نيويورك – الأمم المتحدة «القدس العربي»: تبدأ الدورة العادية للجمعية العامة ثالث ثلاثاء من كل أيلول/سبتمبر من كل عام وتنتهي بعد سنة كاملة أي منتصف ليل ثالث إثنين من العام التالي. يخصص الأسبوع الأول من الإفتتاح للقضايا الإدارية واللوجستية والتأكد من أهلية الأعضاء للمشاركة في الدورة وأن عضويتهم فعالة ولن يتم تجميدها إذا تراكم التأخر في دفع المستحقات للميزانية لمدة ثلاث سنوات متتالية. وفي الأسبوع الثاني من الافتتاح يبدأ الجزء المخصص للمناقشة العامة ويستمر نحو عشرة أيام يلقي رئيس وفد البلد كلمة باسم بلاده عن مجمل رؤيته في ما يهم بلاده من قضايا محلية ثم يدلي بدلوه في مجمل القضايا الدولية التي تشغل بال المجتمع الدولي في تلك الفترة. في شهر حزيران/يونيو من كل عام عادة يتم إنتخاب رئيس للدورة المقبلة ويراعى في ذلك التوزيع الجغرافي للمجموعات الست المعترف بها. يتم التوافق داخل المجموعة الجغرافية على المرشح أولا ثم يطرح للتصويت أمام كافة الأعضاء. وغالبا ما يتم إعتماد مرشح المجموعة الجغرافية بالإجماع أو شبه الإجماع إلا إذا إختلفت المجموعة فيما بينها وتقدمت بمرشحين. وقد حدث هذا مرارا وحتى بين العرب في الدورة 45 عام 1990 على إثر غزو العراق للكويت عندما تنافس المرشحان السعودي المرحوم سمير الشهابي (من أصل فلسطيني) مع اليمني المرحوم عبد الله الأشطل وفاز بالطبع السعودي.
في هذه السنة توافقت المجموعة الأفريقية على وزير خارجية أوغندا سام كاهانغا كوتيسا خلفا لجون آش من جزيرة أنتيغوا التي تنتمي للمجموعة الجغرافية «دول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي».
بدأت الدورة يوم الثلاثاء 23 بعقد قمة المناخ ليوم كامل ثم بدأت المناقشة العامة صباح الأربعاء 24 بكلمة من رئيسة البرازيل، حيث جرت العادة أن تكون البرازيل المتحدث الأول منذ عام 1946 وإلى الآن، وانتهى هذا الجزء يوم الثلاثاء 1 تشرين الأول/أكتوبر بكلمة من كابو فيردي (الرأس الأخضر). تحدث بينهما 193 خطيبا، من بينهم 117 رئيس دولة أو حكومة/ وثلاثة نواب رئيس، وثمانية نواب رئيس وزراء، و56 وزير خارجية وسبعة رؤساء وفود، ورئيسان لدولتين مراقبتين هما فلسطين والفاتيكان.
المواضيع الأكثر إلحاحا
بعد إنتهاء الجزء المخصص للمناقشة العامة رفيعة المستوى نستطيع الآن أن نستعرض أهم ما جاء في كلمات رؤساء الوفود وما هي المواضيع التي تشغل بال المجتمع الدولي وأين ذلك كله من قضايانا.
أولا: المسائل التنموية
شغلت القضايا التنموية الحيز الأكبر من كلمات الوفود وخاصة تلك المتعلقة بالأهداف الإنمائية للتنمية والصحة والمناخ. فقد ركزعدد كبير من المتحدثين على الأهداف الإنمائية للألفية التي يجب تحقيقها بنهاية العام المقبل، يلي ذلك صياغة جدول أعمال طموح للتنمية المستدامة لما بعد عام 2015 والذي من شأنه أن يعود بالنفع على سبل عيش جميع الناس، وخاصة حشد الجهود المالية والتكنولوجية التحويلية لتحقيق هذه الأجندة.
وقد أكد المتحدثون على أهمية التخلص من الفقر والجوع كهدف مركزي للأجندة التنموية لما بعد 2015. كما دعوا إلى إيجاد آليات لتمويل تنفيذ تلك الأهداف سواء من الناحية المالية، التقنية، بناء القدرات أو نقل التكنوجيا. وذكـّر عدد من المتحدثين بمسؤولية الدول المتقدمة بالإلتزام بتقديم «المساعدة التنموية الخارجية» (0.08 من ناتج الدخل القومي) التي وعدوا بها من أجل إقامة شراكة عادلة. كما ركز عدد من الوفود على ضرورة إيجاد نظام تجاري دولي عادل وإعادة هيكلة المؤسسات الدولية الاقتصادية المعنية بالتجارة والتمويل لتكون أكثر إستجابة لاحتياجات الدول النامية.
كما قرع كثير من المتحدثين أجراس الخطر حول قضيتين أساسيـتين تشغلان العديد من الدول النامية: البطالة المرتفعة لدى قطاع الشباب وتهميش المرأة في عملية التنمية. وقد طالب المتحدثون بإيجاد إستراتيجية دولية لإشراك الشباب والمرأة في عملية التنمية عن طريق خلق فرص تشغيل أوسع وفتح المجال أمام المرأة خاصة لتأخذ دورا أوسع في عملية النهوض بالمجتمعات النامية.
لقد إحتل التحذير من خطر إنتشار وباء الإيبولا حيزا هاما من كلمات المندوبين وخاصة الأفارقة، حيث ركز المتحدثون على أهمية تنسيق الاستجابة على هذا الخطر بطريقة لا تعاقب هذه الدول وتؤثر في إقتصادياتها الهشة بل لاقتلاع الداء دون قتل المريض. ورحب معظم الوفود بالدور القيادي الذي تلعبه الأمم المتحدة في هذا المجال وخاصة قرار الأمين العام بان كي مون بإنشاء بعثة الأمم المتحدة الخاصة باستجابة الطوارئ لمرض الإيبولا. كما ذكرت بعض الكلمات أن الوباءات الأخرى ما زالت تحصد آلاف الأرواح وخاصة نقص المناعة المكتسب (أيدز) والملاريا والسل.
لقد كانت قضايا التغير المناخي على قمة أولويات العديد من الدول وخاصة الجزر الصغيرة والتي تشعر بأن وجودها كله مهدد إذا لم يتم إحتواء الإحتباس الحراري الذي يؤثر على المناخ. وقد ثمن المتحدثون الدور الأساسي الذي لعبه الأمين العام في الإعداد لقمة المناخ التي سبقت النقاش العام بيوم واحد لتؤكد على أهمية هذا الموضوع الذي يشمل مستقبل الكرة الأرضية والبشرية جمعاء وخاصة الأجيال القادمة. وقد أدخل المؤتمرعملية التغير المناخي والتوصيات التي أسفرت عن القمة في صلب عملية التنمية لما بعد 2015. كما أكدوا على ضرورة التوصل إلى المعاهدة الدولية حول المناخ في المؤتمر الدولي المزمع عقده في باريس في كانون الأول/ديسمبر 2015.
ثانيا: المسائل المتعلقة
بالأمن والسلم الدوليين
لقد كان إنتشار خطر الجماعات الإرهابية المتطرفة موضوعا طاغيا في كلمات الوفود. فلم تخل كلمة رئيس وفد من التذكير بهذا الخطر الداهم الذي بدأ ينتشر في معظم القارات. وقد ترددت أسماء مثل «القاعدة» و»داعش» و»بوكو حرام» و«الشباب» وغيرها كأمثلة على هذه الجماعات.
ودعا رؤساء الوفود إلى مواجهتها قبل تمددها أكثر وأكثر، وطالبوا بتوحيد الرد الدولي عليها ليس فقط بالطرق العسكرية فحسب بل باعتماد نهج أوسع يشمل الثقافة والاقتصاد ومصادر التمويل والتدريب والتجنيد. كما طالب العديد من الوفود بإقامة شراكة وتنسيق عاليين بين منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والجهوية في الرد على هذا الخطر الذي تجاوز حدود الإقليم. وفي هذا الإطار رحب عديد من المتحدثين بإقامة التحالف الحالي ضد جماعة «داعش» بقيادة الولايات المتحدة.
لقد مر العديد من المتحدثين على قضايا الصراع الحالية من منظور الإرهاب وخاصة ما يجري في سوريا والعراق واليمن وليبيا. وقلة من أعادوا أسباب هذا الصراع إلى الطغيان والاضطهاد وخنق الحريات. وقد نوه بعض الخطباء إلى البئية التي يترعرع فيها الإرهاب والتطرف وخاصة الانحياز الطائفي واضطهاد الأقليات والاستئثار بالسلطة وانتشار الفساد والإنحراف عن الحكم الرشيد.
كلمة الولايات المتحدة التي ألقاها الرئيس باراك أوباما ركزت على الهجوم على سياسة روسيا فيما يتعلق بأوكرانيا متهما تلك السياسة بالعودة إلى أيام الحرب الباردة. وتابعت دول الاتحاد الأوروبي السير في نفس الطريق معتبرة أن الخطر الأكبر على أمنها السياسة التوسعية العدوانية لروسيا وتناسوا تماما عن عمد العدوان الإسرائيلي الأخير على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة واحتلال الأرض العربية لمدة تزيد عن 47 عاما رغم القرارات العديدة للمنظمة لدولية.
غزة كانت الغائب الأكبر عن كثير من الكلمات حتى كلمات الوفود العربية. فكلمة الرئيس المصري لم تأت على ذكر غزة ولا على حرب الخمسين يوما ولا جرائم الحرب التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية. أما كلمة المغرب فلم تتطرق للسياسة أبدا كي يعفي رئيس الوزراء نفسه من الحديث عن غزة. وكلمة وزير خارجية الجزائر ذكرت على إستحياء المأساة الفلسطينية «إن تاريخ الإنسانية يعلمنا أن المواجهات المسلحة تحمل في ذاتها بذور النزاعات ولا يكتب الدوام إلا للحلول المتسمة بالعدل والمطابقة للقانون. ويتعين تناول القضية الفلسطينية والأزمة السورية من خلال هذا التصور». وبلد مهم مثل ألمانيا لم يتطرق لا من قريب ولا من بعيد لفلسطين أو غزة بل ركز وزير الخارجية على أوكرانيا والإرهاب. أما النرويج، صاحبة مبادرة إتفاقية أوسلو سيئة الصيت، فلم تشر إلى فلسطين إلا من باب تبنيها لمؤتمر الدول المانحة الذي سيعقد في القاهرة لإعادة إعمار غزة. أما اليابان فذكرت أنها عملت شراكة تنموية مع غزة ودربت 400 شخص عادوا بمهاراتهم لمساعدة شعبهم هناك مثل أسامة النجار الذي أدخل الطاقة الشمسية في مستشفى في غزة إستطاع أن يستمر في العمل رغم انقطاع التيار الكهربائي عن بقية القطاع.
بعض كلمات الوفود الأفريقية واللاتينية حملت الهم الفلسطيني وحرارة الموقف مما جرى في غزة أكثر بكثيرمن معظم كلمات الوفود العربية. ولا بد من رفع القبعة لكلمات وفود البــــرازيل والأرجــــنتين وفنزويلا وكوبا والإكوادور وزمبابوي وجنوب أفريقيا وغيرها.
لقد كانت فترة المناقشة العامة رفيعة المستوى فرصة مهمة لكافة الدول للتركيز على همومها من على هذا المنبر الواسع للتحدث منه لكافة ممثلي الدول. وقد يكون عدد الحضور أثناء الكلمة نوعا من الاستفتاء العفوي على أهمية الدولة أو أهمية القضية المطروحة أو مدى الرضى الدولي عن تصرفات تلك الدولة. وإذا إعتبرنا أن حجم الحضور مؤشرا على مدى الرضى عن مسلكية تلك الدولة فتكون كلمة رئيس وزراء إسرائيل من أكثر الكلمات التي ألقيت على قاعة شبه فارغة.
عبد الحميد صيام
سبحان الله تلوم رؤساء الدول على عدم ذكر مأساة فلسطين وانت فعلت الشيء ذاته لقضية الشعب الصحراوي العربي والمسلم حيث انك لم تذكر أن كل من الجوائر وأقلبية دول افريقيا وامريكا اللاتنية ذكرت أيضا الصحراء الغربية وطالبت الامم المتحدة تنفيذ قراراتها لتمكين الصحراوببن من تقرير مصيرهم
فلا تنهى عن خلق و…..وكم هم شديد ألم ضربة القريب
السيد الدكتور المحجوب الصحراوي
لم أتغافل عامدا عن ذكر موضوع الصحراء الغربية بل لانها لم تكن موضوعا طاغيا في كلمات الوفود. لقد ذكر موضوع الصحراء الغربية من عدد محدود من الوفود. ولو أردت أن اذكر في المقال مواضيع مهمة ذكرت في عدد من الكلمات لأضفت مواضيع مثل جنوب السودان ودارفور وجمهورية أفريقيا الوسطى والصومال وأفغانستان وبرنامج إيران النووي وقضية كشمير. بل إن عددا من وفود أمريكا اللاتينية طالبوا بالسماح للصين الوطنية أو تايوان بالدخول في المنظمات الدولية كمنظمة الصحة العالمية. فهل تريدني ان أذكر كل هذه المواضي؟ . لقد ركز المقال على المواضيع الأكثر ذكرا وتكرارا. والعتب على تجاهل غزة لانها شهدت، كما تعرف يا دكتور محجوب، مذبحة راح ضحيتها اكثر من أربعة عشر ألفا بين شهيد وجريح قبل شهر من انعقاد الدورة . لذلك يكون تجاهلها مقصودا ومؤلما وخاصة من ذوي القربى كما يقول الشاعر:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند
وأرجو أن أكون رددت على تهمتك غير العادلة.
تلخيص جيد وشامل
أرجو أن أنوه فقط الى أن كلمة السيد وزير خارجية السودان السيد الدكتور على كرتى كانت قوية وتناولت أحداث غزة وما تعرض له الفلسطينيون بقوة وعمق وكان يجب الإشارة الى كلمته ضمن الكلمات القوية وشكرا