لم تكن فترة إجازتنا عن الكتابة الأسبوع الماضي من قبيل الترف للتفكير في موضوع مقال هذا الأسبوع… لم تكن من الترف في شيء متى استقر رأينا على أن نتصدى لمفهوم تصدر واجهة النقاش العام وضرب أرقاما قياسية في قوائم المصطلحات الأكثر تداولا… إنه النظام.
النظام إذن، هو الذي وجّهنا من جديد إلى سلسلة مقالات أحادية العناوين افتتحناها بـ»فساد». وكلمة نظام من أكثر الكلمات استئثارا بنصيب أسد الأفخاخ المعنوية الراهنة.
أول فكرة تغيب عن الذهن هي أنه ما من نظام إلا وله ناظم وبمقدار جودة الناظم أو رداءته تجد طريقا إلى فحص طبيعة النظام. فليس النظام، خلافا لمعتقد شائع، «كيانا مستقلا» يمثُل بين يديك كجهاز رفيع التصنيف مطروح للاستهلاك العام. وهذا لسبب بسيط، فالنظام ليس مجرد منتوج، إنه أيضا أداة في يد الناتج، وليس «تمظهره»، إذا أردنا استخدام هذه الكلمة التي صارت الآن تطلق للتداول بمناسبة وبغير مناسبة، سوى الوجه المكشوف لمركّب الناتج والمنتوج هذا ذي الطبيعة اللافتة. وإذا كان النظام منتوجا وأداة في يد مُنتج معا، فمعنى ذلك أن جذور الانتاج لا تقتلع مثلما تقتلع جذور النباتات.
سبق لنا أن تناولنا في مقال سابق موضوع الدولة العميقة وتجهيزاتها ودواليبها، فحاولنا آنذاك التطرق إلى خبايا هذا المفهوم، مبينين أن ما هو»عميق» ليس بالضرورة «سيئا» .
فشعب «يريد إسقاط النظام» لا يفهم العمل الثوري على أنه يتوخّى «إلغاء النظام»، فقد أثبتت التجربة أن الشعوب العربية التي عاشت ربيع ثوراتها، لم تسع إلى إحلال الفوضى محل النظام، كلاّ! فليس النظام بوصفه كيانا تدور في فلكه مختلف خدمات الشأن العام هو الذي وقفت له الشعوب العربية بالمرصاد، إنما هو كيان منخور البنيان، منهوك القوى، فاسد بامتياز، سعت عن جدارة واستحقاق إلى وضع العصي في دواليبه.
الشعب أعلن أنه يريد إسقاط النظام وبإعلانه هذا أعلن كذلك، ولكن بطريقة ضمنية، أنه لم يرد إسقاط النظام، متى فهمنا أن النظام كجهاز يتكفل بواجباته المستحقة على المواطنين ليس هو المستهدف هنا، وإنما العكس. وبهذه الطريقة، استمدت مطالبة الشعب بإسقاط النظام قوة أكبر من تلك التي سوف تواتيه لو طالب بـ»تغيير النظام»، وهو مضمون الرسالة الحقيقي.
إنّ النظام متكوّن من ناتج ومنتوج، قلنا. لكن طرفا ناقصا غالبا ما يسقط من المعادلة. إنه هوية الناتج. فالناتج، لوعرّفنا النظام بأنه متكون من ناتج ومنتوج، أكثر من واحد: لا يمكن حصر الناتج في جهاز النظام الصانع لنظامه بمفرده، فالناتج، بدوره، نتاج تعاون مشترك بين جهاز النظام والشعب، أو هكذا هو المفروض.
بإرادته إسقاط النظام، أراد الشعب إذن إسقاط من أسقط الطرف الناقص من المعادلة: الشعب أراد – بل لا يزال يريد – إسقاط من أسقط الحلقة المفقودة من النظام، تلك التي يفترض فيها الشراكة في صناعة القرار، أولا عن طريق ضمان انتخابات شفافة ونزيهة، ولكن أيضا عبر الوفاء بتعهدات برامج انتخابية، وهذا يعني، بالعربي الفصيح : «الشعب يريد إسقاط من يسقط الشعب».
«على أي حال، فقد تقوض العالم القديم المرذول وقامت ثورة حقيقية فتحقق حلم من أحلامك»… انظر إلى وجهه كيف يتجهم. وتتجمع فيه عاصفة مربدة. وها أنت تتجرع هزيمة في ميدان لم يعد يهمك في شيء. ألا يعلم بأني لم يعد يهمني شيء؟
٭ باحث أكاديمي وإعلامي فرنسي
بيار لوي ريمون
يا بيار لوي ريمون صحيح إنّك فرنسي، ولكنّك بسبب العربيّة والصينيّة أصبحت حالة عولميّة فريدة، فالبلاغة في لغات الاستقراء والاستنباط لا يوجد ما يوازيها في مفهوم الاسلوبيّة بالنسبة للغات التأويل مثل اللغات الأوربية واللاتينية على سبيل المثال لا الحصر، وأنا ضد كل شيء يمثله الجنرال نابليون بونابرت ومفاهيمه العلمانية والديمقراطية والليبراليّة في بناء نظام الدولة الحديثة في مفهومه “للحداثة” الذي اختصره تصريحه على اسوار عكا عندما أعطى وعده بقيام الكيان الصهيوني ولذلك أنا أكرّر يجب على مثقفينا، التمييز، والتفريق، ما بين شعب الله المُختار، وما بين شعب الرّب المُختار من قبل السّامريّ (الجيش والأجهزة الأمنية والقضائية)، في دولة الجنرال نابليون بونابرت الديمقراطية، حيث في لغة القرآن من أهم ما تتميز وتنفرد به عن بقية لغات العالم ومن ضمنها اللغة العربية، معنى ومبنى واصطلاح كلمة الله، فمن ضمن المعاني أنَّ الله هو ربُّ الأرباب وليس رب من الأرباب، ومن ضمن المعاني أنَّ الله خالق الملحد والكافر والمشرك والمؤمن.
فقد تبين لي أنَّ اشكالية النظام الديمقراطي هو أنّه يجعل كل الألوان رمادي بسبب بنائه الفلسفي والذي يعتمد على التشكيك في كل شيء، الطامة الكبرى في هذا الاسلوب، هو ثقافة الـ أنا لأنَّ في تلك الحالة، من يدخل مزاجه فيكون اساس لونه أبيض، ومن لا يدخل مزاجه، فيكون أساس لونه أسود، مع أنّه في الحالتين الأساس رمادي.
الامبراطور كورش، امبراطور الفرس الذي أنقذ اليهود من السبي البابلي لنبوخذ نصر، وأظن أن التنسيق الوحيد بين العرب والفرس ضد اليهود كان على أيام شاه ايران، والذي ادى إلى انتصارنا على دولة الكيان الصهيوني ومن وراءه الغرب الذي تمت مقاطعته من خلال استخدام البترول لأول مرة عام ١٩٧٣؛ ومن باريس عاد الخميني على طائرة فرنسية لقيادة الثورة على شاه ايران، كلمة الله تخص المسلمين، واليهود يستخدموا كلمة الرّب هذا إن أردنا الأمانة في الترجمة، فأحب توضيح أنّ لغتنا، تختلف عن بقية لغات العالم، ببساطة لأنّها تعترف باللهجات، كفرع ورافد رسمي لها، توضح مفهوم التعدّدية كأصل في ثقافتنا بشكل رائع، ودليلي على ذلك، تعدّد قراءات القرآن الكريم، بل أنَّ عبقرية علماء اللغة عندنا، أنّهم اخترعوا طريقة كتابة لقراءة جميع قراءات القرآن الكريم من نص واحد، كما تلاحظه في جميع نسخ القرآن الكريم المتوفرة لدينا وحسب علمي لا يوجد شيء مشابه في أي لغة أخرى.
هناك مثل شامي جميل، يُلخص حكمة رائعة للعرب، تقول “الصّيت للشِّوام والفعل للحلبيّة”، وعلى نسقه، أقول “الصيت للإنجليز والأمريكان والفعل للفرنسيين والروس″، فيما يتعلق بقضية فلسطين، قضية المسلمين الأولى، التي أقام نظام عصبة الأمم/الأمم المتحدة، بدلها الكيان الصهيوني.
العولمة بأدواتها، أعطت للغة مكانة لم تصلها سابقا، فأصبحت تضاهي قيمة النفط/البترول، كأحد مصادر الطاقة، في العصر المادي، والسبب في الحالتين هو الآلة. ولذلك في عصر العولمة، من يستطيع إيجاد اللغة، التي يمكن برمجتها، لإفهام الآلة، لغة الإنسان، سيكون له شأن كبير في المستقبل القريب، وهذا هو مجال تخصصي.
ما رأيكم دام فضلكم؟