يجب إعطاء فرصة لبني غانتس، فهو يستحق ذلك الآن أكثر من أي وقت مضى. في الأسابيع الأخيرة أثبت غانتس بأنه يتحلى على الأقل بصفة قيادية مهمة واحدة وهي نادرة في إسرائيل: الشجاعة في السير ضد التيار وضد ما يتوقعون منك فعله. استعداد دفع ثمن شخصي باهظ مقابل شيء أنت تؤمن به وقدرة على تجاهل الضجة في الخلفية، مهما كانت هذه الأصوات صارخة وضارة، بما في ذلك الأصوات التي تصدر من معسكرك. في مقابلة مع “إيلانا ديان” أول أمس، ربما يظهر منها أن هناك قائداً قد ولد. يبدو أنه لم يتشاور هذه المرة مع مستشاريه الإعلاميين والمخادعين بشأن الاستراتيجية، ولم يردد عن ظهر قلب صفحة الرسائل التي أعدت له مسبقاً. ولهذا السبب كانت هذه أفضل المقابلات التي أجراها.
لم أصوت له، ومن شبه المؤكد أنني لن أفعل ذلك في أي يوم. كان غانتس وما زال ضابطاً عسكرياً في الاحتياط، وعلى يديه دماء كثيرة وزائدة. رجل أمن من الجيل القديم الذي كان يجب أن يختفي منذ زمن. هو شخص كل شيء يقاس لديه بـ “تهديدات التدمير” و”حدود أمنية”، كل الغباء الاسرائيلي، وعالم تخيله يتراوح بين “المتدرب الجديد” و”غرفة القيادة”، كل واحدة أكثر صبيانية من الأخرى.
حتى في مقابلة شاملة، لم تكلف من أجرت المقابلة نفسها عناء طرح أي سؤال عن الضم أو عن الحل الذي يراه غانتس للاحتلال، فصغائر كهذه لا يوجد لها وقت في “عوفداه”. وهذا أمر غير ملح لغانتس. ولكنه تبين كرجل حقيقة، ليس أمراً شائعاً في عالم السياسيين الإسرائيليين. من الذي يمكن أن نصدقه من بينهم الآن؟ أما غانتس، فما زال الأمر ممكناً. هو حقاً يعتقد بأنه اختار الخيار الصحيح من بين الخيارات السيئة التي كانت أمامه، ولم يفعل ذلك من أجل الحصول على ملذات السلطة أو ألعاب القوى.. يؤمن من أعماقه بأنه بذلك يساهم لبلاده، وتحديداً من أجل تخليصها من سلطة بنيامين نتنياهو.
“خائن” معسكر الوسط، الذي لا يوجد أي إهانة لم يلصقها به أصدقاؤه منذ قرر الانضمام للحكومة، نجح في أن يقنع بصدق دوافعه وكذلك بحكمتها. فقد كان يستطيع بسهولة أن يبقى في المعارضة ويُجر إلى جولة انتخابات أخرى، الخيار الوحيد الذي كان أمامه عدا عن الانضمام للحكومة. كان في حينه محمولاً على أكتاف معسكره وكان سيعطي نصراً آخر كبيراً لنتنياهو. لقد اختار أقل الأمور سوءاً للدولة، حسب رأيه، الذي هو السيئ من كل النواحي بالنسبة له شخصياً، على الأقل حتى الآن.
بين عشية وضحاها، تحول رئيس الأركان أزرق العينين والأمل الأبيض وصديق يئير لبيد من القبو في “رمات افيف ج” ومن صديق بوغي يعلون، إلى عدو الشعب. لقد اختار بصورة صحيحة، وهو يدفع وربما سيأتي هذا بثماره. يبدو أن الطريق الوحيدة لتغيير نتنياهو هي الطريق التي اختارها غانتس.
يجب علينا أيضاً أن ننظر من حولنا؛ صحراء قفراء تبعث على اليأس.. معارضة كل مركباتها، باستثناء القائمة المشتركة، سيئة بدرجة لا تقدر، وحتى أسوأ من نتنياهو: افيغدور ليبرمان هو أكثر فساداً، و”يمينا” متطرف أكثر، ولبيد مضحك مثلما هو دائماً. على هذه الخلفية وفي ظل عدم وجود وعد آخر يقوم بالتسخين على الخطوط، تبرز شخصية “رئيس الحكومة البديل” كوعد للمستقبل.
ربما سيقوم نتنياهو بسحقه أيضاً، وربما سينجح في التغلب عليه بطريقته ووراثته. يمكن أن نوجه إليه اتهامات بلا نهاية حول خيانة وعده ولأن الحكومة مضخمة، وعلى خنوعه وتراجعه. وحين تجف الرغوة المقدسة على الشفاه علينا أن نسأل: ماذا كان البديل؟ نصف الحكومة لغانتس، ومعظمها شخصيات فارغة، لكنهم كلهم يفضلون على أقزام اليمين ومحرضيه. هذا الخيار أفضل من الخيارات الأخرى.
إن شجاعته في السير ضد الرياح يجب أن نقدرها ونثني عليها. الرياح التي تهب اليوم في إسرائيل هي رياح سيئة، واختبار غانتس هو ما إذا كان سيواصل السير ضد الرياح في مجالات أخرى. إذا تصرف بهذا الشكل أيضاً في مواضيع أخرى فعندها سنعرف أن هناك زعيماً قد ولد. ليس نلسون مانديلا بالطبع، لكن ربما فريدريك ديكلارك ما صغير. ليس دافيد بن غوريون بالطبع، لكن ربما إسحق رابين ما صغير.
بقلم: جدعون ليفي
هآرتس 21/5/2020