المغرب وصراع السياسة ما بعد كورونا؟

تفاجأ عدد من المراقبين والمحللين من إقدام وزير الفلاحة والصيد البحري والأمين العام للتجمع الوطني للأحرار على كتابة مقال رأي على غير عادته، يعبر فيه عن تصوره لسيناريو ما بعد كورونا، وأي الخيارات يتوجب على الدولة انتهاجها للخروج بعافية من التداعيات المؤثرة لجائحة كورونا على الاقتصاد.
لكن قليلا ممن تفاجأوا بهذه المقالة من حاول أن يلتقط الرسالة من ورائها، وأن يفهم سياقها، وينطلق منها ومما لابسها من مؤشرات أخرى لالتقاط صورة مستقبل صراع السياسة الذي يبدو أنه بدأ في المغرب قبل أن يبدأ العد العكسي للجائحة وقبل أن تظهر مؤشرات التحلل التدريجي من حالة الطوارئ الصحية.
قد يعترض البعض ويرى أنه من المجازفة أن يكون لهذه المقالة كل هذا الثقل، وتستثمر وحدها لالتقاط رسائل تخص مستقبل الصراع السياسي في المغرب بعد كورونا.
والحقيقة أن هذا الاعتراض صحيح، وأقوى منه ربما إعطاء ثقل غير مستحق في موازين السياسة لشخص تعرض رصيده السياسي لضربة قوية قبيل الجائحة.
لكن، القضية في جوهرها لا تتوقف عند حدود هذه المقالة، وما حوته من مضامين ورسائل، ولا عند طبيعة كاتبها، وتمثيليته السياسية، وإنما تنصرف إلى ما هو أبعد من ذلك، إلى اللحظة السياسية، وديناميات الأحزاب في التفاعل مع كورونا وما بعدها، على قلتها ومحدوديتها، وإلى التمثيلية الاقتصادية والمالية لصاحب المقال.
لا ينبغي أن نغفل في هذا السياق ثلاثة مؤشرات أساسية سبقت هذه المقالة أو لحقتها، أولها، مقالة وزير الدولة السيد مصطفى الرميد تحت عنوان: «فعلها صاحب الجلالة، فهل يفعلها الآخرون»، التي سبقت مقالة أخنوش بأسبوع تقريبا، وثانيها، جملة مقالات وتصريحات للأمين العام الجديد للأصالة والمعاصرة السيد عبد اللطيف وهبي، تصب في خانة تصليب الجبهة الوطنية في مواجهة كورونا، والحاجة للقيام بتضحيات وتوافقات من أجل مواجهة آثار كورونا فضلا عن توجيهه دعوات إلى أغنياء حزبه من أجل المساهمة في صندوق مواجهة داء كورونا، دون أن نلغي من الاعتبار مؤشرا آخر يرتبط بكلمة فريق التجمع الدستوري، في جلسة مساءلة رئيس الحكومة حول إجراءات مواجهة كورونا وتداعياتها على الوضعية الاقتصادية والاجتماعية، والتي كانت نشازا في مجلس النواب من جهة تبنيها لخطاب معارض يركز على نقد السياسات الصحية التي سبقت الجائحة بشكل ربما عاكس الروح الوطنية المشتركة وما يتطلبه القطاع الصحي وأطره في هذه الظرفية من دعم وتثمين. يبدو سؤال ماذا قال عزيز أخنوش مهما وجوهريا حتى نتلمس صورة الصراع السياسي القادم؟ وقبله سؤال ماذا قال مصطفى الرميد، لكن يبدو سؤال العلاقة بين المقالين أكثر أهمية منهما معا.
لن نتوقف على المشترك في المقالين، مما يهم تثمين إجراءات الدولة ووجه الاستباق فيها والإشادة بالمبادرات الملكية، فرسالة هذا المشترك تقليدية، لا تفارق منطق التماهي مع الدولة والانحياز لها، أو ربما طلب انحيازها.
سنركز على الرسائل الأخرى، التي تثبت اختلاف الرؤية، وربما التنافس في التأثير على الدولة، قبل الخروجالآمن من الجائحة.

ضغوط لوبيات المال لوضع البيض كله في سلة المقاولات وأربابها من رجال الأعمال، على حساب استعادة التوازنات الاقتصادية الماكرو اقتصادية ومراعاة الطبقات الاجتماعية الهشة

رسالة الرميد، واضحة، فالملك قام بدوره وعبر من جهته عن ثقافة التضامن، وعلى المجتمع أن يترجم هذه الثقافة، بل على المستثمرين أو أصحاب السعة من المال، أن يقوموا بدورهم ويحاكوا سلوك الملك من أجل مواجهة آثار هذه الأزمة. قد يبدو في الظاهر أن رسالة مصطفى الرميد ترتبط بلحظة كورونا، لا بما بعدها، لكن مقالة عزيز أخنوش، ترتبط بسياق ما بعد كورونا، لكن، لن نستبق الأمر لنثبت الصلة بين المقالتين، قبل التحديد الدقيق لرسالة السيد عزيز أخنوش.
سنقفز على الإنشائيات الواردة في مقالة أخنوش مما يرتبط بتداعيات كورونا وما يتطلبه التعافي الاقتصادي من زمن، والإحالة إلى تجربة الصين في ذلك، فهذه مجرد ممهدات للحديث عن «مفترق طرق» في تدبير مرحلة ما بعد كورونا «حيث لا مجال للخطأ» والحاجة إلى «اتخاذ القرارات الصحيحة»، و«استخلاص الدروس من الأزمة الصحية الحالية.»
الخيار الذي يقترحه أخنوش، أو قل القرار الصحيح، الذي لا مجال فيه للخطأ، في تدبير ما بعد كورونا هو «الرفع من مستوى المديونية وتحمل المخاطر، ومواكبة الفاعلين حتى يتمكنوا من تخطي المرحلة.»
الرسالة واضحة، الفاعلون الاقتصاديون يحتاجون من جديد إلى منظومة دعم ومواكبة من قبل الدولة، ولا بد من إنهاء «الخطاب الذي يعطي الأسبقية لمداخيل الدولة»، ويحرم المقاولات من الدعم باسم إنقاذ الدولة.
الرسالة في نهاية المقال، وعلى غير عادته، أتت في نفس سجالي، مع أطروحة وخطاب آخر. ماذا يعني ذلك؟ هل هي إجابة عن مقالة الرميد؟ أم تحذير للدولة؟ أن تنافس عليها من أجل دفعها لهذا الاختيار أو ذاك؟
فهم جوهر الصراع السياسي لما بعد كورونا، يتطلب فهم مكونات الخطاب الذي استدعاه أخنوش في آخر مقالته، وحذر منه، ودعا إلى بديل له.
لا شك أن الرجل يتحدث عن خطاب رجل دولة سابق، تبنى مقولة «إذا عاش النسر عاشت أولاده» كناية عن أولوية التوازنات الماكرواقتصادية للدولة على ما عداها، ويخشى من تكرار تجربة ضريبة التضامن التي فرضت على الأغنياء في سياق الخروج الآمن من تداعيات الحراك الشعبي، ويخشى قبل هذا وذاك، من أن يستمر مسلسل تفكيك منظومة صندوق المقاصة، ويريد هذه المرة أن يتحدث ليس كسياسي، وإنما كصوت لوبي أعمال ونخب اقتصادية، تحاول أن تحذر الدولة من سياسة اقتصادية قادمة، كان قد دشنها عبد الإله بنكيران، أو تحذر الدولة بالأحرى من استمرار حزب سياسي في مربع التدبير الحكومي، باعتباره رمزا لهذه السياسة التي طالما حذرت من التورط في مسلسل الاستدانة الخارجية، ورفضت الانصياع لضغوط لوبيات المال لوضع البيض كله في سلة المقاولات وأربابها من رجال الأعمال، على حساب استعادة التوازنات الاقتصادية الماكرو اقتصادية ومراعاة الطبقات الاجتماعية الهشة.
معالم الصراع القادم واضح كما هو دائما: من يستميل الدولة إلى جانبه؟
لوبيات المال ومصالح رجال الأعمال، وتعبيراتها السياسية، أم الطبقات الوسطى والشرائح الاجتماعية الدنيا وتعبيراتها السياسية. وبؤرة الصراع القادم: منظومة الدعم، لمن توجه؟ للوبيات المال والأعمال، أم للطبقات الاجتماعية. والذي يحسم الصراع من الفاعلين الرئيسيين فيه، النخب السياسية التي تعبر عن وجهة نظر الباطرونا، وترى قوة الدولة من مركزية قوة مصالحها الاقتصادية، أم النخب السياسية التي تنتصر لفكرة الاستقرار الاجتماعي وتقوية كيان الدولة.

كاتب وباحث مغربي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول معلق:

    لابد من التضامن من الجميع بدون استثناء اذا أردنا تعافيا سريعا

    1. يقول شهاب:

      مصاريف الموظفين قلت ب 50% مع أنهم لايعملون، يجب على الجميع أن يساهم في هذا الظرف العصيب

  2. يقول atarch:

    و لا كلمة على الفقر و المشاكل الاجتماعية….

  3. يقول هيثم:

    يوجد في المغرب حاليا تيار سياسي يضم الإسلاميين و جزءا من اليسار الراديكالي يعارض السيد عزيز أخنوش الوزير المغربي في الفلاحة والصيد البحري و صعود أسهمه في الميزان السياسي. هذا التيار لا ينظر بعين الرضا لكل ما يقوله أو يقوم به هذا الوزير خاصة منذ ترأسه لحزب الأحرار وتنشيط تجمعاته. يقولون السيد أخنوش ما لم يقله وما لم يفكر فيه حتى ويرون فيه المنافس الرئيسي الذي يواجههم في الانتخابات المقبلة المقررة سنة 2021 إذا لم تتأجل بفعل تداعيات وباء الكورونا. من غير المعقول التشكيك في وطنية الشخص و هو سليل عائلة سوسية من تفراوت اكتسب والده ثروة مهمة بفضل جديته و عصاميته و عرف بدعمه للحركة الوطنية والمقاومة المغربية ضد الاستعمار الفرنسي. كاتب المقال يعرف هذه الحيثيات خاصة وأنه ينتمي للتيار المعارض لهذا الوزير.

  4. يقول الكروي داود النرويج:

    لا حول ولا قوة الا بالله

إشترك في قائمتنا البريدية