التشكيلي المغربي مهدي قطبي يعصرن المادة التجريدية

■ أحدث الفنان التشكيلي مهدي قطبي حركة جديدة في الفن المعاصر، بصيرورة تعبّر عن أسلوبه المعاصر بتسويغ موضوعي في بناء فضاءات أعماله، إذ يمكن مقاربة الصيغ الجمالية التي تستحوذ على الفضاء، بواقع التجريد في أقصى ما وصل إليه. وهو يدججه بالقيم الجمالية، وفق مسلك تشكيلي مفعم بالحركة.
إن المبدع يتمثل العملية التجريدية بإعادة صياغتها التشكيلية برؤيته الفنية الجديدة، فيتجلى حسه الفني في الكثافة اللونية، وفي الأشكال المتنوعة، وفي الحركة والخيال، وفي التقاطعات اللونية، والوصل بين مختلف المفردات الفنية، التي تشكل العمل التشكيلي في صيغته الجمالية. وهو أمر يميز الخطاب التشكيلي لديه، حيث إن هذا الخطاب يوجه المضامين، وهو ما ينم عن تجربة عالمة للمبدع مهدي قطبي، إذ أن عملية الرصد للموضوع تمر من عملية إنجاز الخطاب، وهو ما يتبدى في أعماله التشكيلية، من خلال إشكالات اللون المختلفة وتعدد الرؤى الفنية، وانسيابية اللون المعاصر، وتداخل الأشكال التعبيرية، بل من خلال عملية بناء الشكل واللون، وفق مسلك تكتنفه الجدلية بين مجموعة المكونات التشكيلية، يقود إلى إرساء التخصص المبني على القاعدة التجريدية الموسومة بحمولة من المعارف والعوالم المتنوعة والمتشعبة، التي تتغيا ثلة من العناصر الجديدة التي تطوره وتنميه باستمرار. إنه اختيار مسلكي في التشكيل، وإن كان يتسم بالتعقيد حيث تؤطره الرؤية البصرية التي تروم الجمالية الصرفة في العمل؛ إلا أنه يواكب مستجدات العصر الفنية والجمالية، حين يقدم إتاحة جديدة للرؤية البصرية، كي تؤسس معنى جديدا للدلالات ومغازي العمل الفني. وبتعبير آخر، فإن المبدع مهدي قطبي يعمد إلى استغلال الوظائف البنائية والدلالية المغايرة وتبئيرها وتفضيئها، وفق أسلوب تجريدي معاصر، بنوع من السيولة، والرصد المسبق للمنحى التعبيري، لذلك يرتكز أسلوبه على ثقافة محلية وإدراكات جمالية، وقوامة فنية ما يجعل لوحاته تنبض بأشكال تعبيرية متداخلة تعكسها ملامح الألوان، ودقة تركيبها مع خطوط منعرجة وبيضوية ودائرية ومتموجة تعج بالحركات المتتالية، التي تحدث في أعماله أنغاما موسيقية تنسجم مع كل المكونات التشكيلية والمفردات الفنية. فهو ينظمها بدقة ويصوغها صياغة الناظم للعقد، بالشكل الجمالي الذي يروق العين، والطريقة التوظيفية التي تلائم ماهية العمل التشكيلي شكلا ومضمونا. وهذا من خصائصه النابعة من أسلوبه التجريدي المعاصر. وفضلا عن ذلك، فهو يشكل العلاقة الفنية بين جماليات العلامات الموظفة وجماليات التشكيل والتعبير. إنها سمة في أعماله التجريدية التي تشكل تدفقا فنيا ناعما تبعا لنسق الحركة القوية داخل الكتل المقترنة بالامتدادات السمفونية والجمالية المتداخلة في عالمه التشكيلي.


لمهدي قطبي من الإمكانات العالية والتقنيات الهائلة والقدرات الفنية الكبيرة ما يؤهله لأن يوظف تصوراته وأفكاره، بتفرد في الاستعمال اللوني، والتركيب الرمزي والعلاماتي والقوة التعبيرية بأسلوب تجريدي تخصصي مغاير للمألوف. فتفاعله مع التجريد بلمسات تشكيلية جديدة معاصرة يبرز عمليات تحكمه في التدبير الفضائي بكل مقوماته ومستلزماته ما يخول له أن يبدع وفق أسس جمالية في مجال التجريد المعاصر.
وإنه تأكيد للغته التشكيلية ورسالته الإبداعية التي تتبدى في أسلوبه التجريدي المعاصر، حيث يشكل خزانا مليئا بالأشكال والصباغات اللونية المشبعة بالرمزية والإشارات والإيحاءات المتنوعة؛ يُنتِج منها فضاء كثيفا تجريديا معاصرا، مليئا بالمغازي العميقة والدلالات المسترسلة. فالطلاء اللوني والعلامات المتموجة تضمر جهازا مضامينيا مؤطرا بتصورات المبدع ورؤاه الفنية. فهو يتخذ من الصيغة الفنية الشكلية ومن الرموز والعلامات والفضاء الكثيف مادة أيقونية تفصح بشكل تدريجي عن مضمرات متسترة وراء حجب اللون والشكل، وتكشف عن الجهاز المضاميني المحمل بالمعاني والدلالات. وبذلك فهو يقتنص المسافات في الكثافة بتوازن دقيق بين كل المكونات التشكيلية. ليشكل حوارا داخليا بلمسات جمالية قوامها الكتل والتكوينات، بأبعاد فلسفية عميقة، تتخطى حدود الزمان والمكان وفق صيغ تجريدية صرفة، ذات أبعاد جمالية في تراسيم تشكيلية، يسعى من خلالها تحقيق الوصل والإحالة إلى إشارات هادفة. وبذلك فالمقاربة تروم مختلف سياقات المادة التشكيلية المشَكّلة للفضاء، وهي تتسم بوجود وشائج قائمة بين التشكيل والمضامين المحجبة. لأن الكثافة تخفي في طياتها مرامي دلالية قوية، مرتبطة بالاستدراجات اللونية التي تعضدها الخطابات المخفية وراء حجب الكثافة، على الرغم من تموقعاتها المصففة والمنظمة بشكل محكم، فهي في عمقها تروم كل التأويلات والقراءات الموضوعية الممكنة. وهذا يكشف حتما عن بلاغة المبدع، وعن قدرته الإبداعية، وعن خبرته بالتجريد وخصائصه الجمالية، ما يجعل أعماله مجالا حيويا متاحا للقراءات التي يوجهها المنحى البصري، أو الوعي النقدي الصرف المتقد بالقراءة التشكيلية في مظهرها الحسي والجمالي. وهو كذلك ما جعلها في مصاف الصفوة التشكيلية المعاصرة.

٭ كاتب مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية