الخيار الأردني ومصيدة اليمين الإسرائيلي: أولوية الأماكن المقدسة أم “غول الضم” المقبل؟

حجم الخط
0

أوضح عبد الله ملك الأردن بأن من يريد أن يقيم تعاوناً في كل المجالات مع الأردن لا يستطيع في الوقت نفسه أن ينفذ حلم الضم. في مقابلة مع مجلة “دير شبيغل” الألمانية قال الملك إن الضم سيقود إلى مسار التصادم مع الأردن وأن الأردن يفحص كل الخيارات. “زعماء يدفعون قدماً بحل الدولة الواحدة لا يفهمون ماذا سيكون معنى هذه الخطوة. ماذا سيحدث إذا انهارت السلطة الفلسطينية؟ سيكون حينها المزيد من الفوضى والتطرف في المنطقة. إذا ضمت إسرائيل الضفة في تموز فسيقود هذا إلى صراع كبير مع الأردن… لا أريد التهديد أو خلق جو مواجهة، لكننا نفحص كل الاحتمالات. نتفق مع دول كثيرة في أوروبا والمجتمع الدولي بأنه القانون الذي يقول إن القوي ينتصر لا يجب تطبيقه، في الشرق الأوسط”.

  في نيسان الماضي أعلن الملك بأنه لا يمكن لمزارعي الغمر بوادي عربة مواصلتهم فلاحة الأرض التي تم تأجيرها في الماضي لإسرائيل في إطار اتفاق السلام. هذا قرار “غير ودي” لكنه شرعي ومتوقع ولا يخرق اتفاق السلام. يدل القرار على المناخ الصعب في الأردن، الذي لا تعتبر فيه دلائل التطبيع مع الأردن –تتجاوز التعاون الأمني– مشروعة.

سياسة الضم التي تبناها نتنياهو بتشجيع من غانتس تقزم ذرائع التوتر الأخرى بين الدولتين. تهويد القدس ومكانة الأردن في الأماكن المقدسة – هذه المواضيع التي تسبب توتر كبير في الأردن وحتى أنها أدت إلى خلاف لفظي بينها وبين السعودية – لا تزال على الأجندة. ولكن الصراع الدولي سيجري من الآن حول إحباط عملية الضم. في الأسبوع الماضي، أجرى الأردن اتصالات مع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بشأن خطر الضم. مصدر دبلوماسي أوروبي قال للصحيفة بأن الأردن يسود فيه ذعر حقيقي، ليس فقط من خرق القانون الدولي الذي يكتنف هذه الخطوة، بل من رد الجمهور الذي يمكن أن يتطور في الأردن وفي الضفة الغربية وقطاع غزة إذا ما قررت إسرائيل الضم في بداية تموز.

الأردن غارق في أزمة اقتصادية صعبة بدأت قبل كورونا وتعمقت جداً في أعقاب الأضرار الاقتصادية التي تسبب بها الوباء. في مظاهرات سابقة طلب المتظاهرون أماكن عمل ومساعدات اقتصادية، وذكروا على الهامش معارضتهم للتطبيع مع إسرائيل. ولكن أساس الغضب في هذه المرة فإن قد يوجه نحو إسرائيل. في المقابل، تفترض إسرائيل وأمريكا أن الأردن لا يمكن أن يسمح لنفسه بالمس بأسس اتفاق السلام، وخاصة في الوقت الذي يجلس فيه الرئيس ترامب في البيت الأبيض”. يعتمد الأردن على مساعدات الولايات المتحدة، 1.5 مليار دولار في السنة، بل وعلى قدرته في الحصول على مصادر تمويل بضمانة الولايات المتحدة ودعمها. ومشكوك فيه أيضاً إذا كان الملك يستطيع الاعتماد على دعم عربي، لا سيما سعودي، لخطوة حقيقية ضد الضم. علاقة السعودية مع البيت الأبيض متوترة على خلفية حرب النفط، وباتت مكانة بن سلمان داخل الكونغرس في الحضيض. يقدر الأردن أن إلغاء اتفاق السلام سيعطي إسرائيل حرية عمل لتحقيق أحلام اليمين في الحرم وإعادة فكرة الوطن البديل للفلسطينيين.

في شباط أشعل افيغدور ليبرمان الساحة العامة في إسرائيل عندما قال “قبل بضعة أسابيع بدأ نتنياهو بجولة في أوساط السكان وتحدث عن الضم. لم أفهم سبب عدم تقديم ذلك للتصويت مع وجود أغلبية مطلقة بدعم منا، إلى أن تبين لي قبل بضعة أيام بأن نتنياهو، في موازاة هذه الأقوال، نقل رسالة عبر جهاز الأمن إلى الملك عبد الله تقول: “عليه ألا يقلق، لأن الأمر يتعلق بانتخابات، ولن يكون ضم”. الليكود نفى والأردن لم يؤكد ولم ينف. ولكن في هذه الأثناء أضيفت تصريحات شخصيات رفيعة أمريكية منها السفير الأمريكي في إسرائيل، دافيد فريدمان، الذي أكد أن واشنطن جاهزة للضم خلال أسابيع محدودة.

وزير الخارجية مايك بومبيو الذي جاء لزيارة خاطفة إلى إسرائيل، الأربعاء الماضي، لم يواصل طريقه إلى عمان ولم يسمع ولو علناً أقوالاً يمكن أن تهدئ الملك عبد الله. إضافة إلى ذلك، أوضح بومبيو بأن مسألة الضم هي “موضوع للنقاش بين إسرائيل والفلسطينيين”. المتحدثة بلسان وزارة الخارجية مورغان اوتيغوس، كررت الشعار المعروف القائل بأنه “من المهم أن يعود الطرفان إلى خطة ترامب ويجلسا على طاولة المفاوضات لتطبيق الخطة”، في حين لم يذكر الأردن على أنه صاحب شأن.

يستنتج الأردن بأن إسرائيل تسارع الخطى بدعم أمريكا نحو الضم. وللأسف الشديد، لا يمكنه القيام بالكثير باستثناء التحذير والتهديد. دكتور حسن براري، المحاضر في العلاقات الدولية في الجامعة الأردنية والذي يعرف عن قرب الوضع السياسي والرأي العام في إسرائيل، شرح في مقال نشره في موقع “الرأي” الأردني، بأن من يدعو إلى إجراء حوار مع الإسرائيليين لإقناع الجمهور الإسرائيلي بتغيير موقفه فهو مخطئ تماماً. “هذا التدخل لا يخدم سوى اليمين الإسرائيلي ويعطي الشرعية لسياسة التوسع الإسرائيلية”، كتب. وثمة شك في اعتماد الأردن على شركاء “أزرق أبيض” في الحكومة، لا سيما غانتس وأشكنازي، كي يوقفوا هذا التدهور، رغم أنهم سيعارضون خطوات أحادية الجانب وأن كل ضم “يجب أن يتم بموافقة دولية”، غير أن هذا تعبير فارغ لا يقدم موقفاً بديلاً منطقياً وواقعياً.

بقلمتسفي برئيل

 هآرتس 18/5/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية