واسيني الأعرج.. خوسيه ساراماغو.. والثورات العربية!

حجم الخط
0

قال الكاتب الجزائري واسيني الأعرج خلال توضيح تصريحاته حول الثورات والعربية المنشورة في «القدس العربي» بتاريخ 14 اكتوبر/تشرين الاول2014، أو تعليقه عليها في ما بعد أن» الثورات العربية في جوهرها تطلع إنساني طبيعي، ولا يمكنني أن أستهين بكل الدم العربي الذي سال من أجل الحرية. و»داعش» نهضت من عمق إخفاق الثورات العربية وتحولها إلى حروب أهلية طاحنة وتمزيق الأوصال، وتدمير الدولة الناظمة. فهي ثمرة من ثمرات الديكتاتوريات العربية الهالكة. وهي أيضا آلة مخبرية لمراكز الأبحاث الدولية، مثلها مثل «القاعدة»، للمزيد من التدمير الذاتي وقتل أي بذرة للأمل والتغيير في العالم العربي. تدمير التاريخ والحضارة وكل المنجز الإنساني العودة إلى البدائية الأولى. وهذا بالفعل ما يهيأ للعرب في الدراسات المستقبلية»، ويضيف في التوضيح نفسه موردا أو سارداً لآراء وتصريحات بعض الكتاب الغربيين الذين يتنبأون (!) فيها أو يرون أن: «أغلب التيارات الفرنسية تعتبرها ثورات ربيع عربي، وحتى في بعض النصوص العربية تعدها ربيعا عربيا حقيقيا، لكن هنالك وجهات نظر أخرى، فهي من الممكن أن تكون ثورات عربية لتغيير الأنظمة والفساد ولضخ العدالة ألاجتماعية لكن في الوقت نفسه، هنالك قوة ضاغطة قد تكون محلية أو دولية بدأت تسير بالثورات نحو مسار آخر غير المسار الذي كانت تريده، وإلا كيف يمكن للثورات أن تأتي بـ«داعش»؟ إذن من الأفضل أن نبقى مع الديكتاتورية نحاربها ونقاومها».
وهكذا أوضح صاحب رواية حارسة الظلال (دون كيشوت في الجزائر) بما لا يترك مجالاً للشك أن الفقرة الأولى من هذا الحوار هي له، وأن الفقرة الثانية إنما هو يستعرض فيها آراء، ووجهات نظر بعض الكتاب الغربيين، أي أنها لسواه، وليست له، وبذلك جعل حداً للتساؤلات والانتقادات التي وجهت له اعتباطاً في هذا الشأن، وأوصد بتعليقه الوافي والموجز باب الريبة، وبدد كل أثر للغموض الذي أثير حوله، وحول هذا الموضوع الشائك.
وبهذه المناسبة، وفي السياق نفسه، وفي صلب الموضوع ذاته، ودائماً في مجال استعراض آراء أو تقديم وجهات نظر أو رصد «تنبؤات» بعض الكتاب والمفكرين الغربيين في هذا المجال نستحضر أو نذكر بما كانت قد صرحت به بيلار ديل ريو أرملة الكاتب البرتغالي الراحل خوسيه ساراماغو (الحائز نوبل في الآداب عام 1998) حيث قالت «ان زوجها كان قد «تنبأ» (!) في إحدى رواياته التي نشرت عام 2004 والتي تحمل عنوان «البصيرة» أو «بحث في الوضوح» (صدرت ترجمتها إلى العربية عن الهيئة المصرية العامة للكتاب – سلسلة الجوائز-)، تنبأ ـ حسب تصريحها- برياح التغييرات، والثورات التي عرفتها وما زالت تشهدها بعض البلدان العربية.. أي ما أصبح يطلق عليه في ما بعد «الربيع العربي» الذي سرعان ما أضحى في عرف البعض أو كاد أن يصبح خريفاً عربياً، شاحباً، حزيناً، كئيباً، رديئاً، مدلهماً، داعشياً ومخيباً للآمال.

قصة شعب

رواية خوسيه ساراماغو الآنفة الذكر حسب أرملة الكاتب بيلار ديل ريو، تحكي قصة شعب قرر بالاجماع مقاطعة الانتخابات في البلاد، ما أشاع نوعاً من الهلع والفزع والذعر والرعب والتخوفات لدى المسؤولين، حيث اعتبر هذا التصرف بمثابة شكل من أشكال التحدي والمواجهة والعصيان، أو إعلان أو أمارات أو إرهاصات تنذر بقرب قيام الشعب بتمرد عام على السلطة الحاكمة.
وتقول بلار ديل ريو في السياق نفسه: «إن هناك فقرة في هذا العمل الأدبي الروائي تشير إلى ما معناه: «أن المواطنين يظلون معتصمين لعدة أيام في الساحة الرئيسية أو الميدان الكبير للمدينة، حيث يتمكنون بالفعل تحت ضغط التظاهر والاحتجاج المتواصلين من الإطاحة بالحاكم الطاغية المستبد – كما تصفه الرواية. وعندما ينتهي كل شيء، ويعود المتظاهرون إلى أعمالهم الاعتيادية، ومزاولة نشاطاتهم اليومية، يقررون في ما بعد تنظيم أنفسهم ويبدأون – قبل كل شيء – بتنظيف المكان الذي كانوا معتصمين فيه».
وتشير الى أن ذلك ما حدث بالضبط أو ما يشبهه الى حد بعيد في مصر، وفي بعض البلدان العربية أو في أماكن ومدن أخرى من العالم، التي طالتها رياح الغضب وأعاصيرالتغيير في المدة الأخيرة».
تؤكد هذه الأرملة الإسبانية، وهي كاتبة ومترجمة أعمال زوجها ساراماغو من البرتغالية إلى لغة سيرفانتيس: «أن زوجها لم يكن قارئ طالع، أو يتنبأ بالمستقبل، بل إنه كان مثقفاً يعيش زمانه، ويعيه جيداً ويتفاعل مع أحداثه والتطورات التي يشهدها بدون انقطاع، وبالتالي فهو كان يرصد عيوب العالم ونواقصه وزلاته، بالتأمل فيه وإعمال النظر بمجرياته»- على حد تعبيرها.
وتضيف: «انه كان رجلاً دائم التفكير في كل ما يحيط به ويعايشه، ممعناً النظر في العالم، ومتتبعاً لكل ما يعتريه من تغيرات، أو تعثرات، أو نواقص وعيوب وقصور». وتزعم بيلار ديل ريو في السياق نفسه أن زوجها: «كان يعرف أنه لم تكن هناك أزمة اقتصادية حادة اجتاحت العالم، بقدر ما كانت هناك أزمة أخلاق وسلوك ومبادئ، وعليه فان البشرية سوف تتأخر كثيراً للخروج والتخلص من هذه المعضلات العويصة والأزمات الحادة التي تعصف بها»- حسب منظوره.

ساراماغو والعمى

يرى بعض الكتاب منهم بلديّه كارلوس رياس، عميد جامعة «أبيرتا» البرتغالية أن خوسيه ساراماغو أثار خلال حياته غير قليلٍ من الجدل حول مختلف القضايا المعاصرة سياسيةً كانت أم أدبية، أم فلسفية، أم تاريخية، أم اجتماعية ام دينية، التي لم تخل في بعضها من بعض الأباطيل والمبالغات والمغالطات. وإثارة النقع والعجاج على صفحات الجرائد والمجلات والكتب من دون طائل يذكر. وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى عدم تفهمه لمطالب المغرب في استكمال وحدته الترابية، ولعل روايته الشهيرة «العمى» (التي نال بها جائزة نوبل في الآداب..) جعلت الأمور تدلهم أمامه، هذا في الوقت الذي كانت له من جهة أخرى مواقف مشرفة على الصعيد العربي كموقفه الداعم لقضية فلسطين، وانتقاده العنيف لإسرائيل بعد الممارسات الوحشية التي قامت بها ضد الفلسطينيين العزل والتنكيل بهم. وقد قام عام 2002 بزيارة لرام الله متضامناً مع الفلسطينيين أثناء الحصار الذي فرضته إسرائيل عليهم بعد انتفاضة الأقصى آنذاك، حيث هاجمته الصهيونية العالمية وطالته حرابها، وغشته سنانها بعد تصريحاته ضد إسرائيل .

هجرته إلى الخالدات

ويشير كارلوس رياس من جهة أخرى أنه عندما صدرت رواية خوسيه ساراماغو «الإنجيل حسب يسوع المسيح» عام 1991 أثارت ضجة كبيرة انقلبت الى نقمة عارمة عليه، إذ يوجه فيها الكاتب انتقاداتٍ لاذعةً للكنيسة الكاثوليكية، ما حدا به إلى التفكير في الاغتراب والهجرة بصفة نهائية من بلاده، خاصة بعد أن قامت الحكومة البرتغالية بحجز كتابه، واتهام رجال الدين والفاتيكان له بالإساءة والمساس بالتراث الديني للبرتغاليين، ومنذ مغادرته البرتغال 1998 بدأ يبدي نوعاً من الافتخار والتباهي بأصوله الأمازيغية – حسب ادعائه – إذ كان يزعم أن أجداد جده ينحدرون من شمال افريقيا، حسب رواية الباحث الجامعي البرتغالي الآنف الذكر. وقد استقر خوسيه ساراماغو في جزيرة «لانثاروتي» بأرخبيل الكناري بشكل دائم حتى آخر أيام حياته موليا ظهره الغرب والشمال، ومعانقاً هذه الجزيرة الكنارية الضائعة في غياهب بحر الظلمات، والغارقة في متاهات المحيط الهادر، وتشكل هذه الجزيرة البركانية إحدى سلسلة الجزر السبع التي تشكل أرخبيل الخالدات ذا الأصول والجذور الأمازيغية التي لا يرقى إليها ريب قبل وصول الإسبان إليها في القرن الخامس عشر، حسب معظم الدارسين والكتاب والباحثين والمؤرخين الثقات في هذا الشأن.

العمى والظلام الملتهب

وينبغي الإشارة في هذا الصدد الى أن للكاتب الإسباني المسرحي الكبير أنطونيو بويرو باييخو مسرحية ناجحة تحت عنوان «الظلام الملتهب»، وهي تدور حول العمى كذلك، حيث تعتبر هذه المسرحية تقصياً مهوساً للظرف التراجيدي للإنسان كعنصر بارز من عناصر التاريخ، وبذلك تتحول الدراما عنده إلى حقيقة تاريخية.
عاش أنطونيو بويرو بايخو سنتين من عمره في مدينة العرائش بالمغرب، حيث كان والده عسكرياً يعمل بالجيش الاسباني هناك. ولا يستبعد أن يكون ساراماغو قد قرأ هذه المسرحية أو تأثر بها ولا شك، ومع ذلك نال بروايته «العمى» الآنفة الذكر، أعلى وأرقى تكريم أدبي في العالم (نوبل في الآداب).
من أعمال خوسيه ساراماغو الروائية الأخرى «أرض الخطيئة» (1947)، «تاريخ حصار لشبونة «(1989)، «الإنجيل حسب يسوع المسيح» (1991). «كل الأسماء» (1998). «رحلة الفيل» (2008). «قابيل» (2009) وسواها من الأعمال الروائية والإبداعية الأخرى.
هذا وتجدر الإشارة كذلك في هذا القبيل الى أن رواية ساراماغو «العمى» (1995) قد تحولت إلى فيلم سينمائي عام 2008. توفي خوسيه سراماغو عام 2010 عن سن ناهزت الـ87 سنة في مقر إقامته في جزيرة «لانثاروتي» الكنارية.

كاتب من المغرب

محمد محمد خطابي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية