سيرك عكاشة القومي وعلاقة «الاتجاه المعاكس» بالمهلبية

افتقدنا في عصور الفضائيات والانترنت وثورة المعلومات وسائل ترفيه كنا نحزم أنفسنا بكامل عتادنا من الترمس والمكسرات ذات زمن لنشاهدها.
وكان السيرك «بمختلف تسمياته وجنسياته» كرنفال فرح وبهجة بكل ما يحتويه.
وبعد عصر الانترنت، انقرض السيرك تدريجيا، لكن من نعم الله علينا في العصر الانترنتي أن منّ علينا بفضله فخلق رجلا بألف سيرك، ومنحنا شخصية تساوي مليون «بلياتشو» وبهلوان، وراقص على الحبال في شخص واحد، وهو توفيق عكاشة.
وآخر «نمرة» عكاشية استمتعت بها أيما استمتاع، كانت في مقترحه على أثيره الخاص، بطلب تطوعه الانضمام للقوات المسلحة المصرية، بلا أي أجر حسب قوله، ولمدة محدودة، وذلك لغايات إعطاء الضباط محاضرات في علوم «حروب الجيل الرابع!!»
علوم «حروب الجيل الرابع»، التي جعلتني أشعر أن المواجهة العسكرية ليست أكثر من نسخة محدثة من «البلاي ستيشن»، وأن الحروب هذه الأيام قد تكون برعاية «سوني» أو «آبل»، هي التي يتخصص بها بحر العلوم فلتة زمانه الدكتور الإعلامي السياسي الجنرال توفيق عكاشة، والذي أضاف على أثيره السيركي الممتع أنه «.. مستعد أسيب بيتي وعيالي وكل اللي جابوني، والله لو هروح أقف كما ولدتني أمي علشان أقولهم هذه المحاضرات أنا على أتم الاستعداد».
طبعا عكاشة طالب بإبداع في الإعلام العسكري كما يسميه، وهو كما ذكر مستعد أن يقف كما ولدته أمه!! يعني عاريا ملط.. من غير هدوم، ليوضح نظرياته في الإعلام العسكري!
وحسب ما قرأت، فإن ما يفعله عكاشة، من مزج بين الإعلام العسكري أو ما كان يسمى بالتوجــــــيه المعنوي للجنود، والتعري كما ولدته امه، نظرية صحيحة طبقها الجيش الأمريكي في فيتنام، حين أرسل المرحومة الفاضلة العفيفة المأسوف على شبابها مارلين مونرو، تقريبا شبه عارية للترفيه عن جنود العم سام في أقاصي الدنيا.
أتفهم إرسال مونرو بكل «خلفياتها الثقافية» لآخر الدنيا، لكن لا أتفهم إرسال عكاشة كما ولدته أمه لجنود الجيش المصري، رغم كل «مؤهلاته الجسدية!!

«إطالة اللسان» في الاردن

وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تم تداول خبر تم تناقله على شكل مزحة، مفاده حبس شاب في الأردن بتهمة «إطالة اللسان»، ليتبين أن الشاب أبكم.
بعيدا عن التفكه في القصة، إلا أنها حدثت وكان لكاتب هذه السطور شهادة عين عليها!
فمما كان. أننا انحبسنا ذات خبز حافي عام 1996 أنا والزميل الصديق عبدالله أبورمان في سجن الجويدة. وكان ممن كانوا في غياهب المهاجع انذاك، شاب أبكم تم اعتقاله بتهمة «إطالة اللسان».
الشاب على ما اذكر كان اسمه سويد، وقضى وقتا طويلا مع لغة الاشارات، ثم الكتابة على ورق وهو يقنع الصديق عبدالله بأغلظ الايمان أنه محبوس بتهمة إطالة اللسان!!
ما علينا، فقد منّ الله علينا بالافراج، وابتلانا بمهنة الصحافة، فكان مما كان أيضا، أنني وعبدالله ابورمان في جريدة «البلاد» الأسبوعية، واذ بتلفون الاستقبال يخبرنا بحضور ضيف يطلب رؤية عبدالله. وكان سويد – الله يسلمه – ببذلة باذخة الالوان، وبعد السلام، قدم لنا كرت البيزنس وعليه مكتوب «مطرب ومغن».
الرجل ببساطة، صدق الدولة في مسألة طول لسانه فقرر والحال كذلك أن يصبح مطرب افراح شعبية!

«الاتجاه المعاكس» والمهلبية

اتفقت أو اختلفت مع فيصل القاسم وبرنامجه «الاتجاه المعاكس» فهو بلا شك ظاهرة إعلامية رائدة في فضاءنا العربي منذ بدأ برنامجه مع بدايات فضائية الجزيرة!!
أنا أتابع أحيانا «وحسب موضوع الحلقة» برنامج «الاتجاه المعاكس»، بينما زوجتي تقاطعه بشدة وهو ما يدفعها هربا من أمام الشاشة إلى أن تتوجه إلى المطبخ لصناعة طبق حلويات فترة إعداده كافية للمقاطعة المفترضة، فأكون أنا الرابح بمتابعة شيقة لحوار أكشن، مع صحن مهلبية وفكرة جديدة لألوان ربطة عنق مستوحاة من ملك الربطات الدكتور فيصل وضيوفه.
لا أدعي أن البرنامج «موضوعي»، وقد تعلمت من خبرتي الإعلامية المتواضعة أساسا أنه لا يوجد إعلام موضوعي بالمطلق في هذا العالم، منذ أول رواية أسطورية، مرورا بسوق عكاظ والمتنبي، الذي حول هزائم سيف الدولة إلى انتصارات، وليس انتهاء بلميس الحديدي، شفاها الله من عداوتها لنفسها.
كما أؤمن أن الدكتور فيصل القاسم نفسه، انتهى في برنامجه الشهير إلى تطوير أدواته الشخصية بشكل عفوي بعد أن التقط بذكاء رغبات المتلقي والمشاهد، بعيدا عن الفكرة الأولى للبرنامج، والتي لم تعد مهمة في فضاء عربي محتدم المنافسة.
في الحلقة الأخيرة كان الموضوع عن الأقليات في الأزمة السورية، وكان الدكتور فيصل، الله يسلمه، واضحا في حياديته التي استقرت على يسار ويمين الشاشة، وكانت مداخلاته أمام ضيفه على يمينه متخمة بالرسائل الغاضبة والتحريضية.
شخصيا، كلما تابعت حلقة «أكشن» من حلقات «الاتجاه المعاكس»، أخرج في نهايتها بزيادة في منسوب السكر (بسبب الحلويات التي أنتجتها مقاطعة زوجتي) وزيادة أكثر في قناعاتي بأن عقلية «المربد» و»سوق عكاظ» ما زالت تتسلل إلينا جيلا بعد جيل والتقنيات تتطور، لكن الخطاب ما زال على موقف «قفا نبك».

كل شيء تغير إلا «القبضة الأمنية»

وأخيرا، تتناقل الأخبار من مصر المحروسة، موافقة قسم التشريع في مجلس الدولة، على مشروع قانون الشرطة المجتمعية، والذي يقضي، بإنشاء فرع جديد للشرطة، من حملة الشهادة الإعدادية، والذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 22 عاما، لتكون مهمتهم الأصلية، حماية الأخلاق، ونشرها، ومحاربة الأفكار الهدامة، والمخربة، وما يخرج عن العادات والتقاليد الاجتماعية والدينية، مع إعطائهم الضبطية القضائية، والتي تسمح لهم، بإلقاء القبض على كل من يشتبه فيه، بنشر الأفكار الخارجة على النظام العام للدولة.
يعني ببساطة، ولد خريج إعدادية فاشل في دراسته، تقريبا ما زال على ضفاف المراهقة بكل ضجيج العنف فيها، يتم تفويضه بضابطة عدلية بكل ما تعني الكلمة من سلطات، ليستخدمها في تقويم المجتمع وأخلاقه ومحاربة الأفكار الهدامة والمخربة (بدون تحديد) !!
إذن لم نتعلم بعد، وبعد عقود من أجيال بوليسية تخرجت من أكاديميات تعليمية وجامعية ولم تستطع كبح جماح «القبضة البوليسية» وها نحن اليوم نعطي تلك القبضة بصلاحياتها كلها لمراهقين في الإعدادية.
غطيني يا «عشماوي» مفيش فايدة.

٭ كاتب من الأردن يقيم في بروكسل

مالك العثامنة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Ahmad - London:

    very nice article … Well done Malek

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    استمتعت بقراءة مقالك يا أستاذ مالك
    واستمتعت بخلطك الجد بالهزل
    وسأحاول أن يكون مقالك أول ما أقرأ

    متعك الله بصحتك – ومهلبيتك

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول عبد الله - الجزائر:

    والله تحليل جد موفق يا سيد مالك
    وتحديدا في الذي يسمى عكاشة فهو ظاهرة عكاشية تستحق الدراسة والتحليل

إشترك في قائمتنا البريدية