بعد احتلال إسرائيل للضفة الغربية بما فيها الجزء الشرقي من مدينة القدس قبل ثلاثة وخمسين عاماً (1967-2020)، بدأت تظهر مشاريع وأفكار إسرائيلية حول الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتركزت الرؤى على إبقاء القدس الموحدة بجزأيها المحتلين خلال عامي 1948 و1967 تحت السيادة الإسرائيلية الكاملة.
نوايا وتصورات
يمكن الاستدلال على الرؤى الإسرائيلية حول مستقبل قضية القدس من خلال الأفكار التي طرحها بعض القادة والأكاديميين الإسرائيليين، فضلا عن أفكار وتوصيات تمّ تسجيلها في نهاية ندوات عقدت في مراكز البحث الإسرائيلية، وفي هذا السياق عبر «بن غوريون» أول رئيس وزراء إسرائيلي في 24 حزيران / يونيو عام 1948 بوضوح عن النوايا التهويدية الإسرائيلية في القدس.
وفي نقاش دار حينها في مجلس الشعب المؤقت (الكنيست لاحقا) قال بن غوريون إن المسألة لم تكن إلحاق القدس بإسرائيل، بل كيفية تحقيق هذا الهدف في ضوء العقبات والظروف العسكرية والاقتصادية التي تواجه تحقيقه، ومنذ العام المذكور اتسم موقف الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تجاه قضية القدس بالتصلب شأنها في ذلك شأن قضية اللاجئين وحق عودتهم حسب القرار 194 لعام 1948.
ومع احتلال إسرائيل للضفة بما فيها الجزء الشرقي من مدينة القدس وقطاع غزة في حزيران/ يونيو 1967، بدأت تظهر مشاريع وأفكار إسرائيلية عدة حول مستقبل الأراضي العربية المحتلة. وتركزت الرؤى على إبقاء القدس الموحدة تحت السيادة الإسرائيلية باعتبارها حسب الخطاب السياسي الإسرائيلي العاصمة الأبدية لإسرائيل. ولم يستبعد «موشي دايان» وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق التوصل إلى تسوية حول القدس تمنح معها الأماكن المقدسة ما سماه الوضع الخاص ولكن المدينة -حسب زعمه- يجب أن تظل موحدة من الناحيتين السياسية والقانونية.
مشروع بن غوريون
من أهم المشاريع الإسرائيلية التي طرحت بغرض إبقاء السيطرة الكاملة على القدس؛ مشروع بن غوريون في 1967، وقد كان أول من طرح أفكارا حول منح السكان الفلسطينيين في الأراضي المحتلة حكما ذاتيا يديرون شؤون حياتهم في إطاره هو رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق دايفيد بن غوريون، وذلك بعد أن وضعت حرب حزيران- يونيو أوزارها بأسبوعين تقريبا.
فقد وزع بن غوريون على الصحف مشروعا يتضمن بعض الأفكار ميّز فيها بين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة والفلسطينيين في الخارج، وفي الوقت نفسه ميّز أيضا بين سكان قطاع غزة وإخوانهم في الضفة الفلسطينية، إضافة إلى إخراجه القدس من المشروع مقترحا ضمها إلى حدود دولة إسرائيل.
أما مشروع وزير الخارجية الأسبق «يغال آلون «، فقد طرح في تموز /يوليو 1967 مشروعاً يتعلق بسيناء والجولان، استند فيه إلى أفكار بن غوريون، غير أن مشروع آلون كان أكثر تفصيلا وتحديدا ووضوحا. وقد حظي المشروع بشهرة كبيرة رغم أنه لم يناقش في إطار حكومي أو حزبي.
الأحزاب الإسرائيلية
وكان آلون أحد أبرز شخصيات حزب العمل وزعيم كتلة في الحزب وأحد قادة البالماخ البارزين سابقا وقد صمم مشروعه على أساس التخلص من المناطق ذات الكثافة بالسكان الفلسطينيين، وضم المناطق الأخرى التي تتسم بقلة ومحدودية السكان أي التخلص من المدن والمراكز الحضرية السكانية، وإعادتها إلى الأردن ومواصلة السيطرة على الأراضي الواسعة الخصبة في الأغوار وشمال الضفة الفلسطينية ومناطق واسعة من أرياف المدن الفلسطينية تمهيدا لضمها إلى إسرائيل.
كما تطرق آلون في مشروعه إلى القدس من جانب الاحتواء الكامل والقسري لهذه المدينة وتهويدها، وهذا التوجه طبق عبر إنشاء طوقين من المستوطنات حول القدس وصل عددها إلى (26) مستوطنة.
في حين طرح «أبا إيبان» وزير التعليم الإسرائيلي الأسبق في تشرين أول / اوكتوبر 1968مشروعاً، حيث تضمن البند الخاص في القدس، أن إسرائيل مستعدة لمناقشة التوصل إلى اتفاقيات مناسبة مع هؤلاء الذين يعنيهم الأمر بشأن القدس، وقد عارض أبا إيبان فكرة إيجاد حل تعرضه الدول الكبرى ووصفها بأنها أبعد الأفكار عن الواقعية على الإطلاق.
وبدورها أكدت «غولدا مائير» في مشروع طرحته عام 1971، أي بعد تقلدها منصب رئيس الوزراء بعامين « أن القدس ستبقى موحدة وجزءا من إسرائيل».
وتتالت المشاريع من قبل الأحزاب الإسرائيلية بكافة نعوتها، والداعية بمجملها إلى إبقاء القدس موحدة بجزأيها المحتلين.
وقد توجت المشاريع والأفكار الإسرائيلية المذكورة حول مستقبل القدس بإعلان إسرائيل ضم الجزء الشرقي من القدس في الثلاثين من تموز/ يوليو 1980.
وعلى الرغم من مرور أربعة عقود على عملية الضم، لم يتوقف النشاط الاستيطاني في مدينة القدس، حيث سعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وستسعى حكومة «بنيامين نتنياهو» الحالية في سباق مع الزمن إلى تهويد مدينة القدس مستغلة دعم إدارة ترامب المطلق لإسرائيل والانقسام الفلسطيني وعدم ارتقاء العرب والمسلمين في دعمهم السياسي والمالي للمقدسيين إلى مستوى التحدي الذي تواجهه المدينة، وخاصة سيف التهويد الذي طال كل مناحي الحياة فيها، وصولا إلى محاولات الإخلال بالتوازن الديموغرافي لصالح المستوطنين اليهود في نهاية المطاف.
كاتب فلسطيني مقيم في هولندا
يعطيك العافية يا نبيل