حاولت الأنظمة السياسية المتلاحقة في مصر، لا سيما في حقبتي أنور السادات وحسني مبارك طمس ذكرى جمال عبد الناصر، وعملت جاهدة على إخراجه من دائرة الذاكرة السياسية والشعبية. ولكن الدراما والسينما أدركت حجم هذه الشخصية وعمق تأثيرها على المواطن العربي عموما، فكان الإسم الذي يثير الجدل دراميا وسينمائيا من فترة إلى أخرى.
ولعل آخر هذه الأعمال مسلسل «صديق العمر»، الذي قام الفنان السوري جمال سليمان بتجسيد شخصية الزعيم الراحل جمال عبد الناصر. هذا العمل الذي أبى المصريون بين نقاد وفنانين، وحتى عائلة الرئيس الراحل أن يقروا بنجاحه، لانه قام يتسليط الضوء على مسائل عدة كانت غائبة في مختلف الأعمال السابقة.
واليوم وبالتزامن مع ذكرى وفاة عبد الناصر الرابعة والأربعين أقرت السيدة جيهان زوجة السادات في حوارها في برنامج «مصر الجديدة» بنجاح هذا العمل، وأشادت بأداء سليمان. تعليق صدر عن سيدة عايشت المرحلة وتضاربها مع مجمل المواقف التي هاجمت العمل، والتوقيت الدقيق الذي أعاد «صديق العمر» إلى الأضواء من جديد.
الحوار كان ثريا ومليئا بالمعطيات السياسية الراهنة والقديمة التي تحدثت عنها جيهان السادات، التي كانت بمثابة الشاهد عن حقبات متتالية من تاريخ مصر. ولعلنا سنقف على ما بدر منها في ما يخص مسلسل «صديق العمر» لاعتبارين، الأول أن هذا الحوار جاء بالتزامن مع ذكرى رحيل عبد الناصر، والثاني أن هذه الشهادة أعادت الروح لأسرة هذا العمل، ولا سيما الفنان جمال سليمان. حيث أقرت الضيفة بنجاح العمل، وأشادت بأداء نجم الدراما السورية والفنان المصري باسم سمرة، كما عبرت عن تماهي الشخصيات الفنية مع الشخصيات الحقيقية لا سيما وأنها عايشت رجالات هذه الحقبة.
ولم يخف جمال سليمان سعادته بهذا الرأي ونشره على صفحته على الـ«فيسبوك». والأكيد أن سليمان كان على صواب لما أقدم على نشر هذه الشهادة على منبره لعدة اعتبارات. فالذين شككوا في قيمة العمل لم يقدموا براهين وتوضيحات تقنية وفنية بينة ومنطقية تؤكد ما ذهبوا إليه، زد على ذلك أن لا أحد من بينهم عايش المرحلة عن كثب أو يملك سجلا ثقافيا خاصا وكافيا عن هذه الحقبة.
إضافة إلى أن المصريين تعودوا على النمط الذي يجسد الشخصية العامة بصورة الملاك الذي لا يخطئ ويتغاضون عن الوجه الآخر في إطار ثقافة تضخم الأنا لديهم، وهي إحدى أبرز نقاط ضعفهم الكبرى، التي تنأى بهم عن النقد. في حين أن «صديق العمر»عمل فني واقعي إلى أبعد الحدود نجح في إظهار الوجه الآخر للزعيم. فالأعمال السابقة كلها أظهرت عبد الناصر على أنه الشخصية التي لا تخطئ، والحقيقة أن المعطيات التاريخية والشخصيات التي عاشت تلك المرحلة تؤكد أن الزعيم كغيره من الشخصيات التاريخية وقع في الخطأ حينا وأصدر قرارات مصيرية موفقة لأبعد الحدود حينا آخر. كما أبرز حقيقة المشير عبد الحكيم عامر الذي يعرفه الجميع على أنه الشخص الذي أخطأ كثيرا، بل هناك من يلقي عليه مسؤولية الهزيمة كاملة، والحقيقة أنه أصاب كثيرا وهو ما نجح العمل في الكشف عنه.
هذا إلى جانب التركيز على أسباب موت المشير، التي لم يتجرأ أي عمل درامي أو سينمائي سابق على التوقف عندها مليا أو الإجابة عن هذا السؤال للأجيال الصاعدة. وقد كانت الحركة التي أقدم عليها جمال سليمان بمثابة الرد الأمثل لكل من شكك في قيمة العمل الفنية والمعطيات التاريخية التي طرحت في هذا المسلسل، لأن الشهادة صدرت عن حرم الرئيس، الذي يراه المصريون بمثابة عنوان النصر إلى اليوم، وبالتالي من الصعب بل من الصعب أن يقدم أحدهم على التشكيك في كلامها. وهذا الأمر قد يكون السبب في إعادة «صديق العمر» للساحة الإعلامية من جديد ولكن في ثوب الإقرار بالنجاح وليس العكس، كما حدث منذ الحلقات الأولى لبث هذا العمل.
وعلاوة على الدراما التي تعودت الاحتفاء بالزعيم الراحل فإن الملفت للانتباه توجه الكثير من الشباب بمختلف الجنسيات العربية والكثير من وسائل الإعلام للاهتمام بذكرى وفاة عبد الناصر هذه السنة. حركة تبعث على التساؤل في ما إذا كانت الظروف الراهنة التي تعيش على وقعها أغلب الدول العربية أعادت الجميع إلى صورة عبد الناصر القومية، التي تمتلك كاريزما القائد الجريء التي نفتقدها اليوم؟ أو هل انتهت سنوات طمس شخصية عبد الناصر ومريديه فأصبحنا نشاهد حقيقة حجم الجماهير التي ما زالت تعتبره الشخصية الملهمة؟
لماذا اختارت الهايكا هذا التوقيت؟
وفي انتظار ردود فعل النقاد المصريين إزاء هذا التعليق الهام تقف القنوات التونسية «نسمة» و»حنبعل» و»تونسنا» على محك غلقها من طرف الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري تحت ذريعة انتهاء صلاحية الرخص الممنوحة لها وعدم تقديم المسؤولين عن هذه القنوات لملفات تجديد التراخيص. ويأتي هذا القرار أسبوعا قبل إنطلاق الحملة الانتخابية في تونس، الأمر الذي أثار حفيظة أصحاب هذه القنوات.
وبالعودة إلى النصوص القانونية، التي اعتمدتها الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري «الهايكا»، نجد أنها أصدرت قرارات صحيحة ومدعومة بسند قانوني واضح. ورغم إصرارها على ضرورة احترامها للقانون وحتمية تنفيذه حتى لا تعم الفوضى مجال الإعلام السمعي والبصري، إلا أنها اصطدمت برفض واستنكار عدد كبير من ممثلي القنوات التليفزيونية والإعلاميين.
إلى جانب طعن البعض في شرعية هذه القوانين ورفضهم لما جاء في كراس الشروط، واتهامها بعدم احترام الوضعية الاجتماعية للعاملين بهذه القنوات التليفزيونية من تقنيين وصحافيين وإداريين. وتأتي هذه الردود بسبب التوقيت الدقيق الذي اختارته «الهايكا» للإعلان عن قراراتها.
فالجميع يدرك رهانات القنوات التلفزيونية عادة من وراء الحملات الانتخابية على غرار كسب مشاهدين إضافيين، والحصول على ومضات إشهارية إضافية وغيرها. زد على ذلك أن تونس تخطو الخطوات الأولى نحو الديمقراطية والانتخابات تشكل فرصة هامة أمام الإعلاميين العاملين بهذه القنوات لخوض غمار تجربة جديدة لم يتعودوا متابعتها سابقا. هذا دون أن ننسى أن القنوات التي شملها القرار جميعها ذات توجه يساري حداثي ومناوئة لخيارات حكومة الحزب الحاكم الذي تخلى منذ فترة عن مهامه لحكومة التكنوقراط ولكنه ما زال يمسك بزمام الكثير من الأمور.
وبالعودة إلى مجمل العناصر السالف ذكرها تنتابنا الكثير من الأسئلة على غرار، لماذا لم تنتظر الهيئة فترة ما بعد الانتخابات لتحسم مسألة القنوات التلفزيونية؟ فبعد الانتخابات ستخرج البلاد من مرحلة المؤقت وتدخل في مرحلة الدائم، وهذا ظرف هام يجعلها تقوم بتسوية كل الملفات بقدر كبير من الأريحية في ظل وجود حكومة تحظى بمباركة الجميع على خلاف الحكومة القائمة التي لم تخرج من دائرة التشكيك. ولماذا لم تنظر الهيئة في وضعية الإعلام العمومي، رغم عناته الكبيرة التي يعلمها جميع أبناء قطاع الإعلام في تونس؟ ولماذا لم تتدخل الهيئة لإجبار المؤسسات الإعلامية على ضمان حقوق الصحافيين المالية؟
هي قرارات مقننة نعم، ولكنها وضعت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري في محك تشكيك الساحة الإعلامية عموما. كما أن الغرض الأساسي من إنشاء هذه الهيئة كان مراقبة التجاوزات والتعديل في حال عدم احترام قواعد وأخلاقيات المهنة الصحافية، والحال أنها تحولت تدريجيا إلى هيئة زجرية لا تتحلى بالحكمة في معالجة قضايا القطاع الكبرى، وقد تهدد مكسب حرية التعبير.
فالمطلع على المشهد التلفزيوني في تونس يعي جيدا أنه في حال فرض قرار الغلق بالقوة على هذه القنوات ستبقى على الساحة القنوات الوطنية، التي عملت حركة النهضة في فترة حكمها على الإمساك بزمام الأمور فيها، وتجاهلت معارضة الكثير من الإعلاميين لهذه السياسة. أما في القطاع الخاص فستبقى القنوات الناطقة باسم الحركة على غرار قنوات «المتوسط» و»شبكة تونس الإخبارية» وغيرها من القنوات المعروفة بتوجهها الإسلامي ودعمها لحركة النهضة.
وهو ما يجعل هذا الخيار يبدو بمثابة الاتفاقية المطوقة بالنصوص القانونية في ظاهرها والسياسية في جوهرها.
٭ إعلامية من تونس
فاطمة البدري
اذا كنت تعترفين بان هذا القرار من الناحية القانونية لا غبار عليه فلمادا تحاولين اقناعنا بانه غير صائب هذه هي مشكلتنا في دولنا العربية ان العلمانيين يحترمون القانون فقط اذا كان في صالحم متى تتعلمون ان روح الدمقراطية هي احترام القانون وهي الضمان الوحيد لبقائكم على الساحة ولو كان عددكم قليل جدا لان القانون هو حامي الاقليات في كل دمقراطيات العالم
قناتا “نسمة” و “حنبعل” صارتا “ذات توجه يساري حداثي”…. ؟؟؟!!! يا مثبت العقل و الدين!!.
لاتملك اية دولة عربية شيئا إسمه ” القانون ” بصفة المعرفة هذه, وإنما قوانين بصفة نكرة, قانون لكل فئة من الشعب, قانون الطبقة ” أ ” ليس هو قانون الطبقة ” ب ” . فقط للتذكير, وأما هؤلاء أغلبية وآخرون أقلية, ليس هناك دراسات تثبت أو تنفي , وأن حزب إسلامي مثلا له من الأصوات مايشبه أغلبية فليست الصورة الحقيقية, حزب إسلامي مغربي صوت له أشخاص علمانيون معروفون , رجال أعمال نزيهين , فقط لكسر الجمود ظنا منهم بأنهم سيفعلون مايقولون , لكن لم يحدث. وإلى هنا والأمور عادية.
هذه السيدة لا تترك فرصة ولا مناسبة وحتي
بغير مناسبة لتهاجم النهضة وتحملها
كل المصاءب حتي وان خرجت من الحكم
منذ مدّة من الحكم.