كنت انوي أن أخصص مقال اليوم للكتابة عن معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، وهو المعرض الأكبر من نوعه في العالم، وأتيح لي ان احضر بعض فعالياته هذا العام، لما لهذه التظاهرة الثقافية من اهمية في كشف حجم الهوة الحضارية التي تفصل شمال العالم عن جنوبه. ولكن احداثا أمنية وسياسية طارئة، بل وخطيرة، شهدتها الساحة المصرية خلال الايام الماضية فرضت نفسها بدون استئذان، ويمكن تلخيصها في ثلاثة عناوين رئيسية هي، غياب المشروع السياسي لدى النظام، وتوسع الهجمة على حرية الصحافة، وتفاقم التقصير الامني في مواجهة الارهاب. وهذه قضايا معقدة قد يصعب الإلمام بها في هذه العجالة، إلا انها امور لم تعد تحتمل التأجيل.
اولا- ظهر غياب المشروع السياسي للنظام في حدثين اساسيين هما، الاكتفاء بالخيار الامني في مواجهة مظاهرات الطلاب مع استئناف الدراسة بالجامعات، والاستمرار في المماطلة بشأن تحديد تاريخ للانتخابات التشريعية.
اما بالنسبة للمظاهرات فقد فشل النظام في التمييز بين الطلاب الذين تورطوا في العنف داخل الجامعات، والمظاهرات السلمية التي انطلقت تحت عناوين مثل (طلاب ضد الانقلاب) وغيره، واعتمدت شعارات سياسية مشروعة تماما مثل، رفض تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي منصبه، او المطالبة بانهاء «حكم العسكر» كما يرونه، واطلاق سراح المعتقلين السياسيين، خاصة من زملائهم. لكن ما فعله النظام هو اللجوء الى قنابل الغاز المسيلة للدموع، والفصل بالجملة، والاعتقالات العشوائية في عقاب جماعي يستفز جماهير الطلاب بمختلف انتماءاتهم. واثبت الخيار الامني فشله مجددا، رغم استعانة النظام بشركة امنية خاصة لقمع الطلاب في محاولة للخروج من الصور القبيحة للمواجهات. الواقع ان اي نظام سياسي يتمتع بالحد الادنى من الرؤية السياسية يجب ان يسمح بالمظاهرات السلمية المعارضة له، وان يحميها باعتباره مستفيدا رئيسيا منها من جهة دعم صورته في الداخل والخارج كنظام قوي وديمقراطي لا يخشى المعارضة، بل يعرف انها تزيده قوة. وفي الحالة المصرية، وبالنظر الى الظروف التي صاحبت تولي السيسي للسلطة، فانه يتحمل مسؤولية خاصة في اعادة اللحمة السياسية والاجتماعية للبلاد. كما ان اي قوانين او قرارات بحظر حزب او جماعة لا تستطيع ان تحرم المواطنين من المنتمين الى اي تيار من حقهم الدستوري في التعبير السلمي عن الرأي، الى جانب المشاركة السياسية الكاملة ضمن حدود القوانين ذات الشأن مثل باقي المواطنين.
اما التقاعس عن تحديد تاريخ الانتخابات، رغم الوعود الرسمية بأن تجري اواخر العام، فيكرس الشكوك في رغبة النظام في وجود حياة ديمقراطية طبيعية، تتعدد فيها مراكز السلطة، وتلتزم فيها الدولة بالحد الادنى من العنف المشروع، وتعود فيها سلطة التشريع والرقابة الى برلمان منتخب.
وأشار السيسي اكثر من مرة الى قلقه من البرلمان الجديد باعتبار «ان الدستور المعدل منحه القدرة على اقالة رئيس الجمهورية» حسب تعبيره، وكأن هدف التأخير هو اجراء التحضيرات اللازمة للحصول على «برلمان مدجن» لا يجرؤ على معارضة النظام. ولا يمكن ان يمثل كل هذا الا انتكاسة سياسية حتى مقارنة بنظام الرئيس الاسبق حسني مبارك.
ثانيا- اتسعت الهجمة التي يشنها النظام على حرية الصحافة بشكل خاص، اذ قدمت وزارة الداخلية بلاغا ضد رئيس تحرير احد اهم الصحف اليومية، وهي «المصري اليوم»، يتهمها بـ»تكدير السلم الاجتماعي ونشر اخبار كاذبة واختلاس وثائق من النيابة بشأن انتخابات 2012»، رغم ان هذه الصحيفة محسوبة على النظام، وكانت اول صحيفة تجري حوارا مع السيسي قبل ترشحه للرئاسة، بل ان البعض يعتبرها «فلولية». وبعد تحقيقات استمرت 14 ساعة في النيابة، قال رئيس التحرير «إن ما ارتكبته الوزارة سابقة خطيرة تمثل محاولة لتكميم الأفواه، وغلق الصحف، والتضييق على حرية الرأى والتعبير، وتهدد بعودة ممارسات قمعية ثار عليها المصريون في عهود سابقة» حسب تعبيره. فاذا كان هذا ما يقوله الصحافيون المؤيدون للنظام، فكيف بالمعارضين؟ الاجابة انهم لا يقولون شيئا لأنه لا يوجد بين مئات الدوريات الصحافية التي تصدر في مصر حاليا جريدة واحدة معارضة للنظام (..). وهذا وحده كفيل برسم صورة قاتمة لوضع حرية الصحافة. والعجيب ان بعض من كان يقيمون الدنيا ولا يقعدونها للمطالبة بتوسيع هامش الحرية الصحافية ايام مبارك، اصبحوا يشاركون في هذه الجريمة بالصمت عنها، بعد ان حصلوا على «مكافآت» من النظام في صورة برامج تلفزيونية في قنوات تابعة له، بعد ان اكتشفوا فجأة «مواهبهم» في التقديم التلفزيوني. اما موقفنا الذي لم ولن يتبدل، منذ عهد مبارك، فهو اننا نقف مع كل الزملاء الصحافيين الملاحقين من النظام، مهما كانت انتماءاتهم السياسية او اسماء المؤسسات التي يعملون فيها. وهكذا طالبنا وسنظل نطالب باخلاء سبيل فوري للزملاء من قناة الجزيرة والمصري اليوم واي جهة اعلامية او صحافية اخرى.
ثالثا- تفاقم التقصير الامني للنظام في مواجهة التفجيرات الارهابية، كما اتضح من وقوع ثاني انفجار وسط القاهرة خلال ثلاثة اسابيع فقط، باستخدام النوع نفسه من القنابل، والاسلوب نفسه في زرعها، ما يرجح ان الفاعل واحد، ما يثير اسئلة بشأن عدم القبض على العناصر الارهابية المتورطة حتى الان، وكذلك عدم اتخاذ الاجراءات الكفيلة باجهاض تلك الهجمات قبل وقوعها اصلا. نعم هناك من يتحدث عن تحسن في الحالة الامنية، لكن الواقع ان الجرائم الارهابية او الجنائية مازالت تفرض نفسها على الحياة اليومية للمواطنين، حتى اصبح هذا شيئا اعتياديا، بدون محاسبة شعبية في غياب البرلمان. الا ان هذا يعمل على تقويض الثقة في النظام الذي يراعي اعتبارات شخصية في ما يبدو في الابقاء على الوزير الحالي للداخلية، نظرا لدوره في فض اعتصامات الاخوان. لكن الواقع اصبح يتطلب اجراءات حاسمة بانشاء جهاز جديد مختص بمكافحة الارهاب يتبع رئاسة الجمهورية، وربما فرض حالة الطوارئ لفترة محدودة. وهذه امور طبيعية تحدث حتى في اعرق الديمقراطيات التي لا تتهاون في مواجهة الارهاب، تماما كما تحرص على حقوق الانسان وبينها حريات التعبير والرأي.
فهل سيتحرك النظام على هذه الجبهات المهمة السابق ذكرها، أم اننا سنعود الى المربع الاول، وكأنه لم تقم ثورتان، ولم يتغير النظام ثلاث مرات، ولم يسجن رئيسان في غضون ثلاثة اعوام فقط؟
٭كاتب مصري
خالد الشامي
مقال رائع وقلم حر شجاع.
الاجابة عن سؤالك الاخير ايها الكاتب المحترم: نعم سنعود للمربع الاول يعني مفيش فايدة للاسف.
تحية للكاتب المحترم
مقال شجاع بمعنى الكلمة وقد أصاب كبد الحقيقة
ملاحظة بسيطة
لاتوجد في التاريخ السابق و الاحق ثورة يحرسها الجيش و الشرطة و تحميها الطائرات
يتلقى المشاركون فيها هدايا و يشارك فيها الفلول
الحرية والعسكر نقيضان لا يلتقيان , مثل القوة والسياسة . مصالح مالية إقتصادية هي ما تعوق التحول الديمقراطي والإنتقال الي عصر الحرية وحقوق الإنسان جوهر الديمقراطية والحداثة .. الديكتاتورية إستبداد وفساد وجمود والديمقراطية شفافية وحداثة وتقدم ..
السلام عليكم
إنّ ما يجري في مصر اليوم شبيه بمسرحية كلف بها أطفال مدارس في الابتدائي من غير تحضير مسبق نظرا لقدوم زائر من المديرية لحضور توزيع جوائز اخر السنة…
ومنه نجد أن الخلطة التي حضرهاccللإطاحة بثورة 25يناير لم تكن محبوكة النسيج لأن من خطط لها كانت نظرته السياسية لاتتجاوز (راس انفه) مما اوقع مصر في مالايحمد عقباه …والمعروف أنّ بركان مصر الخامد لم يثر بعد وهو في حالة ترقب وانتظار عن ما يصدر من سياسة cc(المرتهلة المرتجلة) التي سوف تأتي على الاخضر واليابس إن لم ينهض الشرفاء من أهل مصر لإنقاذها مما لايحمد عقباه وذلك بلآتي:
1-عزل ccولواحقه واستبدالهم بخيرة المصريين وما أكثرهم
2-التعجيل بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية حسب جدول زمني مدروس من قبل اهل الاختصاص
3-رفع الحجز الاجباري عن الكلمة الديمقراطية وفتح المجال السمعي البصري والمكتوب بما يخدم مصر والمصريين ولا مكان لأصحاب المصالح
4- حياد الجيش وتطليقه للسياسة ويبقى الذراع الواقي لمصر والمصريين
5-تعطيل دستور 2013 الذي نسجه اصحاب المصالح وعلى مقاسات معينة والدعوة لدستور جديد يهتم بمصر والمصريين
6-اعادة الاعتبار للعدالة بإزاحة من يحكم بالتوجيه وعلى الهوى
هذا ما جناه الانقلابيون على أنفسهم و على غيرهم و على مصر عامة ,و ذلك باعادتهم العسكر للحكم من جديد و هل للعسكر شيء آخر يمكن أن يعطيه للمصريين غير القمع …..