نشرت وكالة الأنباء العراقية، في 30 أيار/ مايو، بيانا لمديرية الاستخبارات أن القوات الأمنية بناء على معلومات استخبارية دقيقة اعتقلت 11 إرهابيا في مناطق مختلفة من جانبي الموصل الأيمن والأيسر.
يتزامن اصدار البيان مع عدم اصدار أي بيان حول هجوم ميليشيا التيار الصدري على خيام المعتصمين في ساحة التحرير ببغداد، واعتقال وقتل متظاهرين في مدن أخرى.
لماذا؟ كي يتماشى اصدار ومضمون البيان مع ازدياد التصريحات الحكومية الرسمية حول تصاعد عمليات تنظيم الدولة الإسلامية « داعش» وما يصاحبها، بالضرورة، من حملات اعتقال « الإرهابيين» في محافظات معينة، وُسمت بصبغة الإرهاب، منذ احتلال البلد عام 2003، ومنذ انبثاق مقاومة المحتل فيها.
فقد أدى الاستخدام السياسي لمفهوم «محاربة الإرهاب» وتوسيعه ليشمل بنودا قانونية عديدة، ومع الغياب شبه الكلي للقضاء النزيه، باعتراف المنظمات الحقوقية الدولية، الى منح الحكومات المحلية المتعاونة مع الاحتلال القدرة على شرعنة القاء القبض، لأي سبب كان، ورمي المعتقلين في غياهب السجون لسنوات بناء على شبهة أو وشاية أو خلاف، أو إصدار الاحكام السريعة بالإعدام بحيث استحق العراق لقب «المسلخ» من قبل رئيسة مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، أو تغييب المعتقلين فلا يُسمع لهم خبرا. كما أدى الاستخدام السياسي ـ الدعائي ـ التحريضي الى انعدام الثقة باي اجراء أو تصريح حكومي أو انتصار في عملية أو اعتقال خلية إرهابية. واعتبارها، منفردة او مجتمعة، مجرد تضليل آخر يستهدف المواطنين لتمشية أمور الفئة الحاكمة أو للتغطية على فسادها وجرائمها.
وإذا كان تعيين مصطفى الكاظمي، رئيس المخابرات السابق، رئيسا للوزراء قد دفع البعض الى الإحساس بوجود ومضة أمل في نهاية نفق النظام المظلم أو لأنه، حسب المثل العراقي «اللي يشوف الموت يرضى بالسخونة»، خاصة بعد أن حظي تعيينه بالترحيب من قبل المنظومة السياسية المهيمنة على مؤسسات الحكم والمليشيات على اختلاف أنواعها بالإضافة الى المباركة الامريكية الإيرانية، فان الدلائل تشير الى ان الوعود الجوفاء متجذرة في صميم النظام وان اطلاقها، بعد كل تغيير سطحي، ضروري لمصلحة النظام وليس الشعب.
فالتقدم لتحقيق الوعد بإجراء انتخابات نزيهة، وهو أحد مطالب انتفاضة تشرين/ أكتوبر 2019، يصطدم باللانزاهة في مفوضية الانتخابات، وتبادل أعضائها الاتهامات بالمحاصصة والفساد. وبات كشف فساد الانتخابات السابقة هو الموضوع الأول في أستوديوهات التلفزة، للدلالة على نزاهة المتنافسين على عضوية المفوضية، والنتيجة: الكل فاسد والكل نزيه في آن واحد.
كان الكاظمي قد وعد بحسم «ملف المغيبين، لأن عوائلهم ما زالت تنتظر معرفة هل هم أحياء أم تم الغدر بهم من تلك الميليشيات الإرهابية»، كما طالب رئيس لجنة العمل والشؤون الاجتماعية والهجرة والمهجرين البرلمانية
أما فيما يخص المسؤولين عن قتل المتظاهرين فلم يُتخذ أي إجراء تقريباً لمساءلة قوات الأمن العراقية والحشد الشعبي على الرغم من وجود شهود عيان وفيديوهات وصور موثقة من قبل منظمات حقوقية محلية ودولية من بينها «وجود أدلة دامغة تشير إلى نمط تتعمد فيه قوات الأمن العراقية استخدام قنابل الغاز المسيل للدموع والقنابل الدخانية الثقيلة لقتل المتظاهرين بدلاً من تفريقهم وذلك في انتهاك مباشر للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وقد كانت قوات الأمن على علم بمدى القدرة الفتاكة لهذه الأسلحة المقيتة، لكنها استمرت في إطلاقها كما يحلو لها». حسب برايان كاستنر، كبير مستشاري برنامج الأزمات المختص بالأسلحة والعمليات العسكرية في منظمة العفو الدولية. وكانت المنظمة قد وثّقت منذ 1 أكتوبر/تشرين الأول 2019 وطيلة فترة الاحتجاجات التي اندلعت في بغداد والمحافظات العراقية الجنوبية ـ استخدام قوات الأمن للقوة المفرطة، وفي مئات الحالات القوة المميتة لتفريق المحتجين. وأصدرت منظمة «هيومان رايتس ووتش « ومركز جنيف الدولي للعدالة وعشرات المنظمات المحلية تقارير موثقة مماثلة، فاذا كان هذا كله متوفرا فلم لم يقم الكاظمي، كما وعد، عشية تعيينه، بما هو أكثر من تشكيل لجنة تحقيق، يعرف العراقيون جيدا انها تعني، في الواقع، دفن التحقيق؟
وأثار قيام عديد الدول بإطلاق سراح وجبات من السجناء، لتقليل خطر انتشار وباء الكورونا، قضية آلاف المعتقلين والمغيبين الذين لا يعرف مصيرهم وكلهم، تقريبا، من المحافظات التي تواصل الأحزاب الطائفية وميليشياتها وصمها بالإرهاب، ومعاملتها على هذا الاساس. تواصل حكومة الكاظمي تجاهل هذه القضية الحساسة التي تُعتبر مقياسا لمدى جديتها في التعامل مع استمرارية حملة التطهير التي سارت عليها الحكومات الطائفية السابقة. وكان الكاظمي قد وعد بحسم «ملف المغيبين، لأن عوائلهم ما زالت تنتظر معرفة هل هم أحياء أم تم الغدر بهم من تلك الميليشيات الإرهابية»، كما طالب رئيس لجنة العمل والشؤون الاجتماعية والهجرة والمهجرين البرلمانية.
ان تحقيق العدالة، لا يتطلب تشكيل لجان جديدة تُضاف الى كومة اللجان النامية في الوزارات، بل يتطلب الاعتراف أولا بجسامة الجرائم المرتكبة ضد عموم الشعب والعمل ثانيا بوطنية صادقة على حلها. اللجان التي بدأ الكاظمي بتشكيلها لن تعيد للمواطنين حقوقهم لأنها استمرارية لسياسة التزوير والتضليل التي يعيشونها منذ 2003. وما تعرض له الناس من عقاب جماعي ونزوح قسري، لايزال مستمرا، ومصير آلاف الرجال والفتيان الذين اختفوا قسرياً على أيدي قوات الأمن أثناء النزاع، والإفلات من العقاب على انتهاكات حقوق الإنسان، يحتاج ما هو أكثر من تشكيل لجنة. فالنظام نفسه منخور بالفساد والطائفية والعنصرية مهما كان خطاب ساسته مغايرا على السطح. واستمرار بقاء المحتجين في ساحات المدن وخروجهم الى الشوارع، على الرغم من مخاطر وباء الكورونا، هو تصريح شعبي بعدم الثقة بما يُقال دون تطبيق، كما انه تأكيد على صلاحية المطالبة بوطن. وطن يوفر لأهله، جميعا، حقوقهم كمواطنين. بلا ساسة يدّعون العصمة، بلا مليشيات تمارس القتل بلا مساءلة، بقوات أمنية توفر لهم الحماية ولا تقتلهم وتشوههم. وطن يعيشون فيه بأمان ويتطلعون الى غد خال من الخوف. وطن وليس ساحة حرب تتنازع فيه أمريكا وإيران وما ينتجانه من منظمات ومليشيات إرهابية. وطن لا يحرم أهله من الكرامة وعزة النفس فـ» أي شخص أو مؤسسة تحاول أن تجردني من كرامتي ستخسر»، كما يُذكرنا نلسون مانديلا.
كاتبة من العراق
“بل يتطلب الاعتراف أولا بجسامة الجرائم المرتكبة ضد عموم الشعب والعمل ثانيا بوطنية صادقة على حلها.” إهـ
وطنية صادقة؟ لا توجد هناك وطنية بالمطلق بين سياسي العراق يا أستاذة!
الوطنية الوحيدة بالعراق هي كهرباء الدولة, وهي أيضاً مفقودة!! ولا حول ولا قوة الا بالله