السودان: تسوية قضية المدمرة «كول» مع أمريكا تمهّد لرفع اسم البلاد من قائمة الدول الداعمة للإرهاب

عمار عوض
حجم الخط
0

الخرطوم ـ «القدس العربي»:  أعلنت وزارة العدل السودانية، أمس الإثنين، اكتمال التسوية مع أسر ضحايا المدمرة الأمريكية «يو أس أس كول» التي تم تفجيرها قبالة ميناء عدن عام 2000، ما أسفر عن مقتل 17 من بحارتها، ما يمهد لرفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، ويسهم في انتعاش اقتصادي.
وحسب بيان للوزارة «اتفاق التسوية الذي كان تم التوصل إليه في شباط/فبراير 2020 مع أسر ضحايا المدمرة كول، اكتمل».
وشددت على عدم مسؤولية السودان عن الهجوم، وقالت «هنا نص صريح في هذه التسوية على أن السودان لم يكن ضالعا في الهجوم على المدمرة كول».
وذكرت أن» رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب هو أمر ضروري ولازم لإزالة هذه الوصمة من على تاريخ الشعب السوداني، وإعادة السودان مرة أخرى للاندماج في المجتمع الدولي ليمارس دوره البنّاء كدولة فاعلة في المحيطين الإقليمي والعالمي».

التركة الثقيلة

وشددت على ضرورة «إغلاق القضايا المتعلقة بالإرهاب، وهي جزء من التركة الثقيلة الموروثة من النظام المباد، وتطبيع العلاقات بين السودان والولايات المتحدة وبقية دول العالم لهو شرط لازم لإنهاء العزلة الدولية وإعادة العلاقات المستقرة المثمرة والمتطورة التي تتطلع وتعمل من أجلها الحكومة الانتقالية».
وتوصلت الخرطوم في شباط/ فبراير إلى تسوية مع عائلات ضحايا المدمرة الأمريكية، دون ذكر التعويضات المتفق عليها.
ووقعت الحادثة في 12 تشرين الأول/أكتوبر 2000 عندما انفجر زورق مفخخ بالمتفجرات في جسم المدمرة، ما اضطر إلى سحبها إلى ميناء عدن اليمني لإصلاح الدمار الذي أحدثه التفجير في جسمها. وقتل جراء التفجير 17 بحارا أمريكيا إضافة إلى اثنين من المهاجمين، يعتقد أنهما ينتميان الى تنظيم «القاعدة».
واتهمت واشنطن الخرطوم بالضلوع في الانفجار، وهو ما تنفيه الخرطوم باستمرار. وفي عام 1993، وضعت واشنطن السودان على « قائمة الدول الراعية للإرهاب» لصلته المفترضة بجماعات إسلامية متشددة.
وأصدر قاض أمريكي في عام 2012 حكما قضى بأن يدفع السودان مبلغ 300 مليون دولار لأسر ضحايا المدمرة. وأمر المصارف الأمريكية بالحجز على الأرصدة السودانية الموجودة لديها للبدء في سداد المبلغ، إلا أن المحكمة العليا ألغت الحكم في آذار/ مارس 2019. وكانت «القدس العربي» اطلعت على الطلب المشترك الذي قدم إلى قاضي المحكمة الاتحادية في فرجينيا، الذي لم يحو أي إشارة إلى قيمة مبلغ التسوية، في حين أشار مصدر مطلع على الملف في وزارة العدل، إلى أن مبلغ التسوية الذي قدم من جانب الحكومة السودانية يصل إلى نحو 80 مليون دولار.
المصدر أكد لـ«القدس العربي» أن «ملف رفع اسم السودان من لائحة الإرهاب بات وشيكاً بعد الانتهاء من الشق القانوني».
وأوضح : «نحن الآن أكملنا كل الاشتراطات القانونية التي طلبها الأمريكان في السابق والمتمثلة في إنهاء القضية مع أسر الضحايا باعتبار أنها شأن يخص مواطنين أمريكيين ولا يمكن للإدارة الحالية التطبيع مع السودان دون إنجاز هذه التسوية التي هم ساعدونا فيها كثيرا»، لكنه استدرك قائلا «من الصعب فهم خطوة الأمريكان المقبلة، ربما يخرجون لنا مطالب جديدة لم نكن نراها في السابق، لكن من ناحية مطالبهم السابقة نحن أوفينا بها».
وكان السودان قد شهد جدلا مكثفا الأيام الماضية حول مصدر الأموال التي تم تسديد قيمة التسوية منها، بعد أن شهدت البلاد ارتفاعا غير مسبوق ومفاجئا لسعر الدولار مقابل الجنية السوداني، والذي ارتفع بنسبة 40٪ في أقل من أسبوعين، فيما أشارت صحف محلية إلى أن المبلغ تم تسديده من حساب صندوق الضمان الاجتماعي الذي يخص الموظفين السودانيين.
لكن وزارة المالية سارعت إلى نفي ذلك، موضحة في بيان أن «ما تناقلته الصحف غير صحيح على الإطلاق، إننا نودُّ أن نؤكد وبكُلّ وضوح، أنّ المبلغ قد تمّ تسديدُه من الموارد الذاتية للبلاد ومن حسابات وزارة المالية».
مصادر لـ«القدس العربي» بينت أن «المبلغ تم توفيره من شركات الصناعات الدفاعية التي تتبع لوزارة الدفاع».
وحسب مصدر آخر في وزارة المالية فإن «ارتفاع سعر الدولار نتج عن قيام بنك السودان بشراء مبلغ التسوية البالغ 80 مليون دولار من السوق الموازي عبر البنوك المحلية بعدم فشلنا في الحصول على المبلغ من الدول الصديقة. قدرنا أن المصلحة تقتضي تسديد المبلغ حتى لا تفقد التسوية التي حددت بمواقيت زمنية، وإإن لم يتم الاستيفاء بها، سيقود ذلك إلى إلغائها، والعودة لمبلغ قرار المحكمة الذي يصل إلى 2 مليار دولار.»

تم دفع 80 مليون دولار… والعلاقات بين الخرطوم وواشنطن تتجه للتطبيع الكامل

ومن الواضح أن العلاقات السودانية الأمريكية تتجه للأفضل حيث لم يحل انشغال الولايات المتحدة الأمريكية بالتصدي لجائحة «كورونا» دون التواصل مع السودان، إذ أجرى وزير الخارجية، مايك بومبيو، اتصالاً هاتفياً مع رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك الأسبوع الماضي.
الطرفان أكدا حسب بيان رسمي على «أهمية نجاح الفترة الانتقالية في السودان، كما شدد بومبيو على دعم بلاده للحكومة المدنية الانتقالية وجهودها في بناء سلام مستدام. وامتدت المناقشات بين الطرفين لتشمل إجراءات ومتطلبات إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، كما تحاور الجانبان خلال المحادثة حول الوباء العالمي كورونا وكيفية تطوير التعاون السوداني الأمريكي لمحاربة الفيروس».
ولاحقاً كتب بومبيو كتب على «تويتر» ناقشت مع حمدوك «التقدم المحرز في التحول الديمقراطي في السودان». وأضاف : «نحن ملتزمون بدعم الحكومة الانتقالية بقيادة مدنية وسعيها لتحقيق سلام دائم في السودان».
وقد تزامنت المكالمة الهاتفية مع أمرين، الأول وصول مبلغ التسوية إلى الولايات المتحدة، والثاني تصريحات السفيرة السودانية المعينة حديثاً في واشنطن أميرة عقارب، والتي أكدت فيها أن «ملف إزالة اسم السودان من لائحة الارهاب بات وشيكا»، مضيفة: «لقد قطعنا شوطا كبيرا في هذه القضية، ونأمل طيها في القريب العاجل».

حجر عثرة

وفي حين يرى كثيرون أن وجود السودان في قائمة الإرهاب يقف حجر عثرة أمام التحويلات المالية، نفت عقارب ذلك، مؤكدة أنه «لا توجد أي علاقة بين ملف الإرهاب والتحويلات، وإن كان شطب السودان من قائمة الإرهاب سيسهل عليه مشاكل أخرى عديدة من بينها إزالة الديون الخارجية، والحصول على قروض من المؤسسات الأجنبية». يشار إلى أن الإدارة الأمريكية كانت قد أكدت أن من حق الشركات الأمريكية إجراء تعاملات مالية مع السودان، ودعما لذلك التوجه، كان عدد من المسؤولين الأمريكيين في السفارة الأمريكية في الخرطوم قد قاموا بفتح حسابات في بنك الخرطوم.
وترفض البنوك في الولايات المتحدة إجراء تحويلات بنكية إلى السودان خشية التعرض لعقوبات كون السودان موجودا على قائمة الدول الراعية للإرهاب، لكن عقارب أكدت في التصريح ذاته أن «مسألة التحويل المالي من الولايات المتحدة إلى السودان لا ترتبط بمشكلة وضع بلدها على قائمة الدول الراعية للإرهاب».
وأضافت: «السماح بإجراء تحويلات بنكية أمر أكد عليه المبعوث الأمريكي إلى السودان، دونالد بووث بنفسه، في نهاية يناير/ تشرين الثاني الماضي في أديس أبابا، وذلك استنادا إلى وثيقة صادرة عن لجنة مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأمريكية». عقارب، التي تعتبر أول سودانية تتبوأ منصب سفيرة في أمريكا، قالت إن «ما يحدث بخصوص عملية التحويلات الآن ليس سوى مخاوف من جانب المصارف الأميريكية التي تظن أن إجراء معاملات مالية مع السودان تنطوي عليه عقوبات مالية»، مشيرة إلى أن هذه المخاوف «في غير محلها».
وشددت على أنها «تقوم بجهود حثيثة لتبديد هذه المخاوف بالتواصل مع نظرائها الأمريكيين، وعقد اجتماع شامل مع قادة تلك المصارف لإطلاعهم على حقيقة قرار الإدارة الأمريكية».
وأضافت «منذ تسلمي مهامي في واشنطن كان موضوع التحويلات المالية إلى السودان أحد أولوياتي، ولن أدخر جهدا في حل المشكلة بالكامل، فهي لا تؤثر سلبا على السودان فحسب، بل على العديد من الشركات الأمريكية».
وأعربت عن ثقتها بأن «بدء عملية التحويلات المالية بين السودان والبنوك الأمريكية مسألة وقت ليس إلا»، وبينت أن «سودان اليوم ليس سودان الأمس، لقد قمنا بالكثير لإزالة إرث النظام القديم الذي أسهم في عزل السودان عن أسرته الإقليمية والدولية. والجهود لا تزال مستمرة لتحقيق تطلعات السودانيين في العيش بكرامة وحرية».
وكان بنك السودان المركزي قد اتخذ العديد من الإجراءات لإنجاز مسألة التحويلات المالية مع المصارف الأمريكية، من دون أي مخاطر. ووفق عقارب فإن «وفدا من البنك كان من المفترض أن يزور واشنطن هذا الربيع بخصوص هذا الموضوع، غير أن المهمة أجلت بسبب انشغال السودانيين والعالم بوباء كورونا الكارثي».
مؤشرات عديدة تشير بجلاء إلى أن العلاقات الأمريكية السودانية تمضي بخطى ثابتة نحو التطبيع الكامل، حيث كان من المقرر أن يزور رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان واشنطن هذا الشهر، لكن تم تأجيل الزيارة بعد إغلاق الحدود، إلى جانب إنهاء آخر الشروط القانونية لجهة رفع السودان من قائمة الإرهاب، ومن ثم إتاحة التحويلات البنكية، ما يمكن أن يرفع الاقتصاد السوداني من الأزمة التي يعاني منها.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية