هل تقضي كورونا على عنصرية الغرب وتوقظها في خليجنا؟

حجم الخط
1

في مقابلة مع راديو «أجيال» في مدينة رام الله قبل نحو أسبوع، للسؤال عن أحوال الجالية الفلسطينية في بريطانيا، مع انتشار وباء كورونا، وبلوغ الوفيات أكثر من14 ألفا حتى كتابة هذه السطور، والحالات المصابة عشرات الآلاف، ولاستغرابي كان أول سؤال يوجهه المذيع هو، هل تشعرون بالعنصرية في المعاملة في هذه الظروف الصعبة؟ ورغم أن الجواب كان بالسلب، وكان التأكيد على أن الجميع سواسية على سرير المرض، وأن الكادر الطبي لا ينظر إلى لون بشرة المريض، ولا يميز في التعامل والخدمة بين أسود أو أبيض، ولا بين مقيم أو حامل جنسية، أو زائر، وما يهمهم في تلك اللحظة هي مصلحة المريض ولا شيء غير ذلك.
استغربت من السؤال، لأول وهلة، ولكن سرعان ما تلاشى الاستغراب، فالاعتقاد السائد خطأ، في إقليمنا أن العنصرية مستشرية في كل مناحي الحياة في الدول الغربية، وأن العرب أو بعضنا بعيدون كل البعد عنها، وكأننا لا ننادي الأسود بالعبد، رغم أن ديننا يحرّم الرق، ولا نميز في المعاملة ضد الآسيويين وحتى ضد بعضنا.
وما علينا إلا أن نلتفت إلى حديقتنا الخلفية، لنرى كيف يُعامل اللاجئون السوريون في لبنان وغيره، ولن أتحدث عن أعداد هؤلاء اللاجئين السوريين الذين استوعبتهم الدول العربية، مقارنة مع الدول المضيفة في أوروبا. ولا يزال اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، وبعد كل هذه العقود على نكبتهم، يُعاملون أسوأ معاملة. وهل هناك عنصرية أكثر حقدا وكرها، من أن يشبَّهوا في ذكرى مجزرة عين الرمانة الـ45 (13 إبريل/نيسان 1975 – 2020) التي ارتكبتها ميليشيات الكتائب، وسقط فيها30 مدنيا، بفيروس كورونا. فقد شبههم بذلك الفيروس رسام الكاريكاتير اللبناني أنطوان غانم في صحيفة «الجمهورية»، في كاريكاتير الغرض منه نفث السموم، وبث خطاب الكراهية والتحريض وإثارة النعرات، وإعادتنا إلى أيام تجاوزها الشعبان اللبناني الأصيل والفلسطيني.
هذا لا يعبر عن حقد فحسب، وإنما محاولة بائسة لإحياء الطائفية، بتشبيه الوجود الفلسطيني بالوباء، وتحميله مسؤولية الحرب الأهلية! كاريكاتير يحمل في ثناياه أيضا محاولة لتحريض العالم على التعامل مع الفلسطيني ومحاربته، كما يتعاملون ويحاربون فيروس كورونا.
ولا يتحمل غانم لوحده المسؤولية، فصحيفة «الجمهورية» نفسها هي المسؤولة الأولى بسماحها بنشر مثل هذا الكاريكاتير، الذي، بالتأكيد، يعكس ما هو كامن في لاوعي أصحاب الجريدة، ولا غرابة في ذلك، ألا تمثل هذه الصحيفة حزب القوات الذي يتزعمه سمير جعجع المتورط مع إيلي حبيقة في مجزرة صبرا وشاتيلا في بيروت.
اعتقدنا خطأ أن السجن ربما أعطاه المجال للتفكير وتطهير النفس. وهناك من يقول إن الجريدة ستعتذر عن هذا الرسم المسيء، ولكن الاعتذار غير كاف، ولا يعني شيئا طالما بقي هذا الرسام، ومن سمح له بالنشر في موقعيهما. ما فعلوه هو محاولة لإثارة الفتن وبث لخطاب الكراهية والتحريض على الوجود الفلسطيني في لبنان.

الاعتقاد السائد خطأ أن العنصرية مستشرية في كل مناحي الحياة في الدول الغربية، وأن العرب بعيدون عنها

ما قلته لا يعني على الإطلاق أن بريطانيا خالية من العنصرية، فهي بعيدة كل البعد عن هذه الحقيقة، فالعنصرية متأصلة ومتجذرة في بعض المؤسسات البريطانية، لاسيما السياسية والأمنية والشرطية، وهناك الكثير من الحالات التي تؤكد هذه العنصرية مثل تشبيه رئيس الوزراء البريطاني الحالي بوريس جونسون قبل انتخابه، مرتديات البرقع بـ»فتحة البريد»، الموجودة على أبواب البيوت والشقق. وهناك بالطبع منظمات يمينية عنصرية تريد الخلاص من الأجانب، بسبب فهم مغلوط أن هؤلاء الأجانب، يأتون إلى بريطانيا كعمالة رخيصة تسرق منهم الوظائف. باستطاعتي وبدون مبالغة، أن أجزم أنني وخلال وجودي في المستشفى لثمانية أيام متتالية، للعلاج من التهاب رئوي لم ألتق طبيبا إنكليزيا واحدا، وإن كان هناك وجود، لكنه ضعيف للممرضين والممرضات من أصل بريطاني. وهذا بالطبع ليس السبب الأساسي، بل لأن هناك احتراما لليمين الذي يقسمه الطبيب، واحترامه لهذه المهنة الإنسانية العظيمة. ولن أذهب بعيدا فبسبب فيروس كورونا ولظرفي الصحي، فإن تحركاتي مقصورة على حدود المنزل والحديقة. وعندما اضطررت لفحص دم، جاءتني ممرضة إنكليزية، إلى المنزل للقيام بهذه المهمة، ولم يردعها اسمي عن الحضور للقيام بواجبها الإنساني والمهني.
وجاء وباء كورونا، ربما ليظهر الوجه الحسن عند البريطانيين العاديين، الذين كانت نسبة كبيرة منهم تلقي اللائمة على الوافدين والعاملين الأجانب واللاجئين، عن كل مشاكل بريطانيا، ولم يكونوا يقدرون الخدمات الجليلة، التي تقدمها العمالة الوافدة على جميع المستويات، وبشكل خاص في مجالي الطب والتمريض، حقيقة لا ينكرها أحد أنه بدون الأطباء والممرضين والممرضات وعمال النظافة الأجانب، والعمل الجبار الذي قاموا به ولا يزالون، لبلغت أعداد الضحايا عشرات وربما مئات الآلاف.
وقد اضطر بوريس جونسون الذي أصيب بكورونا إلى الاعتراف بهذه الحقيقة على شاشات التلفزيون، بأنه لولا الممرضان الأجنبيان، أحدهما برتغالي والثانية نيوزيلاندية، اللذان لازما سريره خلال فترة علاجه من كورونا، لما نجا من هذا الوباء، وشكرهما بالاسم، كما شكر كل العاملين في المشافي، من عامل التنظيف إلى عمال المطابخ إلى الممرضين والممرضات، وحتى الأطباء الصغار منهم، والأخصائيين في جميع المجالات. ويخرج البريطانيون صغارا وكبارا، رجالا ونساء، من أيرلندا مرورا باسكتلندا إلى ويلز وحتى إنكلترا في تمام الساعة الثامنة من مساء كل يوم خميس للتصفيق المتواصل لدقيقتين كاملتين تعبيرا عن شكرهم وتقديرهم وامتنانهم للكادر الطبي. وإذا كانت هناك عنصرية خفية في بريطانيا، وبلدان أوروبية أخرى، فالعنصرية علنية في أوساط الجهات التي يفترض أن تكون متنورة أكثر من غيرها في بلاد العرب، وأقول متنورة لأن العنصرية جهل، عنصرية تمارس ليس ضد ذوي البشرة البيضاء، بل ضد الجنسيات الأخرى، وحتى العاملين العرب الذين شارك أسلافهم في عمليات بناء الدول الخليجية. ها هي حياة الفهد «الممثلة الكويتية الرائدة والمرموقة والمخضرمة» كما يفترض، تطالب بملء الفم بترحيل العمالة الأجنبية، للحد من تفشي فيروس كورونا، ولتخفيف الأعباء عن الكويت، بل تعبر عن استيائها لعدم طردهم. ووصلت بها القسوة والعنصرية أقصاها بالمطالبة بعدم علاجهم! والسؤال هل تستطيع الفهد نفسها العيش من دونهم، ولا اعتقد أن الكثير من الكويتيين يشاطرونها هذه الموقف. حياة الفهد، تزعم أن الأجانب يزيدون من الضغط والأعباء على الدولة. حياة الفهد تواصل القول: «لو كان الأمر بيدي، كنت رميتهم في الصحراء». وتبريرها الأقبح من الذنب، أن الأجانب يزيدون من الضغط والأعباء على الدولة. وتواصل التبرير المرفوض بالقول، إن الكويت بلد صغير لا يحتمل وجود 4 ملايين شخص فوق المواطنين البالغ عددهم مليونا. ولكن هؤلاء هم من يقومون بالأعمال التي لا يقوم بها الكويتيون فهم الممرضون والممرضات والأطباء، وهم السواقون وعمال المطاعم والبناء والصحة، وهم موظفو المكاتب، وهم عمال النظافة في الشوارع والمؤسسات والمستشفيات والوزارات، وحتى البيوت. وأنا على يقين أن حياة الفهد توظف أكثر من عامل وعاملة في منزلها.
ولم تتبلد المشاعر الإنسانية لدى حياة الفهد فحسب، بل حتى الأحاسيس القومية أيضا بقبولها لعب دور أم هارون اليهودية في المسلسل التطبيعي السعودي الإماراتي المشترك، الذي ستبثه في شهر رمضان، قناة «أم بي سي» التي يملكها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي يطمح في أن يكون بجرأة محمد بن زايد الحاكم الفعلي للإمارات في خطواته التطبيعية، وآخرها ارسال طائرة إماراتية إلى الرباط لنقل إسرائيليين وإماراتيين معا إلى بلديهما.
واختتم بالتمني أن يكون القضاء على العنصرية أحد التغييرات التي سيشهدها عالمنا الذي لن يعود إلى سابق عهده بعد زوال كورونا عن قريب، إن شاء الله، وبأقل الخسائر البشرية الممكنة.
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ابن كسيلة:

    أن يراجع نفسه الغرب هذا ممكن و متاح…..أما في ” خليجكم ” فهذا من المستحيلات السبعة….الى يوم القيامة…..

إشترك في قائمتنا البريدية