إلى اليسار السياسي: لهذا… عليك أن تصوت لـ “القائمة المشتركة” بلا تردد

حجم الخط
0

يمكن الافتراض بأنه بعد الإدانة الشديدة التي وجهها رئيس حزب العمل – غيشر – ميرتس، عمير بيرتس، لقرار مجلس حقوق الإنسان الذي نشر قائمة الشركات التي تعمل في المستوطنات، فإن الكثير من مؤيدي ميرتس سيطلب منهم التصويت لقائمة بيرتس. وعلينا أن نقدّر أن العدد غير القليل من الذين خاب أملهم من ميرتس، سيشكل فكرة بديلة للتصويت للقائمة المشتركة، وهي فكرة بعيدة عن أن تشكل اختياراً طبيعياً، وذلك لسببين رئيسيين: الأول هو أنه خلافاً للطرح الفاشي لجمعية “إذا شئتم” بأن مصوتي ميرتس قد تخلوا عن فكرة القومية الصهيونية ووقعوا في السحر الخائن لأفكار العالمية عديمة الجذور، فإن قاعدة ميرتس كانت ولا تزال مغروسة عميقاً في أرض الفكرة الإسرائيلية والصهيونية. في المقابل، ليس سراً أن القائمة المشتركة تتحدى الكثير جداً من المركبات الأساسية للروح والسياسة الصهيونية.

الثاني هو أن النواة الصلبة لمؤيدي ميرتس تتشكل في معظمها من العلمانيين الليبراليين غير المستعدين للتسليم بالمس بكرامة الإنسان وحريته، الذي يستخدم بشكل متواصل باسم الدين ورعاية المؤسسة الدينية. القائمة المشتركة من ناحيتها تشمل في صفوفها حزب راعم المسلم، الذي لا يختلف في جوهره في نظر مصوتي ميرتس العلمانيين عن الأحزاب الأصولية.

يبدو أن الحديث يدور، بالنسبة لمؤيدي ميرتس قبل التوحد غير التقني مع العمل – غيشر، عن عوائق فكرية ثقافية غير قابلة للاجتياز تقريباً. ولكن بنظرة عميقة، يتبين أن الأمر يتعلق بعوائق متخيلة.

لنبدأ من مسألة الـ “ضد” صهيونية. أجل، قبل أن نسارع إلى أن نلصق بالقائمة المشتركة شعار الرفض القاطع لكونها مناوئة للصهيونية، من الأفضل أن نسأل أنفسنا ما هي المظاهر والتداعيات الملموسة والعملية لنفس الصهيونية التي تتحفظ منها القائمة المشتركة. الإجابة على ذلك واضحة وحاسمة: الصهيونية التي يصعب على أعضاء القائمة المشتركة ومؤيديها من أوساط مواطني إسرائيل الفلسطينيين التعايش بهدوء معها، هي صهيونية النكبة ومذبحة كفر قاسم والحكم العسكري والاحتلال والنهب والسرقة لمشروع الاستيطان وقانون القومية المهين. وعندما يقوم أحد أعضاء القائمة المشتركة بالاحتجاج بصورة متحدية على العلم وشعارات الدولة والنشيد الوطني، فإنهم لا يفعلون ذلك من أجل سحق أسس تقرير المصير القومي لليهود الاسرائيليين، بل لأن رموز الصهيونية والدولة اليهودية لا تعكس حسب رأيهم أي شيء عدا الهيمنة والقمع والتدمير المنهجي لوطنهم القومي.

ولكن في الوقت الذي تعارض فيه القائمة المشتركة الوجه القمعي لتطبيق الصهيونية، وهو الوجه الوحيد للصهيونية الذي جربه الشعب الفلسطيني والمواطنون الفلسطينيون على جلودهم، حيث إنها في نهاية المطاف تدفع قدماً بتوجهات كثيرة فكرية وسياسية وقفت في السابق في أساس الحلم الوطني – المدني للأيديولوجيا الصهيونية. ولكن لم يتم في أي يوم تطبيقها بالفعل. هكذا فإن النموذج السياسي لدولة كل مواطنيها الذي تقف القائمة المشتركة معه بوضوح، يشبه الكثير من الخطوط الأساسية للحلم السياسي – الاجتماعي متعدد الثقافات لثيودور هرتسل، ورؤيا الديمقراطية متعددة القوميات التي طرحها احاد هعام وبيرل كتسنلسون وزئيف جابوتنسكي وعدد كبير من الزعماء والمفكرين الصهاينة.

سيكون أمراً صعباً وساذجاً التوقع بأن يعترف رؤساء القائمة المشتركة بشكل علني بالشبه بين النموذج السياسي – الاجتماعي الذي يتبنوه وبين الصيغ متعددة القوميات والثقافات التي طرحها في السابق ممثلون رئيسيون في الصهيونية. ولكن نفس هؤلاء المؤيدين اليهود لميرتس القديم والذين يؤمنون بإمكانية تقرير مصير قومي لليهود غير مهيمن، يمكنهم بالتأكيد أن يصوتوا بقلب مرتاح للقائمة المشتركة وهم على ثقة تامة بأنهم بذلك يدفعون قدماً بالأسس الإنسانية والليبرالية التي نسيت، للفكرة السياسية الصهيونية.

بالنسبة للتخوف من أن التصويت للقائمة المشتركة يعني تأييد العناصر الإسلامية في القائمة، هو إغماض للعيون عن المس بالمساواة بين الجنسين وحقوق المثليين وحرية الفرد – حيث إنه إذا فحصنا السياق المدني – السياسي الحاسم الذي يوجد فيه حزب راعم الإسلامي ومؤيديه، فيمكن أن تبدو الأمور بصورة مختلفة تماماً.

خلافاً لأيديولوجيتها الدينية، فقد انضمت راعم إلى جانب الأحزاب العربية القومية – العلمانية، من أجل تشكيل جسم سياسي نقش على رايته حلم الديمقراطية المدنية، التي يعد تأسيسها مشروطاً بالضرورة بالفصل بين الدين والدولة. وفي سياق العلاقة بين الدين والسياسة، فإن التصويت للقائمة المشتركة على المدى البعيد له معنى ديالكتيكي: رغم وجود الحزب الإسلامي فيها فإن تأييدها يتوقع أن يساهم في الدفع قدماً بأجندة مدنية وديمقراطية وليبرالية. وبهذا يمكن إضعاف التوجهات الدينية في المجتمع الإسرائيلي بشكل عام.

وبناء على ذلك، بالتحديد فيما يتعلق بالمواضيع التي تجعل خائبي الأمل من ميرتس يترددون بالنسبة للبديل الذي يتمثل بالقائمة المشتركة، فإن التصويت لها سيعكس موقفاً أيديولوجياً إيجابياً: السعي إلى إصلاح داخلي للصهيونية من خلال التراجع عن رؤية تفوق اليهود، والدفع بعلمانية تدريجية للفضاء السياسي – المدني الإسرائيلي، والوقوف من وراء فكرة الدولة المدنية الإسرائيلية. لذلك، يجب على مؤيدي اليسار السياسي الذين يرون في الاندماج المرفوض لميرتس في اتحاد “قوائم اليسار” ضياع الطريق الأيديولوجية مقابل وهم براغماتي.. التغلب على بقايا الشك والتصويت بلا تردد للقائمة المشتركة.

بقلم: دمتري شومسكي

هآرتس 2/3/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية