“ما علاقة ذلك بعائلة آل سعود؟ المسؤولون هم الملك سلمان وولي عهده”، هذا ما قاله الأمير أحمد بن عبد العزيز، شقيق الملك سلمان وعم ولي العهد، رداً على المظاهرات التي كانت ضد العائلة المالكة في لندن عام 2013. المظاهرات التي شارك فيها سعوديون ممن يعارضون العائلة المالكة وبريطانيين، جرت رداً على قتل الصحافي السعودي جمال الخاشقجي أثناء زيارته للسفارة السعودية في إسطنبول في تشرين الأول من العام نفسه. وقد كانت جزءاً من احتجاج دولي، جماهيري ورسمي، ضد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي اعتبر المسؤول المباشر عن قتل الخاشقجي.
الأمير أحمد في الحقيقة تراجع بعد فترة قصيرة عن أقواله، بذريعة أنها “لم يتم فهمها بشكل صحيح”. ولكن في أعقاب ذلك، تم وضعه بصورة طبيعية على جدول أهداف محمد بن سلمان. ولي العهد السعودي اعتبر عمه -حتى قبل ذلك- منافساً خطيراً على العرش. في الأسبوع الماضي نفذ محمد بن سلمان، بمصادقة الملك كما يبدو، سعيه إلى إبعاد الأمير أحمد من طريقه، عندما اعتقلته قوات الأمن من منزله ونقلته إلى التحقيق معه بتهمة محاولة انقلاب وسيطرة على الحكم.
وقد اعتقل أيضاً الأمير محمد بن نايف الذي كان في السابق مرشحاً لوراثة الملك سلمان، ونجله نواف. وحسب تقارير غير رسمية، تم اعتقال عشرات من موظفي الحكومة الكبار، ضباط وأشخاص من العائلة المالكة، الذين اعتقلوا للذريعة نفسها. الأمير أحمد شغل منصب نائب وزير الداخلية بين الأعوام 1975 – 2012 تحت رئاسة شقيقه الأمير نايف، وقد جمع في يديه قوة كبيرة عندما كان مسؤولاً عن الأمن الداخلي وتولى هو ووزير الداخلية محاربة الإرهاب الإسلامي. ولكن في العام 2012 بعد توليه منصب وزير الداخلية مدة خمسة أشهر، أُبعد عن الدائرة المغلقة لأبناء العائلة المقربين.
هذا رغم كونه الأخ الأصغر من بين الأمراء السبعة من أبناء الفرع السديري في العائلة المالكة – أبناء حصة السديري، وهي إحدى زوجات مؤسس العائلة الملك عبد العزيز بن سعود، وهو المنصب الذي حوله إلى مرشح لتولي الحكم بعد وفاة الملك عبد الله.
الأمير أحمد أيضاً هو عضو في المجلس العائلي الذي يتولى صلاحيات المصادقة على التعيينات التي يقررها الملك. في العام 2017 كان أحد الأعضاء الثلاثة في المجلس الذين عارضوا قرار الملك سلمان تعيين ابنه محمد ولياً للعهد بدلاً من محمد بن نايف. وبعد سنتين، قرر الأمير أحمد الانتقال إلى بريطانيا، ومكث هناك إلى حين ثارت عاصفة قتل الخاشقجي. في أعقاب ذلك، وبعد وعود الملك سلمان بأنه لن يتم اعتقاله، عاد إلى المملكة وتسبب بموجة شائعات عن نيته في أن يحل محل شقيقه ويرث الملك سلمان.
خلال سنوات توليه لمنصبه، طور الأمير أحمد وابن شقيقه الأمير محمد بن نايف، الذي هو مثل والده.. شغل منصب وزير الداخلية، علاقات وثيقة مع الإدارات الأمريكية، لا سيما مع الـ “سي.آي.إيه”. هذه العلاقات أضيفت لمخاوف ولي العهد بأن هذين الحليفين ينويان إبعاده عن منصبه بمساعدة أمريكية من أجل رأب الصدع الذي حدث بين البلاط الملكي والكونغرس والجمهور الأمريكي في أعقاب قضية الخاشقجي.
ابن نايف أقصي عن جميع مناصبه في العام 2017 عند تعيين محمد بن سلمان ولياً للعهد. وفي السنة نفسها شمر ابن سلمان عن عضلاته ضد سلسلة طويلة من الأمراء ورجال الأعمال السعوديين الذين اعتقلوا بأمر منه، بسبب ما اعتبره تورطهم في فساد كبير لسرقة الأموال العامة.
هؤلاء الأمراء اضطروا إلى التنازل عن مليارات الدولارات والتخلي عن كثير من أملاكهم مقابل إطلاق سراحهم. ولكن الاعتقال وابتزاز الأموال خلقت حول الملك ونجله نواة كبيرة من الأمراء الذين يشعرون بالمرارة والرغبة في الانتقام، الذين يشكلون تهديداً على استمرار ولاية محمد بن سلمان كولي للعهد.
برعاية الأب ودعم الغرب
بناء على ذلك، يبدو أن الاعتقالات الحالية لن تكون الأخيرة. محمد بن سلمان يريد أن يضمن لنفسه جبهة داخلية داعمة قبل تتويجه ملكاً. وليس من الواضح إذا كان ينوي إزاحة والده أو أن ينتظر موته. ولكن يمكنه في هذه الأثناء استغلال صلاحيات والده من أجل القيام بتطهيرات. الدول الغربية، وبالأساس الولايات المتحدة، التي أخذت وعود الملك سلمان على محمل الجد بأن لا يحدث أي مكروه للأمير أحمد، تفضل الصمت في الوقت الحالي.
إن صعود محمد بن سلمان السريع والعلاقة الوثيقة التي يحافظ عليها مع زعماء غربيين ترسخ التحالف مع الزعيم السعودي الذي سيكون قريباً ملكاً. لذلك، من السهل على الغرب أن يعتبر اعتقال الشخصيات الرفيعة جزءاً من الشؤون الداخلية للمملكة، حيث حالات أشد خطراً لم تؤد إلى ردود من جانب دول الغرب. هذا ما حدث مثلاً في حالة رئيس تركيا رجب طيب اردوغان الذي أمر بإجراء عشرات آلاف الاعتقالات والتحقيقات ضد متهمين بالتخطيط لمحاولة الانقلاب الفاشلة في 2016. نشاطات اردوغان واستمراره في ملاحقة غير منقطعة لخصومه ومنتقديه، أدت فقط إلى إدانات تم احتواؤها داخل نظام المصالح السياسية والعسكرية التي تربط الغرب مع تركيا.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يحظى بعلاقة دافئة ومؤيدة في البيت الأبيض وفي العواصم الأوروبية، هذا رغم إخلاله الشديد بحقوق الإنسان وحبس الديمقراطية في مصر في شرك من القوانين والتعديلات التي تسمح له بممارسة سلطة أوتوقراطية.
القلق الرئيسي الآن هو: هل الضربة التي أوقعها ولي العهد السعودي بأبناء عائلته يمكن أن تحدث تمرداً داخلياً ضده. الشبكات الاجتماعية المعارضة التي تعمل في الأساس خارج المملكة، نشرت في هذا الأسبوع بأن الاعتقالات الأخيرة نبعت، ضمن أمور أخرى، من أنباء تلقاها محمد بن سلمان عن أن ضباطاً في الجيش السعودي أظهروا تأييدهم للأمراء المعتقلين – حتى قبل اعتقالهم – وشجعوهم أيضاً على إجراء انقلاب في الحكم. هناك من يرون في اعتقال ضباط كبار دليلاً على أن جزءاً من قيادة الجيش غير راضية عن الصورة التي يدير فيها محمد بن سلمان المعركة العسكرية في اليمن، ومن غياب الرد على الهجمات الإيرانية ضد أهداف سعودية.
في المقابل، هناك من يقدرون بأن الاعتقالات التي حدثت في الجيش استهدفت الردع أكثر مما أن تحبط انقلاباً، وأن اعتقال الأمراء هو جزء من حملة لتمهيد الطريق لتتويج محمد بن سلمان ملكاً. على المدى الفوري سيخضع ابن سلمان لاختبار حول موضوع معالجته لانتشار فيروس كورونا في المملكة.
قراراته في هذا الأمر، التي تشمل إغلاقاً شاملاً للدولة في وجه الزوار من الخارج، بمن فيهم الحجاج، تعكس سيطرة وفهماً لحجم التهديد. إذا نجح في اجتياز هذه الأزمة بسلام وبين المملكة كمن تنجح في الدفاع عن مواطنيها من هذا الفيروس، فستتحول الاعتقالات إلى ملاحظة هامشية.
بقلم: تسفي برئيل
هآرتس 10/3/2020