لبنان: تمرير الموازنة بغالبية هزيلة… والجدران فصلت بين النواب والمحتجين

سعد‭ ‬الياس
حجم الخط
0

بيروت – «القدس العربي»: لم يرضخ رئيس مجلس النواب لضغط الشارع ولم يتراجع امام إعلان كتل نيابية مقاطعتها جلسة مناقشة وإقرار موازنة 2020 بل مضى في عقد الجلسة متخطياً كل ردود الفعل السياسية والقانونية حول دستورية الجلسة من عدمها، معلناً «أننا فعلنا السبعة وذمتها وأدخلنا الجيش لعقد الجلسة».
وهكذا من وصل من النواب إلى ساحة النجمة تحصّن خلف أسوار من الباطون التي وصفت بـ»جدران العزل» بحماية فوج المغاوير في الجيش الذي وعد قائده بفتح الطرقات للنواب وتأمين وصولهم إلى مبنى البرلمان وبحماية فرقة مكافحة الشغب التي انتشرت على المداخل المؤدية لمجلس النواب ومنعت المحتجين من التقدم حيث دارت مواجهات أصيب بنتيجتها 30 شخصاً واعتقل ستة نقلوا إلى ثكنة الحلو.
وغاب عن الجلسة كتل القوات اللبنانية والكتائب والنواب بولا يعقوبيان وميشال معوض وأسامة سعد وفيصل كرامي وجهاد الصمد وعبد الرحيم مراد وحضرتها كتل المستقبل وحزب الله والتنمية والتحرير وتكتل لبنان القوي واللقاء الديموقراطي والمردة والقومي.وإختصرت جلسة الموازنة من يومين إلى نصف يوم حيث تمّ اقرار المشروع في خلال 4 ساعات ومن دون مطوّلات نيابية حيث تراجع عدد طالبي الكلام من 23 إلى 6 نواب بضغط من الرئيس بري الذي توجّه إلى النواب وطلب منهم عدم المغادرة لأنه سيصعب على أي نائب يخرج أن يعود.

دياب حضر وحيداً وتبنّى الموازنة… وبري فعل «السبعة وذمتها» لعقد الجلسة

وجاء التصويت على الموازنة هزيلاً بغالبية 49 نائباً ومعارضة 13 وامتناع 8 نواب. والنواب المؤيدون هم من «لبنان القوي»، «الوفاء للمقاومة»، «التنمية والتحرير»، الحزب «السوري القومي الاجتماعي»، إضافة إلى النائبين نقولا نحاس وعدنان طرابلسي. وامتنع نواب «اللقاء الديموقراطي». اما نواب «المستقبل» فإنقسموا بين الامتناع والمعارضة في مفارقة لافتة حيث أن الموازنة المعدّة هي موازنة حكومة الرئيس سعد الحريري. كما عارض النائب فريد الخازن الذي قال «صوّتت ضد الموازنة اعتراضاً على السياسات الاقتصادية التي اعتمدت منذ سنتين وكانت مليئة بالهدر والفساد واوصلت الوطن إلى الانهيار».
وكان بري انتظر لما بعد الساعة الحادية عشرة لاكتمال نصاب الجلسة المحدّد بـ 65 نائباً، وحضر رئيس الحكومة حسّان دياب وحيداً وغاب وزراؤه جميعهم بمن فيهم وزير المال غازي وزني الذي كان تبرأ من موازنة الامر الواقع المرسلة إلى المجلس، خلافاً لما أعلنه دياب بعد إلحاح نواب «كتلة المستقبل» من أنه يتبنّى الموازنة. وعكس هذا المشهد عمق الجدل حول قانونية انعقاد الجلسة في ظل حكومة ‏جديدة لم تنل الثقة بعد، ولم تحضّر هي مشروع الموازنة بل ورثته عن الحكومة المستقيلة.

تأييد دياب

وقبل بدء المناقشة، طلب الرئيس بري الاستماع إلى رئيس الحكومة الذي قال «لا شيء عادياً في لبنان اليوم. كل شيء استثنائي وتعقيدات الظروف الاقتصادية والمالية والنقدية تملي علينا التصرّف من منطق الضرورة والعجلة، وايضاً الاستثناء. رئاسة الحكومة تدرك جيداً المفاهيم الدستورية وتتمسك بالصلاحيات المعطاة لها، وهي تضع نصب أعينها مصلحة الدولة والمواطنين». وأضاف «ولأن الواقع استثنائي، فإن الحكومة في ظل وضعها الراهن، اي قبل نيلها الثقة، وحسب الرأي الدستوري الراجح، هي حكومة تصريف أعمال بالمعنى الضيّق، ويفترض ان يكون عملها محصوراً بإعداد البيان الوزاري، وبالتالي لا يمكنها ان تمثل مجتمعة امام المجلس النيابي الكريم في جلسة مناقشة الموازنة العامة، كما انه لا يحق لها استرداد الموازنة»، مشيراً إلى «ان الحكومة لن تعرقل موازنة أعدتها الحكومة السابقة وناقشتها لجنة المال والموازنة النيابية واللجان المشتركة، واكتملت اجراءاتها. انطلاقاً من ذلك، فإن الحكومة تترك الامر إلى المجلس النيابي الكريم، مع احتفاظها بحق تقديم مشاريع قوانين لتعديلات في الموازنة، بعد نيل الثقة». وطلبت النائبة بهية الحريري من دياب الإجابة على موقف حكومته من الموازنة المطروحة، فأجاب «لو كان موقفنا عدم تبنّي الموازنة لما كنّا حضرنا».

انسحاب الجسر

واثار عضو كتلة المستقبل النائب سمير الجسر موضوع دستورية الجلسة فاعتبر انعقادها غير دستوري وإنسحب منها بعد الاستماع إلى كلمة زميله هادي حبيش ، وردّ عليه الرئيس بري فقال «المادة 32 تتكلم عن عقدين تماماً، العقد الثاني يبدأ يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر تشرين الاول وتخصص جلساته للبحث في الموازنة والتصويت عليها قبل كل عمل آخر، وجرى العرف في لبنان انه تنتقل عملية تصريف الاعمال من الحكومة القائمة إلى الحكومة التي صدرت مراسيمها، والمادة 16 من الدستور تقول ان حق التشريع مطلق لمجلس النواب، والمطلق على اطلاقه وليس على حجمه، ولا يتوقف هذا الامر على مدى الصلاحيات التي تتمتع بها الحكومة. يعني المجلس النيابي من حيث المبدأ، لولا انه موضوع منذ سنة 1992، انا لم اكن لأقبل ولا بأي شكل نظراً للموضوع الطوائفي الذي احترمه، ليس الطائفي، الطوائفي يعني مثلا عندما لا تكون في جلسة طائفة معينة، ولا يوم، على ما اعتقد وانتم تشهدون ان شاء الله، اني سمحت بالاستمرار في الجلسة. لكن هذا الامر لا يعني ان المجلس النيابي ليس له الحق في التشريع حتى ولو لم تكن هناك امامه حكومة. الان الظرف استثنائي والظرف اكثر من ضروري. لذلك لنتكّل على الله والتفاسير تكون لمصلحة الناس وليس ضد الناس. وبمجرد ان تصبح حكومة تصريف اعمال، المجلس في حالة انعقاد».
وختم الرئيس بري «أنت نقيبنا وأنا احترمك، ولكن هذا رأيي. اما كلام دولة الرئيس فهو صريح بقوله لك ان هذه الموازنة اقبل بها الان، ولكن اذا احتاجت اموراً اخرى سأقدم قوانين اخرى على حدة». ثم عرض رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان ملخصاً عن مشروع الموازنة، قبل ان يتوالى النواب سليم سعادة وجميل السيّد وهادي حبيش وآلان عون ونزيه نجم وعدنان طرابلسي على الكلام. وكان الرئيس بري أبدى أتم الاستعداد لمواكبة مطالب الناس في الشارع واقرارها في الجلسة التشريعية السابقة لكنه قال «ما خلوني كمّل ، واليوم عملنا السبعة ودمّتها ودخّلنا الجيش لقدرنا نعمل الجلسة».

«المستقبل»

تزامناً، علّق مصدر قيادي في «تيار المستقبل» على مشاركة كتلة المستقبل في الجلسة المخصصة لمناقشة الموازنة العامة في مجلس النواب. وقال : «إن الكتلة تصرّفت على جري عادتها في مقاربة الاستحقاقات الوطنية، وقررت المشاركة في الجلسة لعرض موقفها كما عبّر عنه الوزير سمير الجسر اثناء السجال الدستوري مع الرئيس نبيه بري، وهي تلتزم في هذا الشأن المسار الذي اعتمدته على الدوام بتجنب سياسة المقاطعة وتعطيل عمل المؤسسات الدستورية «. واضاف المصدر «سجّلت الكتلة موقفاً مبدئياً من مشروع الموازنة، ودفعت رئيس الحكومة إلى تبنيه بعد جدل طويل بين الكتلة ورئاسة المجلس وفي ظل غياب كامل لمجلس الوزراء».
ورداً على سؤال عن مبرر تصويت الكتلة ضد مشروع الموازنة وهو مشروع حوّلته إلى المجلس حكومة الرئيس سعد الحريري، قال المصدر: «لو ان حكومة تصريف الأعمال السابقة هي التي مثلت أمام المجلس لمناقشة الموازنة لكان اول موقف يعلنه الرئيس الحريري خلال الجلسة هو استرداد مشروع الموازنة، لأن ما صحّ في المشروع قبل 17 تشرين الاول لم يعد كافياً لمقاربة المتغيرات الاقتصادية والمالية والنقدية التي استجدت بعد 17 تشرين الاول. وقد تصرّفت الكتلة انطلاقاً من هذه الحقيقة ومن موقفها المبدئي الذي جرى الاعلان عنه خلال الجلسة».

الحريري – جنبلاط

وتعليقاً على مجريات الجلسة، غرّد الوزير السابق وئام وهاب عبر حسابه على تويتر قائلاً «حوّل سعد الحريري الموازنة لمجلس النواب ولم يصوّت عليها، تناقض غريب عجيب، فهي موازنته أصلاً، أمّن النصاب وتهرّب من مسؤولية التصويت، هذا هو الاحتيال بحد ذاته صفة بعض الذين تحكموا بمصيرنا لسنوات». واعتبر النائب اسامة سعد «أن الموازنة هي مجرد محاولة لاخفاء الواقع المأساوي وهي امعان في الغرق في المستنقع وتدمير الاقتصاد، والمطلوب وضع موازنة جديدة تعبّر عن سياسيات مالية مختلفة».
من ناحيته، رأى رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط عبر «تويتر» أن «خطوة تصديق الموازنة أفضل من الفراغ واعتماد القاعدة الاثنتي عشرية».وقال « يبقى على الحكومة ان تطرح الإصلاحات الجدية وفي مقدمها قطاع الكهرباء مع الهيئة الناظمة وقانون استقلالية القضاء. انه بداية طريق طويل آخذين بعين الاعتبار القوى واشباح الماضي المهيمنة على الحكومة والتي لا تبشّر بالخير».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية