أكذوبة «العمل» الإسرائيلي

حجم الخط
1

■ كثير هم المخدوعون باعتدال حزب العمل الاسرائيلي ومرونته ازاء القضية الفلسطينية وقبوله بحل الدولتين، إسرائيلية وفلسطينية. فهو يحرص دوما على الإعلان عن هذا الموقف في كل ادبياته وتصريحات مسؤوليه.
بيد ان هذا الحزب يفعل عكس ما يقول عند المحك، وتجلى ذلك في موقفه من مشروع قرار الاعتراف بدولة فلسطين، الذي ناقشه مجلس العموم البريطاني في 13 تشرين الاول/اكتوبر الجاري. وفضح هذا الموقف حقيقة الزيف الذي يخفي وراءه مواقفه الحقيقية. ورغم كل التبريرات التي ساقها ليبرر اعتراضه، بل حملته الحثيثة لوأد المشروع في مهده، من خلال إقناع الآخرين بصواب موقفه. ولم يقنع الا نفسه.
وقاد حزب العمل بزعامة اسحق هيرتسوغ المعتدل/ اليساري جنبا الى جنب مع وزير الخارجية اليميني المتطرف افيغدور ليبرمان زعيم حزب إسرائيل بيتنا العنصري، مستغلا علاقات الحزب التاريخية مع اليسار في بريطانيا، لا سيما في حزب العمال، الحملة الاسرائيلية ضد مشروع الاعتراف بدولة فلسطين، الذي ناقشه مجلس العموم البريطاني في جلسة خاصة حضرها 300 نائب، اي اقل من نصف البرلمان (650 نائبا) بخمسة وعشرين فقط. واقرت الغالبية العظمى (274 ضد 12 وامتناع 14) هذا القرار واعتبر فلسطينيا إنجازا، وان كان رمزيا ولا يلزم حكومة حزب المحافظين بالعمل به، كما اكد المتحدث باسم رئيس الوزراء ديفيد كاميرون.
ولم تكن تبريرات موقفه المعارض لمشروع القرار، تختلف بالمطلق عن تبريرات ليبرمان وجوقته، بل تبنى فِيْهِ موقف حكومة بنيامين نتنياهو، وهو ان الاعتراف بدولة فلسطين لا بد ان يتأتى عبر طاولة المفاوضات. ويعرف حزب العمال اكثر من غيره ان المفاوضات بشكلها التقليدي لم ولن تأتي أكلها.
يقول هيليك بار السكرتير العام لحزب العمل في مقال نشرته صحيفة «يديعوت احرونوت» يوم الاثنين الماضي، مهاجما من انتقدوا موقف الحزب من مسألة مشروع الاعتراف البريطاني، من امثال زهافا غالوون زعيمة حزب «ميريتس اليساري» وافرام بورغ (احد اقطاب وثيقة جنيف ًًورئيس الكنيست سابقا ورئيس الوكالة اليهودية)، ان تصويت مجلس العموم البريطاني سيعيق عملية السلام الاسرائيلية الفلسطينية، ومن يقول غير ذلك انما يضيعون اوقاتهم.
ويضيف بار إن الكثير من الزملاء في اليسار «سألوني عن أسباب اتصالي باصدقاء من نواب حزب العمال البريطاني، الذي كان يقف وراء هذا التصويت، لحثهم على عدم المشاركة في الجلسة او ان حضروا الا يصوتوا لصالح هذا القرار. وتبريره او رده هو ان من يعتقد بان على السياسيين والمواطنين البريطانيين الذين يريدون ان يروا دولة فلسطينية تعيش جنبا الى جنب مع اسرائيل، ان يدركوا حقيقة ان الاعتراف بفلسطين من قبل طرف ثالث، يتأتى بنتائج عكسية.
ويرى بار ان الطريق الأسلم الى تحقيق الدولة الفلسطينية هو بمضاعفة الضغوط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حتى يرضخ ويقبل بإقامة دولة فلسطينية.. لكن ما لم يقله بار ان نتنياهو يرفض قيام دولة فلسطين من حيث المبدأ، رغم إعلاناته الخجولة بين الحين والآخر عن قبول حل الدولتين.
ولم يتطرق بار في مقاله الى حقيقة ان الاعتراف الدولي المقرون بحملات المقاطعة التي يعارضها، بار وحزب العمل بالطبع، سيزيد من الضغوط على اسرائيل، حكومة وشعبا، كي يدركوا انهم ليسوا فوق القانون، ويعرفون ايضا انه وكما وجدت اسرائيل بقرار دولي فان دولة فلسطين لا بد ان تأتي بقرار دولي، ولن يتحقق ذلك الا بحشد كل القوى وشعوب العالم، وإحداث تغيير حقيقي في اوساط البريطانيين والسويديين والفرنسيين والإسبان وغيرهم. عندئذ سيشعر الإسرائيليون بالعزلة وسيجدون أنفسهم امام خيارين لا ثالث لهما، إما الاعتراف بدولة كاملة السيادة للشعب الفلسطيني في حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، قادرة على العيش والحياة والعمل من اجل تحقيقها، او ان يعيش عزلة جنوب افريقيا العنصرية.. ولن يكون ذلك بعيدا امام هذا التطرف والعنصرية المتزايدة التي يشهدها المجتمع الاسرائيلي والتحول غير المشهود في الرأي العام العالمي.
مشكلة بار ومن ورائه حزب العمل اعتقاده بان الدولة الفلسطينية لن تقام الا بوجوده في السلطة، وهذا يحتاج الى تغير 180 درجة في المجتمع الاسرائيلي، وهذا ليس متوقعا على المدى البعيد جدا، خاصة ان آخر استطلاعات للرأي في اسرائيل تفيد بان 74٪ من الاسرائيليين يعارضون قيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967. وترتفع هذه النسبة الى 76٪ اذا كانت القدس الشرقية ستكون عاصمة لها.
ان حزب العمل لم يتسلم الحكم منذ اكثر من 13 عاما اي منذ انتخابات 2001 التي فاز بها ارييل شارون.. وإذ كان ينصح الفلسطينيين بانتظار فوزه حتى يحصلوا على دولتهم، وكما يقول المثل»عيش يا قديش»، يعني اذا اخذنا برأي «العمل» وانتظرنا التغيير المأمول تكون الضفة الغربية قد أكلت بالكامل والقدس هودت عن بكرة ابيها.
وحتى الدولة الفلسطينية التي يتحدث عنها حزب العمل لا تعرف حدودها، اذ انه لم يعلن حتى اليوم صراحة اذا كان يؤيد قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران/ يونيو ام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.. وكل ما صدر عنه من تصريحات عائمة تتحدث فقط عن تأييد لحل الدولتين.
ونعود الى طاولة المفاوضات التي يطالب بار ومن ورائه حزب العمل بالعودة اليها لتأمين ميلاد الدولة العتيدة..
لقد جرب الفلسطينيون كل السبل، ومنها لعبة الأحزاب وكان بإمكان حزب العمل الذي وقعت معه منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق اوسلو المشؤوم عام 1993. ان ينهي امر الدولة الفلسطينية وبموجب نصوص الاتفاق مع نهاية المرحلة الانتقالية عام 1999، وكان في حينها في الحكومة، لكنه اختار الخيار الأسهل وهو الا يفعل شيئا، ليدخل في حلقة جديدة من حلقات المفاوضات، واختار بقيادة إيهود باراك، بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد عام 2000، استفزاز الشعب الفلسطيني بالسماح لزعيم اليمين وصاحب اكبر سجل مجازر ضد الفلسطينيين، بزيارة المسجد الأقصى تحت حراسة غير مسبوقة، لتكون فاتحة الاعتداءات والاقتحامات للحرم القدسي التي نشهدها اليوم.
ولن ادخل في سجل تاريخ المفاوضات الطويل جداً، الذي امتد لحوالي 23 عاما اذا اخذنا مؤتمر مدريد عام 1991 بعين الاعتبار، وأكثر من 21 عاما منذ اوسلو، ولكن سأذكر فقط مفاوضات التسعة اشهر التي اخذها على عاتقه وزير الخارجية الامريكي جون كيري التي فشلت بامتياز في زحزحة نتنياهو وحكومته عن موقفهما وقناعتهما. وكانت النتيجة مزيدا من التعنت والاستيطان (تضاعف عدد المستوطنين منذ اتفاق اوسلو ليصل الى حوالي نصف مليون) ومزيدا من التغول والتطرف الى حد تساؤل احد المسؤولين عما اذا كان من الممكن تنفيذ حرب إبادة ضد الفلسطينيين، ومطالبة نائبة من حزب البيت اليهودي بقتل كل الفلسطينيين، خاصة الأمهات الحوامل اللاتي لا يلدن الا أفاعي.
وللتذكير فقط:
– حزب العمل هو اول من أقام مستوطنة في الضفة الغربية وكانت في سبتمبر 1967 باسم كفار عتصيون جنوب بيت لحم.
– وهو صاحب مشروع الحكم الذاتي على الناس وليس الارض عام 1973 الذي نفذ في اتفاق اوسلو ولا يزال قائما.
– وهو من بدأ عملية تهويد في القدس، ومن هدم حي المغاربة في البلدة القديمة ليحيي ما يسمى بحائط المبكى.
– هو من يدافع عن حق اليهود بالعيش بدون غرباء، عندما يتعلق الامر بعرب الداخل، بينما لا يمانع في استيطان اليهود في الأحياء العربية في القدس المحتلة طبعا وإقامة المستوطنات. بمعنى ان العربي الذي يحمل الجنسية الاسرائيلية لا يحق له العيش في الكيبوتسات وهي القرى الزراعية. وهو النفاق بعينه كما تقول «يديعوت احرونوت» في مقال رأي قبل أسبوعين تقريبا.
– حزب العمل وزعيمه اسحق رابين هو صاحب سياسة «تكسير العظام» ضد أطفال الحجارة خلال الانتفاضة الاولى عام 1987.
– وهو صاحب مقولة ليست هـــناك مواعــــيد مقدسة للتهرب من استحقاقات حتى اتفاق اوسلو المشؤوم.
– وهو من سمح لشارون بزيـــارة الحـــرم القـــدسي الشريف عام 2000 التي أشعلت انتفاضة الأقصى وأســـفرت عن استشهاد حوالي 4 آلاف فلسطيني.
– هو من وقف مع حرب اليمين والمستوطنين على غزة ومقتل حوالي 2200 فلسطيني جلهم من الأطفال.
– وأخيرا وليس آخراً حزب العمل هو من يتصدر الحملة الاسرائيلية للتصدي لصحوة شعوب العالم، لا سيما الأوروبية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على ارضه.

٭ كاتب فلسطيني

علي الصالح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ابو سالم:

    لا يهم ان كان حزب العمل ام الليكود ،كلهم سواسية في العنصرية والقتل والاحتلال،المهم هو العمل العربي المشترك لتحجيم اسراءيل والمستعمرات ،العرب لم يعملوا شيءآ إيجابيا للقضية على مر السنين، لا بل والإنكا من ذالك ان معظمهم أصبحوا حلفاء لاسراءيل في العلن،ولذالك وجد التطرّف كما يقولون ،ونرى داعش وغيرها والإقبال عليهم من قبل الشباب مذهل وهذا من الاحباط من سياسات الحكام العرب والخذلان ،والقادم أفظع ،

إشترك في قائمتنا البريدية