مطلقا ولم يحدث في الفترة من 1975 حتى 2012 حادثة عنف واحدة، لكن هذا لم يكن يكفي فقد كان ضروريا أن تعلن الجماعة تبرؤها مما جاء برسائل البنا خاصة في ما يتعلق بهذه القضية».

فتوى عدم جواز تعليق صور ميكي
في غرف الأطفال غير صحيحة

والى المعارك والردود والمعركة الاولى ستكون من نصيب صديقنا العزيز العالم ووكيل الأزهر السابق الشيخ محمود عاشور، وهجومه على الشيخ ياسر برهامي بسبب فتواه عن تحريم تعليق صور ميكي ماوس وبطوط، وقال في حديث نشرته له مجلة «روز اليوسف» وأجراه معه زميلنا محمد تمساح:«كل فتاوى ياسر برهامي غير صحيحة، لأنه ليس عالما بأمور الفقه والحديث، ولم يقرأ صحيح الإسلام وينطق كذبا ويقول كلاما ليس من الدين، ويخالف ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله «صلى الله عليه وسلم»، ويحاول أن يلفت انتباه الرأي العام والناس إليه، بعدما انصرفوا عنه ومنع من اعتلاء المنابر بالمساجد. إن السلفيين يأخذون من الدين ما يخدم أغراضهم فقط، وقد يأخذون بالأيسر في الفتوى حتى إن كانت غير صحيحة، وينفون عن أنفسهم صفة التشدد الديني. فتوى برهامي بعدم جواز تعليق صور بطوط وميكي في حجرة نوم الأطفال غير صحيحة، وتدل على أنه يأخذ بظاهر النص من دون علم معناه، حين استند إلى قول الرسول «صلى الله عليه وسلم» «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو صورة». فالعلماء اجمعوا على أن المقصود من الصور في الحديث الشريف هي التماثيل وليست الصور المرسومة بالقلم أو المعكوسة بالكاميرا، إن الصور التي تمنع دخول الملائكة هي المجسدة التي لها ظل، لذلك فإن صور ميكي ماوس وغيرها من الشخصيات الكرتونية ليست تماثيل ولا صورا حقيقية، وعليه يجوز تعليقها في غرف نوم الأطفال، خصوصا أنها تدخل السرور والبهجة على الأطفال ويحبون مشاهدة الشخصيات الكارتونية ويتأثرون بها، ويمكن نشر الفضائل عن طريقها بعد عرض التلفزيون المصري في شهر رمضان الماضي المسلسل الكارتوني».

ظاهرة المسيحيات «المختطفات»

ومن ميكي وبطوط وبرهامي إلى معركة أخرى خاضها يوم الأحد ايضا في جريدة «وطني» زميلنا سليمان شفيق عن السيدة المسيحية بقرية جبل الطير وقوله:»باختفاء البنات المسيحيات، الذي غالبا ما يسميه المجتمع القبطي «المختطفات» أو»المختفيات» يدفع أهلهن لإعلاء العار الطائفي على العار الاجتماعي، وبعد إلغاء ما يسمي بـ»جلسات النصح والإرشاد» التي كانت تعقد لمن يريد التحول عن دينه ليجلس مع رجال دين إسلامي ومسيحي ثم يقرر موقفه.
أصبح الأمر غامضا وسط اتهامات للأمن بالانحياز، فإذا اختفت فتاة مسلمة كانت المعاملة تختلف عما لو كانت المختفية مسيحية، وهكذا لا بد من عودة لجان النصح والإرشاد، وهناك اقتراح لسن قانون للتحول الديني من الفقيه القانوني د. هشام صادق يقصر التحول على سن واحد وعشرين عاما ويكون أمام محكمة ويعطى المتحول فرصة عام، وألا يكون التحول بسبب علاقة عاطفية. لكن بات معروفا أن مثل هذه الاقتراحات تصطدم بصخرة الأزهر، الذي يرحب بالتحول إلى الإسلام، لكن يحظر مغادرة المسلم لأي دين آخر، إننا أمام مشكلة مزمنة يجب أن تخرج من يد أجهزة الأمن التي لابد أن تتفرغ لمكافحة جرائم الإرهاب والجرائم الجنائية الاخرى».

اختفاء سيدة مسيحية يؤدي لصدامات بين مسلمين وأقباط

وما أن سمع زميلنا وصديقنا عبد الرحيم علي رئيس مجلس إدارة وتحرير جريدة «البوابة» التي تصدر كل يوم اثنين اسم الأمن في هذه القضية حتى شن هجوما ضد وزير الداخلية، وقال عن اختفاء السيدة المسيحية:»سارع زوجها الى اتهام أحد أفراد قريتهم من المسلمين بخطفها، إنها الصيغة الأسهل التي يلجأ إليها من يجد نفسه في هذا الموقف، وكانت النتيجة طبيعية، صدامات عنيفة بين المسلمين والأقباط جعلت المحافظة على شفا الاشتعال، وكان لابد أن تقتحم أجهزة الأمن قلب الأزمة حتى لا تتحول إلى كارثة متكاملة، حتى وصلنا إلى تصريح أدلى به السيد اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية، قال فيه إن السيدة إيمان تزوجت من مسلم بعد أن أشهرت إسلامها، ولم يكن التصريح دقيقا بما يكفي فبعد عودتها يوم الجمعة الماضي إلى أسرتها تثبت أنها لم تسلم، رغم أن هناك محاولات من البعض لجعل إسلامها حقيقة مؤكدة، وهي محاولات فيها من التدليس والتضليل ما يكفي لأن نرفض أي رواية من الروايات التي تتبنى فكرة إسلامها من الأساس. لماذا تسرع وزير الداخلية وأدلى بهذا التصريح؟ الإجابة الواضحة والقاطعة أن هذا هو ما دأبت عليه وزارة الداخلية في عصر مبارك في التعامل مع الأحداث الطائفية».

قطاع الزراعة ينتظر إنصاف النظام الجديد

وإلى الذكرى الرابعة والأربعين لوفاة خالد الذكر، الذي قال عنه يوم الاثنين زميلنا المفكر الاقتصادي الكبير ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام أحمد السيد النجار في «الأهرام»:»لم يستعد الفلاح المصري كرامته إلا مع السياسات المنصفة له، التي تبناها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وعلى رأسها الإصلاح الزراعي وبناء سد مصر العالي لإنقاذ الريف المصري من الفيضانات المدمرة ومن كوارث الجفاف ومن رزايا عدم انتظام جريان النيل على مدار العام. لكن كلا من الرئيس الراحل أنور السادات والرئيس المخلوع مبارك ارتدا على تلك السياسات، بما سمي برفع الحراسات في عهد السادات والقانون 96 لسنة 1992 في عهد مبارك، وانتهى الأخير إلى جملة من السياسات المخربة لقطاع الزراعة وللصناعات القائمة على المواد الخام الزراعية.
وهذا القطاع ينتظر إنصافا حقيقيا من النظام الجديد، الذي يتشكل بعد ثورتين ضد نظامين، أحدهما ديكتاتوري فاسد وظالم، والآخر متاجر باسم الدين ويتسم بالفاشية والفشل وكلاهما ظالم للفلاحين».

جمال عبد الناصر سمع نبض الشارع المصري

وفي عدد «الأهرام» نفسه قال زميلنا وصديقنا العزيز رئيس مجلس الإدارة الأسبق مرسي عطا الله في عموده ـ كل يوم:»لا يملك أحد أن يجادل في أن مرحلة حكم جمال عبد الناصر كانت هي الأنجح في قراءة وفهم نبض الشارع، الأمر الذي مكنها من صياغة رؤية وطنية للاستقلال الوطني، الذي لا يتوقف عند غاية إنهاء الاحتلال وإجلاء المستعمر البريطاني، وإنما بصيغة استقلال شامل ترفض الدخول في تلك الأحلاف الأجنبية، وتؤكد استقلالية القرار المصري وتعيد بعث الشعور القومي بتأكيد حتمية الانتماء العربي وتوسيع دوائر الارتباط لتشمل الدائرة الإسلامية والدائرة الأفريقية ودائرة عدم الانحياز».

جمال عبد الناصر ابن عصره

ومن «الأهرام» إلى «المصري اليوم» وزميلنا في «الأهرام» الدكتور عمرو الشوبكي وقوله:»قوة عبد الناصر لا تكمن فقط في نزاهته الشخصية ولا في شعبيته الجارفة، ولا في دوره كبطل تحرر وطني، إنما في تفرده بالقدرة على تقديم مراجعة واعتراف بالخطأ، عقب هزيمة 1967 وتقديمه استقالته. صحيح أن ثورة عبد الناصر لم تكن ديمقراطية وأسست نظاما غير ديمقراطي قام على الحزب الواحد، وتساوى مع زعماء العالم الثالث المدنيين والعسكريين، الذين أسسوا نظام الحزب الواحد أيضا، متصورين أن مواجهة الاستعمار في الخارج وتحقيق التنمية في الداخل، يتطلبان نظما تعبوية من هذا النوع. وبدت الهند استثناء واضحا من كل تجارب التحرر الوطني بتأسيسها تجربة ديمقراطية لم تخل من مشكلات أيضا. عبد الناصر لم يقم نظاما غير ديمقراطي لأنه عسكري، كما يردد البعض، نتيجة العمى الأيديولوجي، وتصفية الحسابات مع ثورة يوليو/تموز، وعدم قراءة الواقع على حقيقته، وليس كما تتخيله الأوهام السياسية المسبقة. لن نستنسخ عبد الناصر جديدا. وفشل كل من حاول القيام بتلك المهمة من السابقين واللاحقين، لأنه ابن عصره وإن كان سيظل ملهما للكثيرين كقائد تحرر وطني وبطل قومي نادر».

عبد الناصر انحاز
للبسطاء فحاز قلوبهم

أخيرا ختامها مسك مع الجميلة زميلتنا في «الأسبوع» تهاني ترك وقولها:»عندما تولى عبد الناصر الحكم، انحاز للبسطاء وكانت تركيبته الشخصية ومشاعره الطيبة تجاه الفقراء مفتاحه للتماس مع قلوب جماهير الشعب، فأصدر قراراته التي غيرت مسار الكثيرين، ففتح المجال أمام مجانية التعليم، وبنى المدارس الحكومية، وعين خريجي الجامعات، من خلال الوظائف التي كانت تتيحها القوى العاملة، وفتح المجال واسعا أمام تكافؤ الفرص، وهو ما أحدث نوعا من الحراك الاجتماعي فأصبح ابن الفلاح مهندسا وطبيبا وأستاذا جامعيا وقاضيا. وكان للعامل نصيب أيضا من القرارات التي ضمنت له حقوقه ووضعته تحت مظلة التأمينات الاجتماعية، وتم توفير الآلاف من فرص العمل من خلال إنشاء المصانع التي تولى تشييدها أبو الصناعة المصرية عزيز صدقي «رحمه الله». وكانت مصانع القطاع العام هي حجر الزاوية أيضا في النهوض بالصناعة المصرية الخالصة، وتم بناء المشروعات الصناعية العملاقة، مثل شركات الحديد والصلب في حلوان، ومصنع الألمونيوم بنجع حمادي، بالإضافة إلى العديد من المصانع في جميع المجالات الاخرى. عبد الناصر الذي كان مثالا للأمانة وطهارة اليد لم تطرأ على حياته تغيرات كثيرة خلال فترة توليه رئاسة الجمهورية، كان شديد البساطة في مأكله وملبسه وكل حياته، وكان لا يعرف من الطعام سوى ما يأكله غالبية المصريين من خضار وإوز ولحم وجبن أبيض وفول، حتى إن كاتبنا ورفيق رحلته محمد حسنين هيكل مازحه يوما بقوله إن «هناك أصنافا أخرى من الطعام يمكن أن تتناولها يا ريس غير التي تعرفها».

ماذا تريد مصر من تركيا…
المواجهة أم المصالحة؟

وننتقل الى «المصريون» وموضوع الساعة الذي يتناول ردود الافعال على كلمة الرئيس التركي ضد الرئيس المصري في اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة ومقال رئيس تحريرها التنفيذي محمود سلطان الذي عنونه بـ«الخارجية المصرية مع أردوغان ضد السيسي» يقول: «لم أتحدث عن الهبل الإعلامي، في الرد على أردوغان.. ولكن أتحدث عن رد فعل الخارجية المصرية، التي استخدمت مبدأ «لا تعايرني ولا أعايرك».. والتي أخطأت الهدف وأكدت ـ بدل أن تنفي ـ صدقية انتقادات أردوغان للحكومة المصرية. ولا أريد أن أظلم الخارجية، لأنها كمؤسسة ـ وبصراحة شديدة ـ ليس لها «لازمة» منذ ستين عامًا مضت، عندما انتقلت مهامها إلى مؤسسة الرئاسة، وهو العرف الذي استقرت عليه هذه المهمة، منذ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وحتى الآن. عندما أقول إن الخارجية فشلت في مواجهة الآلة الإعلامية للتنظيم الدولي للإخوان، فإنه تعبير مجازي، لأننا ـ على الأقل ـ لدينا مبنى مكتوب عليه وزارة الخارجية، ووزير مسكين لا حول له ولا قوة.. ولها ميزانية ضخمة، وتصنف كوزارة سيادية، واختيار وزيرها حصريًا برئيس الجمهورية.. ومع ذلك باتت واجهة تدار من داخل القصر الرئاسي. وبالتالي فإنها لم تعد مدرسة لتخريج خبراء الدبلوماسية، أو سياسيين احترافيين، حتى بات من الصعب أن تجد مواطنًا يعرف اسم وزير الخارجية.. فوهج النموذج داخل هذه المؤسسة خفت، إلى درجة عدم الشعور بوجودها على خريطة الحقائب الوزارية، إلا في مناسبات التعديلات أو في حالة تشكيل حكومة جديدة. تجلى ذلك في البيان الذي أصدرته الخارجية يوم 29- 9 – 2014، للرد على انتقادات أردوغان القاسية والعنيفة ضد الأوضاع الجديدة التي ترتبت على اليوم التالي لعزل الرئيس الأسبق محمد مرسي في 3 يوليو/تموز 2013. البيان استند إلى قدر من السذاجة، لم تحسب حسابًا، لما يمكن أن تستحضره من مقارنات بين السيسي من جهة وأردوغان من جهة أخرى، فإذا كان أردوغان ـ وكما ورد في بيان «الخارجية» ديكتاتورًا، فماذا نتوقع من رد ومن أي طرف في تصنيف السيسي؟.. وإذا كان أردوغان غير ديمقراطي فماذا يمكن تصنيف السيسي؟ بيان الخارجية وضع الرئيس المصري في مقارنة لا يمكن بحال أن تكون محصلتها التلقائية لصالحه.. وإنما لصالح نظيره التركي. ويبدو لي أنه كما هزم صانع السياسات الخارجية في معركة جدل الانقلاب والثورة مع التنظيم الدولي للجماعة.. فإنه ـ حتى اللحظة ـ يبدو مندفعًا نحو هزيمة مشابهة، في أزمته مع تركيا. السياسة الخارجية لا يمكن أن تدار على طريقة الإعلام الزاعق والأهبل الذي انصرف عنه المصريون في الداخل، وإنما من خلال أدوات عاقلة ورصينة تعرف أين تضع قدمها وماذا تريد.. وتحدد آليات تحقيق ما تريده.. ولعلنا نسأل الآن ماذا تريد مصر من تركيا.. المواجهة أم المصالحة؟ وإني على يقين بأن هذا السؤال غير حاضر في العقل الدبلوماسي المصري، الذي يستند إلى مبدأ البيعة بمفهومه الديني، ويعتقد بأن في رقبة العالم بيعة لمصر.. وعليه أن يسمع ويطيع».

أحسن الله أعيادنا

ونبقى في «المصريون» ولكن مع موضوع آخر يثير اهتمام الجميع هذه الأيام وهو موضوع عيد الاضحى المبارك، الذي لا تفصلنا عنه إلا أيام معدودات، ووجهة نظر الكاتب فوزي فهمي محمد غنيم الذي يقول: «حينما يكون بينك وبين واحد خصومة، وبعد ذلك يأتي العيد، فإذا زرته في يوم العيد فما الذي كسر كبرياءك؟ هو يوم العيد.. بسمة منك، وبسمة منه وينتهي كل شيء. إذن فأحداث المسرات التي ينشئها الله تعالى في الزمان والمكان فإنما ينشئها ليستتر الإنسان بكبريائه فيها. أراد الحق سبحانه وتعالى بتشريع الأعياد للناس أن تكون وسيلة ليستتر فيها كبرياء النفس البشرية، فالله تعالى لما خلق النفس متعالية متغطرسة شرع المكان الحرم والزمان الحرم. شرع الزمان الحرم، لأنه إذا قامت حرب بين دولتين مسلمتين، فكل طرف يتشبث بكبريائه، ولا يخضع للحق، فالله تعالى يحرم زمانا من الأزمنة، ويحرم فيه القتال.. فأنا وأنت نستتر وراء تحريم الله للقتال في ذلك الزمن. وعيد الأضحى المبارك الذي يحمل من المعاني الإسلامية الكثير التي يجب أن نعيشها في هذا اليوم لتكون منهاجا لنا طوال العام، فقد أمرنا الإسلام بمواساة غير القادرين ومساعدتهم والوقوف بجانبهم، والعطف على اليتامى وترك الخصام، وإحلال الحب محل الخلاف والشقاق، فيعيش المسلمون أعزاء أقوياء، يسعد بعضم بعضا، ويسعد بهم المجتمع بما يقدمونه من إنتاج وفير، ومن علم يستخدمونه للارتقاء به إلى مصاف الدول المتقدمة. ومن معانى العيد أيضا أن يلتقي المسلمون في المسجد لأداء صلاة العيد وتهنئة بعضهم بعضا، وعيد الأضحى ينفرد بميزة خاصة وهي ذبح الأضحية وتوزيع ثلث لحومها على الفقراء وثلث على الأهل وثلث على الأصدقاء، وهذا هو المعنى الكبير في الترابط والتراحم، فالإحسان إلى الفقير وبر الأهل من الأمور التي دعا إليها الإسلام. وليس في الإسلام إلا طريقة واحدة للأضحية وتقديمها، وهي أن تذبح ذبحا شرعيا ويذكر اسم الله عليها ثم يتم التصدق بها، والأضحية سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لحديث أنس الذي رواه البخاري ومسلم، أن النبي ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر.. وفي الماضي كانت المجالس الجميلة تجمعنا وتلم شملنا، خاصة في أيام العيد، وكنت تجد أولاد عمك وزملاءك وكل من تعرفه يزورك ويطمئن عليك، خاصة في العيد لان هذا العيد هو من الله سبحانه وتعالى، ويجب أن نصل رحمنا فيه وأن نزور بعضنا. فالله جعل الزمان والمكان وأعياد الخير مناسبات لتستتر فيها النفس البشرية من كبريائها وعزتها الظالمة الآثمة. والواجب على المسلم أن تكون له القدوة والأسوة في قصص القرآن الكريم لكي يكون من الفائزين في الدنيا والآخرة. أحسن الله أعيادنا وكل عيد وعام وانتم قلوبكم بخير ومحبة وسلام..».

سيمفونية كاملة
في فنون التعذيب الجماعي

بين الحين والآخر، تفاجئنا وزارة الداخلية بتصرفات فجة معادية للقانون، تعيد لنا ذكرياتنا الأليمة مع ضباطها وأمناء شرطتها قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني، وكأن حسنى مبارك وولده جمال لا يزالان يحكمان مصر.. هذا ما بدأ به محمد عصمت مقاله في «الشروق» عدد امس الثلاثاء مواصلا: «في الأسبوع الماضي، عزفت لنا الشرطة سيمفونية كاملة في فنون التعذيب الجماعي، حينما شنت هجوما مضادا على بيوت الأقباط في قرية جبل الطير بمركز سمالوط بالمنيا، ردا على رشق بعضهم نقطة الشرطة بالحجارة وزجاجات المياه الفارغة، احتجاجا على مازعموا أنه تقاعس ــ أو قل تواطؤ ــ من الشرطة في إعادة السيدة المسيحية المختفية، التي قيل إنها أسلمت، وهو ما نفته هي بنفسها بعد ذلك. صحيح أن هؤلاء الأقباط الغاضبين خالفوا القانون، وكان ينبغي إحالتهم للمحاكمة، لكن الشرطة ــ المكلفة بتطبيق القانون ــ استخدمت المنطق غير القانوني نفسه، واعتدى أفرادها بالضرب المبرح على عشرات المسيحيين، وداهموا منازلهم وألقوا القبض على 14 مواطنا منهم، حيث تخلل كل هذا الخروج عن القانون، توجيه السباب لهؤلاء المسيحيين وسحل بعضهم إمعانا في إهانتهم، وهو ما دعا قوى سياسية عديدة للمطالبة باستقالة وزير الداخلية اللواء محمد ابراهيم.
أما المواطن محمد السيد محمد الشرقاوى فقد تم القبض عليه، بشكل يبدو عشوائيا، بزعم مشاركته في مظاهرة إخوانية بمدينة دمنهور بمحافظة البحيرة، وجاء بمحضر ضبطه أن المظاهرة كانت ترفع شعارات «حركة ضنك»، ولافتات مناهضة للدولة، وأن المتهم بمنتهى البراءة ــ أو قل السذاجة ــ قال إنه عضو بتنظيم الإخوان الإرهابي، رغم أن شهود عيان يؤكدون أن هذا الإخوانى الخطير نفسه شارك هو وزوجته وأولاده الثلاثة في مظاهرة أمام مبنى محافظة دمنهور وميدان الساعة، لدعم الرئيس عبدالفتاح السيسي!… حكاية الشرقاوي تكررت كثيرا في العديد من المحافظات، فالكثير من الأبرياء ألقي القبض عليهم بتحريات خاطئة، أو لوجودهم بسبب حظهم العاثر بجوار اشتباكات بين الشرطة ومتظاهري الإخوان، ومهزلة القبض على أحد المسيحيين خلال اعتداء جماعة الإخوان الإرهابية على قسم شرطة مطاي بالمنيا، وقتلهم لنائب المأمور داخل المستشفى، لم تسقط من الذاكرة بعد!
تجاوزات الشرطة لا تقتصر فقط على هذه الأخطاء الدرامية فمنها ما يندرج تحت باب الكوميديا السوداء، فقد أقسم لي أستاذ جامعي مرموق، أنه فوجئ بتوقيع غرامات مرورية غير منطقية بالمرة على سيارته، تتعلق إحداها بتجاوزه السرعة المقررة في ميدان الجيزة الشهير بازدحامه بمختلف أنواع السيارات من الأتوبيسات حتى الكارو، والثانية تتعلق بالسير في الممنوع، رغم أنه في التوقيت نفسه كان يقود سيارته في إحدى محافظات الصعيد، ومع ذلك فقد دفع عدة آلاف من الجنيهات كغرامات لتجاوزات لم يرتكبها!
هذه التجاوزات يعتبرها كثيرون، حتى من معارضى الإخوان، سياسة أمنية ممنهجة كانت عماد دولة مبارك، للسيطرة على حركة الشارع، بهدف تمرير إجراءات اقتصادية تقشفية سيتحمل تكلفتها الأساسية الفقراء ومحدودي الدخل، ومن هنا فإن هناك توجها في السلطة يتمسك بوجود جهاز شرطة يفتقر إلى المهنية والكفاءة، ويستند في عمله إلى خرق القانون وقهر المواطنين بالاعتقال العشوائي والحبس الاحتياطي مفتوح المدة!
استقالة وزير الداخلية ليست حلا، فالأزمة أكبر من الداخلية، يقع حلها على عاتق الرئيس السيسي الذي ينفذ مشروعات اقتصادية كبرى لتحسين حياة الفقراء ومحدودي الدخل، بدون أن يصاحبها مشروع سياسي واضح يحدد انتماءات فكرية محددة في قضايا الحريات وكفالة حقوق المصريين السياسية والاجتماعية.. ودون حل هذه الإشكالية، لن نبني دولة مؤسسات حقيقية، ولن نحظى بـ«داخلية» تدرك أن نجاحها في عملها يرتبط بتنفيذها للقانون بدون تجاوزات ولا أخطاء ولا تغيير وزير بوزير».

حسنين كروم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية