رمزية أم سياسة؟

حجم الخط
0

يصوت البرلمان البريطاني اليوم في صالح مشروع قرار يعترف بدولة فلسطينية مستقلة. ويحمل الاقتراح صبغة رمزية فقط ولا يلزم الحكومة في لندن، ولكنه يثير الخلاف في حزب العمال المعارض؛ حيث أن سلسلة من كبار رجالات الحزب يدعون بانه يتعارض وسياسة الخارجية المعلنة لبريطانيا ويتحرك عمليا بدوافع سياسية داخلية. وقبل سنتين امتنعنت بريطانيا عن التصويت في الامم المتحدة على الاعتراف بفلسطين والموقف الرسمي للدولة هو أن الاعتراف يجب الا يأتي الا كجزء من اتفاق سلام شامل.
الاقتراح الذي رفعته مجموعة من اعضاء البرلمان المؤيدين للفلسطينيين، وعلى رأسهم رئيس لوبي «اصدقاء فلسطين» في حزب العمال غراهام موريس، الذي اضطر هذه السنة للاعتذار بعد أن شبه اسرائيل بالنازيين، حظي بتأييد وزير الخارجية في حكومة الظل، بغلاس الكسندر. أما زعيم الحزب إد ميلميند، فشجب الكسندر، ولكن شخصيات رفيعة في الحزب المؤيدة لاسرائيل، بمن فيهم وزراء في حكومة الظل، احتجوا على عدم التشاور معهم قبل ذلك وطلبوا السماح لهم بالتغيب عن التصويت.
يسعى ميلميند الى مظهر الانقسام في الحزب وعليه فمن المتوقع أن يتخذ سياسة غير مسبوقة في اطارها اعتبر بعض اعضاء الحزب واجب الحضور في التصويت كـ «رشقة واحدة»، أي استدعاء غير ملزمي الى قاعة البرلمان، بينما من كان فيها سيلزم بمستوى «ثلاث رشقات» للتصويت في صالح الاقتراح. والانقسام على مستوى الاستدعاء للتصويت يستهدف منع وضع يعتبر فيه من لا يصوت من اعضاء حكومة الظل في صالح الاقتراح متمردين فيتعرضون لاحتمال الاقالة. وبالتالي فان الكثير من اعضاء حزب العمال سيتغيبون.
اما طلائع كتل الائتلاف، المحافظون والليبراليون – الديمقراطيون فلم يستدعوا رفاقهم ابدا للبحث وطليعي المحافظين مايكل جوب، احد السياسيين المؤيدين لاسرائيل جدا في بريطانيا، واضع كتاب مخاطر الاسلام المتطرف، شجب اعضاء حزبه على التغيب عن التصويت للتقليل من اهميته الرمزية.
رغم محاولات جوب، فان مساعي وزارة الخارجية الاسرائيلية لتخفيض مستوى الاهتمام كي لا تعطي أهمية للتصويت والتواجد الخفيف نسبيا، فان التصويت يثير اهتماما شديدا في بريطانيا. فقسم كبير من الاهتمام نشأ في اعقاب محاولات الاقناع التي قام بها اعضاء حزب العمال من مؤيدي اسرائيل ممن اقترحوا تعديلا للاقتراح بموجبه لا يأتي الاعتراف بفلسطين الا «مع النهاية الناجحة للمفاوضات بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية». اما مؤيدو الاقتراح فادعوا بان التعديل سيفرغه من محتواه وبدلا من ذلك قد يوافقوا على تعديل يقول ان الاعتراف هو «مساهمة في الموافقة على المفاوضات على حل الدولتين».
وبالتوازي، فقد عقدت المنظمات اليهودية الوضع حين شرعت في حملة اقناع خاصة بها. بعضها دعت اعضاء البرلمان الى التصويت ضد الاقتراح واخرى دعتهم الى الموافقة على تعديل مؤيدي اسرائيل.
وأكثر مما للاقتراح من آثار عملية على السياسة الخارجية البريطانية، فانه يحرك ويؤثر على السياسة المحلية. فبعد سبعة اشهر ستجرى في بريطانيا انتخابات عامة والمستقبل السياسي لعشرات النواب من حزب العمل ممن لهم اغلبية قليلة في محافظاتهم الانتخابية منوط بالتجمعات الاسلامية المحلية. وهم يخشون من انهم اذا لم يصوتوا في صالح الاعتراف بدولة فلسطين، فان المسلمين كفيلون بان يبقوا في بيوتهم أو ان يصوتوا لاحزاب اخرى. ويكاد المقترعون المسلمون لا يشكلون عاملا حاسما في المناطق الانتخابية التي يعلق عليها المحافظون آمالهم. وقد الاستقلال البريطاني الذي يعارض الهجرة الى بريطانيا.
في حملة «الجرف الصامد» عارض كمرون مطالبات شركائه في الائتلاف من الحزب الليبرالي الديمقراطي شجب اسرائيل على اعمالها في غزة أخذ رئيس الوزراء دافيد كمرون بمشورة مستشاره للانتخابات، لينتون كروسبي، الذي قرر بانه اذا غازل المحافظون الصوت المسلم فانهم سيخسرون مقترعين محافظين يميلون على اي حال للتصويت الى حزب
، ولكن في النهاية اضطر الى التراجع امام مطالبهم والموافقة على التصريح الذي اصدره وزير العمل عضو الليبراليين الديمقراطيين، وجاء فيه انه اذ كان تصعيد في غزة فستدرس الحكومة رخص التصدير لعناصر من الاسلحة التي تشتريها اسرائيل في بريطانيا. وحتى هذا التصريح لم يكن له معنى عملي (فاسرائيل على اي حال تشتري القليل جدا من العتاد العسكري في بريطانيا)، ولكنه دل على كيف اصبح النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني مسألة حساسة في السياسة المحلية في بريطانيا. واليوم ايضا، عندما سيصوت البرلمان البريطاني في صالح الاعتراف بفلسطين، سيكون هذا مرة اخرى تصويتا سياسيا مع معنى محلي ولكن عديم الوزن السياسي الخارجي.

هآرتس 13/10/2014

آنشل بابر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية