لوس أنجليس – «القدس العربي»: أغلقت استوديوهات هوليوود أبوابها منتصف شهر مارس/آذار الماضي، وأوقفت تصوير مشاريعها التلفزيونية والسينمائية في كل أنحاء العالم، بسبب وباء كوفيد 19.
بينما أطلقت أفلامها الجاهزة على منصات البث الالكتروني، لتتمكن من البقاء على قيد الحياة.
لكن بعد شهرين من الركود لم تتبق لها أفلام تقدمها لجماهيرها، فصارت تتخبط بحثا عن وسيلة للعودة الى التصوير من أجل اكمال إنتاج المشاريع الأخرى والبدء في العمل على مشاريع جديدة.
لكن هوليوود وصناع الأفلام لم يتوقفوا عن العمل تماما. وخلال حديثي مع الكثير منهم قالوا إنهم تحولوا إلى العمل على سيناريوهات لمشاريع ما زالت قيد التطوير مع كتاب السيناريوهات عبر شبكة «زوم»، مثل المخرج الهوليوودي من أصول مصرية، سام إسماعيل، الذي كشف لي أنه يعمل مع طاقم كتّابه على تطوير نص مسلسله التليفزيوني المقبل، «بيكوك»، بينما قضى المصري رامي يوسف وقته في العمل على توليف الجزء الثاني من مسلسله رامي.
كما استمرت شركات إنتاج أفلام «الأنيميشن» في العمل على مشاريعها، حيث عمل فنانوها على حواسيبهم من بيوتهم وتواصلوا معاً عبر شبكة «زوم». لهذا توقف العمل فقط في مرحلة التصوير على الأرض، وهي مرحلة ما بين التطوير والتحضير من جانب والمونتاج من جانب آخر، لأنها تتطلب الحضور الفعلي لطواقم الإنتاج وتفاعلهم في مقرات تصوير.
أهم تحديات عودة الانتاج
التحدي الأول الذي تواجهه شركات الإنتاج الآن هو خلق بيئة عمل آمنة لطواقم الإنتاج والتمثيل والنجوم من أجل إقناعهم في العودة للعمل. لكن تحقيق ذلك ليس بالأمر السهل. لأن مقرات التصوير تكون مكتظة بالتقنيين والممثلين والمهنيين ومتعهدي الطعام وخدمات المواصلات وغيرها، ولا يمكن إجراء فحوصات يوميا لكل شخص، فضلا عن أن بعضهم يأتي لفترة وجيزة كي يقدم خدمة ما. ويتعذر تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي على الجميع، لأن بعض أفراد الطواقم في حاجة للعمل إلى جانب بعضهم البعض، فعلى مصممي الأزياء وخبراء المكياج أن يكونوا على مقربة من الممثل معظم الوقت وعلى الممثلين أن يؤدوا مشاهد حميمية بينما يرشدهم المخرج عن قرب.
لهذا تعمل النقابات المهنية واستوديوهات هوليوود وحكومات الدول على إصدار بروتوكولات عمل في مقرات التصوير لتمكين شركات الإنتاج من العودة إلى الإنتاج دون تعريض طواقمها للعدوى.
بعض شركات الإنتاج قررت عدم الانتظار لإصدار بروتوكولات رسمية ورسمت خططاً خاصة بها لاستئناف العمل على مشاريعها. من ضمنها شركة «بلومهاوست»، المعروفة بإنتاج أفلام الرعب، التي عادة لا تحتاج إلى ميزانيات ضخمة أو طواقم كبيرة ويتم تصويرها خلال فترة وجيزة، مما يسهل احتواء مخاطر الإصابة بالعدوى.
وكإجراءات وقائية قامت الشركة بإغلاق مقر التصوير وفرض الحجر الصحي على طواقم العمل في فندق مجاور لمدة 14 يوماً قبل بداية التصوير للتأكد من عدم إصابتهم بالعدوى ويبقون هناك حتى اكمال تصوير المشروع.
أما المنتج تايلر بيري، الذي قرر استئناف تصوير مشاريعه «ذي اوفال» و»سيتاس»، الشهر المقبل، فقد اعتزم أن ينقل العاملين بعد 14 يوما من الحجر الصحي الى مقر التصوير في ولاية اتلانتا في طائرة خاصة. وأن يفرض عليهم إجراء الفحوصات مرة كل أسبوع خلال فترة التصوير للتأكد من عدم إصابتهم بالمرض.
فضلا عن فصل طواقم التصوير عن العالم الخارجي، يفرض عليهم الالتزام بإرشادات وقائية داخل مقر التصوير، كالحفاظ على مسافة التباعد الاجتماعي، وهي متران بين شخص وآخر، وارتداء الكمامات الواقية. كما يتم تعقيم المكان وأجهزة التصوير والأزياء ويمنع الاختلاط خلال تناول الطعام.
شركات إنتاج في دول أخرى اتبعت بروتوكولات مشابهة في تصوير مشاريعها. لكن تلك البروتوكولات لا تتماشى مع مشاريع هوليوود الضخمة، التي تتطلب طواقم يقدر عدد أفرادها بالآلاف، مما يجعل التباعد الاجتماعي مستحيلا. كما تقتضي الانتقال بين عدة مواقع تصوير والسفر الى دول مختلفة ذات قوانين خاصة بها، إذ أن بعضها ما زالت ترفض استقبال الأجانب أو تفرض الحجر الصحي لفترات تتراوح من يوم الى أربعة عشر يوماً على كل من يدخلها.
طرح البعض فكرة تطبيق نظام تصوير المشاهد الجنسية على كل المشاهد الأخرى وهو إغلاق مقر التصوير وحصر طواقم العمل بالأشخاص الضروريين فقط، لكن خلافا للمشاهد الجنسية، التي تستدعي تصوير ممثلَين وحسب في مكان محصور، كثير من المشاهد الأخرى تكون أكثر تركيبا وأكبر حجما وتتطلب عددا من الخبراء لتنفيذها.
لهذا كلفت حكومة ولاية كاليفورنيا لجنة مكونة من اختصاصيي أوبئة ومسؤولين في صناعة الأفلام بتقديم بروتوكول عمل مفصل يمكّن شركات الإنتاج والاستوديوهات استئناف إنتاج مشاريعها دون التعرض لمخاطر الإصابة بالعدوى.
حلول خلاقة
تعمل اللجنة على ايجاد حلول لمسائل كتفاعل الممثلين في مشاهد تتطلب اللمس وأحيانا التقبيل والجنس وفرص تناول الغداء والعشاء في غرفة الطعام، التي تكون عادة مكتظة بأفراد الطواقم المختلفة. بعض الاقتراحات التي قدمت تضم منع كل مشاهد اللمس والتقبيل والجنس، مثلما كانت ممنوعة بداية القرن الماضي. واستخدام العدسات الطويلة، التي تصور الممثلين بعيداً عن المصور وتمكنهم من الابتعاد عن بعضهم خلال العمل لكونها تقرب المسافات. وفرض ارتداء الكمامات على كل الطواقم ما عدا الممثلين. وتوزيع أوقات استراحات الوجبات من أجل تخفيف الزحمة في غرف الطعام. لكن التحضير والترتيب قبل بداية التصوير هو الأهم. فيجب تعقيم مقر التصوير وكل أجهزة الانتاج قبل وصول التقنيين والممثلين، الذين لا يسمح لأي منهم الدخول إلا بعد فحصه والتأكد من عدم إصابته بعدوى كوفيد 19. وفي الداخل، عليهم الحفاظ على مسافة مترين بينهم إلا في حالات الضرورة.
وعلى كل شركة إنتاج أن تستأجر خبير أوبئة لإرشاد طواقمها ومراقبة الفعاليات والحفاظ على النظافة والإشراف على التعقيم المستمر لأجهزة ومنصات التصوير والأزياء وغرف العمل والطعام والمراحيض.
كما قررت بعض الاستوديوهات شراء روبوتات تعقيم بالاشعة الفوق بنفسجية، التي تُستخدم حاليا في مراكز طبية. ويكلف كل روبوت أكثر من 100 ألف دولار، لكن شراءه سيكون أقل تكلفة من توظيف عمال التعقيم، كما أن تعقيمه الآلي أفضل بكثير من التعقيم اليدوي، لأن الأشعة تقتل جميع الفيروسات المتواجدة في مكان ما. كما وافقت بعض الاستوديوهات على استئجار طائرات خاصة لنقل الطواقم من مكان لآخر أو من بلد لأخر من أجل تفادي السفر عبر المطارات الكبرى و بالطائرات التجارية.
لكن رُغم كل هذه الترتيبات الوقائية، ما زال بعض النجوم متخوفين من العودة الى العمل في مثل هذه الظروف. لهذا وجهت الاستوديوهات أنظارها مرة أخرى الى التكنولوجيا الحديثة وتحديداً تقنية تصوير التقاط الحركة، التي استخدمت لإنتاج أفلام «أفاتار» و»سيد الخواتم».
تلك التقنية تخلق عالماً افتراضياً للفيلم وشخصياته وتمكّن الممثل من أداء دوره في الاستوديو لوحده حسب إرشادات المخرج، الذي يتمكن من رؤية الممثل داخل هذا العالم الافتراضي على الحاسوب عن بعد.
تحرر تلك التقنية الممثل من السفر خارج لوس أنجليس أو من الحجر الصحي وتحميه من مخاطرة التفاعل مع ممثلين أو تقنيين، لأنه يكون في الأستوديو لوحده. لكن من جهة أخرى، الكثير من الممثلين لا يرغبونها لأن عليهم أن يتخيلوا العالم الذي يسكنونه والشخصيات التي يتفاعلون معها بدلا من أن يحسوا بها، ما يصعب تقمص شخصياتهم.
وبغض النظر عن الطرق التي ستسلكها شركات الإنتاج، فإن تكاليف التصوير سترتفع بنسبة تقدر بعشرين في المئة. وقد بدا واضحا أن صناعة الأفلام، مثل غيرها من الصناعات الأخرى، ستعتمد على التكنولوجيا الحديثة من أجل البقاء على قيد الحياة، وستختلف تماما بعد أزمة كورونا عما كانت عليه من قبل.