لم يسبق للحكومة المصرية أن وجدت نفسها في وضع أصعب مما تمر به حاليا في ملف سد النهضة فهي مدعوة حاليا إلى التحرك بنجاعة على أكثر من جبهة في نفس الوقت ولكن بأساليب مختلفة تبعا لطبيعة الطرف المقابل ومدى حدة الإشكال القائم معه.
أولى الجبهات وأصعبها طبعا هي إثيوبيا نفسها الذي يدل نهجها «على نية في ممارسة الهيمنة على نهر النيل وتنصيب نفسها كمستفيد أوحد من خيراته» كما جاء في البيان الأخير للخارجية المصرية، في وقت تنظر فيه هي إلى الأزمة الحالية على أنها «قضية شرف وطني لن تتخلى عنه أبدا مهما كانت المكاسب التي ستحصل عليها من الخارج» وفق ما قاله مؤخرا رئيس وزرائها أبي أحمد.
ما يصعّب المواجهة على هذه الجبهة أن أديس أبابا لم تكتف بتصعيد لهجتها تجاه القاهرة وإنما فعلت ذلك أيضا مع واشنطن في أعقاب رفض المسؤولين الإثيوبيين التحول إلى واشنطن لتوقيع الاتفاق الذي صاغته الولايات المتحدة وقدمته كحل وسط للخلاف القائم بين بلادهم وكل من مصر والسودان بشأن سد النهضة وتفاصيله الفنية المختلفة. إثيوبيا التي قالت إن نسبة أعمال البناء في السد بلغت 71 بالمائة وإنها ستشرع في بدء تخزين 4.9 مليار متر مكعب من مياه النيل في يوليو/ تموز المقبل بالتوازي مع استمرار الانشاءات لم تجامل حتى واشنطن حين التفت إليها وزير خارجيتها ليقول لها إن هذا السد يقام على أراضيها تحت سيادتها الكاملة ولا ينبغي للولايات المتحدة أو أي دولة أخرى أن تتدخل في تحديد مصلحتها وأن دور واشنطن يجب أن ينحصر في «المراقبة فقط».
ثاني الجبهات مع السودان الجار الجنوبي والشريك كدولة مصب مقابل إثيوبيا دولة المنبع، جبهة قد تكون الأكثر إحراجا للقاهرة التي كانت تعتقد أن السودان سيقف معها في مواجهة إثيوبيا بعد تعطل المفاوضات وانسداد طريق الاتفاق لكن للخرطوم حساباته الخاصة التي تراعي مصالحه كما يراعي أي طرف آخر مصالحه. من الأساس، سيرتفع نصيب الخرطوم من المياه بعد إنشاء سد النهضة إلى ما بين 8 و20 مليار متر مكعب بدلا من 8 مليارات نصّت عليها اتفاقية 1959، فضلا عن اتفاق التعاون الكهربائي بين سد النهضة وشبكة الكهرباء السودانية الذي يجعلها متحمسة لضرورة سرعة الملء الأول للخزان الرئيسي للسد ابتداء من يوليو/ تموز المقبل بهدف البدء في توليد الكهرباء تجريبيا في ربيع العام المقبل.
يشعر ملايين المصريين بالقلق على مستقبل بلادهم وزراعتهم وعطش عوائلهم بسبب ما تفعله إثيوبيا. عندما يختلط هذا الخوف المشروع مع انطباع بأن الحكومة لم توفق في إدارة هذا الملف بالمهنية و«الشطارة» اللازمتين فإنه لا مفر من أخذ ذلك بكثير من الجدية
وحتى لو تركنا جانبا ما يذكر أحيانا عن رغبة السودان في الانسحاب من اتفاقية تقاسم المياه بين مصر والسودان لعام 1959، فإن القلق المصري ينصب الآن ليس فقط على عدم توقيع الخرطوم لاتفاق واشنطن بحجة أن ذلك سيقتل أي إمكانية للتفاوض مع إثيوبيا لاحقا، بل كذلك على التحفظ السوداني على بيان مجلس وزراء الخارجية العرب الأخير في القاهرة المتضامن مع مصر في مواجهة إثيوبيا.
ثالث الجبهات هي مع الولايات المتحدة التي تحرص مصر على أفضل العلاقات معها رغم النكسة التي منيت بها جهود واشنطن في الخروج باتفاق يوقع عليه الجميع ويضع حدا للأزمة الحالية المتعلقة بالسد. الأمر لا يتعلق فقط بالضجة التي أثارتها إثيوبيا عندما قالت إن دخول الإدارة الأمريكية على الخط إنما جاء بعد دعوتها للتدخل للمراقبة والتسهيل وليس للتصرف لاحقا كوسيط، وإنما أيضا باللغط الذي أثارته مسألة من الأجدر والمؤهل أكثر للعب دور كهذا هل هو البيت الأبيض والخارجية أم الخزانة الأمريكية التي ليس من مشمولاتها الدستورية تمثيل الولايات المتحدة في اتفاقيات وساطة ذات طابع دولي. وفوق هذا وذاك، تبدو القاهرة قلقة من تحركات ما يوصف بلوبي إثيوبي في الولايات المتحدة خاصة في أوساط الديمقراطيين غير الودودين تجاه الحكم الحالي في مصر.
رابع الجبهات وأكثرها حساسية هي الجبهة الداخلية حيث يشعر ملايين المصريين بالقلق على مستقبل بلادهم وزراعتهم وعطش عوائلهم بسبب ما تفعله إثيوبيا. عندما يختلط هذا الخوف المشروع مع انطباع بأن الحكومة لم توفق في إدارة هذا الملف بالمهنية و«الشطارة» اللازمتين فإنه لا مفر من أخذ ذلك بكثير من الجدية. لقد تعرض الموقف المصري الرسمي المتمسك بحقوق مصر التاريخية في مياه النيل ورفضها أي إجراءات أحادية إثيوبية لضربة كبرى عندما وقع الرئيس السيسي على اتفاق المبادئ في آذار/مارس 2015 الذي تضمن لأول مرة اعترافا مصريا رسميا بحق إثيوبيا في إقامة هذا السد المثير للجدل. حتى أولئك الذين ارتفعت أصواتهم بصخب ضد الرئيس الراحل محمد مرسي في بدايات بروز قضية السد مع إثيوبيا متهمين إياه بالسلبية لم يعد يسمع لهم الآن أي همس بعد أن تحول الموقف الآن إلى إمكانية اتهام بالتخاذل أو التفريط وهما أخطر بكثير. وحتى ما وصف مؤخرا بــ «تصعيد مصري غير مسبوق في وضوح إشارته دون تصريح» يتعلق بإمكانية لجوء القاهرة إلى الحل العسكري ضد إثيوبيا فإن لا أحد أخذه بجدية حقيقية لإدراكه أن خطوة كهذه بعيدة بالتأكيد عن الحسابات المصرية لاعتبارات عديدة.
كيف يمكن للقاهرة أن «تحارب» على كامل هذه الجبهات وبأي حسابات ربح وخسارة؟؟… هذا هو الرهان الحقيقي.
كاتب وإعلامي تونسي
مصر انتهت…. الدلتا ستختفي ومياه البحر المالحة ستغمر مساحات واسعة…. كيف حدث كلّ هذا ؟ حكاية طويلة بدأت من عهد جمال عبد النّاصر…
هذه سانحة كبيرة لمصر للاتجاه نحو ايجاد بدائل لمياه نهر النيل من خلال تطوير تقانات الاستفادة من المياه الجوفية وتحلية مياه البحر لأغراض الزراعة وحتى النظر فى إمكانية الأمطار الاصطناعية لان الاعتماد على مصدر واحد يهدد الآمن المائى لمصر كما الحال بالنسبة لسد النهضة والذى يبدو انه ضربة البداية لاستنزاف مصر.
كيف يمكن للقاهرة أن «تحارب» على كامل هذه الجبهات وبأي حسابات ربح وخسارة؟؟… هذا هو الرهان الحقيقي. سؤال معقول، وإجابته تجدها على لسان وفي قلب كل مصري يا عزيزي كريشان. نحن المصريين على ثقة تامة بأن أحدا لن يمكنه فرض أمر واقع علينا. نحن على ثقة بأن كافة الاختيارات في أيدينا؛ لدينا قوة الصبر على التفاوض، ولدينا العلاقات مع القوى المؤثرة، وقد استطعنا التردج بالمفاوض الأثيوبي من إعلان المبادئ الذي ينص في فقرته الخامسة على عدم البدء في ملء الخزان قبل التوصل إلى اتفاق، ثم أخذناه إلى السحة الدولية، وأشركنا البنك الدولي والولايات المتحدة. صار العالم كله يعلم أن أثيوبيا تراوغ وتتهرب مما وافقت عليه. الصين لن تشغل توربينات التوليد قبل الاتفاق، وإيطاليا لن تخاصر بملايين المهاجرين من المصريين والأفارقة يعبرون المتوسط إذا- لا قدر الله- لحق أذى بالمصريين. أوروبا تتألم من آلاف على حدود تركيا، فما بالك بملايين الأفارقة! ثم أخيرا، يمتلك المصريون القدرة على منع الملء بوسائل غير ناعمة، ولكن هذا في المرحلة الأخيرة.
موناليزا-مصر,
الصين لن تشغل توربينات التوليد قبل الاتفاق؟!إذا كانت دول الخليج,وعلي رأسها السعوديه والإمارات,صاحبة المشاريع الضخمه في إثيوبيا لم تحرك ساكناً لوقف إثيوبيا عن المضي في مخططاتها.أما إعلان المبادئ وحلفان آبي أحمد فهما بلا قيمه عند إثيوبيا التي رفضت التوقيع وغادر مندوبها تاركأ سامح شكري,قاهر مايكروفون الجزيره,يوقع منفرداً.أما حكاية ملايين المهاجرين المصريين والأفارقه فهي غير دقيقه لإن الهجره ستقتصر علي المصريين لإن الأفارقه لن يعانوا من نقص المياه.وأنا أيضاً أعتقد أن أوروبا لن تتحمل ملايين المصريين المهاجرين وهنا سيتدخل الصهاينه للضغط علي مصر لتسمح بمرور مياه النيل إليهم مقابل الضغط علي إثيوبيا.
العالم اكثر واعيا الان بان اتفاقيات مياه النيل التي وقعت في عهد الاستعمار وتمنح مصر حقوق اكثر من الدول الافريقية الاخري ظالمة
علي المصريين ان يعلموا ان زمن استغلالهم لدول المصب قد ولي الي غير رجعة
مصر لا تملك اي قدرة لاخضاع احد ولو حاولت القيام بأي مغامرة عسكرية فستكون نهاية مصر
احسنت يا أستاذ ?
تبقى الورقة الأخيرة في يد المنقذ في هذا الملف الحساس وهي ورقة أبناء العم ذوي العلاقة الممتازة بين الطرفين مقابل بعض المصالح ، وأعتقد أنهم الأقوى والأقدر على التأثير
السيسي وقع لإثيوبيا علي بناء السد أمآم العالم أجمع والآن ستضيع مياه النيل وسيشعر الشعب بكامل أطيافه علي صمته وعدم إعتراضه وخنوعه أمآم السيسي .. للأسف .
جاء فى سياق المقال القيم للأستاذ محمد كريشان ما يلى:
“رابع الجبهات وأكثرها حساسية هي الجبهة الداخلية حيث يشعر ملايين المصريين بالقلق على مستقبل بلادهم وزراعتهم وعطش عوائلهم بسبب ما تفعله إثيوبيا”
.
وأقول أن شعور عشرات الملايين -من غير العبيد- فى مصر بالقلق بل وأشد بكثير جداً من القلق ليس بسبب ما تفعله إثيوبيا, ولكن بسبب ما فعله ويفعله مغتصب السلطة السفاح السيسى بمصر وشعبها … فقد وقَّع السيسى إثيوبيا على بياض لتمنع نهر النيل عن مصرنا المُحتلة, وقُضى الأمر الذى فيه تستفتيان … ولو أخذت إثيوبيا توقيع السيسى لأى محكمة درجة عاشرة فى أى حارة فى مصر, لحكم لها أى قاض (غير شامخ) بأحقيتها فى حجز مياه نهر النيل بأكمله إلى يوم يُبعثون!!
.
ولا عزاء للعبيد فى مصرنا الضائعة الهزيلة الضعيفة المُستباحة من طوب الأرض, طالما يغتصب حكمها سفاح جهول مثل السيسى … وإنا لله وإنا إليه راجعون
السودان سيكون اول وأكبر الخاسرين من التعنت الإثيوبي