كانت خطبة رئيس مصر عبد الفتاح السيسي في افتتاح مؤتمر اعمار غزة الذي عقد في القاهرة من أهم الخطب التي خطبها زعيم عربي في السنوات الاخيرة. وقد تحدث السيسي أولا الى الجمهور الاسرائيلي كله والى حكومة نتنياهو بعد ذلك فقط. ودعا الى تبني مبادرة السلام العربية والدفع قدما بانشاء دولة فلسطينية لانهاء الصراع. وقال الرئيس المصري: «السلام هو الذي سيجلب الاستقرار والنماء».
وأبدى السيسي حساسية ووعيا للشك الاسرائيلي المتوسط بمسيرة السلام، لكنه ذكّر اولئك الاسرائيليين ايضا بماهية مبادرة السلام العربية التي امتنعت حكومات اسرائيل عن تناولها بجد وبصورة ايجابية منذ نشرت في 2002، وكانت رسالة السيسي الى الرأي العام في اسرائيل أنه يوجد شريك وأن التقدم نحو انشاء دولة فلسطينية ينطوي على اتفاقات سلام وعلاقات دبلوماسية وتطبيع مع جزء كبير من العالم العربي.
لكن خطبة السيسي كانت رسالة الى بنيامين نتنياهو وافيغدور ليبرمان وآخرين ايضا في حكومة اسرائيل يحلمون في الاسابيع الاخيرة بمسيرة سلام تلتف على الفلسطينيين وليست فيها تنازلات، يُجالس معها الاسرائيلي السعودي والكويتي والمغربي وينشئون علاقات ويقومون باعمال في حين يستمر الوضع الراهن والاحتلال والمستوطنات في الضفة الغربية.
وذكّر السيسي رئيس حكومة اسرائيل أنه لا توجد في مسيرة السلام وجبات بالمجان، أو تخفيضات للمشاهير أو حملات نهاية الموسم، فاذا أراد نتنياهو أن تكون لاسرائيل علاقات بالسعودية واتحاد الامارات ومصر والاردن في خزانة أو تحت الطاولة بوساطة الجنرال عاموس جلعاد من وزارة الدفاع، أو الدبلوماسيين في ظاهر الامر من قسم العلاقات الخارجية في الموساد وأدوار خاصة كما يفعل اليوم، فلا مشكلة، لكنه اذا كان يريد علاقات طبيعية فعليه أن يدرك اذا أن الطريق الى الرياض وأبو ظبي والقاهرة وعمان تمر برام الله.
ليس للسيسي حلفاء كثيرون في الائتلاف الحكومي الحالي في اسرائيل، فقد بينت وزيرة القضاء تسيبي لفني اليوم لكل من أراد أن يسمع لماذا كانت حقيقة أن اسرائيل لم تُدع الى مؤتمر اعمار غزة في القاهرة شهادة على وضعنا السياسي المضعضع. وقالت: «لا يريدوننا هناك ببساطة. وكانت مناسبة تحدثوا فيها عن دولة اسرائيل ولم تكن حاضرة وهذا سيء جدا». وتوجه لفني انتقادها الى رئيس الوزراء نتنياهو مباشرة. «أقول هذا وأعني اولئك الذين يروجون بيننا أن من المهم أن نتعاون مع الدول العربية لكنهم غير مستعدين لأن يخطوا الخطوة المطلوبة فيما يتعلق بمسيرة السلام»، قالت مؤكدة. «ليس من الممكن أن يكون التعاون مع الدول العربية كاملا وحقيقيا دون مفاوضة جدية للفلسطينيين».
لكن أهمية الخطبة التي خطبها السيسي لم تكن في الكلام الذي قيل فيها فقط بل في المتكلم الذي نطق بها. فالسيسي أكثر الزعماء العرب قبولا وشعبية عند الحكومة والشعب في اسرائيل منذ كان انور السادات أو الملك حسين. وحقيقة أنه تولى الحكم بانقلاب عسكري وأنه لا يهتدي بهدي الديمقراطية الليبرالية ليست من محاسنه في نظر اسرائيليين كثيرين.
يرى الاسرائيليون أن السيسي ليس محمود عباس الذي يتحدث عن قتل شعب وعن جرائم حرب نفذتها اسرائيل في غزة، وهو ليس اردوغان ايضا الذي يزعم أن افعال اسرائيل في غزة اسوأ من افعال هتلر في الكارثة، حتى إنه ليس عبد الله ملك الاردن الذي تصدر في كل بضعة اشهر عن وزراء وضباط كبار مخاوف تتعلق باستقرار حكمه.
في اليمين والوسط وأكثر اليسار الاسرائيلي من الساسة وكبار قادة الجهازين السياسي والامني الى المواطن البسيط في الشارع، يُعلمون السيسي بعلامة حليف مخلص يمكن صنع اعمال معه في سياق مصالح مشتركة. ويراه الاسرائيليون زعيما قويا ينظم الامور في مصر ويعيد الاستقرار الى الدولة ويحافظ على اتفاق السلام وأنه أمني يحارب حماس في غزة والاخوان المسلمين في القاهرة «دون المحكمة العليا ودون «بتسيلم»».
ولهذا حينما يتكلم السيسي يستمع الاسرائيليون – وفي الحكومة والكنيست ايضا وعلى الاريكة في الصالون أمام التلفاز – وينصتون ويتفهمون. ويُسأل سؤال هل يستمر الرئيس المصري على محاولة تقديم السياسة التي تكلم عليها في خطبته أمس في القاهرة بصورة فعالة أم أن الحديث عن واقعة لمرة واحدة. وقد زار أحد اسلافه وهو حسني مبارك اسرائيل مرة واحدة في سني رئاسته الثلاثين – في جنازة رئيس الوزراء اسحق رابين، فهل يستجمع السيسي الشجاعة ويزور القدس ليدفع بمسيرة السلام قدما؟ يصعب أن نعلم ذلك.
هآرتس 13/10/2014
براك ربيد