مطرودو «كنيسة المهد» لم يعودوا

حجم الخط
0

ثم شخصان مركزيان في خطة اعمار القطاع وهما رئيس المخابرات العامة الفلسطينية ماجد فرج، ووزير الشؤون المدنية، حسين الشيخ: وكلاهما ممن يثق به محمود عباس ولهما صلة مباشرة دائمة بممثلي الدولة واجهزة الامن الاجنبية التي ستراقب سير الاعمار وباجهزة الاحتلال الاسرائيلية. وقد زار الاثنان في الاسبوع الماضي قطاع غزة ووجدا فراغا للقاء من ليست لهم أية صلة مباشرة بالاعمار وهم مطرودو كنيسة المهد. ويوجد في الحقيقة مع كل ذلك صلة بين مصير المطرودين واعادة البناء لأن الاعمار متعلق بالغاء القيود على الحركة التي فرضتها اسرائيل على الفلسطينيين. يتحمل فرج والشيخ باعتبارهما مسؤولين كبيرين في حركة فتح ومندوبين لعباس لا للسلطة الفلسطينية وحدها، يتحملان مسؤولية جماعية ثقيلة عن وضع 26 ممن حوصروا في الكنيسة وطردوا الى غزة في أيار 2002 – وعن 13 آخرين طردوا الى الخارج مات أحدهم في تلك المدة بسبب المرض. بيد أن اصلاح ذلك ليس لهما، لأنه لم يتم الحديث عن العودة الى البيت في اللقاء في الاسبوع الماضي، وكل ما استطاع أن يعد به المسؤولان الفلسطينيان الكبيران هو أن يطلبا الى الجانب الاسرائيلي أن يُمكن أبناء العائلات في الضفة الغربية من أن يجتازوا بصورة منظمة دائمة السبعين كيلومترا التي تفصلهم عن أعزائهم وأن يدخلوا قطاع غزة ويخرجوا منه عن طريق معبر إيرز.
من المعلوم اليوم أن الموافقة على الطرد والتخلي الفلسطيني عن طلب التحقيق الدولي في هجوم الجيش على مخيم اللاجئين جنين في نيسان 2002، بُذلا عوض رفع الحصار عن ياسر عرفات في المقاطعة في رام الله، وقد قيل للمطرودين أنفسهم إنه بحسب الصفقة التي أحرزها محمد دحلان الذي كان آنذاك رئيس الامن الوقائي في القطاع، وصديقه محمد رشيد – رجل اموال عرفات – سيُسمح لهم بالعودة الى بيوتهم بعد سنتين. وهكذا حصل المفاوضان الفلسطينيان على موافقتهم على الخروج من الكنيسة. «كنا متعبين وجائعين»، فسر ممثل المطرودين في غزة، فهمي كنعان، موافقته.
رفعت اسرائيل في الحقيقة الحصار المزدوج، ووافقت دول اوروبية على أن تستقبل فيها 13 من الفلسطينيين المحاصرين الذين كانوا في قائمة مطلوبي اسرائيل؛ لكن تبين مع مرور السنين أنه لا يوجد لمندوبي السلطة وفتح أية ورقة مكتوبة موقع عليها تثبت أن اسرائيل قد وعدت حقا بعودتهم الى الضفة الغربية حتى من اجل المحاكمة في محكمة عسكرية بعد سنتين أو بعد أية فترة زمنية اخرى.
وكما قالت الأم اليائسة لأحد المطرودين لصحيفة «هآرتس»: «قالوا لنا أن نسأل محمد رشيد أين الاتفاق، وحينما سألناه طلب إلينا أن نسأل عرفات، وكان ذلك بعد أن كان عرفات قد مات». وإجلالا لعرفات يقول المطرودون وأقرباؤهم واعضاء فتح بلغة صريحة ما قيل في احاديث داخلية: للموافقة الشفهية على طرد فلسطينيين من بيوتهم ووطنهم اجتازت القيادة الفلسطينية خطا أحمر وهي بعلمها ذلك كذبت فيما يتعلق بموعد عودتهم.
مع عدم وجود توثيق لوعد اسرائيلي ما – ليس للمحامين من المركز الفلسطيني لحقوق الانسان في القطاع، الذين يمثلون المطرودين، ليس لهم أساس قانوني يتوجهون بناءً عليه الى اجهزة القضاء في اسرائيل. ولا يوجد من جهة اخرى اعتراف اسرائيلي رسمي بأنهم طُردوا؛ لكن حينما قدم المطرودون طلبات للحصول على إذن للمرور عن طريق اسرائيل ودخول الضفة الغربية وهم مسجلون أنهم سكانها، تجاهلتها الادارة المدنية أو رفضتها.
وفي كل مرة كان يتجدد فيها التفاوض بين اسرائيل وم.ت.ف كان المطرودون يأملون أن تُعاد اثارة حقهم في الرجوع الى بيوتهم فوق طاولة المباحثات. وقال كنعان لصحيفة «هآرتس» إن المطرودين وُعدوا قبل سنة بأن يحين دورهم بعد اطلاق سراح الـ 104 السجين الفلسطيني الذين اعتقلوا قبل اتفاق اوسلو. وقد تراجعت اسرائيل عن ذلك في المرحلة الرابعة ولم تطلق سراح السجناء مواطني الدولة، وقُطع التفاوض ويبدو أن الجميع نسوا المطرودين مرة اخرى ما عدا عائلاتهم واصدقاءهم.
في الوقت الذي اجتاحت فيه قوات الجيش الاسرائيلي منطقة بيت لحم في بداية نيسان 2002 في عملية «السور الواقي»، بحث نحو من 200 فلسطيني عن مخبأ في الكنيسة المشهورة ولم يكن اكثرهم مسلحا. وكان عدد منهم شرطيين في الفترة التي وجه فيها الجنود الى اطلاق النار على لابسي الملابس العسكرية الفلسطينيين حتى في غير حال القتال. وكان بضع عشرات نشطاء عسكريين في الانتفاضة الثانية، لكن ظهر 13 فقط منهم في قائمة مطلوبي الجيش الاسرائيلي و»الشباك»، وقال نشيط اجتماعي من المنطقة لصحيفة «هآرتس» إنه وجد بين المختبئين ايضا عدد من المتهمين بجنايات وسرقة سيارات، خشوا أن يُعتقلوا.
في مدة الـ 39 يوم حصار التي لم يسمح فيها لمنظمات فلسطينية بادخال طعام الى الكنيسة، قتل قناصون اسرائيليون سبعة من المحاصرين اقتربوا من النوافذ أو حاولوا الخروج من الساحات الداخلية. وأصيب اربعون محاصرا برصاص جنود أطلق سراح اكثرهم آخر الامر الى بيوتهم وحوكم عدد منهم وسجنوا مدة سنين، وطُرد 39.
وانضم نساء المطرودين واولادهم اليهم بالتدريح واصبحوا في واقع الامر هم ايضا مطرودين ومقطوعين عن الضفة الغربية لأن اسرائيل لا تأذن لهم بمرور دائم من طريق معبر إيرز ولأن الطريق الالتفافي من رفح طويل وباهظ الكلفة جدا. ويوجد أقرباء حصلوا على إذن دخول من طريق إيرز مرتين أو ثلاثا في مدة الـ 12 سنة. ومدة نفاذ الاذن بضعة ايام. وبعد سيطرة حماس على اجهزة الامن في القطاع في 2007 كفت اسرائيل عن منح العائلات أذون مرور.
في كل تلك الفترة لم يكن المطرودون وابناء عائلاتهم قادرين على المشاركة في مناسبات عائلية. وفقد 15 من المطرودين على مر السنين إبن عائلة قريبا – آباء أو إخوة أو أخوات. ولاكثرهم آباء كبار السن ومرضى ممنوعون من الزيارة والمساعدة. ويؤيد اكثرهم فتح واجهزة أمنها؛ ولم يكن من السهل السكن في القطاع دون السند العائلي الحامي في فترة الحرب الاهلية في 2007. وقد حُكم عليهم في القطاع الذي اصابته البطالة بصعاب اقتصادية أشد كثيرا مما في الضفة. وكانت تجربة الحروب الثلاثة كما يبدو شديدة القسوة بسبب العزلة والانقطاع عن المحيط العائلي.
في بداية آب من هذه السنة، في احدى هدن الحرب الاخيرة، سافرت عواطف كنعان وابناؤها الستة الى بيت لحم، وبذل فهمي والعائلة جهدا ضخما لجمع واستدانة آلاف الدولارات التي احتيج اليها للسفر الطويل المرهق من رفح الى العريش ومن هناك الى عمان ثم الى جسر اللنبي – في مقابل 300 شيكل كانت تُدفع في الماضي الى سيارة أجرة من إيرز. «لا تستطيع أكثر العائلات أن تبيح لنفسها هذه النفقة»، قال كنعان في مكالمة هاتفية من غزة. «ولا نستطيع نحن ايضا أن ننفق مرة اخرى على سفر من طريق مصر».
كانت عواطف وابناؤها مدة اسابيع كثيرة دهشين لمرأى القتل والدمار في القطاع، وكان كل طرق للباب يخيفهم، وتخيفهم المفرقعات كما روت الجدة فتحية. وفي عيد الاضحى هذه السنة، إستمتعنا لأول مرة، قالت الابنة اسراء لأننا احتفلنا به في أحضان العائلة الواسعة التي تعرف كيف تُدلل. لكن الشوق الى الأب الآن يهاجمهم. «لم نُر جدي وجدتي منذ عشر سنوات، فهل ننتظر الآن عشر سنوات اخرى الى أن نرى أبي؟»، سألت في بيت في البلدة القديمة في بيت لحم حيث ولد أبوها قبل 42 سنة. وهم يأملون الآن أن يحصلوا من اسرائيل على إذن بالمرور من طريق معبر إيرز. وما زالت عودة الأب ورفاقه الى بيوتهم حلما مؤجلا.
لم يرد متحدثو ديوان رئيس الوزراء ووزارة الدفاع و»الشباك» على توجهات مكررة من صحيفة «هآرتس» تتعلق بالمطرودين وعودتهم الى الضفة.

هآرتس 19/10/2014

عميرة هاس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية