ثلاث محاولات ثورية لتغيير وجه الشرق الأوسط فشلت في العقد الأخير، الربيع العربي، والهيمنة الإيرانية، والخلافة الإسلامية. نقطة انطلاق المحاولات الثلاث هي فشل الدول العربية. لقد حاول الربيع العربي إصلاح سلوكها، وتعمل الهيمنة الإيرانية كي تسيطر عليها وتآمرت الخلافة الإسلامية لتحل محلها. والدافع الذي غذى الثورات لا يزال مشتعلاً، ودوافع أخرى لذات الميول ستعود للظهور من جديد، ولكن إخفاقات هذا العقد خلفت صدمة لمن أحدثها ولحاضر المنطقة بأسرها.
فشل الدول العربية مدوٍ. معظمها خرجت في منطقة القرن الماضي بعد حكم عثماني طويل وجيل من السيطرة الغربية إلى استقلال سيادي، وتكاد كلها تترنح على شفا الدولة الفاشلة. وحتى النجاحات النسبية في الخليج تنطوي على مشكلة بنيوية لأقلية ذات حقوق محلية تقوم على أساس استغلال قوة العمل الأجنبية. والفشل ليس سياسياً واقتصادياً فحسب، بل إن المجتمع لا يؤدي مهامه جيداً، وتفسير الفشل ثقافي. يدور الحديث عن تنوع كبير من الدول: صغيرة وكبيرة؛ مكتظة وكبيرة؛ مكتظة وقليلة السكان؛ فقيرة وغنية؛ مع ودون نفط؛ تلك التي كانت تحت الحكم الاستعماري، تلك (وعلى رأسها السعودية) التي لم تشهد ذلك، وهذه التي ضمت إلى دولة الأم الأوروبية (الجزائر)؛ ملكية وجمهورية؛ تلك التي شهدت ولم تشهد الدكتاتورية العسكرية؛ دول وصفت “بالعلمانية” وتلك التي تبنت الشريعة ظاهراً؛ مؤيدة للغرب، مؤيدة للشرق، وتلك التي غيرت ميلها العالمي في عهد الحرب الباردة؛ أنظمة مستقرة نسبياً مقابل تغييرات متواترة في الحكم. القاسم المشترك هو جملة من الثقافة السياسية العربية والفشل المتواصل والمثبت.
ميزة مهمة وباعثة على الاكتئاب في هذا الوضع هي الاعتراف العميق في أوساط دوائر واسعة من العرب أنفسهم بشدة فشلهم. ظاهراً، هذه خطوة أولى للإصلاح وللانتعاش، غير أنه رغم هذا الاعتراف، بل وحتى رغم التشخيص السليم لمصدر الفشل، لا يوجد في التيار المركزي للمجتمع العربي استعداد لعمل ما يلزم لأجل الخلاص منه. وتتركز المشكلة في غياب تعددية وانفتاح في كل مجالات الحياة، من العائلة النووية ومكانة المرأة، عبر الخطاب الجماهيري والعلم وحتى الأنظمة السياسية. لقد فشل المجتمع العربي في التصدي لتحديات القرن العشرين والحادي والعشرين، كونه تنقصه المرونة والانفتاح اللذان يسمحان بالتكيف مع التغييرات وتجنيد الطاقة البشرية الكامنة اللازمة لذلك.
انقلاب خلق واقعاً أصعب
المفكرون المتنوعون في هذا المجتمع، بل وحتى بعض من حكامه، يعرفون أن هناك حاجة إلى بنى اجتماعية وسياسية أكثر انفتاحاً، ولكن في لحظة الحقيقة فإن التيار المركزي في المجتمع ليس مستعداً لتبنيها. وبدلاً من تصدي للإخفاقات والتجند لجهد بناء أمة ومجتمع، فإنهم يدمنون على المعاذير حول ذنب الاستعمار، والعولمة، والاحتلال، والعنصرية وانعدام العدالة العالمية. وهم يستعينون بإدمانهم بجملة من الصحافيين، والشخصيات “التقدمية” و”الخبراء” من الأكاديمية الغربية ممن تعلموا من إدوارد سعيد بأن “ضحية” الاستعمار الغربي معفي إلى الأبد من المسؤولية عن أفعاله وقصوراته. وحتى المراقبون الأقل جمودًا من أولئك حصروا انتقادهم بـ”الحكام”، مع التشديد على “دمى الإمبريالية الأمريكية”.
لقد دحض فشل الربيع العربي المعاذير، وتبين أنه حتى عندما يعترف الجمهور بفشل المنظومة السياسية، ويتجرأ على الثوران ضد حكامه وينجح في إسقاطهم، لا يرفع من أوساطه بديلاً تعددياً أكثر. وتكمن المشكلة في الثقافة السياسية التي تبناها التيار المركزي. هي التي فرضت في الدولة العربية الأكبر، الأكثر استقراراً وأهمية، الاختيار بين الدكتاتورية العسكرية المتشددة وبين الحكم القمعي لـ”الإخوان المسلمين” الأسوأ بكثير حتى منها، حين اندحرت القوة الأكثر تعددية التي حمست الغرب في ميدان التحرير إلى الهوامش غير ذات الصلة. هي التي نجحت في أن تخلق في ليبيا واقعاً أصعب حتى من الحكم القمعي والمجنون لمعمر القذافي وأثارت الحرب الأهلية في اليمن. هي التي طرحت في الحرب الأهلية الوحشية في سوريا الاختيار بين دكتاتور بربري ما، وبين جملة محافل إرهابية سائبة أخرى. وعلى الحاكم الفرد المسؤول والمعتدل نسبياً في الأردن تهدد محافل “الإخوان” الأسوأ منه بلا قياس من حيث قمع حريات الفرد.
في لبنان انعكس الميل المرغوب فيه لمنح وزن أكبر في الحكم للطائفة الشيعية الكبيرة المظلومة في سيطرة حزب الله والتهديد الذي يطرحه، بخدمة إيران، على مجرد بقائه كدولة تؤدي وظائفها. وحتى في تونس يتعلق النجاح الهش لمحاولة التحول الديمقراطي الوحيدة للربيع العربي بالنية الطيبة لتنظيم “الإخوان” الذي هو مناهض للديمقراطية في أساسه. باختصار، في المراكز المهمة للعالم العربي، المجتمع أسوأ حتى من حكامه الفاشلين.
استقرار لانعدام الاستقرار
لقد أجادت إيران الفهم بأن فشل وبؤس الدول العربية يعرضان عليها فرصة رائعة لإقامة هيمنة إقليمية على خرائبها. وقد عملت في العقد المنصرم بشكل نشط وذكي كي تثبت وجودها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، على فرض مسنود بأن ستسقط بأيديها، في أعقاب هذه الدول، محافل أخرى كثمار ناضجة.
وفي محاولات إسرائيل منع ذلك بالقوة، اعتزمت إيران التغلب من خلال خليط من الحصانة النووية وتهديد مئات آلاف الصواريخ قرب إسرائيل على التجمعات السكانية وبناها التحتية المدنية والعسكرية. أما المقاومة الأمريكية فقد نجحت إيران في تحييدها في اتفاق مع الرئيس الأمريكي الذي لم يفهم خطورة تهديد الهيمنة الإقليمية، ورأى في إيران حليفة استراتيجية محتملة. وجاء تغيير الإدارة في واشنطن ليغير من الأساس مكانة إيران. إن قدرتها الاقتصادية للسعي إلى الهيمنة تضررت بشدة، أما إسرائيل فتنجح، بإسناد أمريكي، في التشويش على خططها في سوريا. والدول السنية في المنطقة ترتبط بالولايات المتحدة وإسرائيل في محاولة للجمها.
يشرح فشل الدول العربية أيضاً صعود الخلافة الإسلامية. كثيرون في المنطقة وخارجها ممن سعوا إلى استعادة مجد الماضي الإسلامي ولم يفهموا الأسباب العميقة الثقافية للفشل العربي، عزوه إلى الابتعاد عن أنظمة الشريعة. ومنحهم الفشل العربي الذريعة لإقامة الخلافة، والفرصة للسيطرة على مناطق واسعة فقدت الدول الفاشلة سيطرتها السيادية فيها. وسرعان ما يتبين أنه لا يكفي هذا الخليط من التزمت الديني، القمع الوحشي للسكان والمسرح الإعلامي للسلوك البربري من أجل التصدي للقوى الإقليمية والغربية التي هددها “داعش”.
توقعان يمكن أن نطرحهما بثقة للعقد المقبل: التخلص من الفشل العربي لا يبدو في الأفق، والنظام الإيراني سيواصل تهديد المنطقة طالما بقي في طهران. أما عدم ا لاستقرار الإقليمي فمضمون.
بقلم: دان شيفتن
بروفيسور رئيس البرنامج الدولي للأمن القومي في جامعة حيفا
إسرائيل اليوم 10/1/2020
ما أن قرأت العنوان المُحبط للنفس حتى فتحت المقال و رحت أبحث عن كاتبه و لم أتعجب حينما وجدته إسرائيليا صهيونيا متشفياََ في الشعوب و الحكام سواء عرب أو مسلمين و هو يقول أننا انتصرنا عليكم و بؤتم بالفشل على كافة الأصعدة ساعياََ من وراء كلامه القول بأنكم يا عرب و يا مسلمين حاولتم و جربتم كل الحلول فلم تُفلحوا و لابد أن تعترفوا بانتصارنا عليكم غلا مستقبل لكم و لا مشروع إيديولوجية و لا سياسي موحد لكم و أنتم كغثاء السيل تتقاتلون و تتنافرون و لا أمل في أن تبنوا مجدََا كذلك الذي بناه أجدادكم من قبل.. كلامُُ مُحبط للنفوس ينمُّ عن حقد و نيَّة في الإساءة و القدح و الإنقاص من ١لهمم و محاولات التغيير و التحسين..
و كدلك فعلت أنا قرأت العنوان و نزلت أبحت عن الكاتب لما وجدته صهيوني توقفت.
لو لم تكن الشعوب مستبدة ما إبتلاها الله بحكام مستبدين أو كما قال الكواكبي رحمه الله.
نعم والعيب فى الشعوب أولا وليس آخرا
ها نحن ننتقد من ينتقد فشلنا
السيد البرفسور دان شيفتن. ماذاتقصد بالضبط التيار المركزي في المجتمع؟ في الحقيقة الثقافة السياسية للمحتمع العربي فشلت في انتاج تظام سياسي تعددي كما تطالب به الشعوب العربية, وربما مطلبها الأساس حيث سييضمن مطلبها الأساس في الحرية والكرامة الإنسانية لجميع المواطنين على حد سواء. لكن ثورات الربيع العربي مستمرة ولن تقف عند هذا كما يبدو واضحاً من المشهد على الساحة العربية. من جهة ثانية هل التيار المركزي في المجتمع الإسرائيلي عنصري إلى هذا الحد حيث أنه لم ينتج إلا حكومات عنصرية؟ يبدو لي أن المسألة لديكم تختلف حيث أن الإيديولوجية الصهيونية العنصرية هي التي تسيطر على المجتمع الإسرائيلي, وأين ربيعكم!