يبدو أن السلطة تبحث عن إشراك أحزاب المعارضة أكثر من اهتمامها بأحزاب الموالاة، التي يعتبر موقفها مضمونا مسبقا، لأن وجودها واستمرارها مرتبط ببقائها قريبة من السلطة.
الجزائر-“القدس العربي”: دخلت السلطة الجزائرية في سباق مع الزمن من أجل الانتهاء من تحقيق نوع من الإجماع حول الدستور الجديد، الذي كشفت عن مسودته قبل بضعة أسابيع، والتي أثارت جدلا واسعا، بين مؤيد ومعارض ومتحفظ، في وقت رآه الكثير من المراقبين غير مناسب، لأنه تزامن مع انتشار فيروس كورونا، ودخول البلاد في نوع من الشلل والسبات والرتابة، خاصة فيما يتعلق بالعمل السياسي. لكن استمرار المتابعات القضائية ضد بعض النشطاء أعاد جو الاحتقان الذي كان سائدا قبل الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 كانون الأول/ديسمبر الماضي، قبل أن تسارع السلطة إلى محاولة لملمة الموقف من خلال فتح أبواب للأمل في تهدئة الأوضاع، خاصة وأن فيروس كورونا يحزم حقائبه للرحيل، والعودة إلى الشارع واردة بالنسبة لمن رأوا أن التعديلات الدستورية لم تأت بالجديد.
السباق ضد الزمن الذي دخلت فيه السلطة فرضته الظروف المتعلقة بانتشار فيروس كورونا، فالركود السياسي والانشغال بالوضع الصحي عطل فتح نقاش حقيقي حول التعديلات الدستورية، عدا بعض المقترحات التي تقدمت بها بعض الأحزاب من خلال بيانات وتصريحات، في حين أنه كان من المفترض أخذ الموضوع بجدية أكبر، لأنه يتعلق بدستور سيعيش على الأقل لخمس سنوات مقبلة. غير أن الرئيس عبد المجيد تبون استأنف مشاوراته مع الشخصيات السياسية والتاريخية، واستقبل دحو ولد قابلية وزير الداخلية الأسبق وأحد الشخصيات التاريخية المعروفة، كما استقبل للمرة الثانية رئيس حزب جيل جديد (المعارض) سفيان جيلالي، ولم يبد الرئيس حماسا لاستقبال أحزاب السلطة سابقا، مثل جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، هذان الحزبان اللذان جددا قيادتهما في توقيت وطريقة زادت في إشاعة الجدل، فجبهة التحرير الوطني اختارت أبو الفضل بعجي أمينا عاما في دورة للجنة المركزية منعت الصحافة من تغطيتها، ومنع حتى منافس بعجي من حضورها بدعوى إصابته بفيروس كورونا، في مشهد سريالي نقل فيه جمال بن حمودة القيادي في الحزب من مركز المؤتمرات إلى المستشفى، فيما يشبه “المؤامرة الكورونية” نسبة إلى “المؤامرة العلمية” التي قادتها ديناصورات الحزب ضد الأمين العام الأسبق عبد الحميد مهري منتصف تسعينيات القرن الماضي.
العملية مرت في ظروف أكثر سلاسة في حزب السلطة الثاني، التجمع الوطني الديمقراطي، الذي انتخب الطيب زيتوني أمينا عاما جديدا، فالترتيبات جرت بعيدا عن الأعين، وكان الجميع يعلم أن زيتوني هو من سيقود الحزب، فالرجل تحول في السنوات الأخيرة إلى خصم شرس لأحمد أويحيى الأمين العام الأسبق الموجود في السجن حاليا، لكنه كان من مؤيدي الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة إلى آخر لحظة، تماما مثلما هو الحال بالنسبة لأبو الفضل بعجي الذي كان من أشرس المدافعين عن بوتفليقة وعن الولاية الخامسة، وهو الأمر الذي جعل وصولهما إلى قيادة الحزبين، والسماح للجهازين بتنظيم اجتماعات في زمن كورونا يثير الجدل، خاصة وأن هناك من رأى في ذلك محاولة من السلطة لاسترجاع هذين الحزبين اللذين يملكان انتشارا كبيرا في الميدان، بحكم ما يتوفران عليه من إمكانيات ومن وجود على مستوى كل الولايات، والأغلبية التي يحوزان عليها في المجالس المنتخبة المحلية والوطنية، وبالتالي توظيفهما في معركة الإقناع بالدستور الجديد، فيما حاول حزب جبهة التحرير الوطني التمسح بالرئيس عبد المجيد تبون ورئيس وزرائه عبد العزيز جراد من خلال التأكيد على أنهما قياديان في الحزب، قبل أن يخرج الوزير المستشار الناطق باسم الرئاسة محمد السعيد ويؤكد أن الرئيس تبون قبل ترشحه جمد عضويته في اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير، وأن جراد استقال من الحزب منذ سنوات طويلة.
ورقة المعارضة
السلطة يبدو أنها تبحث عن إشراك أحزاب المعارضة أكثر من اهتمامها بأحزاب الموالاة، التي يعتبر موقفها مضمونا مسبقا، وبدون أي جهد، لأن وجودها واستمرارها مرتبط ببقائها قريبة من السلطة، لأنها لا تستطيع لعب دور المعارضة، وإلا انهارت وهرع معظم أعضاؤها بحثا عن ملاذ بالقرب من دفء السلطة.
وكان الرئيس عبد المجيد تبون قد استقبل للمرة الثانية سفيان جيلالي رئيس حزب جيل جديد، هذا الحزب الصغير نسبيا، ولكن من أكثر الأحزاب حضورا فيما يتعلق بالمواقف المعارضة خلال السنوات الأخيرة، والذي كان منبوذا من طرف الإعلام الرسمي وجزء كبير من الإعلام الخاص، استقبل رئيسه مرتين في ظرف بضعة أسابيع من طرف رئيس الجمهورية، الذي يبدو أنه يحاول الإقناع بمسودة الدستور قبل الذهاب إلى الاستفتاء الشعبي، وخرج سفيان جيلالي من الاجتماع بخبر رآه البعض مفرحا، وانتقده آخرون، إذ أصدر الحزب بيانا قال فيه إن سفيان جيلالي التمس من الرئيس عبد المجيد تبون إطلاق سراح المعارض كريم طابو والناشط سمير بلعربي، وأن الرئيس وعد بأنه سيقوم باللازم من أجل تهدئة الأوضاع السياسية، وخلق مناخ يسمح بفتح حوار جاد وهادئ مع جميع الأطراف، وهو الإعلان الذي جلب انتقادات شديدة لحزب جيل جديد ورئيسه سفيان جيلالي، بين من اتهمه بالسعي إلى عقد صفقة مع السلطة، وبين من اتهمه بخيانة المعارضة والحراك، فضلا عمن اعتبروا أن الإعلان عن قرب الإفراج عن طابو وبلعربي محاولة لإظهار بطولة من نوع ما، وآخرون وصفوا التصريح والفعل، إن تم، طعنة في ظهر القضاء، الذي يفترض أنه يبت في الملفات بكل استقلالية، وتساءل فريق آخر عن مصير باقي النشطاء المعتقلين أو المسجونين.
وعلق حبيب براهمية الناطق باسم الحزب على الجدل الدائر بأن كتب على صفحته بموقع فيسبوك قائلا: “سعيد حقيقة بهذا الخبر، نعم هناك معتقلون آخرون يجب أن يفرج عنهم، لكن اثنين يعودان إلى أهلهما ومن ثم نواصل النضال معهما من أجل تحقيق الإفراج عن الجميع وبناء دولة القانون التي لا تعتقل أحدا بسبب آراءه السياسية” موضحا أن الحزب لم يطالب بإطلاق سراح طابو وبلعربي فقط، بل طالب بإطلاق كل سجناء ومعتقلي الرأي، وهذا منذ حزيران/يونيو من العام الماضي.
وحتى “إخوان الجزائر” حركة مجتمع السلم التي بدأت تقترب من السلطة الحالية، وخفت حدة خطابها المعارض، بل انخرطت في بعض الصراعات الجانبية والهامشية، وجدت نفسها في مرمى النار، الأمر الذي اضطر عبد الرزاق مقري رئيس الحركة إلى الخروج بتصريح لم يحسن اختيار كلماته، حسب الكثير من خصومه، ونشر مقري تغريدة على صفحته بموقع تويتر، هاجم فيها من يتهم تشكيلته السياسية بالسعي للسلطة، مؤكدا أن حزبه همه إنقاذ البلد.
وأضاف: “حين نعرض آراءنا بخصوص الدستور يتهمنا البعض أننا نسعى للسلطة، كأنّ أسيادهم يسعون بين الصفا والمروة! وهل تؤسس الأحزاب لتحسين الواجهات؟” قبل أن يضيف: “نعم نحن نسعى للسلطة، بالمنافسة النزيهة لا غير، لنخدم بلدنا، مع الخيرين، أفضل مما خدمه أسيادهم، بل لإنقاذ بلدنا من فساد وفشل بعض أسيادهم”.