الشاعر الرحل نادر هدى (1961- 2016) واحدٌ من الشعراء الأردنيين الذين واكبوا حركة الحداثة الشعرية المعاصرة، ورسّخ مفهوم قصيدة النثر في إبداعاته الشعريّة، بدءاً بديوانه الأول «مملكة للجنون والسفر» 1984 وانتهاء بديوانه الأخير «حدائق القلق» 2007، مروراً بدواوينه «مسرات حجريّة» 1985، «لن تخلصي مني» 2000، «كذلك» 2001، «ماء الغواية» 2012 و «من أجل ذلك» 2016، فضلاً عن سيرته الإبداعية «مشارب الرهبة» 2009. ويأتي كتاب «شعائر النص» تجليّات قصيدة النثر في شعر نادر هدى» للناقد والأكاديمي الأردني عماد الضمور ــ إصدارات دار الآن ناشرون وموزعون، عمّان ــ محتوياً على مجموعة من الدراسات النقدية حول تجربة نادر هدى الإبداعية.
قصيدة النثر
يرى المؤلف في مقدمة الكتاب أن دراسة قصيدة النثر انطلاقاً من طبيعتها البنائية أمرٌ مهم لإبراز جمالياتها، وليس كما نريد أن ننظر إليها، وذلك بدراسة الإيقاع الداخلي، الذي تنتجه اعتماداً على الصياغة اللغويّة، والصورة الشعريّة المنتجة للمعنى، ضمن مفهوم التوتر المثير للمتلقي، والباعث للرؤية الشعريّة في فضاء حالم، ما يجعلنا نتبنى وجهة نظر نقديّة جمالية، تقوم على أسس نقدية منهجية واضحة، وليست انطباعية جزئية. من ناحية أخرى فإن قصيدة النثر تبقى أكثر تمثيلاً لحراك إبداعيّ جديد، يُنجز أسئلته بعيداً عن القياسات والأطر التقليدية، ويفتح صفحة جديدة تسمح للجسد المقهور أن يُنتج علاماته في حرب ثقافية هي الأقسى في تاريخ الشعر، فهي قصيدة ذات بنية سائلة في طبيعة التعرّج والتشعّب، فضلاً عن أنّ فضاءاتها اللُغوية والإيقاعية مفتوحةٌ، بدون حدود أو قيود، وهذا ما يمكّن الشاعر من التعبير عن تجارب داخلية معقدة ومكبوتة.
الذات والنص الشعري
وتنبع خصوصية الكتاب من اختيار دواوين الشاعر الأردني نادر هدى للتطبيق عليها، إذ استطاع هدى، ومن خلال إصداراته الشعريّة أن يلفت الأنظار إلى تجربة شعريّة خصبة، أثبتت أحقيتها بالدراسة، فنجد جهود بعض الدارسين، اتّجهت لدراسة شعره أمثال: حفناوي بعلي، هادي نهر، طلال الطاهر قطبي، ابتسام الصفار، وغيرهم ممّن كتبوا مقدمات لمجموعاته الشعريّة، أو دراسات نقديّة، أشاروا فيها إلى أهمية دراسة تجربته الشعريّة. هذه الخصوصية للكتاب أسهمت في اكتشاف وظائفية الذات الشعريّة، واكتناه أسرار النص الشعري، بوصفها نقطة انبعاث لرؤى شعريّة خصبة، تُصاغ بلغة العاطفة، وتحولات النفس الفاعلة، انطلاقاً من دور الشعر في معرفة الحقيقة، حيث يتخذ الحدس والتخييل، وسيلة مهمة للمعرفة. وهذا ما عمد إليه نادر هدى في لغته المكونة لعنوانات نصوصه، ودواوينه إذ لجأت إلى الإيحاء، والإثارة تارة، وإلى المباشرة تارة أخرى، وأقامت علاقات خاصة مع بعضها بعضا، معتمدة على الحدس والرؤى، الأمر الذي فتح له مجالات رحبة من الأنساق التعبيرية، وأعانته على بيان معانيه.
ملامح التجربة الإبداعية
تناولت الدراسة الأولى (تشكلات «هدى» في شعر نادر هدى)، إذ يلمس المتأمل في شعر نادر هدى كثافة حضور «هدى» في نصوصه، ما منحها أبعاداً دلالية خصبة، حفّزت على الكشف عن طبيعة هذا الحضور الخصب، وأثره الفنّي في شعره، وبيان طبيعة انعكاساته الفكرية. وجاءت الدراسة الثانية؛ لتبحث في التشكيل الفني لقصيدة النثر؛ بهدف الوقوف على الأثر الذي تؤديه علامات الترقيم في إحداث الإيقاع الداخلي لقصيدة النثر، وقد توقفت هذه الدراسة عند مجموعة من الوظائف الفاعلة لعلامات الترقيم في شعر نادر هدى، وبيان فاعليّتها النصيّة. ولمّا كان البعد الصوفي في الشعر المعاصر يعكس رؤى فكرية خاصة، تُفصح عن خطاب إبداعي متحفّز، يصاغ بنبض الروح، وأفق الوجدان الجامح، المفعم بحالة التوحّد مع الذات الباحثة عن الحقيقة، وكشف كينونة الوجود، فقد جاءت الدراسة الثالثة لتكشف أثر المتخيل الصوفي في ديوان «أرْوَى» مبرزةً أهم تجليّات الصوفية في الديوان. أما الدراسة الرابعة فجاءت لتكشف عن فاعلية الزمن في تشكيل رؤى الشاعر، وبنية نصوصه العميقة، حيث يرى المؤلف أنه يمكن رصد تأثير الزمن في بنية نصوص نادر هدى، التي تفيض بدلالات فكرية خصبة، تسجل طبيعة العلاقة الجدليّة التي ربطته بالزمن، وطبيعة تجاذباتها اللغوية، التي أثرت معجم الشاعر، وأمدت صوره بقدرة هائلة على التشكل المبدع، والبوح الجريء عن خبايا النفس. وجاءت الدراسة الخامسة قراءة في ثلاثية «حبر العتمة، مزامير الريح، عالم لست فيه»، موضحة لجوانب الإبداع فيها، بوصفها تمثل البدايات الأولى لتجربة الشاعر الإبداعيّة في قصيدة النثر.
٭ كاتب أردني