ماذ تبقى لميسي ورونالدو من أرقام قياسية لتخطي عظماء وملوك كرة القدم؟

عادل منصور
حجم الخط
0

لندن – “القدس العربي”:ما زلنا نعيش كابوس الألفية الجديدة، بقفزات مرعبة في أعداد المصابين بالعدو الخفي كوفيد-19 في جُل بلدان العالم، بما في ذلك الدول الأوروبية التي خففت القيود عن مواطنيها، ليتخطى إجمالي الإصابات 3 مليون حالة وأكثر من ربع مليون ضحية، ومع استمرار الوضع كما هو عليه لعدة شهور قادمة، أو بالأحرى إلى أن يصبح هذا الجيل من الفيروس من الماضي، سيبقى حال كرة القدم كما هو عليه، منذ توقف النشاط الكروي، كوسيلة ترفيهية على الهامش إلى أن تنتهي محنة البشرية كما قالها المدرب الألماني يورغن كلوب، وهو بالكاد أتعس مدرب في العالم والأكثر تضررا، بعدما كان قاب قوسين أو أدنى من إنهاء عقدة ليفربول الأزلية مع البريميرليغ.

 

ولا يُخفى على أحد، أنه في أفضل الأحوال، إن عادت كرة القدم في المستقبل القريب، ستكون عبر الشاشات، وأيضا في العالم الافتراضي وبشكل مجاني عبر “يوتيوب”، كهدية للمشجعين، الذين سيحرمون من المدرجات لفترة طويلة، قد تكون الأطول في كل العصور، وهذا في حد ذاته، ليس بالأمر السهل بالنسبة للاعب شاب معتاد منذ طفولته على اللعب أمام ولو المئات، فما بالك بالنجوم الكبار، الذين يستمدون طاقتهم من صيحات ودعم المؤيدين، وقد يكون الغياب الجماهيري عن الملاعب في المرحلة المقبلة، منعرج طريق في مسيرتهم، إما بالمضي قدما بنفس زخم وقوة ما قبل كورونا، وإما أن يضع الوباء حدا لنجاحاتهم، بمقولة وليام شكسبير الشهيرة “أكون أو لا أكون”، ويأتي في مقدمة هؤلاء الثنائي الفضائي كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي، بعد هيمنتهما على جوائز اللعبة على مدار أكثر من عقد، باستثناء ما فعله لوكا مودريتش العام قبل الماضي، وهو ما لم يسجله التاريخ من قبل، أن يبقى لاعبان في القمة بشكل منفرد وأعلى مستوى تنافسي طيلة هذه السنوات. حتى مع دخول الدون عامه الـ35 والبرغوث الـ33، لا يزال كل منهما ينثر إبداعه بطريقته الخاصة، تماشيا مع الزمن بعد التقدم في العمر، بتحول كريستيانو لأداة قتل بالنسبة لخصوم يوفنتوس ومنتخب البرتغال. صحيح أن نسبة أهدافه أقل مما كانت في حقبة ريال مدريد، لكنه لم يفقد تأثيره، كلاعب يعول عليه المدرب والجمهور لإنقاذ الفريق بلمسة خارقة للطبيعة، كما رسم لوحته الإبداعية في سامبدوريا، بقفزة سينمائية جعلته يقف لحظات في الهواء وهو على بعد 2.5 متر عن الأرض، ليضرب الكرة برأسه في المكان المستحيل للحارس المسكين إيميل أوديرو، ونفس الأمر بالنسبة لهداف الليغا وبرشلونة التاريخي ميسي، هو الآخر، ربما تكون معدلاته البدنية قد انخفضت، لكنه يبدع في احترام سنه وتأثره بالإصابات التي تناوبت عليه في الفترة الماضية، بتوفير مجهوده وطاقته في آخر 25 متراً في الملعب، بلمساته العبقرية وقراراته الجريئة، ومؤخرا أضاف لأسلحته الفتاكة، خاصية جديدة بالتعامل مع الكرات الحرة الثابتة على أنها ركلات جزاء، وهذا ما أبقى الصراع بينهما حتى بداية العام، أو بالأحرى الى ما قبل توقف النشاط منتصف مارس/ آذار الماضي، لخروج كورونا عن السيطرة في أوروبا.

 

أرقام قياسية لن تتحطم

بلغة الأرقام والإحصائيات، فيبدو واضحا أن كلا اللاعبين حققا من النجاح والشهرة والإنجازات، ما لم يحققه كل من احترف كرة القدم، منذ أن وضع الإنكليز قواعدها في النصف الثاني من القرن قبل الماضي. فبعيدا عن احتكار الاثنين لجائزتي “الأفضل” من قبل الفيفا و”الكرة الذهبية” لمجلة “فرانس فوتبول”، بواقع ست مرات لميسي وخمسة لرونالدو، هناك أرقام قياسية في سجل الاثنين، ستبقى صامدة إلى عقود وربما إلى قرون، إلى أن يثبت العكس، وتأتي الساحرة المستديرة بمن هو قادر على تحطيم مجموعة صغيرة من أرقامهما القياسية، منها على سبيل المثال لا الحصر، استنساخ ما فعله صاروخ ماديرا مع النادي الملكي في بطولته المفضلة دوري أبطال أوروبا، بقيادته للاحتفاظ باللقب 3 مرات متتالية كما فعل أياكس وبايرن ميونيخ في سبعينات القرن الماضي، من أصل 4 ألقاب في آخر 5 مواسم له بالقميص الأبيض الميرينغي، لكن الشيء غير العادي، أنه حافظ على سجله التهديفي بهز شباك المنافسين 10 مرات أو أكثر في سبعة مواسم على التوالي بداية من موسم 2011-2012 وحتى 2017-2018. وعلى سيرة الأهداف، يبقى كريستيانو اللاعب الوحيد، الذي كسر حاجز الـ50 هدفا في ستة مواسم على التوالي خلال العقد المنقضي، وفعلها بين موسمي 2010-2011 وحتى 2015-2016، وهو أمر لم يفعله حتى منافسه اللدود ميسي. ولا تنسى عزيزي القارئ أننا نتحدث عن ملك الكأس ذات الأذنين وهدافها التاريخي برصيد 128 هدفا و5 ألقاب (4 مع ريال مدريد ولقب مع مانشستر يونايتد)، وأيضا عن أول لاعب في التاريخ يتوج بلقب الدوري في إنكلترا وإسبانيا وإيطاليا، وقد بدأها مع مانشستر يونايتد في موسم 2006-2007، ثم فاز بلقبين آخرين، قبل أن يشد الرحال إلى العاصمة الإسبانية، وينهي هيمنة برشلونة، في موسم جوزيه مورينيو الثاني في “سانتياغو بيرنابيو” 2011-2012، وأضاف الثاني مع زين الدين زيدان في موسم 2016-2017، والأخير كان الكالتشيو في موسمه الأول مع يوفنتوس، وكان في طريقه نحو الثاني، لولا الجائحة. ومن أرقامه الخارقة الأخرى، التي ستحتاج الأجيال القادمة إلى معجزة لمعادلتها أو كسرها، حفاظه على سجله المذهل، بتسجيل 60 هدفا أو أكثر في 4 سنوات ميلادية على التوالي مع ريال مدريد ومنتخب بلاده بين عامي 2011 و2014، وهو ما لم يفعله ليو سوى مرتين فقط على التوالي طوال مسيرته.

وبالنسبة لميسي، فحدث ولا حرج عن أرقامه التي سيصعب تحطيمها في المستقبل البعيد جدا، حتى لو قرر إنهاء مسيرته الموسم المقبل، يكفي ما فعله في الفترة بين عامي 2009 و2012، بالاستحواذ على الكرة الذهبية، قبل “ريمونتادا” رونالدو عامي 2013 و2014 ثم 2016 و2017، بجانب معجزة 2012، التي سيتذكرها مشجعو البارسا إلى الأبد، بتحقيق ما هو مستحيل بالمعنى الحرفي، بتسجيل 91 هدفا على مدار السنة التقويمية، التي ختمها كريستيانو بـ71 هدفا، وفي موسم 2012-2013، نسف الاعتقاد السائد بأن رقم جيرد مولر سيبقى صامدا لعقود، حين سجل 67 هدفا في موسم 1972-1973، وسجل ليو آنذاك 73 هدفا، وكما أن رونالدو هو ملك ذات الأذنين، فمنافسه هو سلطان الليغا وهدافها التاريخي بـ438 هدفا وأكثر من 180 تمريرة حاسمة في 474 مباراة، وصاحب جوائز “البيتشيتشي” الست، كأكثر لاعب فوزا بجائزة هداف الدوري الإسباني، بالتساوي مع أسطورة بلباو تيلمو زارا، وكان في طريقه للانفراد بالمركز الأول لقائمة الهدافين التاريخيين، باعتلاء قمة هدافي الليغا برصيد 19 هدفا، قبل تجميد النشاط، فضلا عن تتويجه بالدوري الإسباني 10 مرات. وقبل أي شيء، نتحدث عن الأكثر فوزا بالكرة الذهبية، بحصوله عليها ست مرات، آخرها جائزة 2019، متفوقا بواحدة على رونالدو، وكذلك الأكثر حصدا للحذاء الذهبي، كأفضل هداف في الدوريات الأوروبية الكبرى، وفعلها ست مرات في مسيرته الاحترافية، نصفها في آخر ثلاث سنوات، وغيرها من الأرقام والإحصائيات، التي كانت تعطي مؤشرات إلى أن الصراع بينهما سيمتد لعامين وربما ثلاثة أعوام قادمة، ليثبت كل لاعب أحقيته في لقب (GOAT ) الأفضل في التاريخ، بضربة قاضية من ليو، بإضافة الكرة الذهبية السابعة في مسيرته، أو بريمونتادا جديدة من الدون بمعادلة جوائز غريمه وتخطي عدد جوائزه قبل فوات الأوان. لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل سيواصل الثنائي بنفس القوة والعزيمة بعد كورونا وتبعاتها بإقامة المباريات وراء أبواب مغلقة لمدة عام وربما أكثر؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام والمباريات بعد الحصول على الضوء الأخضر لاستكمال ما تبقى من الموسم، لنرى إذا كان باستطاعتهما المضي قدما بنفس الوتيرة وعدم التوقف عن تحطيم الأرقام القياسية ليحتفظ كل منهما بفرصه في لقب الأفضل الشرفي، أو إذا كان سيستسلمان بعد متغيرات الوباء التاجي.

 

المهمة المستحيلة

صحيح كلاهما حقق عشرات الأرقام، ما بين القياسية والإعجازية، لكن ما زالت المعركة الأخيرة لم تُحسم بعد، أن يحقق كل منهما الأرقام القياسية القليلة المتبقية له، ليكمل المهمة المستحيلة بالتفوق على كل من احترف كرة القدم، على صعيد الأهداف والبطولات، منها مثلا على مستوى دوري الأبطال، معادلة أو تخطي رقم أسطورتي الريال في خمسينات القرن الماضي ألفريد دي ستيفانو وبوشكاش، بتسجيل أكبر عدد من الأهداف في المباريات النهائية، حيث سجل ثنائي العصر الذهبي سبعة أهداف في عصر احتكار أوروبا في أول خمس نسخ، في حين سجل ليو هدفين في 4 نهائيات، والدون أحرز الضعفين في 6 نهائيات، أي ما زال الأول بحاجة لخمسة أهداف لمعادلة رقم أسطورتي الريال ورونالدو ثلاثة، علما أن كريستيانو لعب مباراة أقل من ألفريدو واثنتين من أيقونة هنغاريا. كما يحتاج كل واحد أن يكون الهداف التاريخي والأكثر مشاركة في البطولة، أو بمعنى أدق، يسعى رونالدو لتأمين مكانه ككبير هدافي الأبطال بفارق 15 هدفا عن ميسي حتى الآن، وأمامه ثماني مباريات لمعادلة سجل مشاركات زميل الأمس إيكر كاسياس، صاحب الـ181 مشاركة، كأكثر اللاعبين مشاركة في المسابقة، لكن ما يبدو صعبا، أن يضمن أحدهما الرقم الخاص بأكبر هداف في البطولة أو في النهائي، بكسر رقم باولو مالديني، الذي سجل في نهائي 2005 ضد ليفربول بعمر 36 عاما و333 يوما، وهو أسرع هدف في تاريخ المباريات النهائية حتى الآن في الثانية 53، بينما الهدف الأسرع على الإطلاق، فمن نصيب الهولندي روي ماكاي بقميص بايرن ميونيخ، وسجله في شباك ريال مدريد في الثانية 12، وهذه مجموعة من الأرقام المستعصية على الاثنين في بطولة واحدة، ويحتاجان للصبر لتحقيق البعض منها، إذا صمدا أمام توابع الجائحة.

بعيدا عن دوري الأبطال، هناك أرقام قياسية وألقاب جماعية أخرى، ما زال يطمح كل أسطورة في تحقيقها قبل أن يحين موعد تعليق الحذاء، لتكتمل مهمة الفصل الأخير بنجاح، بفعل ما عجز عنه الجميع، بما في ذلك أباطرة العصور القديمة. وبالنظر إلى رونالدو، سنجد أن من ضمن أهدافه بعد وصوله لهدفه رقم 725 مع فرقه ومنتخب بلاده في أكثر من 970 مباراة، أن يتصدر قائمة الهدافين التاريخيين، ولم لا أن يكون أول لاعب في التاريخ يكسر حاجز الـ1000 هدف في مباراة رسمية، بتجاوز أهداف أسطورة النمسا جوزيه بيكان صاحب الـ805 أهداف في 530 مباراة، وأسطورة القرن الماضي بيليه بأهدافه الـ779 هدفا في 842 مباراة، وروماريو بـ748 في 965 مباراة، ونفس الأمر ينطبق على البرغوث الذي أوشك على كسر الـ700 هدف، بل يحتاج 16 هدفا بقميص البلوغرانا، ليعادل رقم بيليه الذي سجل 643 هدفا على مدار 19 عاما بقميص سانتوس، قبل أن يحط الرحال في أمريكا ليخوض تجربة مع كوزموس. ويسعى كريستيانو كذلك، الى تحطيم رقم الإيراني علي دائي، الذي يتصدر قائمة هدافي منتخبات العالم، بـ109 أهداف، بفارق 10 أهداف فقط عن قائد منتخب أحفاد فاسكو دي غاما، كما يحتاج اللاعبان الى تحسين سجلهما التهديفي على مستوى كأس العالم، أو على أقل تقدير الفوز بجائزة هداف كأس العالم، في مونديال قطر 2022، الذي سيكون فرصتهما الأخيرة، لإزاحة الألماني ميروسلاف كلوزه من على عرش الهدافين، بأهدافه الـ16، وذلك في الوقت الذي يمتلك فيه رونالدو سبعة أهداف وليو خمسة.

والشيء الأهم، هو معانقة كأس العالم، كأقوى حجة لتعزيز الموقف الأكثر طموحا في لقب الأفضل في التاريخ، وخصوصا ميسي، الذي لا تسير أموره بشكل جيد مع المنتخب كما هو الحال مع رونالدو. صحيح هو الهداف التاريخي لمنتخب التانغو، لكن تاريخه على مستوى الألقاب، يقتصر فقط على الذهب الأولمبي في أولمبياد بكين 2008، من دون أن يحقق ولو بطولة واحدة مع المنتخب الأول، بتجرعه من مرارة الهزيمة في 3 نهائيات متتالية، وكانت البداية بنهائي مونديال البرازيل 2014، وخسر أمام الماكينات الألمانية بهدف ماريو غوتزه، ثم انحنى أمام تشيلي في نهائيين متتاليين لكوبا أميريكا، على عكس هداف الملكي التاريخي، الذي قاد بلاده لأول لقب “يورو” في التاريخ من قلب العاصمة الفرنسية باريس عام 2016، وفي الصيف الماضي، لعب دور المخلص في التتويج بالبطولة المستحدثة دوري الأمم الأوروبية في نسختها الأولى. وبجانب ما سبق، ما زال ميسي بحاجة للقبي ليغا ليتساوى مع أسطورة ريال مدريد خينتو، الذي عانق لقب الدوري الإسباني 12 مرة، وسبعة ألقاب بوجه عام، ليعادل داني ألفيش، اللاعب الأكثر تتويجا بالألقاب في التاريخ، بينما كريستيانو يحتاج 12 بطولة ليعادل مدافع برشلونة الأسبق، مع إضافة الكرة والحذاء الذهبيين للمرة السابعة ولم لا الثامنة، ليبتعد عن منافسه صاحب الأحذية الأربعة الذهبية والخمسة من “فرانس فوتبول”، أو كما أشرنا أعلاه يعود صاروخ ماديرا بريمونتادا جديدة. فهل يا ترى سنستمتع بجزء جديد وأخير في الصراع الدرامي بين الأفضل في العصر الحديث؟ أم ستتصعب مهمة تحطيم ما تبقى من أرقام قياسية بعد كوفيد-19 وتوابعه؟ دعونا ننتظر، وعلى العهد، نتمنى السلامة والحفاظ على الأرواح قبل التفكير في كل ما هو ترفيهي.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية