تقف دولة إسرائيل أمام فرصة تاريخية لفرض القانون الإسرائيلي على غور الأردن والمستوطنات في يهودا والسامرة. من ناحية إسرائيل، هناك غايتان لفرض القانون: ترتيب وتطبيع الحياة في المنطقة من خلال منظومة قوانين إسرائيلية موحدة وحديثة، والسماح بتخطيط بعيد المدى؛ والغاية الثانية هي الإيضاح بأن إسرائيل هنا وإلى الأبد.
حسب خطة ترامب، فإن فرض القانون الإسرائيلي في جزء من المنطقة ينطوي على تجميد البناء في الباقي، وبداية مسيرة من شأنها أن تنتهي –بشكل نظري جداً– بدولة فلسطينية. الخطة جيدة جداً لإسرائيل، ولكن كي لا يضيع أجرها بخسارتها، هناك حاجة لخطوتين.
الخطوة الأولى هي توقيع مذكرة تفاهم بين إسرائيل والولايات المتحدة، تضمن فيها الولايات المتحدة منع إقامة دولة فلسطينية إلى أن يستوفي الفلسطينيون كل الشروط الثمانية المنصوص عليها في خطة ترامب، الأمر الذي لن يحصل أبداً على ما يبدو. وجدير بالذكر أن ترامب لن يكون رئيساً إلى الأبد. والتوافق على خريطة ما يقربنا من دولة فلسطينية دون الاشتراطات المقررة إذا ما دخل رئيس أقل وداً إلى البيت الأبيض. صحيح أن مذكرة موقعة لا تقيد يدي رئيس آخر، ولكن وفقاً للتقاليد الأمريكية، سيكون تجاهلها أمراً صعباً جداً عليه. من المهم أن تتضمن تلك المذكرة أيضاً تعهداً من الولايات المتحدة برد مناسب في حالة خروقات لا مرد لها للخطة من جانب الفلسطينيين – على الأرض أو بالمحكمة الدولية في لاهاي.
الخطوة الثانية والضرورية هي تحسين الخرائط التي أرفقت بخطة ترامب (“الخريطة الفكرية”). الحقيقة يجب أن تقال: هذه الخرائط تمت بشكل هاوٍ أشبه بالإجرامي. نحو مئة ألف عربي في منطقة قرى بدّو وبيت لقيا ضموا إلى إسرائيل، مدن كاملة لم تربط بمحاور السير المحاذية لها، وما شابه من أخطاء الهواة. ومن أجل تحويل الخرائط لتصبح معقولة فلا حاجة إلى تغييرات كاسحة. حسب الخطة الفكرية، تحصل إسرائيل الآن على 32.4 في المئة من أراضي الضفة. مع تلك النسب يمكن فرض القانون على كل الغور والاستيطان، بما في ذلك احتياطات الأرض في المستوطنات، والأروقة بين المستوطنات، ومحاور الحركة المركزية (ولا سيما طريق 60، بما في ذلك التفافي حوارة والتفافي العروب). كل ذلك دون ضم أي قرية عربية.
تحذر مصادر في اليمين من أن خريطة أقل كمالاً ستؤدي إلى خرابها. هذه تحذيرات منقطعة عن الواقع. كل طريق تحت سيطرتنا واستخدامنا اليوم سيكون بالضبط هكذا بعد فرض القانون أيضاً. لن يصبح أي طريق هدفاً للقناصة ولن “تخنق أي مستوطنة بكل من العرب”. ومع ذلك، من المهم جداً الإصرار على التفاصيل في ترسيم الخرائط، وذلك أيضاً بسبب الغاية الثانية التي ذكرناها. فمن أجل الإيضاح بأن إسرائيل ستبقى في المنطقة إلى الأبد، ثمة حاسة للتواصل والحضور منذ هذه المرحلة.
في هذا الوقت، حسب المنشورات، فإن بعضاً من ممثليات إسرائيل والولايات المتحدة فقدوا الصبر قليلاً، وهكذا فإن عدم التوافق على نسب قليلة في الخريطة أدى إلى طريق مسدود. ينبغي الأمل في أن يتبين هذا العائق مؤقتاً. فالطرفان معنيان بالتوافق على الخرائط واستمرار العملية، والمسألة مسألة إدارة مفاوضات شجاعة.
إن فقدان الصبر غير مفاجئ؛ فإسرائيل خائبة الأمل من أن الأمريكيين وعدوا بالموافقة على فرض القانون فور الإعلان بواشنطن، وعندها غيروا رأيهم. كما أن الأمريكيين وعدوا بأنهم سيسمحون بتغييرات لازمة على الخريطة وفجأة عاندوا. أما الأمريكيون، من جهتهم، فقد خاب أملهم حين لم يتبنَ اليمين الإسرائيلي الخطة بكل عناصرها بنفس طيبة. وعلى الطريق شعروا أيضاً بالإهانة من أن إسرائيل لم تستبعد مشاركة صينية في مشاريع بنى تحتية كبرى في البلاد.
ولكن أهم من هذا بكثير، فوجئ الأمريكيون إذ تبينوا بأن من كان مرشحاً لأن يكون رئيس الوزراء بعد سنة ونصف ليس معنياً على الإطلاق بفرض القانون على المناطق حسب أي خريطة. ومنذئذ خبتت حماستهم من خططهم هم أنفسهم، ومعها أيضاً مرونتهم وصبرهم. أما المحافل السياسية التي منعت حكومة يمين ضيقة، بدعوى أن فرض القانون يعدّ خطوة تستوجب تأييداً واسعاً، فقد اكتشفت بأثر رجعي بأن رئيس الوزراء البديل الذي يعارض الخطوة أسوأ من رئيس معارضة يعارضها.
ولكن يمكن الخروج من المتاهة والوصول إلى اتفاق يرضي الولايات المتحدة وإسرائيل على حد سواء. فالولايات المتحدة توقع على مذكرة تفاهم كما أسلفنا، تلين قليلاً في الخرائط، وتترك سياستنا الداخلية تتدبر وحدها. وبالتوازي، تتعاون إسرائيل مع الولايات المتحدة حيال الصينيين، وكذا تعلن عن موافقتها على تبني خطة ترامب بكاملها كأساس لمواصلة المباحثات. الساعة تدق، ولكن كل هذا بالتأكيد لا يزال ممكناً.
بقلم: موشيه كوبل
بروفيسور رئيس منتدى كهيلت (المنتدى الأهلي)
إسرائيل اليوم 3/6/2020