الاقتصاد الليبي يخسر أكثر من 3 مليارات دولار

رشيد خشانة
حجم الخط
0

تدهور الوضع الاقتصادي في ليبيا خلال الشهر الجاري، ليس بسبب انتشار فيروس الكورونا، وإنما جراء غلق الحقول والموانئ النفطية، على أيدي القوات التابعة للقائد العسكري للمنطقة الشرقية، اللواء المتقاعد خليفة حفتر. وحسب الخبير النفطي أوليفيي دي سوسة، هبط منتوج ليبيا من النفط الخام إلى ما دون 100 ألف برميل في اليوم، بعدما كان متوسط الإنتاج يفوق 1.2 مليون برميل مع مطلع العام الجاري. وأفاد بيان لـ”المؤسسة الوطنية للنفط” (قطاع عام) أن المنتوج النفطي تراجع منذ شهرين إلى 97 ألف برميل في اليوم، ما أدى إلى خسائر قدَرتها المؤسسة بأكثر من 3 مليارات دولار.

تداعيات كورونا

غير أن الهبوط الحاد في حجم المنتوج الليبي، لن يؤثر في أوضاع السوق، حسب الخبراء، نظرا لوجود تهديد أكبر منه، مردُهُ إلى عنصرين أساسيين هما الخلاف القائم بين منظمة البلدان المصدرة للنفط من جهة، وروسيا من جهة ثانية، حول كيفية توحيد الجهود، لمجابهة تداعيات انتشار فيروس كورونا. أما العنصر الثاني فهو رغبة السعودية في إغراق السوق وكسر الأسعار. ويُعلل حفتر محاصرة قواته الحقول والموانئ النفطية بأنها “استجابة لقرار الشعب” طبقا لما جاء في تصريح لرئيس أركانه اللواء أحمد المسماري. وهو يعيب على مؤسسة النفط تحويل الإيرادات إلى مصرف ليبيا المركزي (مقرُه في طرابلس) الذي يتولى توزيعها على السلطتين المتنافستين في طرابلس غربا والبيضاء شرقا. ويحظى مصرف ليبيا المركزي باعتراف السلطات المصرفية في العالم، وتؤكد الأمم المتحدة وأمريكا وأوروبا على السواء، تمسكها بوحدة البنك، في مواجهة الدعوات المتكررة لتقسيمه.

في السياق، حذرت “المؤسسة الوطنية للنفط” من احتمال نفاد وقود السيارات، بعد توقف الإنتاج في الحقول، التي توجد غالبيتها في المنطقتين الشرقية والجنوبية، الواقعتين تحت سيطرة قوات حفتر. وأكد أوليفيي دي سوسة أن غلق مصفاة الزاوية، وهي الوحيدة في المنطقة الغربية، فاقم من أزمة الوقود، وسط عجز الحكومة المعترف بها دوليا، عن تأمين الاعتمادات المالية اللازمة لاستيراد الوقود من الخارج.

موقف أمريكي

وحض رئيس مجلس إدارة “المؤسسة الوطنية للنفط” مصطفى صنع الله الولايات المتحدة على “التدخل السريع” لفك الحصار المضروب على الموانئ والحقول النفطية الليبية. وكان هذا الموضوع المحور الرئيسي في اللقاء الذي جمعه الأسبوع الماضي، في تونس، مع السفير الأمريكي لدى ليبيا رتشارد نورلاند. وأكد الأخير أن الهجوم المسلح على ميناء طرابلس عطل تزويد العاصمة بالمحروقات، وعسَر ظروف حياة المدنيين. وأفاد نورلاند في بيان بثهُ على صفحة السفارة الأمريكية على فيسبوك، أنه قال للواء حفتر، لدى اجتماعه معه الثلاثاء الماضي، في مقره بالرجمة (شرق) إن الحصار المضروب على الموانئ ينبغي أن ينتهي، وألا تتجدد الهجمات التي تستهدف المهندسين والفنيين العاملين في قطاع النفط. وشرح صنع الله، من جهته للسفير الأمريكي، التداعيات السلبية الناتجة عن انهيار عائدات ليبيا من صادرات النفط. ويؤثر الحصار سلبا في إنتاج المحروقات، التي تُزود محطات إنتاج الكهرباء بالوقود، ما أدى إلى انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي.

نفاد الوقود؟

ومن المتوقع أن تعجز السلطات عن تأمين توزيع البنزين والغاز المُسيَل على المواطنين، إذ حذرت “المؤسسة الوطنية للنفط” من احتمال نفاد وقود السيارات، بعد توقف الإنتاج في الحقول، التي توجد غالبيتها في المنطقتين الشرقية والجنوبية، الواقعتين تحت سيطرة قوات حفتر. كما فاقم غلق مصفاة الزاوية، وهي الوحيدة في المنطقة الغربية، من أزمة الوقود، وسط عجز الحكومة عن تأمين الاعتمادات المالية اللازمة لاستيراده من الخارج. وتقع أعباء هذه الأزمة على كاهل “حكومة الوفاق الوطني” المعترف بها دوليا، التي لم تستطع استيراد الوقود، فيما أنجدت الإمارات معسكر حفتر بالوقود، وخاصة وقود الطائرات. وطبقا لمعلومات بثتها “المؤسسة الوطنية للنفط” انطلقت الشحنة المتجهة إلى ليبيا، من ميناء الشارقة، حاملة على متنها 10000 طن من البنزين، نحو ميناء بنغازي. وليست هذه المرة الأولى التي تتهم فيها السلطات الليبية الإمارات بعقد صفقات تجارية مع السلطات الموازية في شرق البلاد. ففي أيلول/سبتمبر الماضي، تردد في الأوساط النفطية أن الإمارات اشترت كميات غير معروفة من الخام الليبي، واستُخدمت الايرادات في تسليح القوات التي يقودها حفتر.

خرقٌ للحظر

واستنكر رئيس مجلس إدارة مؤسسة النفط المهندس صنع الله استيراد الوقود بطرق غير قانونية، مُعتبرا وصول شحنات من الوقود إلى ميناء بنغازي، الذي تسيطر عليه قوات حفتر، “خرقا واضحا للحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا، ومخالفة للحق الحصري لمؤسسة النفط، المُتفق عليه دوليا، والخاص بعمليات استيراد الوقود” وفق ما جاء في بيان للمؤسسة على موقعها الإلكتروني. وقال صنع الله في تصريحات صحافية “على الرغم من الصعوبات الشديدة التي تسبب فيها الإغلاق غير القانوني لمنشآت النفط الليبية، تمكنت المؤسسة الوطنية للنفط، من تأمين كميات كافية من الوقود، لجميع أنحاء ليبيا، بما فيها المناطق الشرقية، من أجل تلبية جميع الاحتياجات المدنية، بما في ذلك الطيران المدني”.

ولاحظ أن الإمارات سبق أن وقعت في أيلول/سبتمبر الماضي على بيان دولي تضمن دعم “المؤسسة الوطنية للنفط” دعما كاملا، بوصفها مؤسسة النفط الوحيدة الشرعية والمحايدة في ليبيا. ويُنازع المعسكر الذي يقوده حفتر، في بقاء مؤسسات الدولة المركزية في طرابلس، بما فيها مصرف ليبيا المركزي، الذي سعى لتقسيمه إلى مصرفين متوازيين، واحدٌ في الشرق والثاني في الغرب.

واضطرت “المؤسسة الوطنية للنفط” لاتخاذ إجراءات تقشفية في مقرها المركزي وفروعها، لمجابهة تضاؤل العائدات. وتمثلت الإجراءات، مثلما شرحها رئيسها صنع الله، بتجميد بعض العقود، وإرجاء البعض الآخر إلى فترة لاحقة، ووقف صرف غالبية المكافآت عن ساعات العمل الإضافية، إلى جانب إجراءات أخرى.

تعثُرُ صرف الرواتب

من أخطر مضاعفات غلق الحقول والموانئ النفطية، عجز الحكومة عن صرف رواتب موظفي القطاع العام، بسبب انهيار عوائد النفط. وتجمَع الأسبوع الماضي موظفون وعاملون أمام مقري رئاسة حكومة الوفاق ووزارة المال في طرابلس، احتجاجا على تأخير صرف رواتبهم لمدة أربعة أشهر، وللمطالبة بتسريع صرفها. وأثمرت الاحتجاجات إعلان وزارة المالية في حكومة الوفاق، أنها تلقت من إدارة العمليات المصرفية، في مصرف ليبيا المركزي، أذونات رواتب شهري كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير. واضطُر المجلس الرئاسي الليبي، في الخريف الماضي، إلى خفض رواتب أعضائه وأعضاء الحكومة والوكلاء بنسبة 40 في المئة، ومستشاري الحكومة بنسبة 30 في المئةويشتكي موظفو القطاع العام من تعثر صرف الرواتب، ما يُسببُ غليانا اجتماعيا، وسط أجواء الحرب التي تقودها قوات الحكومة في جنوب طرابلس ضد قوات اللواء حفتر.

منوال تنمية بديل

بعد توالي الأزمات الاقتصادية وانهيار عائدات النفط والغاز، بدأ سياسيون وخبراء اقتصاديون ومثقفون ليبيون يتداولون أفكارا واقتراحات ترمي إلى التخلص تدريجا من الاقتصاد الريعي، حيث تُعتبر عائدات النفط إكسير الحياة لجميع الفئات، كما للدولة، وإيجاد مصادر دخل بديلة، في بلد يزخر بالثروات الطبيعية. ولعل هذا ما قصده وزير الصناعة الليبي علي العيساوي، في مؤتمر عقدته أخيرا غرفة التجارة العربية البريطانية في لندن، مؤكدا أن الخامات التي تملكها ليبيا من ذهب وماغنيزيوم وحديد وسواها، يمكن أن تصبح في المستقبل أهم من المحروقات. وانتقد العيساوي التركيز على إنتاج النفط، الذي قال عنه إنه “تسبب لنا بخسارة فرص (تنمية) كثيرة” مُوضحا أن ليبيا تسعى حاليا إلى استقطاب استثمارات جديدة في قطاعات أخرى عدا النفط. ولدى ليبيا ثالث أكبر احتياط من خام الحديد في افريقيا، وتُقدر الدراسات الاحتياط المتوافر من هذا الخام، في الصحراء الليبية بـ3.5 مليار طن متري. لكن الأرجح أن كلام العيساوي لا يندرج في إطار رؤية جديدة تُغير منوال التنمية في ليبيا، وتُنهي تدريجا الاقتصاد الريعي، بالاستناد على دراسات علمية للثروات التي يزخر بها باطن الأرض.

ضمان استمرار التزويد

حاليا، تبقى هذه المسائل عالقة، بعدما انشغل الجميع بالفيروس. وإزاء انتشاره الزاحف على العالم بأسره، يسعى الليبيون إلى سد المنافذ أمام الاختراقات، مع الحرص على تأمين استمرار تزويد السوق المحلية بالمواد التموينية من الاحتياطي الاستراتيجي. وعلى إثر غلق الحدود البرية مع كل من الجزائر وتونس، تواجه ليبيا صعوبات جمة في التزوُد بالسلع الاستهلاكية، فيما اعتمدت السلطات في المنطقة الشرقية على الاستيراد من مصر برا وبحرا لسد الحاجات من مواد الاستهلاك، وخاصة استعدادا لشهر رمضان. وأفاد رئيس الغرفة التجارية الليبية المصرية إبراهيم الجراري، أن الغرفة استبعدت التوريد من الصين والبلدان الأوروبية نظرا للأخطار الصحية التي قد تنجم عن استيراد تلك المواد منها. ويُشدد الليبيون في هذا السياق على تعزيز دور لجان الطوارئ، لمنع انتشار الفيروس والحفاظ في الوقت نفسه على المخزونات الاستراتيجية من المواد التموينية. غير أن الهاجس الأكبر يبقى استئناف المساعي لتحريك المسارات السلمية الثلاثة في جنيف، وسط تأخير تسمية مبعوث خاص جديد للأمم المتحدة إلى ليبيا، ما يجعل الوضع غير مرشح للتحسُن في المدى المنظور، واضعا الليبيين بين ناري الحرب المُدمرة والفيروس القاتل.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية