القاهرة ـ «القدس العربي» امتلأت الصحف الصادرة أمس الخميس 30 أكتوبر/تشرين الأول بالأخبار والموضوعات المهمة التي مهدت لها زميلتنا الرسامة الجمــيلة بالأهإلى سحر يوم الأربعاء عندما أخبرتنا أنها شاهدت إرهابيا يقرأ في صحيفة عن أخبار الهجوم على كمين الجيش في شمال سيناء، وسمعته يقول خائفا «أفرح وبعدين أصحى على كابوس».
وبالفعل استيقظ يوم الخميس على صحف تحمل له مجموعة لا بأس بها من الكوابيس، فقد واصلت قوات التدخل العسكري في الجيش والصاعقة وقوات النخبة لمكافحة الإرهاب بوزارة الداخلية، تنفيذ التعليمات الصارمة الصادرة إليها، وهي قتل المطلوبين من الإرهابيين إذا لم يسلموا أنفسهم، وتدمير أي مبنى يوجدون فيه فوق أمهات رؤوسهم حتى لو استسلموا وخرجوا منه.
كما بدأت عملية إخلاء الأهالي لمنازلهم على الشريط الحدودي مع قطاع غزة بعمق خمسمئة متر، كخطوة أولى لتقييد المنطقة العازلة التي ستمتد لاحقا إلى ألف وخمسمئة متر أو ثلاثة آلاف متر، حسب الظروف، وإنشاء جدار بطول أربعة عشر كيلومترا، هي مسافة حدود مصر مع قطاع غزة وإسرائيل، ويكون بدرجة من السمك والعمق ومن مواد جديدة، بحيث يصعب ثقبه. وصرف تعويضات مجزية للأهالي حتى تتم إعادة تسكينهم في مناطق أخرى سيختارونها بتعليمات مشددة من الرئيس السيسي، وعدم صرف أي تعويض لأي صاحب منزل تم اكتشاف أنفاق فيه، كما تم اكتشاف نفقين داخل مسجد، واحد بجوار المنبر والثاني أمام القبلة.
وفي الفيوم تم تفجير برج كهرباء، وتفجير قنبلة وضعت تحت سور مدرسة، ما أدى إلى ذعر أولياء الأمور وإخلاء أربع مدارس فيها، كما انفجرت قنبلة في جامعة الفيوم وإصابة عاملة نظافة وتم العثور على ست قنابل أخرى قبل انفجارها .
وكشف النظام عن قبضته الحديدية بإعادة رئيس الوزراء تصريحاته بأنه تم تشكيل لجنة ستقوم باستعادة أراضي الدولة المنهوبة من واضعي اليد عليها، أو دفعهم الأموال التي ستطلبها مقابلها، واستخدام تعبير ـ سنقطع أياديهم. والموقف نفسه تم اتخاذه مع رجال الأعمال الذين حولوا الأراضي المخصصة لهم للزراعة إلى منتجعات سياحية، فإما الدفع أو المصادرة. ووضعت الحكومة تقديرات أولوية لما تريده وهو مبلغ مليارمليون جنيه.
ومن الأخبار الأخرى التي نشرتها الصحف إصدار المحكمة العسكرية حكما بالسجن سنة على وكيل أسبق لجهاز المخابرات العامة، وهو اللواء ثروت جودة في البلاغ الذي قدمه الجهاز ضده بسبب تصريحات له بأن الجهاز لم يسلم أي معلومات للرئيس السابق محمد مرسي لشكوكه فيه، وهو ما كذبه رئيس الجهاز السابق اللواء رأفت شحاتة وبهذا تكون المخابرات العامة قد وجهت رسالة لكل من تركوا العمل فيها تذكرهم بالقانون.
وعادت صحيفة «الوطن» أمس إلى نشر الحلقة الثالثة من مذكرات الدكتور سعد الدين إبراهيم، بعد أن أوقفتها بسبب قيامه بسب الرئيس في حواراته مع قناة الجزيرة مباشر مصر، وكانت أول أمس قد نشرت مقالا له قدم فيه اعتذارا للرئيس وللشعب المصري، وهاجم القناة بشدة واعترف بأنه أخطأ وتورط رغم خبرته، وبهذا يؤكد النظام تسامحه مع وسائل الإعلام.
كما تمت مجاملة «الشروق» بثاني تسريب لها، وهو الأخطر إن تأكد في ما بعد، في تحقيق لزميلنا ممدوح حسن ونسبه إلى وزارة الداخلية، إذ تمكنت مباحث الوزارة ومباحث السجون من القبض على اثني عشر شخصا بينهم ضابطان وأمينا شرطة في سجون طره وأبو زعبل، وثمانية موظفين في مصلحة السجون الواقعة في شارع الجلاء. وضبط أربع شرائح محمول يستخدمها سجناء يتعاملون مع الإخوان في السجون، ومنهم خيرت الشاطر وتعليماته للإخوان، واعترفوا بالعمل لصالح الإخوان، وأن هناك كثيرين غيرهم يفعلون ذلك. الخبر الذي يثير الشكوك والشبهات والذي جاء فيه بالنص: «ونقلت مصلحة السجون الموظفين المتهمين للعمل في ديوان محافظتي القاهرة والجيزة، فيما نقل الضابطان وأمينا الشرطة من مصلحة السجون إلى بعض مراكز الشرطة بمحافظة الوجه البحري « وهذا معناه أن الوزارة تكافئهم.
وإلى بعض مما عندنا…
مصر لن تتلقي العزاء حتى تأخذ بثأر شهداء سيناء
ونبدأ تقريرنا اليوم بأبرز ردود الأفعال على الإرهاب وكيفية مواجهته، حيث كان للجنس اللطيف الجميل إسهامات عديدة ففي يوم الثلاثاء قالت زميلتنا الجميلة في «الأخبار» ميرفت شعيب ـ ناصرية محجبة: «رغم الألم الذي يعتصر قلوب المصريين جميعا، ورغم مرارة العلقم التي نستشعرها مع الأنباء الفاجعة عن سقوط ضحايا برصاص الإرهاب الغادر، واستشهاد خيرة شبابنا غيلة وغدرا، لكن مصر لن ترتدي الحداد على أبنائها الشهداء حتى تقتص لهم تطبيقا للآية الكريمة: «ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب»، ولن تتلقي العزاء حتى تأخذ بثأرهم. سترتدي الثياب البيضاء وستكتم أحزانها حتى يتم القضاء على أعدائها وهو يوم قريب بإذن الله».
الخائفون لا يصنعون الحرية
أما زميلتنا الجميلة نهاد عرفة ـ ناصرية غير محجبة ـ فقالت في العدد نفسه: «الخائفون لا يصنعون الحرية، والمترددون لا تقوى أيديهم المرتعشة على البناء، هكذا قال الزعيم جمال عبد الناصر. ومصر لم تكن أبدا خائفة ولم ترتعش أيديها من قبل، فهل يمكن كسر إرادة مصر والمصريين؟ وهل يمكن كسر إرادة الجيش المصري، العمود الفقري لمصر الوطن؟ الحادث الإرهابي الأخير الذي حدث على أرض الفيروز وأوجع قلوبنا، أوضح لنا أبعاد المؤامرة التي تحاك ضد مصر، مصر التي أفسدت المؤامرة وانطلقت بقطار التنمية تحت رئاسة رجل توحد عليه المصريون، يقفون خلفه حائط صد وهو ما يربك خطة المؤامرة الدولية على مصر».
نطالب بإعلان حالة الطوارئ في عموم مصر
ونظل مع القوارير الناعمات الجميلات في اليوم التالي الأربعاء، ومنهن زميلتنا في «الجمهورية» إكرام منصور وقولها: «الشرفاء الوطنيون المنتمون إلى بلدهم من الشعب المصري، جميعهم يقفون صفا واحدا وسندا قويا مخلصا وراء الزعيم القائد المناضل المشير عبد الفتاح السيسي، رئيسنا المغوار الذي تحمل هو والمجلس العسكري آنذاك مهمة خلاص الشعب والوطن من مخالب الشياطين وزبانية جهنم.
وهذا ما يدفعنا للتساؤل بكل وضـــوح لماذا لا تعلن حالة الطوارئ في كل البلاد من أقصاها إلى أقصاها، أليست دماء الشهداء واحدة فوق أي موقع من الأراضي المصرية؟ وهل الإرهاب موجود في سيناء فقط؟ ونقول أيضا للذين يتحججون بالدستور عليكم أن تعيدوا قراءة بنوده بإتقان، خاصة البند رقم 204 الذي يحدد كل صلاحيات وأسباب المحاكمات العسكرية».
تهجير محافظة بحجة الإرهاب
جريمة مكتملة الأركان
وهكذا فإن نهاية الإرهاب قريبة بإذن الله، ما دام هذا موقف النساء ذلك إن كيدهن وحماسهن عظيم، ثم ننتقل إلى الرجال وزميلنا في «الأهرام» الدكتور عمرو الشوبكي ـ ناصري ـ وقوله يوم الثلاثاء في «المصري اليوم» مهاجما البعض: «حين يصل التطرف والجهل وعدم الاتزان بالبعض إلى أن يطالب بتهجير أهالي سيناء، أو بتهجير مدن بأكملها، يقدر عدد سكانها بأكثر من ربع مليون نسمة من أجل مواجهة الإرهاب، ينسى أو يتناسى أنه يقدم أكبر خدمة للإرهاب. والمؤكد أن هذا النوع من الحلول سمعناه فقط من متطرفين يهود حين طالبوا بتهجير عرب 48 من إسرائيل، واتهموهم بالخيانة والعمالة، ورغم عنصرية الدولة العبرية وعدم اندماج معظم العرب في مؤسساتها، إلا أنه لم يجرؤ أحد على تنفيذ جزئي أو كلي لهذه الخطوة، رغم حالة الحرب المعلنة على الشعب الفلسطيني في داخل إسرائيل وخارجها. والمؤكد أن محاربة الإرهاب في مصر، وتحديداً في سيناء، قد تستلزم إخلاء بناية أو حي أو إقامة منطقة عازلة على الحدود، وهي كلها إجراءات استثنائية، لها علاقة بمسرح العمليات، أما مجرد التفكير في تهجير محافظة أو أجزاء منها فهو جريمة مكتملة الأركان، لأنها ببساطة ستفشل في مواجهة الإرهاب، وستعني عملياً فشلاً كاملاً للدولة المصرية في حربها ضد الإرهاب. والحقيقة أن الاعتراف بأن هناك بيئة حاضنة للإرهاب في سيناء لا يعني اعتبار أهلها إرهابيين، فالبيئة الحاضنة في الحالة المصرية هي بيئة جزئية وليست شاملة، وهي مرتبطة بجملة من الظروف الاجتماعية والسياسية والثقافية، التي لم يحاول أهل الحكم منذ عهد مبارك وحتى الآن حلها ولو بشكل تدريجي… والمؤكد أن بداية الشرخ الذي حدث بين الدولة وأهالي سيناء ترجع إلى أكتوبر/تشرين الأول 2004، عقب اعتداء طابا الإرهابي، وقيام أجهزة نظام مبارك بتوسيع دائرة الاشتباه حتى شملت ما يقرب من 4000 معتقل، تعرض بعضهم لاعتداءات وانتهاكات صارخة. وجاء دخول الإرهابيين إلى سيناء، ودخول مصر في حرب ضد الإرهاب، فوجدوا بيئة حاضنة من البشر والجبال ساعدت على تغلغلهم وقدرتهم على التحرك والإيذاء…».
التهاون والتقصير سبب
في عدم القضاء على الإرهاب
وعمرو يرد على بعض من طالبوا بتهجير مؤقت لأهالي سيناء، كما حدث بعد عدوان يونيو/حزيران 1967، عندما تم تهجير سكان ثلاث محافظات كاملة هي، بورسعيد والإسماعيلية والسويس حتى لا تستخدمهم إسرائيل رهائن.
وبالعودة إلى جريدة «الأخبار» يوم الأربعاء سنجد أن رئيس تحريرها الأسبق زميلنا وصديقنا جلال دويدار وجه انتقادا لما اعتبره أخطاء وقصورا من الجيش أدى إلى هذا القدر من الخسائر قال: «كل ما جاء وما نشر من تبريرات تشمل بعض وقائع جرت في هذه المذبحة، جعلني أشعر بالقنوط وعدم الاقتناع، لم يكن محصلة لكل ما قرأت سوى أنه كان هناك نوع من التهاون والإهمال والتقصير، على منوال ما حدث في الجرائم الإرهابية السابقة، التي سبق وتعرضت لها قواتنا في هذه المناطق. هذا الذي يحدث يؤكد أن هناك شيئا ما خطأ في عمليات المواجهة مع هذا الإرهاب الأسود، كم أرجو أن تكون القرارات الصادرة عن مجلس الدفاع الوطني ومن القيادات والخبرات العسكرية قد وضعت في اعتبارها كل هذه الثغرات التي أدت لمذبحة الشيخ زويد وما سبقها، من المؤكد ومن خلال البحث والدراسة واستنباط الدروس المستفادة واستعراض مسلسل هذه الممارسات الإجرامية من كل الجوانب قد توصلوا إلى ما هو المطلوب من الإجراءات والمعدات لضمان عدم التكرار».
القوات المسلحة والشرطة جناحا قوة الدولة
وفي العدد نفسه كان زميلنا وصديقنا رئيس تحرير مجلة «آخر ساعة» الأسبق محمد الشماع غاضبا لا من الجيش وإنما من آخرين قال عنهم: «مناداة بعض الإعلاميين أو الناشطين السياسيين المتاجرين بحقوق الإنسان بالباطل دائما، بضرورة الترفق والتصرف بطبيعة الأمور في ظروف طارئة وحالكة، هو مطلب في غير محله ووسيلة ضغط على المسؤولين وأصحاب القرار، والمطالبة بمثول من يرتكب مثل هذه القضايا أمام قاضيه الطبيعي وهو القضاء المدني مصيبة وكارثة كبرى وإهدار لحق ومكانة القوات المسلحة والشرطة، رغم أنهما جناحا قوة الدولة في التحليق نحو بر الأمان والنأي بالشعب عن أي تدخلات خارجية واستهداف كيان الدولة.
إذا كانت الحرية والديمقراطية تميلان نحو خدمة الإرهاب وسفك دماء أبناء الشعب والجيش والشرطة، فلتسقط الحرية وتسقط الديمقراطية ويسقط المتاجرون بحقوق الإنسان بالباطل. حماية مصر تستوجب الشدة والسرعة في إنجاز القضايا التي لا تتوافر في دهاليز المحاكم المدنية بطبيعة الحال، ولها العذر في ذلك نتيجة كثرة القضايا وطول الإجراءات، فالتعديل كان ضروريا وملحا لمحاكمة الإرهابيين والعملاء والخونة الذين يعملون لإسقاط الدولة التي لن تسقط بإذن الله حمى الله مصر من كل سوء».
الاستفادة من الخبرات العالمية في مواجهة الإرهاب
في أعقاب الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر/ايلول 2001، استغلت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش (الابن) لحظة خوف شعبي واسع، لتمرير العديد من القرارات والإجراءات الاستثنائية، التي هددت حكم القانون وضمانات الحقوق والحريات، وعنت تعريض المواطن صاحب الأصول العربية أو الإسلامية وكذلك المجموعات المقيمة ذات الجذور العربية أو الإسلامية لمراقبة أمنية واستخباراتية غير عادلة. هذه هي مقدمة مقال عمرو حمزاوي في جريدة «الشروق» عدد يوم الأربعاء الماضي، ونواصل المقال معه: «لم يستعد حكم القانون في الولايات المتحدة الأمريكية بعضا من عافيته إلا بفعل مقاومة السلطة القضائية المستقلة للقرارات وللإجراءات الاستثنائية، ودور المجتمع المدني والإعلام الحر في توثيق وكشف جرائم التعذيب والانتهاكات، وتوعية الرأي العام بخطورة ذبح الحقوق والحريات أثناء مواجهة الإرهاب، ثم بعد تمكن الحزب الديمقراطي المعارض لسياسات بوش من حصد مقاعد الأغلبية في الكونغرس وإيصال مرشحه أوباما إلى البيت الأبيض في 2008. وعلى الرغم من ذلك، لم تتخلص الولايات المتحدة إلى اليوم من قرارات وإجراءات استثنائية أسست لها فترة بوش الابن 2000-2008، ولم يزل معتقل غوانتانامو يشهد على ذلك، شأنه شأن انتهاكات أخرى للحقوق وللحريات في أفغانستان والعراق وغيرهما ليست القوة الكبرى ببعيدة عنها… اضطلعت المنظمات المدنية والإعلام الحر بدور جوهري في توعية الرأي العام بإمكانية مواجهة الإرهاب، من دون التضحية بالحقوق والحريات، وفي تثبيت فاعلية مواجهة الإرهاب بمزيج من الأدوات العسكرية (خارج أوروبا) والأمنية، ومن الأدوات التنموية والمجتمعية (لمعالجة الحظوظ الاقتصادية والاجتماعية المحدودة لذوي الأصول العربية أو الإسلامية) والسياسية (لدمجهم في الحياة العامة) والفكرية (لمحاربة التطرف).
ومع أن أوروبا لم تتخلص بالكامل من الإرهاب أو توقف انضمام مواطنين ومقيمين على أراضي بلدانها للتنظيمات الإرهابية، إلا أن خبراتها وكذلك بعض جوانب الخبرة الأمريكية، بعد أن استعاد حكم القانون عافيته، تدل مجتمعة على فاعلية مواجهة الإرهاب من دون قرارات أو إجراءات استثنائية، ومن دون ترشيد للمواجهة عن طريق نقاش عام موضوعي وتعددي، ومشاركة للمجتمع المدني وللإعلام الحر، مع تمكين الأصوات المعارضة والناقدة من الوصول إلى الناس، وبالابتعاد عن استغلال لحظات الخوف والتضامن الشعبي للاندفاع بعيدا عن حكم القانون وضماناته، أو لاختزال أدوات المواجهة في حلول عسكرية وأمنية فقط تظل ضرورية وغير كافية في آن واحد. أرجو أن نطالع خبرات العالم من حولنا، وأن نتدبر في ما تحمله لنا من مدلولات، وأن نتثبت من فاعلية مواجهة الإرهاب من دون تضحية بالحقوق والحريات».
الإرهاب ورم سرطاني لا علاج له إلا بالاستئصال
ونغادر «الشروق» إلى «الوطن» يوم الأربعاء أيضا لنجد صديقنا الأستاذ في جامعة أسيوط والنائب الأول للمرشد السابق للجماعة الدكتور محمد حبيب يقول غاضبا: «هذه الجماعات التكفيرية الإرهابية كالأورام السرطانية لا علاج لها ولا حل، إلا بالاستئصال. المناقشات الفكرية لا جدوى منها ولا فائدة منها، المناقشات مهمة فقط للنوعيات التي يمكن أن تمثل روافد لهؤلاء، هذا الفكر في حقيقته مرض عضال هو فكر قديم ينتمي إلى فكر الخوارج، الذين قتلوا عليا وكفروه وكفروا المخالفين له، وحولوا الخلاف السياسي إلى خلاف عقيدي، وحملوا السلاح وأسسوا للعنف والقتل لفرض الرأي وذلك نتيجة لقلة العلم والفقه من ناحية، ولضيق الأفق وسطحية التفكير والتعصب الأعمى من ناحية أخرى. ولسنا في حاجة للتدليل على تواصل هذه الجماعات في سيناء مع «داعش» و»القاعدة» من حيث أهم هدف تسعى إليه وهو، كسر هيبة الجيش المصري الذي يمثل العمود الفقري للأمة العربية، وبالتالي فنحن أمام خيانة عظمى بحجم هذه الأمة، ولا شك أن من يظاهر هؤلاء الإرهابيين سياسيا أو إعلاميا فهو منهم».
مصر تخوض معركة ضد إسقاط الدولة
طبعا.. طبعا.. فهذا مما لا ريب فيه ولا شك، وهو ما دعا زميلنا في «الأهرام» رئيس تحرير مجلة «أكتوبر» حسن أبو طالب أن يقول في عدد «الوطن» نفسه: «بعض المصريين منهم سياسيون وناشطون وإعلاميون، لا يقدرون اللحظة التي تمر بها مصر الآن، يرونها لحظة طبيعية وليست استثنائية، يتعاملون معها وكأن كل شيء يسير بمعدلات طبيعية عادية، ويريدون المزيد من الحريات والسخرية من خلق الله ومؤسسات البلد وقادته. وحيث يتحدث رئيس الدولة عن «معركة» تخوضها مصر على مساع تستهدف إسقاط الدولة، فالنتيجة الحتمية أن كل شيء بحاجة إلى إعادة نظر وإلى إعادة تموضع، ما يصلح في الظرف العادي قطعا لا يصلح في الظرف الاستثنائي العابر، وحين تعود الأمور إلى طبيعتها المعتادة فلنطالب جميعا بما هو عادي وطبيعي ومعتاد وأكثر».
«لا صوت يعلو فوق صوت المعركة على الإرهاب»
وهكذا قادتنا عبارة أبو طالب «وحين يتحدث رئيس الدولة» إلى بعض من قدموا نصائح له، ومنهم زميلنا في «الشروق» محمد عصمت وقوله يوم الثلاثاء: «الخطأ الكارثي الذي يمكن أن يقع فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي وحكومته هو، التوسع في الإجراءات الاستثنائية المقيدة للحريات، بدعوى الرؤى والجهود الوطنية لمحاربة أوكار الإرهاب والقوى الإقليمية والدولية الراعية له، التي تواصل مؤامراتها لضرب ثورة يونيو/حزيران وسرقة ثورة يناير/كانون الثاني من جديد. وسط مناخ عام لا أحد يستطيع أن يحدد أبعاده وماهيته بدقة بأننا على أعتاب مرحلة «لا صوت يعلو فيها فوق صوت المعركة على الإرهاب» في استدعاء حرفي لأكبر أخطاء جمال عبد الناصر الذي رفع هذا الشعار بعد نكسة 1967 وفتح السجون والمعتقلات. لا أحد يجادل في أن قوى الإرهاب المدعومة خارجيا تتآمر الآن على إسقاط الدولة بمنتهى الخسة والجبن، ولا أحد يجادل أيضا في أن أبطال قواتنا المسلحة يخوضون معركة باسلة ضد هؤلاء الخونة والمتآمرين. معركة السيسي الحقيقية ليست فقط ضد الإرهاب في سيناء لكنها في الأساس ضد الفقر والديكتاتورية والفساد في كافة أرجاء مصر. إقامة نظام سياسي يتيح مساحات أوسع للعمل السياسي بحرية كاملة ينحاز للفقراء والمهمشين ومحدودي الدخل، مع الاهتمام بالخدمات التعليمية والثقافية المقدمة لهم فمحاربة طيور الظلام لن تكون إلا بسلاح الثقافة والتنوير ونشر الحريات ومفاهيم حقوق الإنسان وليس فقط برصاص البنادق ودانات المدافع وقذائف الآباتشي.
عليه فقط أن يستثمر الشعبية الجارفة التي يتمتع بها، ليتخذ قرارات شجاعة يظهر فيها انحيازاته الاجتماعية، وهل يمثل ملايين الفقراء الذين أسقطوا دولة مبارك الاستبدادية ودولة الإخوان الفاشية، أم أنه يتبني اتجاها سائدا في أوساط عديدة في نخبنا السياسية يطالب بإعادة دولة مبارك مع بعض الإصلاحات والتعديلات».
الفساد ينهش في جسد الدولة بأسوأ مما يفعل الإرهاب
ومنه إلى أخبار يوم الثلاثاء أيضا وزميلنا وصديقنا عبد الحليم قنديل – ناصري ـ رئيس تحرير «صوت الأمة» الأسبوعية المستقلة وقوله متفقا مع عصمت من دون هجوم على خالد الذكر: «أقصر طريق لهزيمة الإرهاب هو تصفية الفساد ومليارديرات المال الحرام، فالفساد ينهش في جسد الدولة وبأسوأ مما تفعل عمليات الإرهاب. وعصابات الفساد هي صنو لجماعات الإرهاب، وتفشي الفساد يزود الإرهاب بذخيرة هائلة في الحرب النفسية، ويضعف مكانة وتماسك الجبهة الداخلية، ويسهل مهمة إحداث الوقيعة بين الشعب والقيادة، وينشر مشاعر الضيق والقلق والقابلية لتصديق الشائعات المهلكة».
رعاية خليجية سرية وغامضة
لبعض وسائل الإعلام المصري
وإلى المعارك التي لا تزال متواصلة بين الصحافيين والإعلاميين والاتهامات المتبادلة بينهم، التي امتدت إلى مناطق خطيرة، حيث قام نيوتن صاحب اكتشاف وجدتها.. وجدتها.. الذي يكتب عمودا يوميا في «المصري اليوم» باتهام دول خليجية يوم الثلاثاء بتمويل صحف وفضائيات في مصر قال بعبارات واضحة: «ما ليس طبيعيا وما ليس مقبولا هو ذلك التمويل وتلك الرعاية الخليجية السرية والغامضة لبعض وسائل الإعلام لدينا من تلفزيونات وصحف. تمويل مشبوه لبعض الشخصيات الإعلامية أو التي أقحمت نفسها على صناعة الإعلام. التمويل أصبح واضحا، الثراء لم يعد خافيا، الأجندات الأجنبية في التناول الإعلامي لم تعد سرية، البعض استعان بأسماء كبيرة في عالم سياسة والاستراتيجيات كغطاء رسمي للحالة المشبوهة. كان التمويل في بداية الأمر يقتصر على الأجانب، أجهزة مخابراتية أجنبية تعمل من خلال منظمات حقوقية أو أهلية. بصفة عامة بعض دول الخليج رأت أن البلد سداح مداح دخلت مجال التمويل، هم يبحثون عن دور في مصر ولم لا. اختراق طال الكثير من مجتمع النخبة بكل طوائفه، ساسة مثقفين فنانين صحافيين برلمانيين، كل المؤسسات بلا استثناء، مال أجنبي مال عربي لا يهم، ما دام بالعملات الصعبة، افتتحوا دكاكين لا حصر لها تحت مسميات مختلفة، حقوق الإنسان، حقوق الحيوان، لم نسمع حتى الآن عن محاسبة من أي نوع للدكاكين، هم خارج منظومة الجهاز المركزي للمحاسبات بحكم القانون خارج منظومة الرقابة الإدارية ما داموا يسمعون الكلام».
إنفلات وانفعال لفظي لا يتناسب وقدسية الشهادة
أما زميلنا في «الأهرام» أنور عبد اللطيف فقد دخل معركة مختلفة في اليوم نفسه عن معركة نيوتن قال: «من الغريب أن يقع حدث بمثل هذا الإجرام وتلك البشاعة والخسة الذي روت فيه الدماء المصرية بكل أطيافها أرض الفيروز، ويكون رد الفعل لبعض الإعلاميين بهذا القدر من الانفلات والانفعال اللفظي، الذي لا يتناسب وقدسية الشهادة وحرمة وحرقة الحزن، فيسمع المشاهدون الحزانى في البيوت ألفاظا نابية وسب دين ولعن أم وأب، وتوعد بالعقاب بضرب الجزمة، وكأنه يعلق على وكسة فريقه للكرة انهزم بضربة جزاء ظالمة. كما تطوع بعضهم وطالب بتهجير الشرفاء من أهل سيناء وضرب ما تبقي منهم بالنابالم، وانتهزت جماعات الإفك والتشويه الفرصة واعتبرت هذا الهراء حقائق وراحت تستعدي أهل سيناء ضد الدولة، وشككت حتى في أماكن استشهادهم، ودخل مذيع ثالث على الخط وتفرغ ليكيل الشتائم للعملاء والخونة والجواسيس، وترك الحبل على الغارب لكل من هب ودب لتوزيع التهم والإفتاء بالحول بغير علم في معظم الحالات».
رؤية شخصية لمستقبل الصحافة المصرية
وإذا غادرنا «الأهرام» إلى «جمهورية» الثلاثاء سنجد زميلنا سعد سليم يهاجم زميلنا وصديقنا رئيس مجلس إدارة «المصري اليوم» ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الأسبق الدكتور عبد المنعم سعيد ردا على مقال له: «قرأت مقالا للدكتور عبد المنعم سعيد السبت الماضي يتحدث فيه عن رؤيته الشخصية لمستقبل الصحافة المصرية، هالني فيه ما سماه بتوصيف المؤسسات الصحافية «لقسمين» وضع «الأهرام» و«الأخبار» في أحدهما باعتبارهما المؤسستين القادرتين على الاستمرار، لما تملكانه من أصول طائلة وأراض واستثمارات وشركات، ولديهما قطاعات للإعلان والنشر والتوزيع. واستبعد دار التحرير وعن قصد وبدون أسباب منطقية.
ما يهمني أن أطرحه أمام د.عبد المنعم سعيد أن دار التحرير ما زالت تدفع مستحقات العاملين في كل المناسبات من دون انتقاص أو تقليص، كما حدث في «الأهرام» وأن دار التحرير لم تستدن من البنوك بضمان نشاط آخر لسداد حافز العاملين، كما حدث في «الأهرام» وأن مديونيات دار التحرير أقل بكثير من مديونيات الأهرام والأخبار.
الأهم من كل ذلك أن من يفهمون في اقتصاديات المؤسسات الصحافية يعلمون أن دار التحرير أكثر قدرة على الاستمرار والنهوض من غيرها من المؤسسات، والأكثر من ذلك أنها تمتلك ثروة بشرية هائلة على كفاءة عالية تؤهلها للانطلاق إذا ما تم لها عملية نقل دم مالي، كما طالب الدكتور لـ«الأهرام» و«الأخبار» فقط.
شعرت من المقال بأمانة أن عصر مبارك هو الذي يتحدث وأن بطرس غالي هو الذي يكتب، فهو الذي طالب في الماضي بأن يتم إنشاء شركة قابضة للمؤسسات الصحافية وأن تكون كل منهما شركة تابعة وهذا ما نادي به د.عبد المنعم. أحسست أيضا أن المرحوم عاطف عبيد حي في بيوتنا وسيتخذ قرار البيع أو الخصخصة أو طرح أسهم الشركة في البورصة كما شعرت به من المقال».
لاعب كرة قدم معتزل يتحول لإعلامي كبير
وفي العدد نفسه شن زميله زياد السمار هجوما في اتجاه آخر هو: «الإعلام مثل أي قطاع والصحافة مثل كل مهنة فيها الصالح وفيها الطالح، ولكن الفئة الأخيرة الفاسدة حتى لو كانت محدودة العدد، تبدو سوءاتها ونواقصها هي المكشوفة والواضحة أمام الناس. من الأمانة أن نذكر أن كثيرا من المواطنين المتلقين لهذا الإعلام، مسموعا كان أو مرئيا أو مقروءا، يفرزون الإعلاميين والصحافيين جميعا، ويدركون أسباب هذا التردي والسقوط، ولكنـــهم بالطبع يقفـــون عاجزين حتى لو انصرف الكثيرون منهم هذه الأيام من أمام الفضــــائيات وزعــــماء الليل والنهار، الذين يعلقون صورهم العملاقة في الميادين وأعالي الكباري، يمارسون سطوتهم ويتخذون من مشاكل البسطاء وسائل للابتزاز وتفريج العقد وبقايا الحرمان بعد أن صاروا من عليه القوم وأصحاب الملايين.
لقد قال لي احد المواطنين كيف يمكن أن نبرئ الإعلام من خطاياه وذنوبه التي كانت ملهمة ومعلمة للناس في يوم من الأيام؟ وضرب لي هذا المواطن مثلا بلاعب كرة شهير تحول بعد اعتزاله إلى إعلامي كبير تتلقفه الفضائيات والإذاعات، ومن قبلهما الصحافة لكي يتحول إلى فارس إعلامي لا يشق له غبار، يناقش كل قضايا المجتمع السياسية والاقتصادية والفنية والمحلية. المشكلة قديمة ومثارة منذ أواخر الثمانيات من القرن الماضي، وكانت البداية عندما رأينا مذيعة تلفزيونية تحولت إلى رئيس تحرير لإحدى المجلات العربية، وسار على نهجها بعد ذلك الكثيرون، واستشرت في المجتمع الصحف الخاصة التي أدعت بعضها أنها مستقلة، في حين أن سياساتها التحريرية كشفت ما وراءها من مصالح تجارية وسياسية» .
حسنين كروم
اذا كان مبارك بمثابة كنز استراتيجي لاسرائيل فان السيسي هو بمثابة مغارة علي بابا التي تغص بالكنوز