أنقرة: تسلط وثائق محفوظة بأرشيف الدولة في تركيا الضوء على مراحل من تاريخ العلاقات التركية الليبية، التي يزيد الحديث عنها منذ أن صادق البرلمان التركي، الخميس الماضي، على مذكرة تفويض رئاسية لإرسال قوات تركية لصد “العدوان” على الشعب الليبي وحكومته المعترف بها دوليا.
تسجل الوثائق أحداثًا مهمة، منها إعلان إيطاليا الحرب على الدولة العثمانية، والاحتلال الإيطالي لمنطقة طبرق شرقي ليبيا.
كما تسجل توزيع السلاح على أهالي بنغازي (شرق)، ومقاومة الأتراك، بجانب القوات المحلية، للعدو في منطقة الشريط الساحلي، وإرسال البكباشي (رائد) أنور باشا إلى بنغازي.
** احتلال شرق المتوسط
في ضوء الوثائق التاريخية المحفوظة في أرشيف رئاسة الجمهورية، تحدث البروفيسور عثمان كوسا، عضو هيئة التدريس في قسم الأمن الدولي بأكاديمية الشرطة التركية، حول أهمية أن لا تظل تركيا في موقف المتفرج إزاء ما يحدث في ليبيا، التي كانت فيما مضى جزءًا من الدولة العثمانية (1299-1923)، وكانت تسمى طرابلس غرب.
وقال “كوسا” إنه مع بداية مرحلة ضعف الدولة العثمانية استغلت القوى الغربية الكبرى الفرصة، وبدأت باحتلال الأراضي العثمانية ذات الأهمية الإستراتيجية، وتقاسمها فيما بينها، كلما سنحت لها الفرصة.
وأضاف أن من أبرز هذه المناطق منطقة حوض شرق البحر المتوسط؛ حيث احتلت فرنسا كلا من الجزائر وتونس عام 1930، واحتلت إسبانيا المغرب عام 1860، فيما احتلت بريطانيا مصر عام 1882.
وتابع أنه في نهايات القرن التاسع عشر دخلت إيطاليا ضمن الدول العظمى، واتجهت نحو السيطرة على طرابلس غرب، ذات الأهمية الإستراتيجية.
بدأت إيطاليا بافتتاح بنوك لها في طرابلس وبنغازي، وتسريع محاولاتها للحصول على نفوذ اقتصادي وسياسي في هذه المنطقة.
ولفت “كوسا” إلى أن الدولة العثمانية دخلت مرحلة التفكك بسرعة، مع إعلان “المشروطية الثانية” عام 1908، ثم عزل السلطان عبد الحميد الثاني (1876-1909).
تحدث البروفيسور عثمان كوسا حول أهمية أن لا تظل تركيا في موقف المتفرج إزاء ما يحدث في ليبيا
و”المشروطية الثانية” هي الفترة التي بدأ فيها إعلان الدستور العثماني من جديد، في 24 يوليو/تموز 1908، بعد أن ظل معلقًا 29 عامًا، وهي تعتبر أيضًا فترة التصفية النهائية للدولة العثمانية.
وأردف: “ضمت النمسا البوسنة والهرسك إلى أراضيها عام 1908، وأعلنت بلغاريا استقلالها، وكثفت اليونان جهودها لضم جزيرة كريت”.
واستطرد: “أما إيطاليا فاستغلت هذه الأحداث وكثفت جهودها حول طرابلس غرب، وانتظرت الفرصة لاحتلالها”.
وأوضح أن “إيطاليا أرسلت مذكرة احتجاج إلى الدولة العثمانية، في 28 سبتمبر/أيلول 1911، بذريعة أنها تركت بنغازي وطرابلس غرب دون اهتمام، وأن الموظفين الإيطاليين يتعرضون لمعاملة سيئة هناك، وانتظرت ردًا خلال 24 ساعة”.
وزاد بقوله: “بدأت إيطاليا باحتلال طرابلس غرب حتى قبل أن تتلقى ردًا. وكانت الدولة العثمانية في موقف ضعيف جدًا من الناحية الاقتصادية والعسكرية والتوازنات الدولية، ووزعت الوحدات العسكرية العثمانية هناك أسلحة على الأهالي، ودربتهم وحثتهم على مقاومة الاحتلال”.
وأوضح أن الأرشيف التركي يوثق أيضا أنه تم توفير الأموال اللازمة لنفقات المتطوعين العرب، الذين أرسلهم المجاهد الليبي أحمد الشريف السنوسي (1873-1933) إلى مقر الجيش، لتلقي التدريبات، بعد احتلال إيطاليا لمنطقة طبرق.
** مقاومة الاحتلال الإيطالي
قال “كوسا” إن الحكومة العثمانية، وإن لم تستطع التدخل مباشرة في طرابلس غرب، إلا أنها أرسلت، عبر مصر وتونس، ضباطًا إلى المناطق المحتلة في طرابلس.
وأضاف أن الرائد أركان حرب أنور باشا ومصطفى كمال باشا قاما بتنظيم الأهالي وتدريبهم، ومنعا تقدم الإيطاليين صوب المناطق الداخلية.
وأوضح أن الوثائق التاريخية تحوي أيضا خطاب “ناظر الحربية” بشأن تولي أنور باشا مهمة القيادة في منطقة بنغازي.
وأضاف: “تعاون أحمد الشريف السنوسي مع الجنود العثمانيين ومقاومتهم الاحتلال منع تقدمه إلى المناطق الداخلية”.
وأردف: “ومع بدء تدهور الأوضاع في البلقان في هذه الأثناء، اضطرت الدولة العثمانية لتوقيع اتفاقية سلام مع إيطاليا، في 18 أكتوبر/تشرين الأول 1912، واضطرت للانسحاب من طرابلس غرب، التي أصبحت تحت السيطرة الإيطالية، ومُنحت إدارة ذاتية”.
** ثروات المنطقة بالقرن العشرين
قال “كوسا” إنه مع دخول القرن الحادي والعشرين، حاولت الولايات المتحدة والدول الاستعمارية الأخرى إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، للاستيلاء على ثروات المنطقة الطبيعية، وخاصة النفط والغاز.
وشدد على أن محاولات تلك الدول ستستمر خلال المرحلة المقبلة، وقد حاولت تشكيل إدارات مقربة منها في دول عديدة، للسيطرة على مستقبل المنطقة.
قامت الدول، التي تحركت للقضاء على تنظيم القاعدة في أفغانستان بتحويل أنظارها فجأة إلى العراق، في 2003
وتابع أنه في هذا الإطار قامت الدول، التي تحركت للقضاء على تنظيم القاعدة في أفغانستان، عقب هجماته في الولايات المتحدة يوم 11 سبتمبر/ أيلول 2001، بتحويل أنظارها فجأة إلى العراق، في 2003.
واستطرد: “المرحلة التي بدأت بخطة الولايات المتحدة وحلفائها لاحتلال العراق استمرت عبر تطورات مختلفة حتى يومنا هذا”.
وتابع: “تم احتلال العراق وجره إلى الفوضى.. وهذه المرة انتشرت الثورات التي بدأت في تونس (أواخر 2010)، تحت مسمى الربيع العربي، إلى كل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وبدأت الحرب الأهلية في سوريا، عام 2011، وما زالت مستمرة”.
وأردف: “وأصبح اليمن على حافة النهاية. وزلزلت الأزمات السياسية والاجتماعية، التي مرت بها مصر والدول العربية الأخرى، منطقة الشرق الأوسط بأكملها بشكل جذري. وفي هذا الإطار أيضًا بدأت الأزمات في ليبيا، الدولة الغنية بالبترول، التي تتحدى الهيمنة الأمريكية في كل فرصة”.
وبخصوص مقتل معمر القذافي على يد “ثوار ليبيين” عام 2011، رأى “كوسا” أنه مع مقتل القذافي بهذه الصورة انزلقت ليبيا إلى فوضى شديدة لم تمر بمثلها في التاريخ القريب.
** حفتر ضد الحكومة الليبية
حاليا، تدعم تركيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة حكومة “الوفاق الوطني” الليبية، ومركزها العاصمة طرابلس (غرب)، بينما تدعم الولايات المتحدة ومصر والإمارات وروسيا وفرنسا ودول أوربية أخرى “مجلس النواب”، الذي ينعقد بطبرق (شرق).
وتتبع لهذا المجلس قوات يقودها اللواء متقاعد، خليفة حفتر، الذي ينازع الحكومة، المعترف بها دوليًا، على الشرعية والسلطة في البلد الغني بالنفط.
وتشن هذه القوات، منذ 4 أبريل/نيسان الماضي، هجومًا للسيطرة على طرابلس، مقر الحكومة.
ومع تكثيف حفتر هجومه على العاصمة، وسقوط الكثير من القتلى والجرحى، وقع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس المجلس الرئاسي للحكومة الليبية، فائز السراج، في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مذكرتي تفاهم تتعلق الأولى بالتعاون الأمني والعسكري، والثانية بتحديد مناطق الصلاحية البحرية، بهدف حماية حقوق البلدين المنبثقة عن القانون الدولي.
وبناءً على ذلك، طلبت الحكومة الليبية من تركيا دعما عسكريا ضد قوات حفتر، التي تضم “مرتزقة” من عدة دول.
وبالفعل صادق البرلمان التركي، الخميس الماضي، على مذكرة رئاسية تركية تفوض الحكومة بإرسال قوات إلى ليبيا.
وقال “كوسا” إن “تركيا، التي لديها روابط تاريخية وثقافية قوية بالمنطقة، والتي تقع في حوض شرق المتوسط، لا يمكنها أن تظل صامتة تجاه ما يحدث في ليبيا، بينما تأخذ دول، كالولايات المتحدة وروسيا، مكانها هناك”.
وشدد على أن “ترك ليبيا لرغبات الدول الاستعمارية يهدد أمن تركيا في شرق المتوسط وقبرص وسواحل الأناضول”.
وختم بأن “ترك الليبيين يواجهون مصائرهم بمفردهم، بينما ترتع القوى الاستعمارية في ليبيا، سيسبب لتركيا أزمات لا يمكن تجنبها”.
(الأناضول)
استفزاز تركيا للعالم بالماضي تسبب بتحجيمها لحدودها الحالية فطردتها روسيا القيصرية من دول آسيا الوسطى والقوقاز والقرم وطردتها أوروبا من شرقها ومن البلقان وقبرص وطردها العرب من الوطن العربي، والآن يتراكم استفزاز تركيا للعالم وسيقود لتكاتف دولي لتحجيم أكثر لتركيا بإبعادها عن حدود أرمينيا وإيران والعراق وسوريا وعن شواطيء المتوسط وإيجة ومرمرة بعمق 200كم وطول 2800كم وإعادة تلك المناطق لشعوبها الأصلية أرمن وأكراد وعرب ومسيحيي بيزنطة وقصر إنفاق ثروات المناطق لتحسين عيش مواطنيها وحصر تركيا بوسط الأناضول.
تهم هذه الوثائق البحث التاريخي ، إلا أن هناك خطأ ينبغي تصحيحه . فاستعمار الجزائر من طرف فرنسا كان سنة 1830 ، كما استعمرت تونس سنة 1881 ، بينما المغرب خضع للاستعمار الفرنسي والإسباني سنة 1912 باتفاقية استعمرت إسبانيا شمال المغرب وصحرائه بينما انفردت فرنسا بباقي البلاد .