لماذا يتملك الأثرياء أندية كرة القدم؟

في عالم رجال الاعمال هناك مقولة “لا تضع بيضك في سلة واحدة”، أو بمعنى آخر نوّع في اسثماراتك تفادياً لخسارة كل ما تملك في حال وقوع كارثة، ومع ذلك لا يعد الاستثمار في أندية كرة القدم مجزياً مادياً مثلما يعتقد البعض، بل فوائده السياسية والاجتماعية أكثر من الأرباح المادية.

من النادر العثور عن ثري يقول انه صنع ثروته من تملك ناد لكرة القدم، لكن يمكن الحصول على أصحاب ملايين من الشبان، كونهم مارسوا اللعبة، ما يعني ان أرباح الملاك عادة من كرة القدم ليست مادية، لكن ما هي؟ وما هي أهداف هؤلاء الملاك؟

اليوم يعتبر الدوري الانكليزي الممتاز (البرميرليغ) الدجاجة التي تبيض ذهباً، فمبارياته تشاهد في كل بقاع الأرض، وأنديته تجني مئات الملايين كل سنة، وستة من أنديته من بين العشرة الأغلى قيمة في عالم كرة القدم، وخمسة منه هي من العشرة الاعلى دخلاً، فمن الطبيعي ان تكون أندية البريميرليغ الأكثر طلباً للتملك، خصوصاً اذا علمنا أن أندية عملاقة مثل ريال مدريد وبرشلونة وبايرن ميونيخ لا يسمح في تملكها، لانها ملك للأنصار والأعضاء، لذا نجد اليوم 4 أندية فقط من العشرين في الدرجة الممتازة مملوكة بالكامل للانكليز، وستنقص واحد عندما تنجز صفقة بيع نادي نيوكاسل وتنقل ملكيته من الانكليزي مايك آشلي الى ملكية أجنبية. لكن ماذا استفاد كل المالكين الأجانب من هذا الاستثمار؟      

المستثمرون في كرة القدم ينقسمون الى ثلاثة أقسام، الأول صاحب الروح القصيرة والاستثمار القصير الأمد، والساعي الى تحقيق أرباح سريعة بالبيع بمبلغ أكبر مما اشتراه مستفيداً من رونق وسمعة وشعبية البريميرليغ، وهو النوع الذي يتعرض للمخاطر والخسارة السريعة لاستثماراته، مصاحبة بعدم رغبة في الاستثمار في البنى التحتية او لتقوية خطوط الفريق، ما يقود تدريجياً الى تدني النتائج وتلقائياً الى خطر داهم بالهبوط من الدرجة الممتازة وفقدان مبالغ وثروة طائلة من حقوق البث التلفزيوني، عدا عن هبوط معدل حضور المباريات وتدني اسعار اللاعبين السوقية، وانخفاض نوعية وقيمة الاعلانات والرعاة، وعادة ما ينتهي الاستثمار بالافلاس او البيع بخسارة كبيرة. وهو النموذج الامثل لرجال الأعمال بأن الاستثمار في كرة القدم ليس كسواه في المجالات الأخرى، ولا يمكن تطبيق النجاح في تملك شركات أخرى على أندية كرة القدم.

الاستثمار الثاني هو للتباهي والاستعراض، وكأن تملك النادي عبارة عن أداة للترفيه بعد أسبوع شاق في الأعمال والأشغال الأخرى، والهدف هو نوع من “البريستيج” في عالم الاعمال ان يضاف النادي الى المحفظة الاستثمارية، وأبرز مثال ربما نادي تشلسي الذي أنفق مالكه الروسي رومان ابراموفيتش أكثر من مليار جنيه استرليني منذ 2003.   

الاستثمار الثالث، هو العملاق الذي لا يأتي عادة من رجل أعمال أو مستثمر وحيد، بل اما يكون عبر مجموعة من الأثرياء او شركة عملاقة أو صندوق سيادي حكومي. وعادة ما تنقلب حظوظ النادي رأساً على عقب، الى الأفضل، بفضل استثمارات مدروسة في بناه التحتية وصفوف فريقه، وسرعان ما يصبح من بين النخبة. وهذه الاستثمارات الضخمة عادة ما تكون طويلة الأمد، تزيد على 10 سنوات، وتنشد أهدافاً ليس أولها الربح المادي، بل تطبيق استراتيجية ترسيخ وتثبيت الأقدام في مجتمع كرة القدم، وكسب الحب والاحترام من عالم اللعبة، ومن ثم البدء بالترويج للمتلكات الأخرى، فعلى سبيل المثال نجد مانشستر سيتي المملوك لأبوظبي، يلعب في استاد “الاتحاد” وهي الخطوط الجوية للامارة، وهي ترعى قمصان الفريق، وهذا الاسم يجول في كل انحاء العالم عبر نقل مباريات الفريق في مسابقات عدة، ليشاهده مئات الملايين، وهو ما كان سيتطلب حملة اعلانية جبارة للقيام بهذا الأمر بدون تملك النادي. عدا عن الاعلانات المنتشرة على مدار الملعب للترويج لمدينة أبوظبي وشركاتها الحكومية. وبسبب نجاح هذا الاستثمار منذ 2008، قاد الى انشاء مظلة “سيتي غروب” سمح لها بتملك أو الاستثمار في أندية ميلبورن سيتي الاسترالي ونيويورك سيتي الامريكي ويوكوهاما مارينيرز الياباني ومونتيفيديو سيتي توركي الاوروغواني ومومباي سيتي الهندي وخيرونا الاسباني. 

والنجاح والتوسع الاقتصادي يأتي معه تسهيلات جيو-سياسية، وهو الهدف في المقام الأول، لتعزيز الشعبية العالمية، وبالتالي يصبح هذا النادي أداة للمالك في جذب استثمارات من نوع آخر ونشر طموحاته الجديدة والتأكيد على ترسيخ صورته عبر مركبة متحركة تجول العالم، هي في الحقيقة ليست سوى الملايين من عشاق كرة القدم.       

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Mohamed:

    أصبحت كرة القدم فتنة بعدما كانت متعة…

  2. يقول علي النويلاتي:

    لماذا لا يستثمرون في نواديهم الوطنية لتطوير لاعبيها ليكونوا على المستوى العالمي ورفع مستواها عالمياً؟ إنه قمة الغباء وعدم المسؤولية والوطنية أن تستثمر حكومات عربية وصناديقها في نوادي أجنبية ومستوى نواديها ولا عبيها معيب. لا يمكن أن تقوم بذلك أية دولة تحترم نفسها وشعبها. هذا نوع من أنواع الفساد!

  3. يقول كمال الجزائر:

    لماذا لا يستثمرون اموالهم في الجامعات و مراكز البحث العلمي الا يعود هذا بملايير الارباح و منها منفعة للبشرية.

إشترك في قائمتنا البريدية