لا أعتقد أن هناك حديثاً أو مقالاً أو خبراً في العالم اليوم لا يدور حول فلك فيروس كورونا، بل لا يتم عمل ولا جهد ولا تفكير كل يوم وعلى مدار الاسابيع الماضية، الا بما يتعلق حول هذا الوحش، لتشل حياة غالبية البشر لترزح تحت رحمة هذا الجبار الذي لا نراه ولا نسمعه وربما لا نشعر به، والادهى انه قد يصيبنا لكنه قد لا يفتك بغالبيتنا، أي انه ليس فيروساً فتاكاً بمجرد الاصابة به، ومع ذلك أصاب الجميع بالهوس والقلق وبحالات نفسية مرعبة لما آلت اليه الامور.
في عالم الرياضة، تجمدت كل النشاطات، فأعيدت جدولة عدد من المسابقات المهمة، لكنها تبقى جدولة عبثية، لانه ما دام الغموض هو سيد الموقف، وأعني بالغموض هو عدم معرفة كيف يتفشى الفيروس بهذه السرعة وما مداه ولا كيفية ايقافه ومتى ينتهي، وبسبب عدم وجود لقاح مضاد له، سيبقى التخبط والتوتر والقلق وعدم اليقين السمة السائدة اليوم، فحتى لو أعلن عن تأجيل كأس امم أوروبا عاماً، او الدوري الانكليزي حتى نهاية ابريل، فهل هذا يعني ان النشاطات ستستأنف بعد هذا الموعد؟ بالتأكيد لا احد يعلم، وأنا شخصياً أشك بأن الكرة ستركل هذا العام مجدداً، ومن وجهة نظر تشاؤمية بحتة، أرى ان هذا الموسم سيعرف بموسم 2019-2021 بدل موسم 2019-2020، أي انه قد ينجز في صيف 2021، ولهذا قرر الاتحاد الانكليزي، وخيراً فعل، أن يبقي موعد تكملة ما تبقى من الموسم الجاري مفتوحاً، أي باللحظة التي تستأنف فيه النشاطات، مهما كان التاريخ، فان الجولات التسع المتبقية منه ستستكمل.
سبب آخر لهذا التشاؤم، أنه بحسب خبراء الصحة والعلوم، فاننا لم نصل بعد لذروة هذا الفيروس، خصوصاً في القارة الاوروبية، أي انه سيحصد مزيداً من البشر وسيربك حياة المليارات، ولهذا، ورغم ان كرة القدم تعتبر وسيلة ترفيهية مهمة، الا أن الشق الترفيهي سيكون آخر هم الناس فور العودة الى الحياة الطبيعية، لأن الهم الأول سيكون للصحة العامة واعادة عجلة الاقتصاد الى الدوران مجدداً وترقيع ما أمكن مما أفسده هذا الفيروس.
ما يحدث اليوم أكبر من أي شيء واجهته كرة القدم في تاريخها، فمنذ بدايتها في نهاية القرن التاسع عشر مر عليها العديد من الأمراض القاتلة والفتاكة والظواهر الطبيعية المدمرة بالاضافة الى حربين عالميتين مدمرتين، وكل هذه الأحداث حصدت حياة ملايين البشر، بل أسقطت امبراطوريات وتغيرت على اثرها مشاهد الحياة السياسية، وتدريجيا بقية مناحي الحياة الاخرى، اقتصاديا وفنياً ورياضياً، وكل كارثة كبرى كانت تفرز واقعاً جديداً مختلفاً عما قبل الأزمة الكارثية، فكرة القدم ما قبل الحرب العالمية الثانية تختلف عما بعدها، ففي انكلترا توقفت مسابقة الدوري 6 مواسم، لكن اللعبة نفسها لم تتوقف على الاطلاق، على عكس ما يحدث اليوم، فاجريت دوريات للمقاطعات، والسبب هو ذهاب غالبية لاعبي الدوري للمشاركة في الحروب، وكثير منهم قتلوا أو تعرضوا لاعاقات حرمتهم من ممارسة اللعبة مجددا، وايضاً بسبب دمار نال من الكثير من الاستادات والملاعب في ذلك الوقت ما بين عامي 1939 و1945، حتى الذي بقي صالحاً منها تحول الى حقول زراعة لتفي احتياجات السكان، ولهذا عندما خرجت غالبية الدول الاوروبية من هذه الحرب المدمرة، برزت وجوه جديدة في عالم اللعبة، والمؤسف ان أخرى عريقة تراجعت وانهارت أو اختفت الى غير رجعة. فما هي المدة التي ستغيب فيها اللعبة؟ وكيف ستتغير خارطتها؟
كي أنهي بنبرة ايجابية، فان العالم الجديد الذي نتنتظره ليس بالضرورة سيئا، فنعم هناك قلق، ونعم هناك خوف وارتباك وشراء عشوائي للتخزين، ونعم هناك مرض وحتى موت، لكن مثلما نرى اليوم في ووهان الصينية، التي كانت مصدر هذا الفيروس، فان الطيور عادت لتحلق في السماء وعادت الى زقزقتها المعتادة، ومثلما اكتشف كثيرون، فان ارضنا تعافت، وباتت الأنهار والبحيرات أقل تلوثاً والأسماك اكثر وفرة، والأهم من كل هذا وذاك، عادت الى البشر غريزة العطف بدل الجشع، فبات الاهتمام بالاهل والعائلة والاطفال والجيران السمة الغالبة اليوم في كل مجتمع. عافى الله الجميع.
مكافحة جائحة مرض بأي دولة تتطلب توازن دقيق جداً فتتخذ إجراءات متشددة لكن ليس لدرجة تعطيل دوران عجلة الاقتصاد لمدد طويلة وتحطيم سلاسل توريد وإضاعة ملايين ساعات عمل القطاع الخاص ورأس المال وهدم المجتمع، فعدم قدرة خلية إدارة أزمة بأخذ كل ذلك بعين الإعتبار سيقود حتماً لانهيار كامل الأركان للدولة والمجتمع وسيتسبب بمشاكل وإصابات بل وحالات وفاة لاحقة لأسباب متنوعة أضعاف ما يمكن أن تسببه أية جائحة مرض، إذن اختيار أعضاء خلية إدارة أزمة هام جداً وقدرة كل منهم على تفكير متزن تحت الضغط لإدامة سير الاقتصاد.
للأسف أن دول الخليج أضاعت جبالا من الأموال في شراء الأسلحة والفساد واليختات وإشعال النعرات القبائلية، ولا تمتلك اليوم ولا مختبر واحد تستطيع أن تنتج به لقاحا أو حبة دواء لمعضلة الأوبئة لتساهم به كغيرها من الدول في البحث الطبي بل ولا ننتظر منهم حتى التفكير في إنشاءه، فلنتخيل كيف تبحث السينغال بمواردها الضعيفة على الحلول وتنتظر السعودية الإغاثة والله إنه لشيء ينذى له الجبين، ولن تكون هذه الجائعة إلا غضبا من الله سيحل بالظالمين.
اختلف معكم سيدي الكريم في قولكم – ترقيع ما امكن مما افسده هدا الفيروس – ففي اعتقادي المتواضع فليس الفيروس من افسد الحياة العامة للبشر وجعل القلق سمة الموقف بل كل ما نراه هو بفعل ما كسبت ايادي البشر فالانسان هو من ساهم بشكل كبير في دمار الارض وخرابها بجشعه وظلمه وطغيانه وجبروته وكبريائه وعناده وما الى دلك من السلبيات القاتلة والمدمرة.
يبدو أن كورونا هو دجال العصر، حيث أنه لم يترك مكانا في هذا العالم لم يطئه… وقد أدركت البشرية معه أن مصيرها مشترك، حيث جعلها تراجع الكثير من أوراقها…لذلك عندما ستنجلي هذه الجائحة، سيكون هناك عالم أفضل، وستملئ الأرض عدلا كما ملئت جورا