مهاجر بين المغرب وإسبانيا.. دعه يموت!

سعيد المرابط
حجم الخط
0

الرباط – “القدس العربي”:

الطريق التي ضاقت بهم وهم في البحر ما كانت رحبةً في البدء، بل لم تكن طريقًا من الأصل وإنما شُبه لهم، هذا ما تقوله البديهةُ، ولكنها تبقى الملاذ الوحيد لهولاء الناس الذين يطاردون فيها سراب الحياة، بكل ما أوتوا من قوة.
“ما ذنبنا نحن؟”، سؤال وجودي يطرحونه ، ووجوههم من خلال نظرات تعكس الفقر، وبؤس الحال، الذي لا تخفيه خطب السياسيين والمتزلفين، تقدم لك ما تستمع له، ولكنه مؤلم حد الوجع.
منظمات تعمل في البحر المتوسط، على قضايا المهاجرين وتقدم رقم هاتفها حتى يتمكن المهاجرون الذين يواجهون صعوبات من الاتصال بها، خاصة عندما ينجرفون في قاع المحيط، والتي تشكل للدول ما يشكله شاهد العيان، شابة قادتها ظروف البحث عن الحياة من اليمن السعيد إلى قاع المحيط، نقلت لـ “القدس العربي” شهادة منقولة بعد اتصال بها. وللتنديد بأن شقيقها، الذي أنقذته البحرية الملكية المغربية ورحلته إلى الجزائر، حيث كان على متن قارب هجرة مع 20 مهاجرا يمنيًا آخرين غرقوا في مياه مليلة.
وفي حديث مع “القدس العربي”، يقول نشطاء جمعية “Alarm-Phone” (مبادرة رصد المتوسط)، المنظمة الإنسانية غير الحكومية، التي تعمل على “حالات الوفيات وانتهاكات حقوق المهاجرين على الحدود البحرية للاتحاد الأوروبي”، إنهم يجمعون شهادات المغتربين الذين يعبرون عن خوفهم “لأنه يمكن مساعدتهم في البحر من طرف المغاربة، كما يتم ترحيلهم إلى بلدهم الأصلي… أو إلى أي دولة أخرى”.
وهذا الأسبوع، نُشرت تقارير صحافية وحقوقية تنقلُ بيانات تؤكد أن المغرب ساعد في البحر الأبيض المتوسط، عدة مهاجرين، وبالتالي جلب مهاجرين عدة إلى الموانئ المغربية، وهو الأمر الذي كانت تؤكد المنظمات العاملة في مجال الهجرة، أن المغرب وإسبانيا كانا يتجاهلانه “لغاية في نفسيهما”.
الرقم الذي قدمته وزارة الداخلية بالرباط لعام 2019 هو 19 ألفًا و554 معونة مقابل 17 ألفًا و688 تؤكدها وسائل الإعلام الإسبانية المقربة من السلطات.
وهذه المشاركة غير العادية للرباط في احتواء وصول القوارب إلى المياه والسواحل الإسبانية قد ساهمت في حقيقة أن الدخول غير النظامي في العام الماضي كان نصف العدد في عام 2018، وهو نجاح في المصطلحات السياسية التي حققت فيها جمعيات حقوقية مثل جمعية حقوق الإنسان بالأندلس، (APDHA)، والتي تحدثت تقاريرها عن المأساة في قضايا الهجرة بين البلدين.
وكما هو مؤكد هذه الأيام، “حقيقة تركهم إنقاذ السفن في منطقة البحث والإنقاذ، في ظل ظروف محفوفة بالمخاطر تسببت في زيادة نسبية بين من ماتوا وهم يحاولون الوصول إلى إسبانيا”.
وفي عام 2018 توفي 1064 مهاجرًا في عرض البحر، وكان ذلك أقل عدداً من الوافدين في 2019 وهم 551 شخصًا، لكن 34 آخرين قد تم حسابهم، بينما كان مصير 585 مع الغرقى والمختفين.

وتتهم المنظمة المذكورة حكومة بيدرو سانشيز بـ”الاستعانة بمصادر خارجية لقمع كالمغرب والوكالة الأوروبية للحدود وخفر السواحل”.
وتضيف، أنها تدعم ممارسات العنف وسوء المعاملة والموت في المغرب ضد سكان دول جنوب الصحراء الكبرى، مع”غارات الترحيل المستمر”.
وفي هذا الصدد، تشير “Alarmphone”، إلى أن الترحيل بعد المكوث بمراكز الاحتجاز شائع، وتؤكد ذلك “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان” فرع الناظور، حيث تقول إنه قد وثق طرد المهاجرين، إلى الجزائر، ومن ثم إلى النيجر، ومن هناك إلى بلدانهم الأصلية.
ونشرت هذه الجمعية نفسها صوراً لمجموعة من “35 شخصاً من جنوب الصحراء يدخلون مليلية” لكنهم “أعيدوا مباشرة إلى المغرب”، بعدما “تعرضوا للضرب بشدة” من قبل المغاربة.
وفقًا لروايتهم، تم نقل اثنين إلى المستشفى، كما اتصل هؤلاء الأشخاص بـ “Alarmphone”، “لأنهم كانوا خائفين من إعادتهم، كما حدث”، وفقًا لما يقول مصدر من المنظمة غير الحكومية، التي نادراً ما تتلقى مكالمات للمساعدة من حدود سبتة ومليلية.
خارج المغرب، وفيما يتعلق بالرحلات إلى موريتانيا التي تعمل الحكومة على ترحيل المهاجرين القادمين إلى جزر الكناري، وتقول المنظمة
التي تؤكد على أنها ” تقدم المعلومات للأشخاص الذين يفكرون في عبور البحر بين المغرب وإسبانيا، وأنها لا تهدف إلى ردع الناس من ذلك، ولا إلى تشجيع الناس على محاولة العبور، بل إلى توفير المعلومات الموضوعية وتبادل الخبرات بشأن المخاطر والحقوق وتدابير السلامة الحيوية التي يجب اتخاذها في البحر” أن “اثنين على الأقل من الأربعة المعترف بهم في عام 2019 نقلوا من من مدريد إلى جزيرة تينيريفي لهذا الغرض”.

مهاجر.. دعه يموت

“القدس العربي” بحثت في الموضوع عبر عدة مصادر، واكتشفنا، أن إسبانيا توقفت عن إنقاذ المهاجرين في مياه تحت مسؤوليتها بدعوى أن المغرب يعمل على ذلك.
وقالت مصادرنا أن إسبانيا “تأكل الثوم بفم المغرب”، وذلك مقابل الدعم الأوروبي التي تدافع عنه مدريد من أجل الرباط.
وكانت أبحاث الإنقاذ البحري الإسباني في منطقة البحث والإنقاذ في المغرب متكررة لسنوات بسبب عدم تعاون المغرب، لكن حكومة بيدرو سانشيز، في جهودها للحد من أرقام الهجرة غير النظامية، غيرت ديناميكيات الإنقاذ بعد الحصول على دعم البحرية الملكية المغربية لتلقي المساعدة في ما يخص القوارب التي سبق تجاهلها في كثير من الأحيان.
وتم دمج التغيير في الاستراتيجية، والذي تم تطويره في شهر شباط/ فبراير العام الماضي.
البيانات الرسمية تتحدث عن أنه منذ كانون الثاني/ يناير إلى تموز/ يونيو، أنقذ الإسبان ما مجموعه 235 قاربا وتسعة فقط منهم في مياه المغربية.
ولكن مفارقات ما توصلت له “القدس العربي”، أنهما يتبادلان الدور في تجاهل نداءات المهاجرين، لردع غيرهم من خوض المغامرة.
ويقول مصدرنا أنهم “يقمعون حقوق الآخرين في البحث عن الحياة بقتل حيوات مهاجرين آخرين”.
هذا الرقم، الذي تقوله البيانات الرسمية، ورغم أنه لا يحدد عدد الأشخاص الذين كانوا في تلك السفن، يتناقض مع بيانات قبل العام الماضي.
ففي عام 2018، وحسب العدد غير المسبوق للمهاجرين عبر المضيق وبحر آلبوران، والذي تصفه مصادر من الإنقاذ البحري الإسباني (Salvamento Marítimo)، بأنه “الخط غير المرئي الذي يفصل بين مناطق الإنقاذ في كلا البلدين”، مؤكدةً أن ثلث ما يقرب من 50 ألف شخص تم إنقاذهم، كانوا في المياه الخارجية “عن مسؤوليتهم”.
ولا تتوافق منطقة البحث والإنقاذ، وهي منطقة المشار إليها بـ”SAR”، حسب اختصارها باللغة الإنكليزية، مع المياه الإقليمية لكل دولة، لذلك لم تنتهك إسبانيا أبدًا سيادة الدولة المجاورة لها، لكن البيانات كشفت عن نقص واضح في التنسيق.
وفي حين أن إسبانيا، مع واحدة من أفضل خدمات الإنقاذ البحري في أوروبا، نشرت سفنها، اعتادت البحرية الملكية المغربية تجاهل تحذيرات المهاجرين للخطر الذي يتعرض حيواتهم، والتي أطلقت من أبراج المراقبة الإسبانية.
وبالنظر إلى الخطر، قامت إسبانيا، وفقًا للاتفاقيات الدولية، بمساعدة القوارب التي يهددها الغرق “تحت ضغط المنظمات غير الحكومية”، حسب مصادرنا، من تلك المنظمات.

منطق مراقبة الهجرة يسود على الحق في الحياة

لكن السيناريو قد تغير الآن، المغرب، وفقًا للسلطات الإسبانية، يستجيب للتنبيهات وينسق عملية إنقاذ السفن التي تتصل به، ولا تنتقل إسبانيا في مياهها إلا إذا طلب المغاربة المساعدة، وهو أمر نادر الحدوث.
وحتى الآن من هذا العام، ارتفعت الهجرة غير النظامية في الصحراء الغربية وجنوب المغرب، بينما
انخفضت شمال المملكة، حسب مصادر شبه رسمية استقتها “القدس العربي”، ولكن مصادر أخرى غير رسمية تقول إنه “لا يعني احتواء أزمة الهجرة بين المغرب وإسبانيا”.
ويفسر العمل الجديد للمغرب جزئياً انخفاض عدد الوافدين بنسبة ملحوظة عن طريق البحر إلى إسبانيا.
ومع ذلك، فإن التورط الكبير للمغرب لم يمنع حطام قوارب الهجرة التي انتهى بها المطاف بمأساة مثل تلك التي وقعت في 18 تموز/ يونيو 2019 عندما فقد 22 مهاجر حياتهم في مياه ذات مسؤولية مغربية، في عام قامت فيه “المنظمة الدولية للهجرة” (IOM) بحساب أكثر 206 قتيل أو مفقود على الطريق المؤدي إلى إسبانيا.
ويثير تأثير سياسات مراقبة الهجرة على الإنقاذ الإسباني انتقادات عدة، من طرف عمال الإنقاذ البحري ومختلف المنظمات الإنسانية.
ويدعون أن مراقبة الحدود تلزم بـ “الأولوية إنقاذ الأرواح”، و”كانت هناك حوادث ووفيات مرتبطة مباشرة بهذه السياسة الجديدة”، يؤكدون في حديثهم.
وتقول هيلينا مالينو، في حديث مع “القدس العربي” عبر الإنترنت، وهي الناشطة التي تتلقى عادة نداءات استغاثة من طرف المهاجرين، إن “إسبانيا تريد أن يتعامل المغرب مع عمليات الإنقاذ، وأن المغرب، الذي لا يملك الوسائل الكافية، لديه أوقات انتظار أطول بكثير كي يكون قادراً”. وتدين الناشطة هذا كله بقولها إن “القوارب التي يمكن أن تُنقذ في أي وقت؛ تنتظر لساعات إنقاذها؛ لأن منطق مراقبة الهجرة يسود على الحق في الحياة”.
وأدى تورط المغرب أيضًا بالمهاجرين إلى المخاطرة، بطرق أكثر من الخشية لتعرضهم للإيقاف والعودة إلى نقطة البداية.
ويصف ناشط، من جمعية “حقوق الإنسان” الأندلسية، المغرب بأنه “ليس لديه القدرة على تقديم إنقاذ مناسب وبعض الناس يفضلون الفرار بدلاً من إنقاذهم”.
وبالنسبة لمنظمات مثل اللجنة الإسبانية لمساعدة اللاجئين (CEAR)، فإن المغرب “ليس ملاذاً آمناً للمهاجرين” بسبب سوء المعاملة التي يتلقونها.
ومن الصعب تحديد تأثير عمليات الإنقاذ في منطقة البحث والإنقاذ التي في يد المغرب، وهي دولة ذات الوسائل المادية والتكنولوجية المحدودة.
وزادت النسبة المئوية التقريبية للوفيات التي حسبتها “المنظمة الدولية للهجرة” على عدد الأشخاص الذين يحاولون الوصول إلى إسبانيا، بزيادة طفيفة من عام إلى آخر: بنسبة تفوق 1.1 بالمئة في عام 2018 إلى 1.4 بالمئة في عام 2019. ومع ذلك، فإن المنظمة نفسها تطلب الحذر لأنها ترى أن ذلك لا يكفي لتقييم هذا العام.

المغرب شريك استراتيجي

ومن جانبها، تحتفل إسبانيا بكفاءتها تعاونًا مع المغرب في كبح جماح الهجرة، فحين إلتقى وزير الداخلية الإسباني، فرناندو غراندي مارلاسكا، بحر الأسبوع الماضي، بالرباط، مع نظيره المغربي عبد الوافي لفتيت،
أكد مارلاسكا أن العلاقة الثنائية بين إسبانيا والمغرب “مثالية”، في مجال الداخلية.
وحققت الدولتان توازنًا إيجابيًا في التعاون القائم بينهما طوال عام 2019، وفقًا لمارلاسكا، الذي أعرب عن استعداد بلاده للحفاظ على العمل المشترك “على نفس طريق الثقة المتبادلة” في هذا العام 2020. واعتبر الوزير الإسباني أن “التعاون مع المغرب” يمثل أولوية بالنسبة لإسبانيا.
أكد مارلاسكا على تعاون ودعم السلطات المغربية في مكافحة شبكات المافيا التي تتاجر بالبشر، وهو التعاون الذي ساهم في انخفاض عدد الوافدين غير النظاميين إلى إسبانيا بنسبة 53.4 في المئة، عن طريق البحر في عام 2019 مقارنة بالعام السابق.
وتناول وزيرا خارجية البلدين في إطار مناخ التعاون هذا تدابير مشتركة محتملة لتعزيز السيطرة على تدفقات الهجرة في واجهة المحيط الأطلسي.
وأشار مارلاسكا إلى مدى ملاءمة “زيادة تبادل المعلومات، وهو أمر ضروري لمكافحة أنشطة شبكات الاتجار بالبشر”، في هذه المنطقة.
كما شدد على إرادة الحكومة الإسبانية مواصلة نقلها أمام مؤسسات الاتحاد الأوروبي “الأهمية الحاسمة للمغرب كشريك استراتيجي، في شؤون الهجرة وفي العديد من المجالات الأخرى”.
وذكر الوزير الأسباني تعاون المغرب في عملية تحسين وتعزيز الأسوار الحدودية في مدينتي سبتة ومليلية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية