واشنطن بوست: دبلوماسية اليد الطويلة لترامب تخيف الحلفاء والأعداء ونتائجها قصيرة الأمد

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن – “القدس العربي”:
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا عن السياسة الخارجية التي انتهجها الرئيس دونالد ترامب والقائمة على سياسة اليد الطويلة واستخدام التكتيكات الشديدة والتي خلقت توترا بين الولايات المتحدة وأصدقائها وأعدائها على حد سواء.
وفي التقرير الذي أعده كل من آن غيران وجون هدسون قالا إن الرئيس ترامب عندما قرر في الأيام الأولى من إدارته الضغط على دول حلف الناتو زيادة النفقات على الميزانية هددهم بأنه سيترك الحلف. وعندما قال قادة العراق إنهم يريدون خروج القوات الأمريكية من بلدهم هددهم الرئيس قائلا إنه “سيفرض عقوبات مشددة”. وبعد زيادة التوتر مع إيران لدرجة الحرب هددت إدارته بطريقة خاصة أنها ستفرض تعرفة جمركية على السيارات الأوروبية إن لم تقم بتحدي إيران واتهامها بخرق الاتفاقية النووية عام 2015 التي حاول ترامب تفكيكها.
وتقول الصحيفة إن دبلوماسية النتائج القصوى أصبحت علامة على السياسة الخارجية وهي التي أدت إلى تحقيق انتصارات قصيرة الأمد. ومقتها المعادون له واعتبروها “ابتزازا” وأدت إلى محاكمته نتيجة أعماله مع أوكرانيا التي ستبدأ في أرضية الكونغرس هذا الأسبوع.
ومع أن ترامب لم يكن متناسقا في تنفيذ سياسته إلا أنه لم يبد تراجعا عن سياسة اليد الطويلة والتي أثارت عداء أصدقاء وأعداء أمريكا على حد سواء بشكل ترك أمريكا معزولة على المسرح الدولي، وفي الوقت الذي يشارك فيه الرئيس ترامب بمنتدى دافوس الذي يحضره قادة العالم ومدراء الشركات حيث سيكون التوتر مع أمريكا واضحا. ومن المتوقع أن يتحدث في خطابه يوم الثلاثاء عن صفقاته التجارية ونمو الاقتصاد الأمريكي والمواجهة الأخيرة مع إيران.

وقال ترامب يوم الخميس عندما أكد حضوره دافوس: “نحن في ازدهار، وبلدنا هي أكثر البلدان جاذبية في العالم ولا شيء يماثلها”. وقال: “كل زعيم في العالم يقابلني ويقول: ماذا فعلت؟ وهذا أمر مبهر لم نره من قبل”. وسيكون الرئيس قريبا في دافوس من المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والصناعيين الأوروبيين وبعد أيام من الكشف عن تهديدات بفرض نسبة 25% على السيارات الأوروبية. ولم يعلن البيت الأبيض فيما إن كان ترامب سيلتقي مع ميركل مع أن الدبلوماسيين يتوقعون لقاء بينهما. وكانت ألمانيا هي هدف رئيسي لتهديدات ترامب وعلى أكثر من جبهة، فقد قال إنها لا تعوض أمريكا بما يكفي مقابل نشر الوحدات العسكرية في ألمانيا وسمح لها بالاستفادة من الفرص الاقتصادية بطريقة غير منصفة للمستهلكين والشركات الأمريكية.

ومن المتوقع مناقشة كيفية التعامل مع إيران في المنتدى خاصة في حالة لقاء ترامب- ميركل. ففي الأسبوع الماضي حيرت الإدارة المسؤولين في أوروبا بتهديدهم بفرض تعرفة جمركية على حكومات ألمانيا وفرنسا وبريطانيا إن لم تبادر بآلية تفرض من خلالها العقوبات الاقتصادية والعسكرية على إيران، وهي خطوة لو نفذتها الدول الثلاث فستنهي الاتفاق الذي يعود إلى حقبة الرئيس باراك أوباما، مع أن الدول الأوروبية تحاول إنقاذها. وخرج الرئيس ترامب عام 2018 من الاتفاقية مع أن بقية الموقعين عليها ظلوا يشجعون إيران على الالتزام ببنودها.
وتقول الصحيفة إن الدول الحليفة للولايات المتحدة كانت تخطط للإعلان عن آلية نزاع إلا أن التهديد دفعهم لإعادة النظر في الخطة خشية الظهور بمظهر من يركع للضغط الامريكي. وقال مسؤول أوروبي: “كنا سنقوم بهذا إلا أن ترامب خرب الخطط لأن لدينا حساسية من الظهور بمظهر التابع لأمريكا”. وقررت ألمانيا وبريطانيا وفرنسا الحفاظ على مسارها وإخفاء التهديدات. وكانت الصحيفة قد كشفت عن التعاملات السرية للإدارة مع هذه الدول مما أدى لإحراج الطرفين على جانبي الأطلنطي.

وقال جيرمي شابيرو، مدير الأبحاث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “تكشف هذه الحالة أن إدارة ترامب فقدت فن الدبلوماسية مع حلفائها”. وأضاف أن “الطبيعة الكاملة للحليف القوي هي العمل معا والبحث عن طرق للتنسيق بدون اللجوء إلى تهديدات”. وتقول الصحيفة إن الحادث هذا يكشف أيضا عن غياب التنسيق الداخلي من جانب الإدارة وهو أمر معروف داخل إدارة ترامب.

وشكك سفير الولايات المتحدة في ألمانيا ريتشارد غرينل بدقة ما ورد في مقال صحيفة “واشنطن بوست” وقال إنه لا يعتقد أن التعرفة الجمركية كانت قضية. لكن ديفيد هيل، المساعد لوزير الخارجية في الشؤون السياسية، هو من قام في الثامن من كانون الثاني (يناير) بتوصيل التحذير للمسؤولين الأوروبيين. وأكدت وزيرة الدفاع الألمانية أنغريت كرامب- كارينبور أن الولايات المتحدة هددت الدول الأوروبية وذلك في مؤتمر صحافي بلندن الأسبوع الماضي. وقالت: “هذا التعبير أو التهديد إن أرد موجود”.

وفي أثناء وجود ترامب في دافوس سيبدأ الكونغرس إجراءات محاكمته في الاتهامات المتعلقة بمحاولة تأثيره على أوكرانيا. واتهم النواب الديمقراطيون في مجلس النواب ترامب بمحاولة استخدام الدعم العسكري لأوكرانيا من أجل مواجهة العدوان الروسي مقابل التحقيق في مخالفات ارتكبها نائب الرئيس الأمريكي السابق جوزيف بايدن. بالإضافة لاتهام الديمقراطيين بالتآمر مع كييف لنشر معلومات ضد ترامب في حملة انتخابات عام 2016 التي فاز بها ترامب. وأكد ترامب أنه لم يضغط على الحكومة الأوكرانية بل إنه كان قلقا لوضع الفساد المستشري في أوكرانيا. وحاول الجمهوريون في الكونغرس تقديم رؤيته وأنها جزء من محاربة الفساد بشكل يتناسب مع دبلوماسية اليد الطويلة في السياسة الخارجية.

وقال ميك مولفاني، رئيس طاقم البيت الأبيض: “الانتخابات لديها تداعيات ويجب أن تكون” و”يجب أن تغير سياستك الخارجية وقد فعلتها إدارة أوباما بطريقة ونحن نقوم بعملها بطريقة مختلفة ولا مشكلة في هذا”. وهناك تصادم بين منافع السياسة التي ينتهجها ترامب طويلة وقصيرة المدى. ويرى داعموه أنها أنتجت نتائج جيدة على الولايات المتحدة فيما يقول كارهو الرئيس إنها أثرت على قيادة أمريكا العالمية وأفقدتها ثقة وحسن نية الدول الحليفة لها.

وأخاف ترامب حلفاءه العام الماضي عندما أراد انتزاع مليارات الدولارات منهم بناء على صيغة “الكلفة إضافة لنسبة 50%” وهي تعني دفع الدول ثمن انتشار القوات الأمريكية على أراضيها بالإضافة لنسبة. وهو ما أخاف الدول الأوروبية خاصة ألمانيا التي ينتشر فيها أكثر من 33.000 جندي أمريكي. واضطرت البنتاغون للتوضيح أن الصيغة موجهة للدول الآسيوية التي لم تف بتعهداتها مثل اليابان وكوريا الشمالية. مع أن سيؤول دفعت لأمريكا أكثر من السابق. ففي العام الماضي وافقت كوريا الشمالية على دفع 925 مليون دولار مقابل استقبال 28.500 جندي أمريكي. وهي نسبة 8.2% عن العام الذي سبقه.

وفضل المسؤولون الأمريكيون اتفاقا لمدة خمسة أعوام إلا أن الاتفاقية غطت عاما واحدا. وكتب وزير الخارجية مايك بومبيو ووزير الدفاع مارك إسبر مقالا مشتركا في “وول ستريت جورنال” قالا فيه إن كوريا الجنوبية تستطيع ويجب أن تدفع المزيد من أجل أمنها القومي. ولم ترتح سيؤول للمقال الذي ألمح إلى أن البلد “تابع” وليس “حليفا” ونشر نقاشا كان من الأولى أن يتم خلف الأبواب الخلفية لا على صفحات جريدة.

ويقول الدبلوماسيون السابقون إن ترامب لا يفهم طبيعة نشر القوات الأمريكية في دول العالم، فهي من أجل حماية المصالح الأمريكية وإظهار القوة. ويقول هاري كازينيس، الخبير بالشؤون الآسيوية بمركز “ناشونال إنترسيت”: “فشل الرئيس ترامب الداعي لأن يكون لها حلفاء” و”هو يعامل الحلفاء مثل شركاء مافيا يجب عليهم تقبيل يد أمريكا للحماية”. ويقول الرئيس إنه يستخدم مهاراته في صناعة الصفقات لتحقيق مصالح أمريكا التي أسيء استخدامها، ويشير إلى اتفاقية التجارة الحرة في شمال أمريكا والاتفاقية التجارية المؤقتة مع الصين والتي سيتم الانتهاء منها هذا الأسبوع، وهي دليل على التعرفة الجمركية القاسية.

ويقول أنصار ترامب إن المكسيك قررت تشديد الرقابة على الحدود مع أمريكا بعدما هدد ترامب بفرض ضرائب شديدة عليها. وقال بومبيو في شهر حزيران (يونيو) إن اتفاق الهجرة مع المكسيك “يعكس الدبلوماسية في أعلى تجلياتها” وهي “انتصار مهم للشعب الأمريكي” ووفاء بوعد ترامب حماية الحدود مع المكسيك. وتقول دانا شيل سميث، السفيرة السابقة لقطر: “في كل يوم نعرف جديدا عن التكتيكات التي تستخدمها الإدارة لتحقيق أهدافها. وفي كل يوم نعرف أنها ليست مقنعة بل وتشبه أساليب رجال العصابات”.

ويقول فرد هوتشبيرغ الذي أدار بنك استيراد وتصدير في عهد أوباما إن ترامب “يتطلع دائما للقتال” ويعطي الأولوية لمنافع قصيرة الأمد. وأضاف: “ازدهرت الولايات المتحدة من خلال العمل مع الآخرين والتطلع لمنافع طويلة الأمد. فالعلاقات الجيدة تثمر أحسن وتعطي نتائج دائمة”. وقال: “يبدو أن التفكير الحالي القائم: “اهبش” ما تستطيع الآن ولا تخف من التداعيات طويلة الأمد”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية