عمان- «القدس العربي»: قد لا يفيد «التباين» ولا كتم الأسرار عندما يتعلق الأمر مجدداً بتقنيات المواجهة الأردنية لصفقة القرن وتوابعها وشقيقاتها. فالصمت يتواصل، وللأسبوع الثالث على التوالي، رسمياً. وتزيد مساحة الغموض والصمت بين المواجهة التي يريدها الشارع صريحة وتبدأ بعملية «إصلاح سياسي حقيقي»، وتلك المجابهة المستندة إلى تكتيك الترقب والانتظار والدبلوماسية الواقعية فقط.
بين المواجهة وتلك المجابهة فارق واسع في مساحات الاضطراب السياسي الداخلي اليوم في الأردن، حيث بلد محكوم بجغرافيا سياسية تجعله، وعلى حد تعبير رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة، يمثل دولة الجوار الأكثر تضرراً من توابع تلك الصفقة المشؤومة.
الجمعة الثالثة على التوالي طلت على الأردنيين أمس وهم يراقبون المشهد الداخلي، حيث صرخات بتوقيع ائتلاف معارض يقوده حزب جبهة العمل الإسلامي بعنوان مسيرات غضـب لإسقاط صـفقة القرن.
وحيث – وهذا الأهم – فعاليات تتركها السلطة والأذرع الأمنية لتعبر عن نفسها بزخم جماهيري لا يصلح لإسقاط قرار إداري صغير حتى يصلح لإسقاط صفقة القرن. لكنه زخم زاد قليلاً في الجمعة الثالثة لإسقاط الصفقة، وإن لم يصل بعد لمستوى تغيير وتبديل معادلة القرار أو حتى الاتجاه السياسي. موقف الجمهور نفسه اليوم، وسط مؤشرات القلق والهواجس، يحتاج إلى تفسير وتأمل. ووفقاً للبرلماني المسيس محمد الحجوج، العدو للشعب الأردني وشقيقه الفلسطيني واضح ومحدد اليوم في السياق الإسرائيلي. ما يضغط في اتجاهه حزب جبهة العمل الإسلامي تحديداً هو الانتقال من تكتيك المجابهة الدبلوماسـية والصـمت والتـرقب إلى تقنـية المواجـهة.
وليس سراً أن قيادات الحزب، ومن بينها الأمين العام للشيخ مراد عضايلة وغيره، يقترحون على السلطة والدولة في السياق تجاوز مرحلة السماح بالتعبير، باعتبارها منجزاً وطنياً عظيماً، إلى مرحلة الاستثمار في ورقة ضغط الشارع.
بالنسبة للواقعيين الذين يتكاثرون في مؤسسة القرار اليوم، فإن الانتقال الذي تطالب به المعارضة شعبوي وعاطفي، وقد لا ينتهي إلا بمجازفة تخدم اليمين الإسرائيلي وحليفه وشريكه في اليمين الأمريكي. وبالنسبة لواقعيين، أيضاً من طبقة رجال الدولة -لكن من خارج الحكم- ثمة خطوات وإجراءات من الضروري جداً المضي قدماً في اتجاهها حتى لا تصبح التفاصيل هي التي ينبغي للمملكة أن تفاوض عليها بدلاً من العناوين العدائية العريضة.
قطيعة من عامين مع البيت الأبيض وتيار «الواقعية» ينمو
عملياً، لا تقول حكومة عمان ما الذي تنتظره بشكل واضح ومحدد. ولا تقول ما الذي تترقبه من البيت الأبيض بعد ثبوت قطيعة في الاتصال والتواصل مع طاقم الرئيس ترامب مستمرة أصلاً منذ عامين، وبعد ثبوت عتاب أمريكي قاس لخطوة أردنية جريئة يتيمة تمثلت في عدم الاستجابة لطلب من البيت الأبيض بأن تحضر سفيرة عمان في واشنطن المؤتمر الصحافي الشهير الذي عقده ترامب مع بنيامين نتنياهو. ودون ذلك العتاب المر، لم ترفض الخارجية الأردنية صفقة القرن ولم تقبلها.
ودونه، الواقعيون من جهة السلطة يطالبون بالهدوء وعدم التسرع، أما الواقعيون من خارجها فيشتركون مع المعارضة والحراك الشعبي في مساحة صغيرة تقول باستخدام أوراق القوة المتاحة ودون مجازفة أو إعلان التخلي عن السلام، وحتى دون اشتباك نتائج واضحة مع تفعيلات وتفصيلات تلك الصفقة الأمريكية.
ما يصل من استشعارات من الجانب الأمريكي خصوصاً من الأصدقاء في الحزب الديمقراطي وفي الكونغرس، حيث ثقل أردني لا يزال على قيد الحياة مع تأثير يفيد بتوقع الأسوأ من إدارة ترامب، والحرص على مواجهة قادمة بالضرورة، دون تمكين اليمين الإسرائيلي ونتنياهو تحديداً من العبور بأجندة لا تقف عن حد تقويض السلطة الفلسطينية وفرض القرارات الأحادية، لكنها تعبر في اتجاه الحسم في معركة الانتخابات ثم التحرش بالدولة الأردنية نفسها.
إلى أن يحصل ذلك الحسم، لا تبدو القنوات الأردنية مع الحزب الديمقراطي وأذرعه في الكونغرس مفيدة أو ذات قيمة تتجاوز الاستماع للصوت الأردني بين الحين والآخر بالرغم من تلك الخديعة الموقعة باسم الرئيس ترامب وهو يصف عاهل الأردن بعبارة الملك الرائع، في الوقت الذي تتعامل فيه إدارته مع عمان بخشونة لا تحترم مصالح الأردن الأساسية.
مرة أخرى، يقترح خبراء أساسيون الحرص على مساحة التأثير الأردنية الوحيدة اليتيمة المتاحة بعنوان تحصين الجبهة الداخلية في مواجهة التداعيات.
الغريب الغامض في هذه المساحة أن الخلاف ينبغي أن لا يظهر ولا يتصاعد بالعناوين العريضة على الأقل عندما يتقرر ذلك التحصين للجبهة الداخلية، الأمر الذي يجعل المراوحة عملياً بين المواجهة التي يطلبها الشارع وتيارات المعارضة والمجابهة بلهجتها الدبلوماسية الترقبية مهمة مقلقة ومغرقة في التعقيدات بحد ذاتها. أما الأغـرب فهو وجود مسؤولين وسياسيين يحذرون اليوم تحديداً من كـلفة باهـضه للإصلاح السياسي حصرياً، وبالتالي يقترحون ضمنياً مقاربات عبثية ولا معنى لها باسـم تحصـين وتمتـين الـجبهة الداخلية.