لندن-“القدس العربي”:يودع العالم 2019 بعد جملة من الأحداث الاقتصادية المهمة، لكن الأهم من أحداث العام المنتهي هو التنبؤات المتشائمة حيال العام الجديد 2020 إذ تتزايد التقارير التي تتوقع أن يشهد أزمة اقتصادية ومالية عالمية على غرار تلك التي عصفت بالكون في أواخر العام 2008 في أعقاب انهيار بنك “ليمان براذرز”.
وحسب ما رصدت “القدس العربي” فقد سجل 2019 العديد من الأحداث الاقتصادية المهمة بما في ذلك أحداث عربية سببت جدلاً على مستوى العالم، ولا سيما اكتتاب شركة النفط السعودية العملاقة “أرامكو” وطرح أسهمها في الأسواق للتداول، وذلك بعد تأخرت لنحو عامين عن الموعد المقرر، وفشلت السعودية في إدراجها في البورصات العالمية الكبرى كما كان يأمل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عندما طرح الفكرة.
أما أبرز الملفات الاقتصادية التي شغلت العالم في 2019 فيتصدرها قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتأثيرات ذلك على الاقتصاد البريطاني والأوروبي والعالمي، إضافة إلى طفرة السيارات الكهربائية التي شهدها العالم والجدل بشأن تأثير ذلك على أسواق النفط، وكذلك أزمة الاقتصاد الإيراني بسبب العقوبات الأمريكية المشددة. فيما كانت القضايا الأبرز على المستوى العربي إضافة إلى “أرامكو” أزمة إغلاق المصارف في لبنان وارتفاع الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي.
أرامكو
نفذت السعودية بالفعل في كانون الأول/ديسمبر 2019 خطتها لخصخصة شركتها النفطية العملاقة “أرامكو” واستطاعت أن تنفذ أكبر اكتتاب في التاريخ بعد أن جمعت أكثر من 25 مليار دولار أمريكي، لكنها في الوقت ذاته لم تنجح في إدراج الشركة في البورصات العالمية، وخاصة في لندن و”وول ستريت” واكتفت بإدراج السهم في البورصة السعودية المحلية حاله في ذلك حال بقية أسهم الشركات المحلية المدرجة في سوق الأسهم السعودية.
وجمعت الشركة في الاكتتاب 25.6 مليار دولار لتتجاوز ما كانت قد سجلته مجموعة علي بابا الصينية في 2014 لدى دخولها إلى بورصة “وول ستريت”.
وبهذه العملية، أصبحت قيمة “أرامكو” السوقية 1.7 تريليون دولار، متقدمة على آبل (1.2 تريليون) ومايكروسوفت (1.14 تريليون) وعلي بابا (1.051 تريليون) غير أن هذه القيمة تظل أقل مما أشار له ولي العهد محمد بن سلمان (تريليوني دولار) حين أعلن عن المشروع قبل أربع سنوات.
وكانت أرامكو تطمح في ذلك الوقت إلى جمع مئة مليار دولار، وقد أرجأت العملية مرتين.
وفي 12 كانون الأول/ديسمبر تم إدراج 3 مليارات سهم من أسهم “أرامكو” في السوق المالية السعودية “تداول” وهو ما يعادل 1.5 في المئة من رأس مالها.
وقدمت أرامكو للمستثمرين المحليين وعوداً بأرباح عالية وبإمكانية الحصول على أسهم مجانية في حال حافظوا على الأسهم الأصلية لوقت معين. وهي تعد بأرباح بقيمة 75 مليار دولار في 2020.
وقالت “وكالة الصحافة الفرنسية” في تقرير لها اطلعت عليه “القدس العربي” إن عائلات من بين الأثرى في السعودية تم إجبارها على الاستثمار في “أرامكو” وخاصة الأمير الوليد بن طلال الذي كان من بين المحتجزين في فندق “الريتز-كارلتون” في الرياض خلال الحملة ضد الفساد في العام 2017.
وتُنتج “أرامكو” ما يعادل 10 في المئة من النفط العالمي، وهذا يعني أن شراء أسهم فيها يعني الرهان على استمرار ارتفاع أسعار الذهب الأسود في الأسواق العالمية.
طفرة السيارات الكهربائية
سجلت مبيعات السيارات الكهربائية طفرة ملموسة على مستوى العالم خلال العام، وذلك على الرغم من أنها سجلت أول انخفاض لها في شهر اب/أغسطس من العام ذاته، إلا أن هذا الانخفاض ظل محصوراً في ذلك الشهر ويعود إلى جملة إجراءات اتخذتها الصين وأثرت على أسواق السيارات الكهربائية.
وقد استحوذت مبيعات السيارات الكهربائية على حصة 2 في المئة من إجمالي مبيعات سيارات الركوب عالميا خلال العام 2019 فيما أظهر تقرير متخصص صادر عن مؤسسة “Ev-Sales” أن مبيعات السيارات الكهربائية خلال الشهور الثمانية الأولى من العام 2019 سجل ارتفاعاً بنسبة 32.1 في المئة على مستوى العالم.
وقدر مبيعات المركبات الكهربائية خلال الشهور الثمانية الأولى من 2019 بمليون و420 ألف سيارة، مقابل مليون وحدة مباعة فقط خلال 2018.
وجاءت أوروبا في المركز الثاني بعد الصين حيث بلغت مبيعاتها من السيارات الكهربائية 320 ألفاً و983 سيارة خلال الشهور الثمانية الأولى من العام، فيما حلت الولايات المتحدة في المركز الثالث على قائمة دول العالم الأعلى مبيعاً للسيارات الكهربائية بتسليمها 203 آلاف و839 وحدة.
وتشير هذه الأرقام إلى أن عام 2019 هو عام طفرة السيارات الكهربائية بامتياز، إذ يتوقع أن تهيمن هذه المركبات على أسواق النقل قريباً، فيما تتخذ العديد من دول العالم إجراءات لتشجيع وتنشيط استخدام هذه المركبات.
أزمة بنوك لبنان
سجلت مصارف لبنان أسوأ أيام لها منذ انتهاء الحرب الأهلية في العام 1990 وذلك في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي الذي اضطرت فيه إلى إغلاق أبوابها في معظم ذلك الشهر بسبب الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها البلاد، والتي ينتهي العام وهي لا تزال مستمرة وتراوح مكانها مع تعثر تشكيل حكومة جديدة وتمسك المتظاهرين بالبقاء في الشارع.
ويوم الجمعة الأول من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي فتحت البنوك اللبنانية أبوابها بعد أسبوعين من الإغلاق المتواصل لتكون بذلك قد سجلت أسوأ أزمة تمر بها منذ نحو 30 عاماً.
وعادت الحياة إلى طبيعتها نسبيا في لبنان بداية تشرين الثاني/نوفمبر الماضي مع خروج المعتصمين من الطرقات، فيما تدافع اللبنانيون نحو المصارف من أجل إجراء معاملاتهم المصرفية المعلقة منذ أسبوعين أو سحب رواتبهم مع بداية الشهر.
ولم تتسع صالات الانتظار داخل المصارف لجلوس الجميع، فكان عدد كبير من اللبنانيين يقفون في انتظار دورهم في حين كان الموظفون يواجهون صعوبات في تقديم الخدمات لهم، فيما لم يكن في الإمكان سحب مبالغ كبيرة دفعة واحدة من آلات الصرف الآلي.
هبوط الليرة التركية
تتجه الليرة التركية إلى وداع العام 2019 على خسائر تفوق الـ10 في المئة أمام الدولار الأمريكي مقارنة بالسعر الذي ودعت فيه عامها السابق 2018 وهو ما يعني أن على الأتراك أن يتوقعوا استمرار ارتفاع الأسعار واستمرار الصعود في نسب التضخم.
وسجلت الليرة خسائر بحوالي 10 في المئة في 2019 بفعل توترات في العلاقات بين أنقرة وواشنطن بسبب عدة قضايا من بينها السياسة تجاه سوريا وشراء تركيا نظام إس-400 الروسي للدفاع الصاروخي.
ويحوم الدولار الأمريكي عند مستويات 5.9 ليرة تركية وهو أدنى مستوى منذ شهور لليرة، كما أنه يعني تكبدها خسائر بنحو عشرة في المئة خلال العام.
وكانت بيانات رسمية نشرت في 3 كانون الأول/ديسمبر كشفت ارتفاع التضخم في تركيا إلى 10.6 في المئة خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر، فيما توقع مصرف “مورغان ستانلي” استمرار ارتفاع الأسعار في كانون الأول/ديسمبر ليصل التضخم إلى نسبة 11.3 في المئة، كما توقع البنك المركزي التركي وصول التضخم إلى 12 في المئة.
كما أظهرت بيانات من وزارة التجارة أن العجز التجاري في تركيا زاد لأكثر من ثلاثة أمثاله قبل عام ليبلغ 2.15 مليار دولار في تشرين الثاني/نوفمبر وفقاً لنظام التجارة الخاص.
ارتفاع الجنيه المصري
خالف الجنيه المصري اتجاهه الهابط لأول مرة منذ سنوات، واتجه في 2019 نحو الصعود مسجلاً مكاسب لأول مرة منذ سنوات أمام الدولار الأمريكي.
وخسر الدولار الأمريكي أكثر من 11 في المئة من قيمته مقابل الجنيه المصري خلال العام بخلاف عملات الأسواق الناشئة التي واصلت النزيف خلال الفترات الماضية.
وتراجع سعر الدولار أمام الجنيه المصري أواخر كانون الأول/ديسمبر ليسجل مستوى 15.97 جنيه، وهو أدنى مستوى لسعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري منذ تعويم الجنيه مقابل الدولار وتحرير سوق الصرف بشكل كامل في بداية تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2016.
ومنذ بداية العام تراجع سعر صرف الدولار بنحو 1.90 جنيه بعدما هوى من مستوى 17.87 جنيه للدولار في بداية العام الجاري، إلى نحو 15.97 حنيهاً في أواخر العام.
ومنذ بداية التعويم وحتى الآن تراجع سعر صرف الدولار من مستوى 19.60 جنيه في منتصف العام 2017 إلى نحو 15.97 جنيه في الوقت الحالي فاقداً نحو 3.63 جنيه بنسبة انخفاض تقدر بنحو 18.52 في المئة.
وقالت تقارير صحافية إن أسباب الخسائر العنيفة للدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري تعود إلى تحسن مؤشرات الاقتصاد المصري بشكل ملحوظ خلال الفترة الماضية، مع تحسن خمسة موارد دولارية أساسية لمصر تسببت في أن يقفز احتياطي مصر من النقد الأجنبي إلى مستويات قياسية وتاريخية تقترب من 46 مليار دولار في الوقت الحالي.
أزمة اقتصاد إيران
أنهكت العقوبات الأمريكية الاقتصاد الإيراني خلال العام 2019 وخفضت قيمة العملة المحلية.
وأعادت الولايات المتحدة تشديد عقوباتها الاقتصادية على إيران في تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2018 إلا أن الاقتصاد بدأ يتأثر بصورة ملحوظة خلال العام 2019 الذي كانت فيه طهران تواجه خلاله العقوبات بشكل كامل.
وخفض صندوق النقد الدولي بشكل حاد توقعاته للنمو في إيران على خلفية العقوبات الأمريكية، متوقعاً أن ينكمش اقتصادها في 2019 بنسبة 9.5 في المئة بعدما كان توقع في نيسان/أبريل الماضي انكماشاً بنسبة 6 في المئة.
وتقلصت صادرات إيران من النفط الخام أكثر من 80 في المئة خلال العام 2019.
وتعتبر توقعات الصندوق للاقتصاد الإيراني أسوأ أداء منذ 1984 أو نحو 35 سنة حين كانت إيران في حرب مع العراق. وقال الصندوق إن إيران “اختبرت ولا تزال تختبر ضائقة اقتصادية حادة جدا”.
وتراجعت العملة الإيرانية عقب إعادة فرض العقوبات ما أحدث تعطيلات في التجارة الخارجية لإيران ورفع التضخم السنوي، الذي يتوقع صندوق النقد أن يبلغ 35.7 في المئة هذا العام.
وكانت الولايات المتحدة أعلنت إعادة جميع العقوبات على إيران بعد رفعها في سياق الاتفاق حول ملف طهران النووي الموقع عام 2015 والذي انسحب منه الرئيس ترامب، وسرت العقوبات بالكامل بداية من يوم الاثنين الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر بعدما تم تطبيق أول حزمة منها في اب/أغسطس 2018.
هل العالم على أبواب أزمة؟
أصدر بنك “جي بي مورغان” الأمريكي تقريراً حذر من إمكانية نشوب أزمة مالية عالمية جديدة عام 2020 متوقعاً حدوث حالة ركود اقتصادي.
وأفاد التقرير الصادر عن إدارة المخاطر في “جي بي مورغان” إن الفترة الحالية يسودها قلق عالمي خشية حدوث ركود اقتصادي وشيك، ما قد يتسبب في حدوث أزمة مالية عالمية.
وأثارت هذه التوقعات المخاوف من حدوث أزمة مالية عالمية مشابهة للتي حدثت في عام 2008 والتي أدت إلى حدوث ركود عالمي وانهيار في بعض الاقتصاديات وزيادة الديون الخارجية لبعضها.
وأشار التقرير إلى أن ناتج التصنيع في الصين انخفض هذا العام إلى أقل معدلاته منذ 17 عاما، كما تقلص الاقتصاد الألماني بنسبة 0.2 في المئة في الربع الثاني من العام الجاري، وهو الحال ذاته في بريطانيا.
وتوقعت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في تقريرها الأخير ألا يتجاوز نمو الاقتصاد العالمي 3.3 في المئة في 2019 بسبب التوترات التجارية والشكوك المتعلقة بالأوضاع السياسية، بينما كانت تقدر النمو بـ3.5 في المئة في تشرين الثاني/نوفمبر.
وقالت الأمم المتحدة إنها تتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي 3% في المئة في 2019 و2020 وهو ما يقل قليلا عن معدل نموه في 2018 البالغ 3.1 في المئة.