يعتقد خبراء أن الأردن يستطيع توظيف دوره بصورة منتجة للغاية إذا تخلص من العقدتين الإسرائيلية والسعودية بالتنسيق مع الأمريكيين في كل من العراق وسوريا.
عمان-القدس العربي”: ثمة من يقترح على مؤسسات القرار الأردنية هذه الأيام مقاربة في غاية البساطة للتعامل والتفاعل مع تداعيات المواجهة مع فيروس كورونا.
المقاربة بعنوان “الاستثمار في الوضع الجيوسياسي بدلا من تمكين الآخر من النظر للمملكة على أساس الجغرافيا السياسية فقط”.
عمليا لا أحد يعلم ما إذا كانت الحكومة الحالية على الأقل مهتمة بالجانب السياسي في إدارة الوضع المرتبك حاليا. فرئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز بدأ وخلافا للعادة يكثر من الإشارات التي تتقمص حالة السعي لـ”عدم إغضاب دول شقيقة في الجوار تساعدنا”.
الإشارة طبعا للسعودية. لكن بمستويات أعمق لا تر يد عمان المجازفة أيضا بإغضاب دول إقليمية قوية مجاورة ومهمة مثل تركيا وإيران ولا إسرائيل أيضا ولا حتى مصر ولا الإمارات والكويت لأسباب مفهومة.
أمام “القدس العربي” أشار رئيس وزراء سابق إلى أنه في ظرف إقليمي كالحالي ينبغي أن نفهم بأن أحدا لا يستطيع الاحتفاظ بعلاقات “سيئة” مع ثلاث دول إقليمية مهمة دفعة واحدة، مشيرا لإن “العلاقة مع واحدة من تلك الدول على الأقل جيدة مهم وإذا كانت جيدة مع دولتين فذلك أفضل”.
في كل حال طوال الوقت تحتاج بوصلة التحالفات الأردنية إلى “مراجعة” وعدد الذين يحاولون لفت النظر إلى العراق وسوريا في ظل معركة كورونا أكبر بكثير من عدد دعاة التهدئة مع إسرائيل أو تركيا أو حتى إيران.
مبكرا تحدث خبراء صناعيون واقتصاديون عن مفهوم تحريك قطاع الإنتاج والصناعة والتحرك تجاريا على مستوى المحور الإقليمي والجيران بسبب التغييرات الحادة التي صنعها فيروس كورونا في العالم خصوصا في أنظمة التبادل والنقل والشحن وكلفتهما.
حتى الملك عبد الله الثاني تحدث علنا عن مفهوم “التوسع” في إنتاج المستلزمات الطبية ومساعدة الدول الأخرى وتجول فعلا بين المبادرات الصناعية.
لكن التوسع الوحيد الأفضل والمنتج باتجاهات لا تريد الحكومة للحد الأدنى مناقشتها حيث الأقرب للحدود مع الأردن هما سوريا والعراق، وعمان بقيت عصية على الاقتراب طوال الوقت لدمشق وبغداد تجاريا واقتصاديا ونفطيا بسبب علاقات سيئة مع دمشق.
وقد حذر من ذلك مبكرا المخضرم عبد الكريم الكباريتي عندما قال إن إيران تتحكم بدولتين هما الأكبر حدوديا في جوار الأردن وبالتالي التحدث معها مصلحة وطنية.
كيف نتوسع ونتبادل ونقايض مع أقرب الدول لنا مثل سوريا والعراق؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه كل خبراء الإنتاج والصناعة والتسويق في اجتماعات كورونا التشاورية على المستوى السياسي في الحكومة الأردنية.
لكن الحكومة نفسها أصلا بلا مستوى سياسي ولا تستطيع تقديم جواب على مسائل لها علاقة بالانفتاح بمعناه السياسي والأمني على دول مثل العراق وسوريا، حيث قد يقتضي الأمر إذا كان ضروريا في مرات التحدث مع طهران أو إلقاء التحية عليها والمجازفة بإغضاب عدة عواصم من بينها الرياض وواشنطن وتل أبيب.
الغريب في المقابل أن تلك الأصوات التي تحاول القول بإن واشنطن لن تغضب وتل أبيب غير معنية إذا ما حصل انفتاح مع دمشق لا أحد في مستوى القرار يستمع لها، وأبرز تلك الأصوات طبعا مؤخرا كان الدكتور طالب الرفاعي الذي سأل مرات عدة أمام “القدس العربي”: من الذي قال إن الأردن لا يستطيع العبور بمصالحه المباشرة في الجوار الإقليمي بدون مجازفات؟
يرى الرفاعي في مثل هذا الطرح تقييما بائسا. على العكس تماما يعتقد خبراء عميقون أن الأردن يستطيع “توظيف ” دوره جيدا بصورة منتجة للغاية إذا تخلص من العقدتين الإسرائيلية والسعودية بالتنسيق مع الأمريكيين في كل من العراق وسوريا باعتباره الأقرب في سياق الجغرافيا السياسية لمنطقتي درعا والأنبار جنوبي سوريا وغربي العراق.
على كل جبهة النقاش بآفاق الاقتصاد الأردني داخل اجتماعات التشاور الحكومية، حديث عن عجلة الصناعة والإنتاجية والتحريك وعن التوسع في التصدير لكن إلى أين؟ لا أحد يجيب رغم أن السوقين العراقية والسورية متعطشتان تماما لما يمكن أن ينتجه الأردن وبقوة خصوصا في مجال المستلزمات الطبية.
والغريب أن ذلك قد لا يحصل بسبب “ضغوط حقيقية” من دول صديقة أو حليفة تمنع الأردن فعلا من الانفتاح على سوريا والعراق بقدر ما قد يحصل بسبب تبرعات واجتهادات مسؤولين أردنيين وافتراضات عبثية لا تنتهي ولا تختبر.
المعنى أن الدول التي تخيف وتقيد البوصلة الأردنية تتعامل مع الأردن باعتباره “جغرافيا سياسية” لها وظيفة ولا تقدم له البديل والمساعدة الحقيقية الآن.
المطلوب وطنيا في المقابل أن تصبح الجغرافيا السياسية في “خدمة” الدولة الأردنية ومصالح شعبها وليس العكس.
كيف ومتى يحصل ذلك؟ ببساطة يمكن أن يبدأ من قرار وغطاء سياسي وعملية إصلاح حقيقية.