عمان- «القدس العربي» : ليس سراً ولم يعد مكتوماً.. رئيس وزراء الأردن الدكتور عمر الرزاز يختبر سيناريو بقائه لفترة أطول في الحكم بأقدم التقنيات والوسائل، وفي أكثر ظروف الإقليم والداخل حساسية. تقنية الرزاز السياسية هنا واضحة الملامح، وتتمثل في إطلاق بالون التعديل الوزاري الخامس على طاقمه.
يعلم الأردنيون جميعاً خصوصاً، المشتغلون بالسياسة والعمل العام، بأن تمكين الرزاز من تعديل وزاري خامس في ظرفه الزمني الحالي وتحت ذريعة تقييم الـ 100 يوم التي انتهت في أداء الوزراء… يعني تلقائياً أن الحكومة ستتجاوز شهر أيار/مايو المقبل باتجاه السنة الثانية في الإدارة والحكم. ويعلم الجميع، بالمقابل، أن حظ التعديل الخامس ومنعه من الولادة يقترب ضمنياً من سيناريو رحيل الحكومة بسقف لا يزيد عن شهر أيار المقبل، حيث تنتهي الدورة العادية الحالية للبرلمان، وحيث تختبر قواعد الاشتباك المرجعية العلنية بخصوص بقاء سلطتي التشريع والتنفيذ معاً، أو رحيلهما معاً.
يتطلب الأمر بكل الأحوال حسماً مرجعياً ملكياً بأي من الاتجاهين، من الواضح أن ملامحه ستظهر قريباً. هنا تحديداً، وفي سيناريو التعديل الوزاري الخامس على الحكومة، يعزف الرزاز مسبقاً على وترين. الأول، مخاوف المستوى الأمني من انتخابات برلمانية في وقتها الدستوري تنظم استحقاقاً، وسط تحفز الأخوان المسلمين للمشاركة، وبعد إيقاع نقابة المعلمين الشهير. وفي الوتر الثاني، يعزف الرزاز على حزمة المخاوف والهواجس التي أنتجتها وأثارتها صفقة القرن الأمريكية، راغباً بالتسكين السياسي والوزاري إلى أن تتبين، على الأقل، نتائج الانتخابات الإسرائيلية، وتظهر معطيات العلاقة المتردية بين الأردن والبيت الأبيض منذ نحو عامين، في مؤشر حيوي قابل للقياس وله علاقة هذه المرة بانتقال صفقة القرن إلى خط الإنتاج الثاني.
الصفدي قد ينتظره «دور جديد» ووزراء التنمية والزراعة والتعليم العالي تحت الكشف
الأردن تحت الضغط بكل الأحوال، هذا ما يقوله خبير سياسي واقتصادي مخضرم من وزن نائب رئيس الوزراء الأسبق الدكتور محمد الحلايقة، مجدداً لـ «القدس العربي» وهو يصر على الحاجة الملحة، ليس لمراجعة في الاتجاه الاقتصادي فقط، ولكن أيضاً إلى مواجهة استحقاقات لها علاقة بأوراق التنمية السياسية والإصلاح. ومثل غيره من السياسيين أصحاب الخبرة، يؤمن الحلايقة بالعمل على تمتين الجبهة الداخلية قبل أي اعتبار آخر في هذه المرحلة التي يتفاعل فيها المعطى الإقليمي.
لكن وبانتهازية وبرغماتية سياسية قد تكون مشروعة، إن التمكين المشار إليه في مقاربات الرئيس الرزاز لا يتجاوز الشعور بوجود فرصة لبقاء الحكومة لفترة أطول، مع أن الرزاز نفسه كان قد قال بحضور «القدس العربي» بأنه يعلم مسبقاً بأن مرحلة حكومته قد لا تزيد عن عامين.
في كل حال، وبعيداً عن اعتبارات صفقة القرن وما يقوده الحلايقة أو غيره في مسألة الخط الاقتصادي أو الداخلي، يخوض الرزاز الاختبار اليوم على أساس تسريب أنباء وإنضاج الظروف لاستحقاق باسم تعديل وزاري خامس.
يستند الرزاز هنا إلى ما يسميه ببرنامج تقييم الأداء. ويسعى في الأثناء للتخلص من وزراء مناكفين أو فرضتهم عليه حسبة المحاصصة الجهوية أو وزراء ندم أصلاً على منحهم الفرصة. وفي التفاصيل سيناريو أعقد وأعمق قد ينقل وزارة الخارجية إلى حضن شخصية جديدة أقرب إلى المؤسسة المرجعية على أن يناط بالوزير الحالي أيمن الصفدي دور أساسي آخر خلف الستارة.
وفي التفاصيل إجماع على أن القلق الذي ينتج باسم وزارة الزراعة قد يؤدي إلى إبعاد الوزير الحالي إبراهيم الشحاحدة، الذي أصبح على نحو أو آخر عنواناً للقلق والشغب وعدم الامتثال أحياناً للرئيس، وإن كان الشحاحدة نفسه وفي اتصال سابق مع «القدس العربي» قد نفى جملة وتفصيلاً كل هذه المزاعم، مؤكداً أن مهمته الأساسية هي حماية المنتج الزراعي الأردني، وأنه يتحرك بتوجيهات من رئيس الحكومة ضمن خط استراتيجية وطنية محددة الملامح بخصوص القطاع الزراعي.
مثل هذا الطرح قد لا ينقذ الوزير الشحاحدة إذا ما سمح للرزاز بتعديل وزاري خامس. لكن بوصلة التعديل بالتأكيد لن تقف عند حدود وزير الزراعة، فعلى مستوى التقول والتكهن ثمة حديث عن وزيرة التنمية الاجتماعية الدكتورة بسمة اسحاقات، وثمة كيمياء مفقودة مع وزير التعليم العالي الجديد الدكتور محيي الدين توق. وتبرز إشارات قد يكون لها علاقة أيضاً بوزير النقل الجديد والشاب.
في كل الأحوال، الأسماء التي ستغادر أو ستدخل ليست هي المهمة، فالرئيس الرزاز مستحكم في المشهد وقوي ومتين سياسياً حتى اللحظة على الأقل. وورقة التعديل ليست مهنية ولا تكنوقراطية ولا علاقة لها بالأداء في المقام الأول بقدر ما هي ورقة سياسية قبل أي اعتبار، لها وظيفة تتعلق ببقاء الحكومة أو اقتراح ضمني بسيناريو استمرارها لفترة أطول مع العزف وبذكاء ملموس على أوتار الهواجس والمخاوف المشار إليها.
قد ينجح الرزاز في مهمته، وقد لا يحصل على الغطاء اللازم لتعديله الخامس، وفي مطلق الأحوال.. المسألة تتعلق بحساب المكاسب والمخاسر والمجازفات، لأن كلفة التعديل الوزاري الخامس أو فاتورته السياسية واضحة الملامح. وهي كلفة لا تنتهي عند بقاء الحكومة أو رحيلها، بل قد تشمل إعادة تشكيل مجلس الأعيان والتمديد لمجلس النواب، ما يعني تلقائياً في المحطة الأخيرة تأجيل الانتخابات.