عندما عطست الصين حاصرها العالم بإجراءات منع السفر إليها، ووقف رحلات الطيران، وإجلاء من فيها من الرعايا الأجانب، وحظر استقبال مواطنيها في المطارات وعزلهم، ومنع استقبال من زاروها، منذ تفشى فيها وباء فيروس كورونا الجديد، الذي عصف بحياة المئات من الأشخاص، وأصاب الآلاف في الصين نفسها حتى الآن، وانتشر بسرعة في كل أنحاء العالم تقريبا، ما دفع منظمة الصحة العالمية إلى إعلان حالة طوارئ صحية عالمية، لكنها قالت إنها لا تستدعي إجراءات حظر السفر والطيران.
ويثبت استمرار انتشار الإصابات في الصين وخارجها أن الإجراءات الوقائية وحدها ليست طوق النجاة للاقتصاد العالمي ولا لصحة البشر، وإنما يجب أن تترافق مع برنامج للتعاون الحقيقي مع الصين، في العلاج، ومقاومة انتشار الفيروس، وإلا فإنها ستسفر عن خسائر أكثر للصين والعالم في آن.
الصين التي تخوض حربا تجارية فرضتها الولايات المتحدة، لم تتهم أحدا بشن حرب بيولوجية ضدها، رغم أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، استغل كارثة انتشار الفيروس الجديد، في توجيه هجوم عنيف ضد الحزب الشيوعي الصيني، معتبرا إياه مصدر خطر رئيسي على العالم. الصين اعتبرت تصريحات بومبيو مجرد شماتة أمريكية رخيصة، واتهمت واشنطن بأنها لم تهتم حتى بإرسال شحنة من الكمامات الطبية، كنوع من التعبير الرمزي عن التضامن. في واشنطن رد مستشار الأمن القومي الأمريكي روبرت أوبرايان على الاتهام، بأن بلاده عرضت على الصين إرسال خبراء في الطب والعلوم لمساعدتها، ولكنها رفضت العرض. ويبدو أن العلاقات بين بكين وواشنطن، دخلت بسبب فيروس كورونا، في مرحلة احتقان جديدة. وليس من المستبعد أبدا أن يتشكك بعض المراقبين في نوايا الولايات المتحدة، وربما تصل الشكوك إلى حد اتهامها بالضلوع في مؤامرة بيولوجية ضد الصين.
في المنافسة بين الصين والولايات المتحدة حققت بكين تقدما سريعا، واستطاعت من خلال علاقات إيجابية شرقا وغربا، أن تقيم مستويات أعلى من التشابك الصناعي والتجاري مع العالم، حتى أصبحت في العقدين الأخيرين شريكا تجاريا رئيسيا لكل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية، وكذلك مع بلدان أخرى مثل، روسيا وفيتنام وكوريا الشمالية. هذا يعني أن الصين إذا عطست، فإن كل هذه الدول لن تصاب فقط بالزكام، ولكنها قد ترقد في فراش المرض.
اللعب ضد الصين ليس مزحة وليس لهوا، في ظل نظام تترابط فيه سلاسل الإنتاج والتجارة والاستثمار على مستوى العالم
الصين الآن كما نعرف جميعا هي ثاني أكبر اقتصاد، وتستحوذ على ما يقرب من خُمس الاقتصاد العالمي، وهي أكبر دولة مصدرة للسلع، وأكبر مستورد للنفط والغاز في العالم، كما تلعب دورا محوريا في سوق الذهب العالمي، وفي أسواق الاستثمارات المالية، خصوصا في الولايات المتحدة. وفي الصين توجد أكبر طبقة متوسطة على وجه الأرض، تلعب دورا متزايدا في قيادة محركات الاستهلاك في أسواق السلع والأزياء والمنتجات الفاخرة والتكنولوجيا المتقدمة والخدمات. كما أن الصين قيادة عالمية رئيسية في أسواق التكنولوجيا فائقة التطور، خصوصا في مجالات الذكاء الاصطناعي والاتصالات. ومن ثم فإن سلامة الصين تعني سلامة العالم. لذلك فإن تعرض الصين لكارثة بسبب فيروس كورونا الجديد، يستوجب إقامة تحالف عالمي لتطوير لقاحات وأدوية للوقاية منه ولعلاج المصابين، لأن انتشار الفيروس في الصين، يمكن أن يصيب العالم كله بأزمة حادة، بينما هو لم يتعاف بعد من تأثير الأزمة المالية والاقتصادية الأخيرة في عام 2008. التقديرات في الصين حتى الآن تشير إلي إن وباء كورونا الجديد سيكلفها ما لا يقل عن تخفيض معدل النمو بنسبة 1% عما كان عليه في العام الأخير. أي أن معدل النمو سينخفض في العام الحالي إلى 5% مقابل 6% عام 2019. لكن تقديرات الخبراء المستقلين تذهب إلى أن معدل النمو في الصين هذا العام سيكون الأسوأ منذ عام 1992 وسيبلغ 4.5% على الأقل. كذلك فإن المؤشرات الأخيرة بشأن اكتشاف بؤرة لإنفلونزا الطيور في وسط الصين، تشير إلى أن انتشار وباء فيروس كورونا الجديد، ليس نهاية الحرب البيولوجية التي تواجهها الصين، سواء كانت هذه الحرب قد بدأت عن طريق الخطأ بتسرب الفيروس من أحد المختبرات في (ووهان)، أو أن تطويره وإطلاقه كان متعمدا بطريقة من الطرق، وهو أمر يستوجب إجراء تحقيق دقيق. كذلك فإن مزارع الخنازير في الصين تمثل موطنا من مواطن التهديد البيولوجي، ما يحتاج إلى تشديد شروط السلامة البيئية في المختبرات، وفي مزارع الدواجن والخنازير، وأسواق المنتجات الغذائية البرية والبحرية.
وقد ظهرت أول التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا في سوق الأسهم الصينية بعد نهاية عطلات السنة القمرية، رغم إجراءات تعزيز السيولة التي أتاحها البنك المركزي الصيني بقيمة 184 مليار دولار، فخسرت أسواق الأسهم في الصين 420 مليار دولار من قيمتها في اليوم الأول للتداول بعد نهاية العطلات. وكانت قيمتها قد تراجعت في الأسبوع الماضي في أسواق شرق آسيا، مثل طوكيو وسيدني وسول بنسبة 7.5% كما تراجع اليوان بنسبة 1% ليرتفع الدولار عن معدل 7 يوان للمرة الاولي منذ عدة أشهر. شركاء الصين التجاريين أصابهم رذاذ عطسة الصين. على سبيل المثال، أدى انتشار فيروس كورونا الجديد، إلى توقف السياحة الصينية في اليابان. ويستحوذ الصينيون وحدهم على ما يقرب من ثلث عدد السائحين الأجانب الذين يزورون اليابان، كما تزيد أهميتهم عن غيرهم في ما يتعلق بالمساهمة في الدخل السياحي، نظرا لإنفاقهم المرتفع. وما ينطبق على خسائر اليابان ينطبق أيضا على بلدان جنوب شرق آسيا مثل فيتنام وتايلند ولاوس. ونظرا لأن الصين هي أكبر مستورد للنفط والغاز في العالم، فإن أسعار النفط هبطت خلال شهر يناير بنسبة 17.5%، كما هبطت أسعار الغاز المسال في أسواق شرق آسيا بنسبة 40% مقارنة بما كانت عليه قبل عام. وبسبب انخفاض الطلب المحلي فإن مصافي النفط الصينية تتجه إلى تخفيض إنتاجها بنسبة 10% مؤقتا، حتى يستقر اتجاه النمو في السوق. وتستورد مصافي النفط الصينية وحدها أكثر من 10 ملايين برميل يوميا، أي ما يعادل 40% تقريبا من كل إمدادات أوبك للعالم اجمع (2019). وبسبب تراجع أسعار النفط والغاز فقد تراجعت بشدة أسعار أسهم الشركات في أسواق المال العربية الخليجية، التي خسرت ما يقرب من 66 مليار دولار في شهر يناير الماضي. وليس من المتوقع أن تتعافي أسواق النفط والغاز في العالم اذا لم تنتصر الصين في حربها البيولوجية المتعددة الجبهات ضد فيروس كورونا الجديد، وفيروسات إنفلونزا الطيور والخنازير.
من المرجح أن الصين ستتعثر بسبب انتشار فيروس كورونا الجديد، وستزيد تكلفة عثرتها كلما طال زمن انتشار الفيروس، واتسع نطاق الإصابة به. لكنها ستنتصر عليه لا محالة. وإذا استدعينا تحليل (شومبيتر) لما سماه ظاهرة «التدمير الخلاق»، فإن عثرة الصين بسبب الفيروس الجديد ستكون سببا في نهوض تكنولوجي جديد، وفي معدلات نمو مرتفعة جدا لسنوات مقبلة، في أعقاب الشفاء من آثار عثرة كورونا. في المقابل فإن الولايات المتحدة ستصاب لا محالة من رذاذ عطسة الصين هي الأخرى، ومن المرجح أن تنخفض صادرات الولايات المتحدة عما جاء في الاتفاق التجاري المرحلي، الذي تم توقيعه في نهاية 2019. كذلك فإن الشركات الأمريكية ستخسر نسبة كبيرة من إيرادات تصدير النفط والغاز، بسبب انخفاض الأسعار. ومع انخفاض الطلب في الصين بشكل عام، من المتوقع أن يتراجع نمو الاقتصاد الأمريكي في عام 2020 عن التقديرات السابقة بما يتراوح بين 0.2% إلى 0.4% ما سيترك معدل النمو يزحف حول نسبة 1.5% وليس 2% كما كان يقدر صندوق النقد الدولي. وكلما اسرفت الولايات المتحدة في توظيف فيروس كورونا الجديد في حربها الباردة ضد النظام السياسي والاقتصادي في الصين، زاد الثمن الذي سيدفعه الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي. اللعب ضد الصين ليس مزحة وليس لهوا، في ظل نظام تترابط فيه سلاسل الإنتاج والتجارة والاستثمار على مستوى العالم.
إن الإمعان في عزل الصين عن العالم، ليس طوق النجاة الذي يوفر سبل الوقاية من انتشار المرض، أو في وقف الخسائر الاقتصادية. ومع أن الصين نفسها لجأت للإجراءات الوقائية بوقف السفر من وإلى الأماكن الموبوءة، فإن هذه الإجراءات وحدها لم توقف انتشار الفيروس، وزيادة معدلات الإصابة به. المطلوب أولا هو عدم الإمعان في إجراءات الوقاية إلى الدرجة التي تصيب الاقتصادين الصيني والعالمي بخسائر جسيمة. والمطلوب ثانيا هو إقامة تحالف عالمي للحرب على الاوبئة البيولوجية التي تهدد البشرية، بدءا من فيروس كورونا والسلالات الجديدة من فيروسات الإنفلونزا.
كاتب مصري
العالم كله يصاب بكورونا
الفيروس في بدايته! هناك الملايين من الصينيين يحملون الفيروس جالسين ببيوتهم, والدليل هو بتعطيل الأعمال منذ إسبوع!! ولا حول ولا قوة الا بالله
شكرا للأستاذ نوار على التحليل الموضوعي الشامل لهذه الأزمة التي تستدعي زيادة التعاون ونبذ الصراع لأن الداء لا يفرق بين انسان واخر..كلنا في هذه الحالة أهداف متساوية.