مشكلات كثيرة نزلت على رأس الكاتبة السعودية الشابة رجاء بندر. أول كتاب لها بعنوان “غربة يهودية” كان من أكثر الكتب بيعاً على مدى بضعة أسابيع. الخلاف المشتعل الذي نشأ حول هذا الكتاب كان كافياً لإثارة الشبكات الاجتماعية، واتهام الكاتبة بزرع رسائل خفية تدعو إلى التطبيع مع إسرائيل. كان الكتاب قصة شابة يمنية، والدتها يهودية من الطبقة الدنيا تزوجت من عربي إقطاعي. وبعد ثلاث سنوات تفكك الرباط الزوجي بينهما، فانتقلت الشابة للعيش مع والدتها وتبنت يهوديتها ومارست الفرائض الدينية. وعندما وصلت سن البلوغ دعاها والدها للعودة إلى أحضانه وتبني الإسلام. رفضت الشابة هذا الطلب وواصلت حياتها حسب نمط الحياة اليهودية، مع استقلالية بمواقفها وديانتها. كاد هذا الكتاب ينسى على الرفوف لولا مهاجمته أدبياً من قبل كاتبة أخرى من السعودية هي سالمة الموشي. في العام 2015 نشرت الموشي روايتها الأولى بعنوان “يهودية مخلصة”، وتقول إن بندر نسخت مقاطع كاملة من كتابها، بل إن هيكل الحبكة الروائية لدى بندر يشبه حبكتها إلى درجة الشك. العداء بين الكاتبتين أثار ردوداً من كتاب ومفكرين سعوديين، وانقسموا مع مؤيدين لبندر ومنتقدين لها، ومنهم من اعترف بأنه لم يقرأ الكتاب كاملاً.
وأجريت مقابلة مع بندر في موقع “رصيف 22” اللبناني، أوضحت فيها بأنها اختارت موضوع الكتاب في أعقاب اهتمامها الكبير بتاريخ الحياة اليهودية، لا سيما اليهود الذين عاشوا “في قرانا ومدننا إلى أن اختفوا وظهروا مرة أخرى. ويعتبرون الآن أعداءنا”. وفي ردها على التهمة حول تشجيع التطبيع مع إسرائيل، أوضحت بندر: “لم أكن أنوي نشر إعلان سياسي… بل أردت إثارة حب الاستطلاع لدى القراء لمعرفة الفرق بين اليهودية والإسرائيلية. أردت إلقاء الضوء على الحياة الزوجية بين أبناء الثقافات المختلفة، وعلى زج أبنائهم في صراعات بين عالمين مختلفين في المضمون”. وقد ردت بندر بهذه الأقوال على اتهامين وجها إليها، بسبب شخصية الشابة اليهودية التي قُدّمت بشكل إيجابي، وبسبب تشجيع الأفكار الليبرالية (المارقة) من خلال وصف تصميم بطلة القصة وتمسكها بمواقفها.
إن ردود الفعل على كتاب بندر تذكر بشكل كبير بما حدث بعد نشر كتاب الكاتبة السعودية رجاء الصانع، الذي صدر في العام 2005، بعنوان “بنات الرياض” (تمت ترجمته للعبرية في العام 2013 في دار النشر كنيرت). والصانع، طبيبة الأسنان في مهنتها، وتخصصت في الأعصاب، وفازت بجائزة على بحثها في مجال الخلايا الجذعية، وقد وصفت تعقيدات المجتمع السعودي الشوفيني بشكل دقيق وباستقامة، وانتقدت بشدة المسلمات الاجتماعية التي تقيد حياة النساء والرجال في المملكة. الصانع التي كان عمرها 24 سنة عند نشر الكتاب، أخرجت من الصندوق ما أصبح معروفاً في المجتمع السعودي، لكن غير المطبوع. صدر الكتاب عن دار لبنانية للنشر، ومنعت نشره المملكة التي تحاول الآن عرض وجه غربي ليبرالي وتقدمي. بندر في المقابل، تأخذ النسوية خطوة كبيرة إلى الأمام، ولا تكتفي بمعالجة مكانة المرأة وحقوقها، إنما تركز أيضاً في كتاباتها على مجالات أكثر دقة وتوجه كتاباتها لمشكلة الزواج المختلط الذي يسلب النساء السعوديات صلاحية منح الجنسية السعودية لأولادهن إذا لم يكنّ متزوجات من سعوديين. ولكن قرار حياكة القصة حول شخصية يهودية وشرحها حول رغبتها في التمييز بين الإسرائيلية واليهودية، يضعها على شفا الخطوط الحمراء، وهي الخطوط التي تفصل بين الكتابة عن مشكلات اجتماعية في السعودية –الكتابة التي كانت مشروعة– وبين الطابو الاجتماعي الذي يمنع الكتابة بإيجابية عن اليهود، وربما عن اليهود الإسرائيليين.
تطبيع السعودية مع إسرائيل حظي منذ فترة بالاهتمام السياسي في إسرائيل والدول العربية. ولم تعد تثير الانفعال تلك التقارير عن لقاءات سرية وعلنية بين شخصيات رفيعة من إسرائيل مع نظرائهم السعوديين. وثمة توقع للقاء بين بنيامين نتنياهو والأمير محمد بن سلمان، ولي العهد والحاكم الفعلي في المملكة. مراسلون سعوديون قاموا بزيارة إسرائيل، ولم تعد كتابة مقالات إيجابية عن إسرائيل بالأمر النادر. والدليل على ذلك مقالات دحام العنزي الذي دعا في العام 2018 إلى فتح سفارة إسرائيلية في الرياض، أو كتابات المتصفحين في الشبكات الاجتماعية في السعودية. مع ذلك، تم سحب الجنسية من المحلل السعودي عبد الحمدي الغبيري في كانون الأول الماضي، بعد شهر على نشره في موقعه التحليلي فيلماً يفصل فيه الفائدة الاقتصادية للسعودية إذا ما طبّعت العلاقات مع إسرائيل.
وفي كل ما يتعلق بالتطبيع مع إسرائيل، من الصعب معرفة ما الذي يحرك القرارات في بلاط المملكة. والأكثر وضوحاً هو رد الجمهور، لا سيما في الشبكات الاجتماعية. فهناك لا يظهر بعد ذلك الاستعداد الذي يعتبر إسرائيل دولة صديقة، رغم الاتفاق الكاسح حول المصالح المشتركة بين الدولتين لصد نفوذ إيران في المنطقة. لذلك، ورغم أن أصحاب مواقع في الإنترنت من السعودية، والمستعدين للتحادث مع مراسلين إسرائيليين ويؤيدون التطبيع، كانوا نجوماً هنا، فمن الجدير أيضاً فحص نقد الكتابة الأدبية التي فيها “رموز سامة” –مثلما كتب أحد النقاد– التي تشجع التطبيع مع الكيان الصهيوني المعادي.
بقلم: تسفي برئيل
هآرتس 10/2/2020