ما يؤرق القائمون على شئون العالم وجود عناصر تمرد أو فساد سواء في العالم أجمع، أو في إحدى الدول، أو حتى تم رصدها في مجموعات عينها. ولقد تم تسخير العلم والعلماء لدراسة تلك الظواهر الغريبة التي منشأها انحراف سلوكي. ومن أخطر الظواهر التي أرقت دول العالم، ما حدث بألمانيا إبان وعقب الحرب العالمية الثانية، حيث تبدل سلوك شعب بأكمله، وباتت نوازع العنف متأصلة فيه، لدرجة أنه قد تم توظيف علماء طب نفسي لدراسة سلوك الشعب الألماني، ووضع حلول لمحاولة تقويمه.
ومن أبرز علماء الطب النفسي الذين اهتموا كثيراً بدراسة الحالة النفسية للشعب الألماني بعد الحرب العلمية الثانية، الطبيب النفسي البروفيسور دونالد يوين كاميرون Donald Ewen Cameron ( 1901-1967) الاسكتلندي المنشأ والذي تقلد عدة مناصب رفيعة حيث شغل منصب رئيس الجمعية الأمريكية للطب النفسي American Psychiatric Association (1952-195)، ورئيس الرابطة الكندية للطب النفسي Canadian Psychiatric Association (1958-1959)، ورئيس الجمعية الأمريكية للأمراض النفسية American Psychopathological Association (1963)، ورئيس جمعية الطب النفسي البيولوجي Society of Biological Psychiatry (1965)، ورئيس الرابطة العالمية للطب النفسي World Psychiatric Association (1961-1966). وتدل طبيعة المناصب التي تقلدها البروفيسور دونالد يوين كاميرون Donald Ewen Cameron أن اسهاماته في مجال الطب النفسي شديدة التميُّز، ولربما لهذا السبب تم اختياره لحضور محاكمات نورنمرج Nuremberg والتي اختصت بالقصاص من مجرمي الحرب النازيين في الحرب العالمية الثانية. ولقد كانت مهمة البروفيسور كاميرون Cameron – بصفته مبعوث حكومي – حضور محاكمات نورمبرج Nuremberg ودراسة سلوك السياسي الشهير والزعيم البارز بالحزب النازي رودولف هس Rudolf Hess لعمل تقييم نفسي شامل له. وأثناء المحاكمة، قام البروفيسور كاميرون أيضاً بدراسة ما حدث للحضارة الألمانية والشعب الألماني، ومعرفة الدوافع وراء سلوكهم الإجرامي، وقياس مدى تغيير الحالة النفسية والمزاجية للشعب الألماني بعد وقوعه لفترة زمنية طويلة تحت حكم شرذمة تتمييز بعنف شديد. وبعد ذلك، نشر دراسة نفسية اجتماعية على إثر حضوره المحاكمة تفيد وجوب تأصيل نظام من العدالة ليمنع الشعب الألماني من الانزلاق مرة أخرى من نصر مجيد في الحرب العالمية الأولي، إلى سلوك إجرامي إبان الحرب العالمية الثانية. وبدراسة الشعب الألماني عبر الحقب التاريخية المختلفة، وجد البروفيسور كاميرون أنه شعب يتميز بسلوك عدواني مخيف. وخلص إلى أنهم قد يرتكبون فظائع مشابهة في المستقبل بناء على ماضيهم العنيف، وطبيعتهم البيولوجية، والعرقية، والثقافية، وكذلك طبيعتهم النفسية الخاصة.
ولقد ظهر كاميرون كعالم بارز يقوم بدراسات نفسية اجتماعية ذات تأصيل حضاري بارع، مما زاد من شهرته، وشجع جامعة ماجيل McGill University الكندية أن تدعوه لقيام أبحاث لديها، علماً بأن الأبحاث تم تمويلها من قبل منح منشأها عدة جهات رائدة سواء في الولايات المتحدة أو كندا. وتبدى للعيان البروفيسور كاميرون بمثابة العالم المتفاني الذي ينتقل شبه يومياً فيما بين معمله في كندا إلى معمله في الولايات المتحدة للاضلاع بأعباء وظيفته في الدولتين، مما أغدق عليه المزيد من الأموال والشهرة والمناصب. وبالتأكيد تلك هي الواجهة الخارجية للبروفيسور الشهير، أما في حقيقة الأمر، هو عالم عديم الأخلاق والضمير المهني. فلقد كان يجرى أبحاث نفسية قاسية على البشر من البالغين أو حتى الأطفال دون علمهم. فعلى سبيل المثال، كانت تدخل المشفى سيدة تعاني من اكتئاب ما بعد الولادة، أو حتى بالغاً يشكو من علة أو مرض ما، فكان ينتهز الفرصة ويعطيه عقاقير خاطئة على أساس أنها العلاج الشافي، لكن ما كان يحدث أن المرضى كانوا يشعرون بحالة من الهزال والتشويش عند خروجهم من المشفى. أضف إلى ذلك، المرضى النفسيين كان يخضعهم لتناول عقاقير مخدرة تسبب الهلوسة الشديدة، وكان يعرضهم للصدمات الكهربية ليشل قدراتهم الحسية ويضعف استجابتهم، كل ذلك كان في سياق أبحاثه للسيطرة على العقل. ومن أبشع أعماله، إجراء هذه التجارب المريعة على الأطفال دون علمهم، وتعريضهم لصدمات نفسية، واعتداءات جنسية مقيتة قسراً. وبلغت به البشاعة أنه استغل طفلاً ليمارس الجنس ستة مرات مع مسئولين كبار من أجل المتعة. ثم قام البروفيسور بتصوير ذلك في أفلام ليضغط به على المسئولين حتى لا يوقفوا الدعم المالي المقدم لمشروعه الذي تبيَّن فيما بعد أنه لصالح المخابرات.
ويلاحظ أن تلك الأفعال البشعة تستهدف دمار العنصر البشري من خلال السيطرة على حالته النفسية بشكل متكامل، لدرجة قد تدفعه لارتكاب أفعال إجرامية، أو شاذة قد تبدو للعيان أنها بمحض الإرادة، ولكنها – في حقيقة الأمر – تحدث تبعاً لأوامر يتلاقاها المرء من خلال اللاوعي. فلقد انتشرت حالياً ما يسمى ب»التوكيدات النفسية»، و»الرسائل المتكررة»، و»الرسائل المموهة» (والتي يطلق عليها أيضاً اسم «الرسائل الضمنية»). فالجميع صار ضحايا بشكل أو بآخر لتلك الوسائل التي تسيطر على العقل. وأبرز مثال على هذا، اللعبة التي انتشرت على شبكة الانترنت وتسمى «مريم» التي كان يندمج معها الكبار لدرجة أنهم كانوا يدلون بمعلومات شخصية لغرباء، ثم تكون المفاجأة وجود من يتصل بهم بناء على هذا. أما الأخطر، انتشار لعبة «الحوت الأزرق» القاتلة، التي كانت تجعل من يلعبها يقوم بأعمال جنونية قد تصل ليس فقط إلى جرح نفسه جروح غائرة، بل أيضاً قطع شرايينه. وقد يقول البعض أن تلك الألعاب مجرد أوهام، أو أن لا ينخرط الجميع في مثل تلك الألعاب، أو ليس لديهم الوقت حتى لتجريبها. أما أكبر عملية سيطرة على العقول حدثت مؤخراً تغيير نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية لصالح الرئيس دونالد ترامب، ولقد كانت فضيحة كبرى تم فيها محاكمة مارك زوكربرج مالك الفيسبوك. فما حدث أن مارك زوكربرج قد قام ببيع بيانات مستخدمى الفيسبوك لجهات بحثية، وعلى إثر ذلك انتشرت العديد من الألعاب كالاختبارات النفسية، وتحديد صفات المرء، وقياس مثلاً مدى جماله الداخلي. وجميع تلك الألعاب تطلب الدخول للملفات الشخصية والصور لصاحب الحساب. فما حدث أن قد تم جمع المعلومات الناجمة من نتائج هذه الألعاب المشبوهة، وتحليلها، ثم توجيه خطاب يتوافق ومزاج العامة لحضهم على انتخاب مرشح عينه.
ليس كل من يتفانى في العلوم غرضه الارتقاء بالحضارة، وإصلاح العنصر البشري، فقد يكون الغرض من العلم والبحث هو تحويل البشر من كائن مفكر إلى كائن متلقي. وبالتالي، دمار البشرية لسوف يكون وشيك بعد تسليم زمام الأمر لقلة تتحكم في البشر حسب أهواء مدروسة العواقب.
مقال جميل وفي طياته ما يدعو للتفكير والبحث
هذا الفرق بين من يستخدم العلم ( وحتى اي شيء يصل لسيطرته من بشر ومخلوقات ومصادر طبيعية ) لخدمة اليبشرية ومن يستخدم هذا كله لسعادة نفسه فقط وفي رأيه ليذهب الجميع الى الجحيم ، إن الانسانية انحدرت تماما منذ ان تولى العنصر الأوربي الأبيض قيادتها ووضع كل شيء تحت تصرفه، وأرجو ممن انبهر من قشورها وزخرفها ومن اول ذلك دين الديمقراطية التي صدعوا رؤوسنا بها وهي فيما اعتقده سوط مسلط من الأوربي على بقية الخلق بجلدهم به سواء قبلوا بهذا الدين ام رفضوه