تركز الإمارات على دعم الانتقالي وتأمين مصالحها الاقتصادية
ينظر للصراع الداخلي، أو الحرب الأهلية في اليمن، على أنها حرب بالوكالة بين السعودية وإيران منذ سيطرة جماعة أنصار الله “الحوثي” على العاصمة صنعاء في أيلول/سبتمبر 2014 والإطاحة بحكومة عبد ربه منصور هادي وطردها من صنعاء.
وخلافا للموقف السعودي، تنظر دولة الإمارات للصراع في اليمن على أنه صراع ثلاثي بين جماعة الحوثي وقوى علمانية يمثلها المجلس الانتقالي الجنوبي وقوى إسلامية مسلحة ممثلة لحركات الإسلام السياسي “التجمع اليمني للإصلاح” التي تقود الإمارات الحرب عليها في اليمن وليبيا ومصر ودول أخرى.
لكن التحالف العربي بقيادة السعودية وشراكة دولة الإمارات وعشر دول أخرى، لم يتشكل إلا بعد مرور نصف عام على سيطرة جماعة الحوثي على صنعاء مع حزمة من الآمال بثها ولي العهد السعودي بإنهاء الحرب وحسمها عسكريا في غضون أسابيع، ثم في غضون أشهر لكنها لم تحسم حتى بعد دخولها عامها السادس.
ولا تزال الحرب في حالة جمود “عسكري” منذ أكثر من عامين على الرغم من تسببها بأسوأ أزمة إنسانية ومقتل نحو مئة ألف يمني، بينما تتسع مساحة سيطرة جماعة الحوثي باستعادته الكثير من المناطق التي سبق أن خسرها بين عامي 2015 و2018 مع سيطرته على معظم المدن الكبرى ذات الكثافة السكانية العالية.
الدور الأهم في التحالف العربي لدعم شرعية حكومة عبد ربه منصور هادي، هو للقوات الإماراتية والقوات المحلية الحليفة لها بعد الدور السعودي الداعم للحكومة الشرعية.
لكن الإمارات والقوات الحليفة لها ومنذ منتصف عام 2019 دخلت في حروب داخلية عبثية بعيدا عن أهداف التحالف العربي في طرد جماعة الحوثي من العاصمة وهزيمتهم عسكريا مكتفية بدعم قوات المجلس الانتقالي الجنوبي “الانفصالية” التي فرضت سيطرتها بالكامل على العاصمة “المؤقتة” عدن في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 ما دعا السعودية للضغط على طرفي الصراع المحلي، الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي، لتوقيع اتفاقية الرياض في كانون الثاني/يناير الماضي، والتي لم تصمد طويلا بعد خرقها من قبل قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في اذار/مارس الماضي، وأخيرا إعلان سلطة الإدارة الذاتية في 25 نيسان/أبريل، في مدينة عدن ومحافظات جنوبية أخرى بعد “كارثة” سيول عدن الأخيرة واتهام حكومة هادي بالعجز والفشل في مواجهتها.
تركز الإمارات في سياساتها العسكرية في اليمن على ثنائية دعم المجلس الانتقالي الجنوبي لمواجهة التجمع اليمني للإصلاح “إخوان مسلمين” الذي يشكل العمود الفقري للحكومة الشرعية من ناحية، ومن ناحية أخرى تعزيز نفوذها في الحفاظ على مصالحها الاقتصادية في الموانئ الرئيسية والمحافظات الجنوبية، الساحلية منها ومحافظة سقطرى، أو جزيرة سقطرى، ذات الأهمية الاستراتيجية في جوانب شتى تتعلق بموقعها الجغرافي وطموح الإمارات في التمدد في البحر الأحمر والقرن الافريقي ومضيق باب المندب.
ويعتقد على نطاق واسع، أن دولة الإمارات تتبنى سياسة معلنة تقف فيها إلى جانب السعودية واستراتيجياتها في اليمن، وسياسة أخرى داعمة بشكل “خفي” للقوات الحليفة لها في المجلس الانتقالي الجنوبي وتوجهاته في انفصال المحافظات الجنوبية والعودة إلى ما قبل الوحدة بين شطري اليمن.
كما أن للإمارات مصالح في جنوب اليمن متعلقة بأمن مضيق باب المندب الحيوي لتجارتها مع الولايات المتحدة وأوروبا، وحماية مرور الطاقة عبر البحر الأحمر.
انقلاب جديد
تزامن إعلان الإدارة الذاتية، مع خطوات عسكرية اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا بمحاولة السيطرة على البنك المركزي في عدن ومؤسسات الحكومة الشرعية والوزارات، لكن السعودية بادرت على الفور برفض إعلان الإدارة الذاتية وتحريك قوات سعودية وأخرى تابعة للحكومة الشرعية لحماية البنك المركزي والمؤسسات الأخرى حالت دون سيطرة قوات المجلس عليها.
وجُوبِه إعلان الإدارة الذاتية برفض إدارات المحافظات الجنوبية، حضرموت وأبين وشبوة والمهرة وسقطرى، مع إعلان واضح وصريح بدعم سياسات الحكومة الشرعية وقيادة التحالف العربي.
ومن دون أن تعلن ذلك صراحة، رأت الحكومة السعودية التي بادرت فورا لإدانة إعلان الإدارة الذاتية بأن هذه الخطوة هي “انقلاب” جديد على الحكومة الشرعية ضمن سلسلة من الانقلابات التي نفذها المجلس الانتقالي الجنوبي طيلة سنوات بدعم إماراتي “خفي” للسيطرة على المحافظات الجنوبية وتقويض شرعية حكومة عبد ربه منصور هادي التي تنظر إليها دولة الإمارات على أنها حكومة خاضعة في قراراتها لهيمنة حركات الإسلام السياسي، أي التجمع اليمني للإصلاح.
وطالبت الحكومتان السعودية والإماراتية في تصريحات مشتركة، قيادة المجلس الانتقالي بسحب إعلان الإدارة الذاتية والعودة إلى اتفاق الرياض الذي كان يقضي باقتسام السلطة بين المجلس والحكومة الشرعية، بمشاركة قوى يمنية أخرى مؤثرة في الواقع السياسي والعسكري.
تتحدث تقارير إعلامية عن أن إعلان الإدارة الذاتية من قبل رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، كان من محل إقامته في دولة الإمارات التي انسحبت “جزئيا” من اليمن في منتصف عام 2019 مع استمرار دعم المجلس الانتقالي الذي يخضع بالكامل لنفوذ دولة الإمارات.
ومن غير المرجح أن تتكلل مساعي دولة الإمارات بالنجاح في فرض الإدارة الذاتية كأمر واقع من دون أن تتلقى دعما خارجيا من الولايات المتحدة، وفي الوقت ذاته فإن الإمارات “قد” لا تمارس أي ضغط على قيادة المجلس للتراجع عن قراره بإعلان الإدارة الذاتية والعودة إلى اتفاق الرياض.
تنذر الأحداث الأخيرة بمستقبل غامض لليمن بعد خمس سنوات من الحرب الأهلية قد تؤدي إلى تقسيمه خلافا للاستراتيجيات السعودية التي تنطلق من مصالحها في وحدة اليمن وهزيمة جماعة الحوثي عسكريا، لمنع التهديدات المحتملة على مدنها الحدودية مع اليمن، والتهديدات الأخرى المتعلقة بقدرات جماعة الحوثي على استهداف البنية التحتية للطاقة في العمق السعودي مع أي زيادة في حدة التوترات السعودية أو الأمريكية مع إيران في المنطقة.
ومن غير المتوقع أن تدخل القوات السعودية في مواجهات مباشرة مع قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، أو إلى جانب أي طرف من طرفي الصراع داخل الجبهة المناهضة لجماعة الحوثي.