وجع ظَهر…

حجم الخط
18

آلام الظهر لا تفارقني منذ عقود، تخفُّ حقبةً ولا تلبث أن تعود، تشتد أحياناً، لكنني أتعايش معها مثل مئات الملايين من أبناء البشر، وفي الإحصاءات إنها العامل الأول للألم الجسدي لدى أبناء البشر، ويبلغ عدد الذين يعانون من آلام الظهر السفلي في العالم بصورة دائمة 540 مليوناً.
أوجاع الظهر في العائلة ليست جديدة، هو ميراث من الوالدة وأسرتها التي عانى معظم أفرادها من أوجاع مشابهة، حتى أولئك الذين لم نرهم أبداً، وأقصد أولئك الذين ولدوا في بلاد الغربة.
إنها آلام الظهر السفلي نفسها التي يعاني منها أبناء العائلة في الجليل كما في قطاع غزة وفي عين الحلوة وفي برلين والإمارات ومكة ونيويورك والأردن.
طبيعي جداً أن ترى أحد أبناء السلالة من جهة الأم وخصوصاً في مناسبات كالأفراح متزنّراً بكوفية رقطاء أو بيضاء حول وسطه، تساعده على تدعيم انتصاب قامته، وعادي جداً أن يهمس لك أحدهم من دون مقدمات بأنه اهتدى إلى حزام اقتناه من الصيدلية يساعده كثيراً في تخفيف آلام ظهره وانتصاب قامته.
كان يزعجني أن تنتبه والدتي للانحناءة أو المشية العوجاء التي كان يفرضها الألم عند اشتداده، كنت أحاول إرغام نفسي على الانتصاب أمامها، لكنها كانت ترى ما لا يراه الآخرون فتبادر للقول: «وَجع الظّهر كِتْبة على دار حسين-تقصد عائلتها- كلنا نعاني من أوجاع الظهر». ثم تقدّم لي نصائحها التي حفظتُها عن ظهر قلب لكثرة ما سمعتها تقدمُّها لمن سبقوني في هذا المجال: «إدهن زيت زتون».
لا أعتقد أن شعباً في العالم يقدّس زيت الزيتون ويثق في قدراته وعجائبه العلاجية والصحية مثل الفلسطينيين، رغم أن إنتاج فلسطين منه بسيط مقارنة مع دول أخرى مثل إسبانيا وإيطاليا واليونان وتركيا وتونس وسوريا وغيرها.
يا للزيتون، ما من مرض أو ألم إلا ويقولون لك «عليك بزيت الزّتون»، كأن فيه خلاصة كل العلوم والأبحاث والأدوية وتجارب الشعوب، إما ادهنه بعد تحمية خفيفة ونَمْ، أو اشرب منه على الريق، أو اخلطه مع ثوم مثلاً أو انقع فيه حبات تمر! حتى صار البعض يزعم بأنه يقوّي الباه لاحتوائه على عنصر أوميغا ثلاثة، وهذا يزيد من هورمون التسترون، ووصلت الثقة في زيت الزّتون حتى زعموا أنه يساعد في علاج سرطان البشرة والثدي.
لا أشك في زيت الزّتون وقدراته العلاجية لا سمح الله، ولكن كي يكون ذا فعالية ضد السرطان، يحتاج المريض إلى إدخال ثلاثة أطنان منه إلى خلايا جسده، أو أن يعيش داخل بركة من الزيت لسنوات، وهذا يعني أن وزنه سيصبح نصف طن في الفترة العلاجية.
-رَفَعت إشي ثقيل يمّا؟
-لأ يمّا..
-طيّب ليش ما بتروح عند الدكتور؟ في واحد شاطر بترشيحا، أنا تريّحت عنده وابن خالتك ارتاح عنده.
ذهبت إلى ترشيحا وغيرها، حاولت مراراً علاج مصدر الألم جذرياً دون نجاح.
أحد المدلّكين نشر إعلانات كبيرة في الصحف المحليّة عن نتائج ممتازة في علاج أوجاع الظهر السفلي وبشهادة عدد من المعالَجين عنده، تحمَّستُ وذهبت إليه، لكنه سبّب لي آلاماً مضاعفة عن تلك التي عانيتُ منها، كان الأخُّ مصارعاً، حتى أشعرني بأنه يكن لي عداءً وحقداً، حتى شطّ عقلي وصرت أبحث عن سبب هذا العداء، هل هو سياسي أم حزبي أم أمر شخصي أجهله، خشيت أن يسبّب لي شللاً دائماً، فطلبتُ منه أن يوقف جولة المصارعة، ووعدته بالعودة بعد أيام، وهربت.
قرأت إعلاناً لمختص في علاج آلام الظهر بالإبر الصينية، عيّنت موعداً، وذهبت إليه، تبين أنه من موجة الهجرة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي التي كان 86٪ منها من غير اليهود.
رشم ظهري بالإبر الدقيقة، كل وخزة مع ألم خفيف، فلنتحمل قليلاً من الألم كي نرتاح مرة وإلى الأبد، ولكنه طلب مني اقتناء مجموعة من الحبوب المتممة للعلاج أطلق عليها اسماً مركباً كأنها صاروخ عابر للقارات، وقال إنها مخصصة لهذا النوع من الآلام، لكن النتيجة كانت تحمّل وخزات الإبر الصينية ولا عسل، أظن أنه نصّاب، الحبوب لم تكن سوى سُكّرعلى شكل كريّات دواء ليس إلا، حتى في الشكل واللون لم يكن أي فارق بينها، دفعت ما يعادل ثمن نصف طن من السكر مقابل بضع كريات سُكّر وبقي الألم.
بعد عقدين ثبت لي أن الإبر الصينية فعّالة، شرط أن يكون المعالج حقيقياً قد تدرب عليها ودرسها بالفعل، جرّبتها على أوجاع في الرقبة ونجَحَت، ولكن مع الظهر السفلي كانت أقل نجاحاً.
عندما يعود الألم أصبح حذراً في حركاتي، أهبط من السيارة بحذر، أضع قدميّ على الأرض بتؤدة كما لو كنت سأدوس على زجاج، أقف خارج السيارة، وأحاول تدليك أسفل الظهر بعقل أصابعي حتى تستقيم قامتي، بعد الاستقامة القصوى الممكنة أتقدم، كذلك عندما أجلس للكتابة أترك المقعد كل ربع ساعة أو أكثر بقليل وأمشي بضع خطوات، أنحني قليلاً، أحاول فعل شيء ما.
أستحي أن يراني أحدٌ ماشياً بانحناء ولو خفيفاً، خصوصاً أولئك الذين يتبرّعون بملاحظاتهم عن آلام الظهر ويقدّمون نصائح هم أنفسهم لا يطبّقونها، مثل نصيحة ممارسة رياضة المشي ساعة واحدة في اليوم، وتخفيف الوزن عشرة كيلو غرامات على الأقل.
انضممت إلى نادٍ رياضي، وهذا يساعد كثيراً، ويرفع من مشاعر الثقة في النفس، ولكن آلام أسفل الظهر مستمرة.
أكثر من واحد نصحني «إعمل كاسات هوا»، لقد عملت كاسات هوا منذ سنين ولكنها لا تساعد إلا بصورة مؤقتة.
تعرفت مؤخّراً على أحد أقرباء أسرة والدتي ممن يعيشون في لبنان، وذلك عبر «الفيسبوك»، فقد بلغني أنه يتذمّر لأنه يرسل لي رسائل ولا أرد عليه، ويبدو أنه كان يرسل إلى حساب قديم باسمي تعرّض للقرصنة منذ سنوات، تواصلت معه مؤخراً وسعدت بالتعرف عليه، وما لبثت أن وجهت له كلمة السّر: كيف وجع ظهرك اليوم؟
-واو، هل وصلت أخبار وجع ظهري إلى فلسطين، من أخبرك بهذا؟؟
-نحن نعرف عنكم كل شيء يا خال.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول رائده أبوصوي/ القدس:

    قال موسى عليه السلام : يارب من أين الداء؟
    قال : من عندي.
    قال موسى عليه السلام : فالدواء؟
    قال : من عندي .
    قال موسى عليه السلام : فالاطباء ما يصنعون؟
    قال : يطيبون نفوس عبادي حتى تحل عافيتي أو قبضي .
    الامراض امتحان من الله سبحانه وتعالى لقوة صبر ابن ادم . في هذه الايام نجد اوجاع المفاصل والعمود الفقري منتشرة بكثرة والسبب نظام الحياة التي نغرق فيها . الجلوس ع المكاتب واستخدام المواصلات (عدم المشي) وطبيعة الغذاء الخ من عوامل ساهمت في ازدياد هذه الاوجاع
    المريض يتعلق بقشة . من اقسى الاوجاع اوجاع المفاصل الديسك ومشتقاته الاوتار .بالبرد تزداد الاوجاع لذلك كان كبار السن ايام زمان يربطوا جسدهم بالكوفية او شال صوف .وبهذه الطريقة يحافظوا ع قاماتهم منصوبة . طوال القامة عرضة اكثر من القصار لأوجاع الظهر. والي تحت العصي مش مثل الي بعد فيها.

  2. يقول رسيله:

    صباح ممطر اصطدمت فيه الغيوم فانثال المطر، ومقالتك الرائعة كاتبنا سببت احتكاك العقول فاشتعل الفكر ،فهكذا انت دائما كالمطر الذي أينما وقع نفع.
    مقالتك الرائعة هذا الاسبوع اجتماعيه موضوعها يشكل مفصلا من المفاصل الرئيسية في المجتمع حاولت من خلالها إيجاد حل لمشكلة محدقة مستعصية حيث اعتمدت فيها بشكل كبير على الواقع المعاش وشملتها بأمثلة رائعة بهدف عرض قضية واضحة للقارئ قضية ربما تكون مهملة على الرغم انها متجذره مع محاولتك طرح مجموعة من الحلول للتخلص منها.
    اننا نرث الكثير من ابائنا ( الاب والام )فاولا نرث الجينات التي تعتبر الوحدات ألاساسية للوراثة في الكائن الحي، الجينات تحدد خصائصنا الجسدية واحتمالية إصابتنا بأمراض واضطرابات معينة كما وتحتوي الجينات على البيانات الضرورية لبناء وصيانة الخلايا وتمرير المعلومات الوراثية من جيل إلى جيل فما نرثه نورثه أيضا لاولادنا وبناتنا وأحفادنا وحفيداتنا.( يتبع )

  3. يقول رسيله:

    ( تكمله ثانيه ) هذا وقد اكتشف العلماء وجود بروتينات تدمّر مساهمة الحيوانات المنويّة بالميتوكندريا الخاصّة به، وبهذا يكونون قد عثروا أخيرًا على دليل يفسّر السبب الذي يجعل نوعًا معيًنا من الحمض النووي DNA ينتقل للأطفال من الأمّهات دون الآباء، وهذا يفسر ما اشرت اليه كاتبنا بأننا نرث من أمهاتنا الكثير كوجع الظهر الذي كما ذكرت والدتك رحمها الله واسكنها فسيح جناته بانه ( كتبه على دار حسين).
    كذلك فإن هناك نسبة من الأمراض النفسية تورث، رغم تفاوت الأشخاص في استعدادهم لاكتساب تلك الصفات الوراثية اكتر من باقي أفراد العائلة، وذلك وفقا للظروف التي يمرون بها.
    مقالتك فتحت افق تفكيري لامور اخرى يمكن ان نرثها كالاصل والفصل والعرق واللون والصفات الأخلاقية وتذكرت عقيدة الخطيئة الأولى التي تعتبر من أهم عقائد اللاهوت المسيحى، ويختلف مفهومها من مذهب إلى آخر.
    فمفهوم الخطيئة الموروثة (أو الخطيئة الأصلية) لا وجود له في الإسلام. فوفقا لديننا الحنيف فقد أخطأ آدم و حواء، ولكن طلبا التوبة وبالتالي فقد غفر لهما من قبل الله وذكر القرآن ذلك في آيات عديدة :( يتبع )

  4. يقول رسيله:

    ( تكمله ثالثه )” فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ. فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.”
    ( فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ. ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ)، هذا ويوضح كتابنا العظيم بأن المسؤولية بالنهاية فردية لقوله تعالى :(أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ. وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى. وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ. ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى).
    ولكن السؤال الذي يطرح نفسه كاتبنا وآمل منك الرد عليه : هل مجتمعاتنا تتمسك بتلك التعاليم الدينية ، ام ان الشخص يحيا تحت وطأة عقاب الجماعة فيرد أولا وآخرا إلى فصله وأصله ومن سلالة من هو ، عرقه ولونه واخلاق ذويه فيعاقب على أمور لم يقترفها ويوصم يما وصم به ذووه،حتى لو كان افضل خلق الله اجمعين ؟؟؟؟ ومن هنا وصمنا كفلسطين بأننا منكوبون ولاجئون ومحتلون ؟؟ ( يتبع )

    1. يقول سهيل كيوان:

      العزيزة رسيلة لا تزر وازرة وزر أخرى ولكننا للأسف ما زلنا نتعامل بالتعميم نعمم على شعب ما صفة ما أو على عائلة أو على قومية . نحن فلاسفة كبار في تفسير الدين ونتحدث في كل مجلس ولكننا تتغاضى مثلا عن حق المرأة في الميراث . نعرف دقائق الدين ومتى وكيف علينا أن نصلي وما هي منقضات الوضوء حتى التفصيل الصغير ولكننا نغض الطرف عن ما الله به من حق للمرأة في الميراث وهذا في فلسطين بشكل خاص ولاجله أثيرت ضجة كبيرة في الآونة الأخيرة . اشكرك على مساهمتك الدائمة واثرائك للمقال .

  5. يقول رسيله:

    ( تكمله رابعه ) للتخفيف من الام الظهر ينصح كما ذكر سابقا بممارسة تمارين اليوغا فهي تعتبر من أفضل التمارين الطبيعية لعلاج ألام أسفل الظهر وذلك لفوائدها العظيمة فهي تساهم في تعزيز الدورة الدموية وتعمل على استرخاء العضلات فتقوم بتمديد العمود الفقري بلطف شديد وتساعد على تنشيط الدورة الدموية وتدفق الدم إلى عضلات الظهر وبالفعل فقد يخف الألم تمامًا. هذا وللعلاج الطبيعي دور فعال في التخفيف من حدة هذه الآلام و هناك وصفة خياليه رائعه لعلاج الأم اسفل الظهر والغضروف تؤكد ما اشرت اليه كاتبنا عن فوائد زيت الزيتون والوصفة عبارة عن بيضه وصابونة زيت الزيتون التي تصنع في فلسطين وبعض الشاش الخاص بالجروح ( يمكنك مشاهدتها على قناة يوتيوب ) .
    اما الحجامه والتي هي سنه نبويه عن رسولنا الامين عليه افضل الصلاة والتسليم فمفيدة جدا هذا وتعرف الحجامة على أنّها عملية يتمّ فيها سحب الدم الفاسد من الجسم من الظهر، والذي عادة ما يتراكم مع مرور الوقت في ذلك المكان فيسبّب إعاقة عمل كريات الدم الفتية، ممّا يضعف الجسم ويسبّب له الكثير من الأمراض، وبالاحتجام يتمّ التخلص من( يتبع )

  6. يقول رسيله:

    ( تكمله اخيره ) هذه الكرات الفاسدة وشوائبها، فيزول الضغط عن الجسم وتندفع كريات الدم الفتية إلى الجسم مسبّبةً له النشاط والقوة، ومغذيةً للخلايا والأعضاء، وتتمّ عملية الحجامة باستخدام كاسات من الزجاج مصنوعة يدوياً، وأيضاً يتمّ استخدام شمعة وشفراتٍ طبيّةٍ معقمّة ومعقماتٍ طبيةٍ لتعقيم الجروح ، هذا وهنالك اناس مختصين بعمل الحجامة وبممارسة رياضة اليوجا التي تعتبر رياضة فسيولوجية.
    المتميز سهيل كيوان مقالتك رائعة و افكارك تدق ناقوس العقول الراكدة فتحييها من جديد ،احييك من كل قلبى ودمت بخير دائما.

  7. يقول رسيله:

    مسا الورد ، لقد انشغلت هذا الاسبوع برمته لذلك اسفه على التأخر بالرد ، وشكرا على ردك الرائع الثري، لقد عمقت لديك الفكره اي بلغت أفضى الاثر وكنهه فشكرا لفكرك العميق، هكذا نحن بني البشردائما ،كما قالها المتنبي سابقا “وَمَن تَفَكَّرَ في الدُنيا وَمُهجَتِهِ أَقامَهُ الفِكرُ بَينَ العَجزِ وَالتَعَبِ.”

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية