تسليم رئيس عربي للجنائية الدولية: سابقة للاحتفال؟

حجم الخط
27

أعلنت السلطات السودانية، على لسان محمد حسن التعايشي، عضو مجلس السيادة، اتفاق وفدها التفاوضي مع حركات الكفاح المسلح في إقليم دارفور على تسليم مطلوبين من المحكمة الجنائية الدولية، وعلى رأسهم الرئيس السابق المخلوع عمر حسن البشير، وأربعة من قيادات حزبه متهمين بارتكاب جرائم حرب في دارفور.
تم تأكيد هذا الإعلان على لسان عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي بنفسه، لدى لقائه المدير التنفيذي لمنظمة «هيومن رايتس ووتش»، الذي تعهد بتقديم «كل من ارتكب فظائع خلال الـ30 عاما الماضية إلى العدالة»، وهو تعهد لا يخلو من المكابرة والمبالغة لأنه يتجاوز عملياً الرئيس البشير والمتهمين الآخرين ويمكن استخدامه ضد البرهان نفسه حين يصل الأمر إلى محاسبة المسؤولين عن مقتل أكثر من 100 سوداني خلال أحداث فض الاعتصام أمام مبنى قيادة الجيش السوداني في الخرطوم، وكذلك ضد نائبه محمد حمدان دقلو، قائد «قوات الدعم السريع» والتي كانت الطرف الضارب الرئيسي في أحداث دارفور، كما ساهمت قواته في قمع انتفاضة 2013 متسببة بمقتل ما لا يقل عن 250 شخصا، وكانت «هيومن رايتس ووتش» نفسها قد اتهمته وقواته بارتكاب انتهاكات في دارفور، وطالبت جهات، مثل المنسقية العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين، المحكمة الجنائية الدولية بإدراجه ضمن قوائم المطلوبين.
توضح الوقائع الآنفة سبب اعتبار محامي البشير القرار «عدواناً سياسياً وانتقاماً»، معتبراً أن القرار ستكون له تداعيات أمنية وسياسية «عظيمة الأثر في السودان»، والحقيقة أن القرار بحيثيته ورمزيّته يفترض أن تكون له تداعيات سياسية خارج السودان أيضاً، فإذا جرى تنفيذ هذا الإعلان وتم تسليم البشير وكبار المسؤولين المطلوبين فإنه سيمثّل سابقة كبرى في تاريخ الزعماء العرب، الذين شهدنا، منذ انطلاق الثورات عام 2011 خلع وسقوط ومقتل العديدين منهم، لكنّ حدث تسليم البشير سيعطي للنخب والشعوب قدرة الاستناد إلى سابقة خضوع الأنظمة العربية، وزعمائها، لأحكام القانون الدولي، ومحاسبتهم على جرائمهم الكبيرة باتجاه شعوبهم، كما أنه سيعطي للسودانيين، ولنظرائهم العرب، أملاً ممكناً بتحقيق العدالة.
لقد جعل أغلب الزعماء من مناصبهم وأشخاصهم وممارساتهم نماذج شنيعة لتمثيل العرب في المنظومة الدولية، وصار خروجهم من مناصب الحكم الدكتاتورية أشبه بعملية مستحيلة وتؤدي في أغلب الأحيان إلى حروب أهليّة دامية، فمرور عشرات السنين على حكم الطغيان يؤدي إلى انحطاط مهول في المنظومة السياسية يصل حتى إلى المعارضات التي تطبّعت بدورها بطباع الاستبداد، وحوّلتها عقود السجن والقمع والبطش إلى تنظيمات غير ديمقراطية معاقة ونازعة للانتقام وإفناء أو إقصاء الأحزاب والاتجاهات التي تواجهها.
تسليم البشير هو سابقة مهمّة طبعاً، لكنّ مسؤوليه الكبار الذين انغمسوا بالدم وتسببوا بجرائم كبيرة لا يجب أن يجعلوه كبش فداء لاستمرارهم في السلطة، أو اضحية للتقرب من النظام الدولي فحسب.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول بلحرمة محمد:

    ساختلف مع القدس العربي في قولها ان حدث تسليم البشير سيعطي للنخب والشعوب قدرة الاستناد الى سابقة خضوع الانظمة العربية وزعمائها الى – احكام القانون الدولي – ومحاسبتهم على جرائمهم الكبيرة باتجاه الشعوب حتى لا اقول شعوبهم فهده الشعوب ليست شعوبهم لا هي هي منهم ولا هم منها فتسليم الطاغية البشير ديكتاتور السودان السابق حالة خاصة لان الامر لا يتعلق بتاتا بمحاسبته عن جرائمه والا اين هم نظرائه العرب الدين ارتكبوا الفظائع ولا زال اليمن ماثلا امام انظار الجميع وانظار قضاة هده المحكمة المسماة جنائية ولا اعتبرها كدلك فالمحاكمات لا تعدو كونها سياسية تعتمدها هده المحكمة بضغط من القوى الكبرى وعلى راسها الولايات المتحدة فاين هم كبار المجرمين العالميين من امثال النتن ياهو وبوش وبلير وغيرهم فلا تصدعوا رؤوسنا يتسليم البشير وان كنا نتمنى له اقصى العقوبات ولكل زملائه من الديكتاتوريين العرب.

  2. يقول نائل الغزاوي:

    أتفق كل الاتفاق مع الأخت آصال أبسال على كلامها الرائع ،
    وكل تعليق آخر ينسجم معه مثل تعليق سوري وبلحرمة محمد

  3. يقول المثنى بلقاسم:

    إلى الأخت الأستاذة آصال أتسال : تصريح رائع بكل معنى الكلمة !
    من الحجج الواهية التي يتذرع بها تجمع المهنيين السودانيين وجوب عمر البشير ، للقضاء السوداني عقب فراغ المحكمة الجنائية الدولية من قضيته ، وترحيب التجمع بخطوة قبول الحكومة مثول البشير للجنائية الدولية لأن القانون الجنائي السوداني الموجود لا يعاقب على جرائم الإبادة الجماعية وضد الإنسانية ، هذا ليس قبولا ، هذا أمر جاءه من الجهات العليا الآمر ة والناهية قبل كل شيء !!

    1. يقول المثنى بلقاسم:

      عفوا تصحيح الاسم : إلى الأخت الأستاذة آصال أبسال المحترمة

  4. يقول عبد الله:

    تدعو للاحتفال بماذا؟ بالإحتكام إلى الطاغوت؟ إنها لسابقة تدعو للإنكسار والحزن. لن ينصرونكم يا سادة. لن ينفعونكم أمام الله. حاكموا البشير على جرائمه بم أنزل الله ولا تصفقوا للشيطان. ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه.

  5. يقول كريم إلياس/ فرنسا:

    هكذا عاش ديكتاتور السودان المخلوع…و هكذا كانت نهايته المخزية…! امثاله لا يؤمنون بتاريخ انتهاء الصلاحية…من طرف المخابر التي صنعتهم! حكم هذا الديكتاتور السودان لمدة ثلاثة عقود…عقود من الكذب و التخلف و الحروب و الاستحواذ على مقدرات و خيرات البلد…من دون حسيب أو رقيب…نتمنى ان ينال جزاءه من عدالة الأرض قبل عدالة السماء…و كل من تعامل معه و حمى نظامه اللقيط…و منهم من هو الحاكم الفعلي اليوم…! نتمنى ان تلحق الموجة ايضا بنظام الانقلابي المفلس السيسي …الذي لا يختلف في شئ عن نظيره الانقلابي السابق في السودان.. .الأيام دول ايها الأوغاد.. .!! و شكرا لقدسنا الموقرة

  6. يقول برن:

    اولا هي ليست دولية لانها كمجلس الأمن تمثل بعض الدول فقط اما تسليم البشير فهي مراوغة هم بحاجة لها في الًقت الحالي لن تنفذ البشير سيتوفى في السجن قبل تسليمه لان تسليمه يفتح عدت أبواب هي الان مغلوقة وهم اعني كل الأنظمة يريدون بقائها مغلوقة

  7. يقول ابن الاردن:

    لقد عجزت المحاكم العربية أو بالأحرى الشعوب العربية عن محاكمة حكامها من المستبدين والمستبيحين لدماء شعوبهم ، وذلك لأسباب كثيرة ليست هنا مجال البحث،، ولم لا مادام هناك محاكم دولية قادرة على محاكمتهم ، لكن يجب ان لا يكون هناك انتقائية وانتقام ، وكبش فداء ، كل من تلوثت يداه من المفسدين والقتلة يجب تقديمهم للعدالة بغض النظر عما كانت مناصبهم ، ،. لك يوم يا ظالم !!!
    وخير ما قيل ،،،،، ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ،،،،،

  8. يقول سامح//الاردن:

    *بأيد تسليم جميع الطغاة والمجرمين
    للجنائية الدولية ( قاتلهم الله).
    حسبنا الله ونعم الوكيل في كل حاكم فاسد مستبد.

  9. يقول أسامة كليّة سوريا/ألمانيا Ossama Kulliah:

    بالنظر إالى ماحصل لصدام حسين والقذافي وعلي عبد الله صالح, يبدو أن البشير أفضل حظاً.
    لكن المشكلة أنه مجرد صفقة (أيضاً) مزدوجة, أولاً للتغطية على بقية الجناة من أمثال حمديتي مثلا. وثانياً للإبتزاز الذي تمارسه الدول الغربية أو بالأحرى أمريكا وإسرائيل بأن تخضع الدول التي تسعى إلى التخلص من الدكتاتوريات كالسودان لإجبارها على الرضوخ لشروط التبعية والإبتزاز الصهيوني لمنع هذه الدول من تحقيق حريتها واستقلالها. أعتقد أن الإتحاد الأفريقي يستطيع وعليه أن يتدخل من أجل محاكمة البشير في السودان وبعدالة توازي عدالة محكمة العدل الدولية أي بنفس المستوى وليس فقط البشير بل من كان معه أيضاً. الإملاءات الأمريكية الصهيونية يجب رفضها إذا كان لابد من محكمة دولية, على جميع الأحوال. لكن لقاء البرهان .تنياهو لايبشر بالخير, وبكل أسف.

  10. يقول عيسى:

    كيف يسُلَّم البشير إلى المحكمة الدولية ويستثنى من ذلك شركاؤه السابقون وقياداته المتورطة أكثر منه ميداني في ذات الجرائم؟؟
    كيف تسكت “هيومن رايتس ووتش” على بقاء هؤلاء شركاء في رأس الدولة اليوم من غير محاسبة؟؟
    كيف يقبل “اتحاد المهنيين” أن يكون شريكا لهؤلاء في “المجلس السيادي”؟؟
    إنها مفارقات تستدعي التأمل والاعتبار..

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية