هو الانهيار الثالث لسعر صرف الليرة اللبنانية في جيلنا، غير أنّه يختلف عن انهيارها «الأوّل» عام 1987، في أواخر سني الحرب، وعن انهيارها «الثاني» عام 1992، مع إقلاع «الجمهورية الثانية» في إثر الحرب، وأسر الوصاية السورية.
بشيء من المجازفة يمكن القول، إنّ الدولار كان يجتاحنا مع الإنهيارين السابقين، ويتغلغل إلى كل معاملة ومرفق. أما الانهيار الحالي فعنوانه الأبرز «هجرة الدولار» في ظلّ اقتصاد مدولر بشكل كليّ. اقتصاد مدولر بلا دولار: ليست هذه أحجية وإن بدت كذلك.
فمنذ «الإستقرار التثبيتي» لسعر الدولار في إثر انهيار 1992 ما عاد البلد يمتلك عملة وطنية بالمعنى الفعلي للكلمة.
صارت عملته أشبه ما يكون بـ»الدولار ترافلرز تشيك» (شيك المسافرين بالدولار) في مقابل الدولار النقدي. قيمتها المثبتة قابلة للتداول طالما تحوز على تغطية دولارية. ليس لها من قيمة أخرى إلا لماماً، في ظل اللاتوازن المريع في ميزان الصادرات والواردات، وتضخّم المديونية بمستوياتها كافة: مديونية الناس للمصارف، ومديونية الدولة للمصارف، ومديونية الدولة للناس بما أن المال الذي تديّنه المصارف للدولة هو من مالهم، والفوائد العالية على هذا الدين هو من كيس الدولة نفسها، أي من مال الناس أيضاً!
أنى لليرة أن تنتج قيمة خاصة بها؟ ارتبطت «ثابتيتها» بمنظومة إتساع المديونية، واستمرت كذلك ثلاثة عقود من الزمن. رغم التضخم المتراكم عبر السنوات، وبكلفة تدخل مركزي يرهق الخزينة للحفاظ على هذا التثبيت مع تتالي الأزمات والمحن.
لكنها ارتبطت أيضاً بالقدرة على تأمين معدّل نمو، نموّ لاقتصاد مشوّه، غير متوازن، فقاعيّ إلى حد بعيد، لكنه «نموّ» في آخر الحال. نموّ ظلّ مشروطاً بالمحافظة على تدفّق الدولار إلى السوق اللبنانية.
في المقابل، ما عُرِضَ من بدائل لهذا النموّ المشوّه، المرتبط بالنيوليبراليين، وفي طليعتهم الحريريين، بقي عالقاً في دوامة التوق إلى الإنتاجية، والتفلّت من المديونية، والتطهّر من الفساد، دون امتلاك الشروط للسير في ذلك، ما أدّى عند أكثر من منعطف للتسليم مجدّداً للحريرية، حين تتعطّل سبل النمو ويعمّ الركود على يد أخصامها.
كان هذا إلى أن دخل البلد، نتيجة كل الدوامات التي يرزح ضمنها الى فترة «صفر نمو مزمنة»، تقريباً من العام 2015.
«صفر نمو« من النوع الذي ما عادت تنفع فيه اللعبة القديمة، يوم كان للنيوليبراليين نموذجهم من «النمو الرثّ» يفاضلون به نموذج «الركود الفصيح» عند أخصامهم، الذين لا يمكن بأية حال أساساً تصنيفهم أخصاماً للنيوليبرالية، بل إفرازاً «مغناجاً» وفظّاً من إفرازاتها.
انكمش الاقتصاد تماماً. التزم المصرف المركزي تثبيت سعر العملة مهما كانت الكلفة. وآثر رغم تعطّل أسباب النمو «هندسات مالية» للحفاظ على أرباح المصارف والفوائد العالية للمودعين. بالتوازي، أخذ تدفق الدولار من الخارج يشحّ أكثر فأكثر، لجملة عناصر: من السياسة السعودية التي لم تعد مقتنعة بتمويل حصان ضد آخر في لبنان، وإنما بعزل لبنان اقتصادياً ومالياً وبترك سعد الحريري يغرق في إفلاس شركاته، إلى العقوبات الأمريكية على «حزب الله»، إلى تراجع التحويلات الواردة من اللبنانيين في الخارج، إلى التباطؤ في حركة الاقتصاد والتبادل التجاري العالميين، إلى تراجع المحفزات الاستثمارية اللبنانية نتيجة الأزمات المتلاحقة كما نتيجة تخلّف هذه المحفّزات مقارنة بالطفرة التجديدية على هذا الصعيد في بلدان أخرى. إلى الفشل في الحصول على قروض جديدة، وتحديداً تلك المشروطة بالمضي في «اصلاحات» محدّدة، يقتضيها مخطط «مشروع سيدر».
لو استطاع المصرف المركزي الآن لصادر الدولار تحت كل مخدّة. إنه «اشتراكي بالمقلوب»: الكارثة أنه يريد من الناس تسليمه الدولارات وحصر التعامل بالليرة من دون أي حد ناجع لعملية انهيار سعر الليرة في السوق
وكلما أخذت الدولارات الواردة تشحّ، صارت الدولارات الموجودة توّاقة إلى مغادرة البلاد تباعاً. من دون التغطية الدولارية يصير «شيك المسافرين» بلا رصيد، وتصير الليرة اللبنانية قابلة للمقارنة بورقة المونوبولي. لأجل هذا أيضاً، ومع تهاوي سعر الليرة في السوق، لم يُبدّل سعرها القانوني بعد، وما زال يستخدم في سياق تمويل شراء السلع الأساسية، من نفط وقمح وأدوية… أو لأداء الناس قروضها للمصارف التي تصادر ودائعها منذ سبعة أشهر. أدى ذلك مع الوقت إلى «تفريخ» أكثر من سعرين لليرة. سعرها الفعلي ضائع الآن، لا هو سعرها الرسمي، ولا هو سعرها الذي تحكمه سوق تداولية محدودة عند الصرّاف. «توحيد سعر الليرة» دونه اجتياز مرحلة عسيرة.
كان هذا قبل أن ندخل في «ثنائية» الأيّام الأخيرة. رئيس الحكومة حسّان دياب في مواجهة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
لم ينفك التوتّر بين دياب والكارتيل المصرفي يتصاعد منذ قرار الحكومة تعليق تسديد دفعات اليوروبوند (سندات خزينة بالعملة الأجنبية، هنا بالدولار) مطلع آذار الماضي. لكنه وصل الآن إلى الذروة: اتهام دياب سلامة جهاراً بـ»الغموض المريب». بالتآمر على سلامة النقد.
المفارقة أنّ ما يقوم به سلامة ليس غامضاً. بل هو وضوح لئيم، «سينيزم» كامل. الأولوية عنده لتجميع المصرف المركزي ما أمكن من دولار مهما كان الثمن. «مصادرة» الدولار القليل الذي يأتي، وتخفيض تسرّب الدولار من المصارف إلى الناس إلى أدنى حد ممكن. التعامي الكامل عن المنصوص عليه في قانون انشاء المصرف المركزي من «محافظة على سلامة النقد اللبناني والاستقرار الاقتصادي». ربّما، بحجة أن القانون نفسه ينصّ على «سلامة أوضاع النظام المصرفي»، وهذه عند سلامة الأولوية الحصرية الآن.
لفهم سلامة ينبغي فهم النيوليبرالية. لا تقول أبداً بالإقلاع عن تدخل الدولة، إنما بإعفاء هذا التدخّل من موجباته الإجتماعية. تحتاج على العكس تماماً إلى التدخل، ولو بدعوى الحفاظ على حركة الإنتظام الذاتي للأسواق. يقع أخصام النيوليبرالية في مصيدتها الأيديولوجية حين يصدّقون أنها لا تريد تدخّل الدولة. هي تريده لصالح الرأسمال المالي فقط.
شدّد آباء النيوليبرالية، هايك وفريدمان، أنه على الدولة إنجاد المصارف عند الأزمات، الى حين عودة السوق إلى «طبيعته» المفترضة بعدها. هذا ما يفهمه ويفعله سلامة.
لم يطبّق معتنقو النيوليبرالية لبنانياً واحدة من أصولها: «المصارف لا تقرض إلا الأغنياء». لكن حين وقعت الواقعة جرى احياء «المبدأ» محوّراً: «المصارف لا تتعرف على ودائع غير الأغنياء». فضّلت التعامل مع المودعين العاديين كـ«متطفّلين» عليها، الأجدى بهم نسيان ودائعهم الى أمد غير منظور، وينبغي الإحتماء منهم بالبوليس.
تاريخياً، انقسمت النيوليبرالية حول دور المصارف المركزية، ولم تجمع على تشديد ميلتون فريدمان على دورها التدخلي لتخفيض التضخم. فشيخ «اقتصاديي شيكاغو« أرجع التضخّم كلّه لتضخم الكتلة النقدية، وبالتالي على المصرف المركزي «شفطه».
سلامة فريدماني ذهب بعيداً: من استقلالية المصرف المركزي، الذي ينص قانون انشائه في لبنان على أنه «تاجر في علاقته مع الغير»، يتمتع بالاستقلال المالي ولا يخضع لـ»قواعد الادارة وتسيير الأعمال والرقابات التي تخضع لها مؤسسات القطاع العام»، أقام رأسمالية دولة «أنتي اجتماعية» تحت إمرة مصرف لبنان. وبما أنّ الرجل في المنصب ـ المقيّد مثله مثل قيادة الجيش للموارنة ـ منذ 1993، فقد اتخذ الموضوع طابعاً «إرثياً». أطول مدة لا يزال يشغلها حاكم مصرف مركزي في العالم، أو في التاريخ. يعزّز ذلك ما في قانون انشاء المصرف (قانون النقد والتسليف) 1963 من تمتيع له «بأوسع الصلاحيات»، وبجعل استقالته اختيارية أساساً، الا في حال ثبوت «الخطأ الفادح».
يطبّق سلامة فريدمان الآن (من ناحية العمل على شفط المصرف المركزي للكتلة الدولارية) ويخالفه (من ناحية اسهام ذلك في تضخّم فائق وليس تخفيض التضخّم).
على نيوليبراليته، يبدو سلامة أشبه ما يكون بقوميسار سوفياتي في فترة التجميع الزراعي، يفتش أكوام التبن عند فلاحي أوكرانيا لمصادرة حبوب القمح. لو استطاع المصرف المركزي الآن لصادر الدولار تحت كل مخدّة. انه «اشتراكي بالمقلوب»: الكارثة أنه يريد من الناس تسليمه الدولارات وحصر التعامل بالليرة من دون أي حد ناجع لعملية انهيار سعر الليرة في السوق. أما رئيس الحكومة، وحسناً فعلاً بالتهديف على سلامة لكل ما أنف ذكره، فهو يعيش حالة انكار لألفباء الوضع الحالي: اقتصاد مدولر شحّ فيه الدولار ولن تعيده كل عمليات «التدقيق» لوحدها.
كاتب لبناني
يجب مواجهة واقع، أننا في حاجة إلى، إقتصاد جديد، في الانتباه إلى أن المشكلة ليست الأخلاق، من خلال مفهوم ضرورة نسيان، كل من حولك، (التّصوّف)، ولكن المشكلة، كيف تفهم الحياة، بالتعايش مع من حولك،
هو أول تعليق لي، على ما ورد تحت عنوان (سلامة ودياب وقصّة اقتصاد مدولر بلا دولار) والأهم هو لماذا؟!
أولاً يا د وسام سعادة، كورونا، وحدّت أسس الأزمة الإقتصادية، في كل دول العالم،
https://youtu.be/CPdMOaD8a9s
ثانياً لاحظت الإشكالية، في تسويق منتجات جماعة التبليغ، أو الكاثوليك الإيمانية، في موضوع الحوار، ما بين أهل الإيمان مع أهل الشَّك، هو عقلية من يضحك على من، أو عقلية من هو أخبث مِن مَن،
ولذلك، لا يمكن الوصول إلى التعايش، بدون الإعتراف بوجود الآخر، أولاً، وليس الموضوع نقل وتلبيس ما بين فلان وعلان،
وبالنتيجة الحصول على مشارك أو دافع لتمويل، العمل الخيري، بالجهد أو المال لنشر الدعوة،
ولا شيء يوضح ذلك، أكثر من لغة القرآن وبلاغة معنى معاني سورة الكافرون.
وهذا ما لاحظت يجهله الكثير،
فلذلك عند طلب (د ابراهيم تشاو) السفير السابق، لتايوان في السعودية، مني، تمثيل مسلمي تايوان في حوار الأديان عام 2019،
أحسست بالرعب، وليس بالخوف فقط،
خصوصاً وأن لدي مشاكل مع زوجتي وأولادي، في تسويق الإيمان عليهم بنجاح،
فلذلك أخترت مدخل لغة الحوار، يكون من خلال مفهوم الأسرة الإنسانية ما بين الفلسفة وما بين الحكمة، والاصرار على أن تكون معي زوجتي، عند الحوار والمحاضرات في المؤتمر.
لأن كلمة God ليس لها أي علاقة بمعنى God of Gods، في شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمداً رسول الله،
وبدون الإعتراف بمفهوم الموت، لن يمكن فهم معنى الحياة في لغة القرآن،
ثم ليس هناك علاقة بين أداء وظيفة أي رب أو إله، مع أي شيء له علاقة بالحب، ومن يقول ذلك جاهل، بمعنى الأسرة الإنسانية،
داخل الأسرة أو الشركة أو الدولة أنت بحاجة للحب، مع الآخر المختلف، قبل الشبيه،
سوق العولمة، من أجل تسويق منتجات الأنا ومنتجات الآخر، المنافسة في السوق شيء مختلف تماماً عن الصراع أو الحروب، خارج الأسواق، التي يجهل ذلك من ليس له علاقة بالسوق والتسويق داخله.
لأن التسويق داخل السوق، يعتمد على المصداقية وعدم الغش، لتضمن عودة الزبون ومن حوله، مرة ثانية للشراء من محلّك، وليس محل منافسك، في تسويق نفس السلعة، قبل أو أثناء أو بعد أزمة كورونا، في لبنان أو الكيان الصهيوني، أو الأردن والعراق بل وحتى إيران، وقبل ذلك سوريا ومصر واليمن.??
??????