التونسية نسيبة العيادي العروسي تخترق قيمة اللون

تعتني الفنانة نسيبة العيادي العروسي بمجال الإدراك البصري في بعده التقني والجمالي، وذلك بما للرؤية البصرية من أهمية حين تشترك في المشروع الجمالي. لذلك فهي تعتمد في منجزها التشكيلي على إخراج المادة التشكيلية إلى المجال الحسي البصري بتقنيات عالية، رغبة في إخراج تراسيم الجمال من زوايا مختلفة، وإظهاره في دهشة فنية، وسط كتل لونية، وإمداده بأشكال متنوعة من الطلاء اللوني، والتدفقات الانطباعية المتجلية في الشخوصات والبورتريهات والأماكن والبنايات، وغيرها مما يسعف في إخراجها من بؤر تتخطى حدود الزمان والمكان. وعلى الرغم من تعددية الأشكال داخل العمل الواحد؛ فإن المبدعة ترسي تجربتها بناء على مقومات تشكيلية متفردة، وعلى أسلوب إبداعي يمتح من الواقعية وفن البورتريه والانطباع والتجريد كل المقومات الأساسية، فتروم التجديد بذلك المزيج في سياق نسيج تشكيلي، يشكل أيقونا لجهاز مفاهيمي متعدد المشارب. فتضحى قيمة اللون وخفضه وشدته متنوعة بذلك التسويغ التشكيلي المختلف، فهي تجمع بين مختلف الألوان والرموز والعلامات والشخوصات، بقوة تعبيرية تتخذ من الملمس التشكيلي أداة للجمع الفني؛ وإن كان يختلف من حيث درجة النعومة والانتظام، ومن حيث توظيف مفردات الفن التشكيلي المعاصر، الذي يشكل أرضية تشكيلية قوية في أعمالها؛ فإنه يتم توظيفه بطرق مختلفة وبتقنيات جديدة مغايرة للمألوف، لإنتاج قيمة تعبيرية معاصرة، تنبثق من تصورات المبدعة نسيبة العيادي العروسي، فهي تستهدف التقنية كأساس أول لتمرير خطابها التشكيلي، ما يحيل إلى معجم جمالي مليء بالألغاز التعبيرية التي تتيح تحقيق ملمس إيهامي عن طريق تقنية التوليف.


إن تفاعلها مع اللون والشكل والخامة وإحداث نوع من التجانس بين العناصر البنائية وبين مختلف المفردات التشكيلية، وإنتاج فتحات ضوئية لتشكيل المعنى، وتداخل الألوان، بطبقات متفاوتة وتدرجات فارقة أحيانا ومنطقية ومتوالفة أحيانا أخرى؛ يسهم في بناء فضاء كثيف على أنقاض أبعاد متنوعة للفراغ، محدثا حركات متوالية تحرك الكتل، وتسمح ببزوغ أشكال وصور متنوعة بدقة عالية، وجمالية فلسفية تتيح للقيم الفنية المرور عبر مساحات كثيفة وخامات متنوعة. فتحقيق التوازن الإبداعي في خضم قوة الكثافة يجعل الحركة تبعث ترانيم موسيقية، ويجعل الأعمال ككل تُبدي ضمنيا ما تضمره من ثقل إيحائي وجهاز مضاميني. إن للمبدعة قدرات توظيفية هائلة تتحكم من خلالها في عمليات التدبير الفضائي الكثيف، بكل ما يتطلبه من مقومات فنية ومستلزمات تشكيلية لإنتاج حزمة من الدلالات والمعاني، التي لها أهميتها على مستوى المفهوم الجمالي المعاصر. وتشكل عملية بناء التقاطعات الحوارية داخل النسيج اللوني والرمزي والعلاماتي معرفة تشكيلية، بوضعيات التشخيص التشكيلي في البؤر التجريدية، على نحو من الفطرية في بعث الشخوصات والأشكال من عمق المادة التشكيلية الكثيفة بانطباعية بصرية. وهو ما يجعل المادة التشكيلية لديها تكتسي وظائف بنائية ودلالية تنسجم مع هواجسها ومع مشروعها الذاتي الذي يتواشج مع تقنياتها الفنية، ومع رؤاها الجمالية؛ وهو ما يؤكده طابع التوليف والانسجام والموازنة بين التركيب والألوان والمساحات المغلقة. فالمبدعة ترسي أسلوبها التشكيلي الدلالي المعاصر على لبنات قوية بنوع من التجديد المستمر.

٭ كاتب مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية